مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 2/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

فصل في المطهّرات

اشارة

(فصل في المطهّرات) و هي أمور:

«أحدها» الماء

اشارة

«أحدها» الماءو هو عمدتها (1)، لأنّ سائر المطهّرات مخصوصة بأشياء

______________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين.

(1) لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1). و في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، و قد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض، و جعل لكم الماء طهورا- الحديث» (2).

فمن أجلّ نعمه تعالى و أفضلها أن جعل لنا الماء طهورا. و ما ورد في صدر الصحيح، لم يعلم أنّه كان نحو تعذيب بالنسبة إليهم جزاء لأعمالهم السيئة، أو أنّه كان حكما أوّليّا إلهيّا؟ يظهر من صدر الحديث، و ما ورد عن عليّ بن إبراهيم: «و إذا أصاب أحدهم شيئا من بدنه البول قطعوه» (3) الثاني.

______________________________

ص: 5


1- بسمة تعالى: الفرقان: 25. الآية 48.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 4 و قريب منه ما عن النبي (صلّى الله عليه و آله و سلم) كما في كنز العمال ج: 9 باب التخلّي و الاستنجاء حديث: 61، ط: الهند.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 5.

خاصة بخلافه، فإنّه مطهّر لكلّ متنجس (2) حتّى الماء المضاف

______________________________

و لكنه لا ينفي مطهّرية الماء بالنسبة إليهم لسائر النجاسات. ثمَّ إنّ البحث عن دلالة الآية و الروايات مما لا ينبغي بعد كون الحكم من الضروريات.

(2) إجماعا و نصوصا كثيرة في الأبواب المتفرقة:

منها: قوله عليه السلام في المعتبر: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (1)، مع القول بعدم الفصل بين المطر و غيره.

و قول عليّ عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر» (2).

أي يطهّر كلّ شي ء، لأنّه ورد في مقام التسهيل و الامتنان. مضافا إلى القرينة الارتكازية الضرورية المحفوفة به، و لا ينافي ذلك دعوى إجمال قوله عليه السلام: «و لا يطهر»، إذ لا وجه لسراية إجماله إلى ما هو مبيّن عرفا- على فرض صحة الدعوى- مع أنّه لا وجه للإجمال، لأنّ معناه أنّه لا يطهر بغير الماء أو لا يطهر إلا بالاستهلاك في الماء، فيكون الماء مطهّرا مطلقا ما لم يرد تقييد شرعا.

و كذا قوله تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (3) و قوله صلّى الله عليه و آله و سلم: «خلق الله الماء طهورا» (4).

لأنّ لفظ الطهور- سواء كان مبالغة أم بمعنى ما يتطهّر به- دال عرفا على أنّه مطهّر للنجاسات.

إن قلت: فعلى هذا يصح التمسك بهذه العمومات في موارد الشك في حصول الطهارة و الحكم بها. مع أنّ بناءهم على استصحاب بقاء النجاسة.

(قلت): الشك في حصولها (تارة): في ورود الردع عن بناء العقلاء،

______________________________

ص: 6


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
3- الفرقان: 25، الآية 48.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

بالاستهلاك (3)، بل يطهّر بعض الأعيان النجسة، كميّت الإنسان، فإنّه يطهر بتمام غسله (4).

و يشترط في التطهير به أمور: بعضها شرط في كلّ من القليل و الكثير، و بعضها مختص بالتطهير القليل
اشارة

و يشترط في التطهير به أمور: بعضها شرط في كلّ من القليل و الكثير، و بعضها مختص بالتطهير القليل.

أما الأول

أما الأول:

«فمنها»: زوال العين (5) و الأثر، بمعنى الأجزاء الصغار منها، لا بمعنى اللون و الطعم و نحوهما (6).

______________________________

فلا إشكال في صحة التمسك بالعمومات، لأنّ عدم ثبوت الردع يكفي في عدمه، فلا يكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(و أخرى): ما إذا شك في تحقق بعض القيود المعتبرة شرعا في التطهير، فلا وجه للتمسك بالعمومات، لكونها حينئذ من التمسك بها في الشبهة المصداقية، فيكون المرجع استصحاب النجاسة لا محالة.

(3) المراد به في المقام الاستهلاك العرفي الحاصل بانعدام صفاته في الماء المطلق المعتصم، لا الحقيقيّ الواقعيّ، حتّى يستشكل بأنّه موجب لانعدام ذاته، فلا وجه لصدق التطهير حينئذ. إذ لا بد فيه من بقاء الوجود و زوال وصف النجاسة، مع أنّ انعدام الذات في الاستهلاك الحقيقي أيضا لا دليل عليه، إن لم يكن على عدمه، و يأتي بعض الكلام في [مسألة 7] من المطهّر الرابع، فراجع.

(4) يأتي التفصيل في غسل الميت، و قد جعل رحمه الله في الخامس عشر من المطهّرات تيمّم الميت مطهّرا لبدنه أيضا.

(5) عرفا و شرعا، بل و عقلا أيضا، لأنّه مع بقاء علّة النجاسة و الاستقذار كيف تعقل النظافة و الطهارة.

(6) للأثر مراتب متفاوتة.

فمنها ما يكشف عن بقاء العين، كالغبار الباقي بعد نفض التراب عن الشي ء و الأجزاء الصغار الباقية بعد زوال العين عنه.

و منها ما يكون كاشفا عن زوال العين، كالحرارة أو البرودة الباقية في المحلّ بعد رفع النار أو الثلج عنه- مثلا.

ص: 7

.....

______________________________

و منها ما يكون مرددا بينهما و لكلّ واحدة من هذه المراتب الثلاث درجات مختلفة أيضا.

ثمَّ إنّ بناء متعارف العقلاء في رفع القذارات على رفع العين، و إن بقي الأثر، إلا إذا كان نفس الأثر من حيث هو مستقذرا لديهم. و قد وردت الأدلّة في رفع النجاسات الشرعية على ما كان شائعا بين متعارف الناس، خصوصا في الأزمنة القديمة التي لم تكن وسائل التنظيفات شائعة فيها مثل هذه الأزمنة.

و لذا نسب إلى المشهور، بل ادعي الإجماع على أنّه يعتبر في الطهارة زوال العين و الأثر، الكاشف عن بقائها- أي الأجزاء الصغار المتفرّقة- و لا يعتبر زوال الأثر بمعنى الطعم و الرائحة، لأنّ الأثر بهذا المعنى مثل بقاء الحرارة و البرودة في المحلّ الذي كان فيه النار أو الثلج ثمَّ رفعا و بقي أثرهما الذي لا يدلّ على بقاء العين، فأدلة التطهير لا تدل على أزيد من إزالة العين أعمّ من وجودها الجمعي الخارجي، أو وجودها الانبساطي التفرقي الذي يعبّر عنه بالأجزاء الصغار. و أما اللون و الطعم و الرائحة، فليست من العين حتّى تشملها تلك الأدلّة، و لا دليل آخر على وجوب إزالتها، إلا إذا كانا كاشفين عن بقاء العين كما يظهر من بعض أخبار البئر.

بل مقتضى السيرة و إطلاق الأدلة و ظهور الإجماع، و ما ورد في الاستنجاء من أنّ:

«الريح لا ينظر إليها» (1).

و ما ورد في دم الحيض من الأمر بصبغ الحائض: «بمشق حتّى يختلط و يذهب» (2).

و مرسلة الفقيه عن الرضا عليه السلام: «لا شي ء عليه من الريح» (3).

و ما روي أنّ خويلة بنت يسار أتت النبي صلّى الله عليه و آله و سلم فقالت:

يا رسول الله إنّه ليس لي إلا ثوب واحد و أنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ قال صلّى الهّ عليه و آله و سلم: «إذا طهرت فاغسليه ثمَّ صلّي فيه». فقالت: فإن لم يخرج الدّم؟ فقال صلّى الله عليه و آله و سلم: «يكفيك غسل الدم و لا يضرك

______________________________

ص: 8


1- الوسائل باب: 25 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب النجاسات حديث: 6.

.....

______________________________

أثره» (1). عدم وجوب إزالتها.

فلا يجري الاستصحاب، لوجود الدليل. مع أنّه لا وجه لجريانه في نفسه، لكونه من القسم الثالث من استصحاب الكليّ، كما لا يخفى، هذا إذا كان من مجرد اللون و الطعم و الريح.

و أما لو تردد بين كونه لونا محضا- مثلا- أو مرتبة من بقاء العين، فمقتضى الاشتغال و الاستصحاب وجوب الإزالة حينئذ. و من ذلك يظهر حكم القسم الثالث من الأثر المردد بين كونه من الأجزاء الصغار أو اللون المحض- مثلا.

و الحاصل إنّ مثل اللون (تارة) يكشف عن بقاء العين. (و أخرى): يشك في أنّه لأجل بقائها أم لا؟ و يجب إزالته في هذين القسمين، لإطلاق الأدلة في القسم الأول، و الأصل في الثاني. و ثالثة: يعلم بزوال العين و بقاء مجرد اللون فقط، و مقتضى ما تقدم عدم وجوب الإزالة في هذا القسم.

و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فما نسب إلى المشهور من عدم وجوب إزالة الأثر، أي في القسم الأخير و ما نسب إلى العلامة رحمه الله من وجوبها أي في الأوليين.

إن قلت: لا وجه للتقسيم الثلاثي، لما ثبت في محلّه من عدم جواز بقاء العرض بلا موضوع و استحالة انتقاله من موضوع إلى موضوع آخر، فيرجع القسم الأخير إلى القسم الأول أيضا.

قلت أولا: إنّ اللون و نحوه ليس لأجل الانتقال حتّى يلزم المحال، و إنّما هو لأجل الاكتساب بالمجاورة، كاكتسابه الحرارة و البرودة بمجاورة النار و الثلج- مثلا.

و ثانيا: إنّ ما ثبت في محلّه من استحالة الانتقال، و بقاء العرض بلا موضوع إنّما هو بحسب الدقة العقلية، لا العرفيات المبتنية عليها الأحكام الشرعية، فإنّ العين بحسب الأنظار العرفية شي ء، و اللون المجرد عنها شي ء آخر

______________________________

ص: 9


1- سنن أبي داود: ج: 1 باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ص 365.

و «منها»: عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال (7).

______________________________

لا ربط عندهم لأحدهما بالآخر، و الظاهر أنّ الإيكال إلى المتعارف أولى من التطويل في هذه المسألة.

فروع- (الأول): لكلّ من اللون و الطعم و الرائحة مراتب متفاوتة تكون بعض مراتبها كاشفة عن بقاء العين، فتجب الإزالة حينئذ. و كذا مع الشك، كما تقدم.

(الثاني): الظاهر أنّ اللزوجة و الدسومة من مراتب بقاء العين، فتجب إزالتها، كما صرّح به في المستند- فيما إذا تنجس المحلّ بالدسم النجس- و أما الشي ء الدسم إذا تنجس فيكفي غسل ظاهره، و لا تجب إزالة الدسومة إلا مع العلم بالسراية.

(الثالث): المدار في الشك في أنّ الأثر كاشف عن بقاء العين أم لا، هو الشك المتعارف، لا غيره، خصوصا إن وصل إلى حدّ الوسواس.

(الرابع): الخشونة الباقية في الثوب بعد غسل مثل المنيّ عنه، يكون من الأثر و يجري فيه ما تقدم في مثل اللون.

(7) التغير إما حين الاستعمال، أو بعده، و كلّ منهما إما بوصف النجس أو بالمتنجس. فما كان بوصف المتنجس لا يعتبر عدمه مطلقا، للسيرة و إطلاق الأدلة. و كذا ما كان بوصف النجس في الغسلة غير المتعقبة لطهارة المحلّ، لأنّ الغالب هو التغير فيها، خصوصا إن كانت النجاسة كثيرة، و لا منشأ لاعتبار عدم التغير فيها، الا دعوى الإجماع و انصراف الأدلة إلى صورة عدم التغير، و المتيقن من الأول ما تعقب طهارة المحلّ، و الثاني ممنوع فيما لا يتعقب الطهارة. و أما إن كان فيما يتعقب الطهارة، فمقتضى الإجماع المدّعى، و ارتكاز المتشرعة، و إطلاق ما دل على انفعال الماء بالتغير بوصف النجس، اشتراط عدم تغيره.

و يأتي في المسائل اللاحقة ما يتعلق بالمقام، و الأحوط اشتراط عدم التغير في غير ما يتعقب طهارة المحلّ أيضا، جمودا على الإطلاق.

ص: 10

و «منها»: طهارة الماء، و لو في ظاهر الشرع (8).

و «منها»: إطلاقه (9)، بمعنى عدم خروجه عن الإطلاق في أثناء الاستعمال.

و أما الثاني: فالتعدد في بعض المتنجسات- كالمتنجس بالبول

و أما الثاني:

فالتعدد في بعض المتنجسات- كالمتنجس بالبول، و كالظروف- و التعفير- كما في المتنجس بولوغ الكلب- و العصر في مثل الثياب و الفرش و نحوها مما يقبله. و الورود (10): أي ورود الماء على المتنجس، دون العكس، على الأحوط.

______________________________

(8) للإجماع، و لأنّ معطي الشي ء لا يمكن أن يكون فاقدا له بحسب أنظار العقلاء، و الفرق بين هذا الشرط و سابقة يأتي في [مسألة 2].

ثمَّ المراد باعتبار الطهارة أعمّ من الواقعية و الظاهرية الثابتة بالاستصحاب، و قاعدة الطهارة و اليد و البينة و شهادة العدل الواحد بناء على اعتباره.

(9) لما تقدم في [مسألة 1] من فصل المياه: أنّ المضاف لا يكون مطهّرا من الحدث و الخبث، و إن لاقى نجسا تنجس، و إن كان كثيرا. و ظاهر الأدلة تحقق الإطلاق حين الاستعمال، لا مجرد الصدق و لو كان قبله.

(10) يأتي دليل اعتبار التعدد و التعفير و العصر في المسائل الآتية مفصّلا.

و أما الورود فاستدل على اعتباره: (تارة): بظهور الإجماع. و فيه: أنّه لم يتعرض الأكثر له، بل نسب عدم اشتراط الورود إلى المشهور، فكيف يصح دعوى الإجماع عليه حينئذ؟

(و أخرى): بالأصل. و فيه أنّه محكوم بالإطلاقات.

و ثالثة: بانصراف الأدلة إلى ورود الماء على النجس إن كان قليلا.

و فيه: أنّه ممنوع أصلا، و على فرضه، فهو بدويّ لا يعتنى به.

و رابعة: بالسيرة. و فيه: أنّها لأجل عدم حصول الاستقذار من تمام الماء، خصوصا في الأزمنة القديمة و الأماكن التي تقل فيها المياه.

ص: 11

.....

______________________________

و خامسة: بالمستفيضة الدالة على صبّ الماء على البول (1) الظاهرة في ورود الماء على النجس، دون العكس. و كذا ما ورد في تطهير الأواني من الأمر بصب الماء (2).

و فيه: أنّهما من باب الغالب و التسهيل، لا الاشتراط و التقييد.

و سادسة: بأنّه ينجس الماء إذا ورد النجس عليه لقاعدة أنّ كلّ نجس منجس. فلا يصح حينئذ التطهر به، لقاعدة أنّ المتنجس لا يكون مطهّرا.

و فيه: أنّ القاعدتين مسلّمتان في النجاسة الثابتة قبل الاستعمال، دون الحاصلة بنفس الاستعمال. و الا لاستحال التطهير بالقليل مطلقا. و اختص بالمعتصم. فتلخّص مما ذكرنا أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه لاعتبار الورود في التطهير بالقليل، الا دعوى انصراف الإطلاقات إليه بقرينة مغروسية انفعال القليل في الأذهان، و تقدم ما يصلح لمنعها. و لذا اختار طائفة من الطبقة الثالثة عدم اشتراط الورود، و استوجهه في الذكرى كما في المستند.

و استدلوا عليه (تارة): بتحقق الغسل عرفا فتترتب عليه آثار الطهارة، لتعلقها في الأدلة بعنوان الغسل، و هو من المفاهيم العرفية المتحقق بكلا القسمين، ورد النجس على الماء أو كان بالعكس، و ليس ما يصلح للتقييد الا الوجوه السابقة، و تقدم ما فيها.

و (أخرى): بصحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله في المركن مرّتين- الحديث-» (3).

فإنّ إطلاقه يشمل الوارد، و المورود. و نوقش فيه: بأنّ الغالب وضع الثوب في المركن و صب الماء عليه، مع أنّه يحتمل أن تكون كلمة (في) بمعنى الباء، يعني اغسله بماء المركن. و يرده: أنّه غير مسلّم. و على فرضه، فالغلبة الوجودية لا تصلح للتقييد. و كون كلمة (في) بمعنى الباء، خلاف الظاهر.

______________________________

ص: 12


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 4 راجع باب: 3 منها.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.
مسألة 1 المراد في التطهير زوال عين النجاسة

(مسألة 1) المراد في التطهير زوال عين النجاسة، دون أوصافها، فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين، كفى (11) الا أن يستكشف من بقائهما بقاء الأجزاء الصغار، أو يشك في بقائها، فلا يحكم حينئذ بالطهارة.

مسألة 2 إنّما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال

(مسألة 2) إنّما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال فلا يضرّ تنجسه بالوصول إلى المحلّ النجس (12). و أمّا الإطلاق

______________________________

و (ثالثة): بصحيح ابن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام: «في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟

فكتب إليّ بخطه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» (1).

إذ الظاهر أنّ الجصّ يوضع في الماء لا العكس. و فيه: أنّه مجمل، تقدم ما يصلح لبيانه (2) راجع «فصل يشترط في صحة الصلاة»، فالجزم باعتبار الورود مشكل، و الاحتياط لا يترك. ثمَّ إنّه قد تقدم حكم المسألة الأولى، فلا وجه للتكرار.

(11) لأنّ النجاسات عبارة عن الأعيان الخاصة، و الأجسام المخصوصة و اللون، و الريح من الأعراض، فلا حكم لهما إلا إذا كانا طريقين إلى إحراز وجود موضوع النجس و قد تقدم قبل ذلك.

(12) لأنّه لو اعتبر طهارته حتّى في هذا الحال لامتنع التطهير بالماء القليل، و هو خلاف الإجماع، بل الضرورة الفقهية، هذا في الغسلة المزيلة. و أما المتعقبة لطهارة المحلّ، فقد تقدم حكمها في فصل الماء المستعمل ثمَّ إنّ الظاهر اعتبار طهارة الماء حين الاستعمال عن النجاسة الخارجية، فلو وصلت إليه نجاسة خارجية غير ما في المحلّ لا يعدّ من الغسلات، بلا فرق بين مختلف الحكم

______________________________

ص: 13


1- الوسائل باب: 81 من أبواب النجاسات.
2- ج: 1 صفحة: 460.

فاعتباره إنّما هو قبل الاستعمال و حينه (13)، فلو صار بعد الوصول إلى المحلّ مضافا لم يكف، كما في الثوب المصبوغ، فإنّه يشترط في طهارته بالماء القليل بقاؤه على الإطلاق حتّى حال العصر، فما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر، إلا إذا كان اللون قليلا لم يصر إلى حدّ الإضافة.

و أما إذا غسل في الكثير، فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع أجزائه بوصف الإطلاق، و إن صار بالعصر مضافا (14)، بل الماء المعصور المضاف أيضا محكوم بالطهارة (15). و أما إذا كان كذلك بحيث يوجب إضافة الماء بمجرد وصوله إليه و لا ينفذ فيه الا مضافا، فلا يطهر ما دام كذلك (16).

______________________________

و متحده، و إن كان قد يشكل في الثاني.

(13) لما تقدم في [مسألة 1] من فصل المياه: من أنّ المضاف لا يكون مطهّرا، و ظاهرهم التسالم على عدم الفرق بين كون الإضافة قبل الاستعمال أو حصولها به، فليس هذا مثل شرطية طهارة الماء، حيث إنّه لا يضر تنجسه بالاستعمال إجماعا، مع أنّه يجب تحقق الغسل بالماء إلى أن يطهر المحلّ و مع حصول الإضافة في الأثناء لا يصدق ذلك.

و من ذلك يعلم اعتبار الإطلاق حين العصر أيضا فيما يعتبر فيه ذلك، لأنّه متمم الطهارة و إخراج للماء الذي يطهّر به، و مع صيرورته مضافا لم تتم الطهارة بالماء.

(14) لعدم اعتبار العصر في الماء المعتصم، و كفاية مجرد الوصول و النفوذ في المتنجس لتحقق الطهارة.

(15) لانفصاله عن شي ء طاهر فتطهر بمجرد وصول المعتصم إليه.

(16) لأنّ ما يكون مطهّرا- و هو الماء- لم يصل إليه، و تقدم وجه اعتبار الإطلاق حين الاستعمال و النفوذ.

ص: 14

و الظاهر أنّ اشتراط عدم التغير أيضا كذلك (17)، فلو تغيّر بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك، و لا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد.

مسألة 3 يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير

(مسألة 3) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير، على الأقوى (18) و كذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها (19)، و أما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا.

مسألة 4 يجب في تطهير الثوب أو البدن، بالماء القليل من بول غير الرضيع، الغسل مرّتين

(مسألة 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن، بالماء القليل من بول غير الرضيع، الغسل مرّتين (20).

______________________________

(17) لما تقدم في اشتراط عدم التغيّر بوصف النجس في الغسلة المتعقبة لطهارة المحلّ، و يأتي هنا التفصيل المتقدّم هناك. و يعلم مما مرّ: أنّ الجزم بعدم احتسابها غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد في غير المتعقبة لطهارة المحلّ مشكل. نعم، هو الأحوط.

(18) لوجود المقتضي للتطهير- بعد ما تقدم (في فصل الماء المستعمل) من الأدلة على طهارة ماء الاستنجاء- و فقد المانع. نعم، لا ريب في تنفر الطبع في الجملة، و هو لا يصلح للمانعية الشرعية. و كذا دعوى الانصراف لأنّها ممنوعة. و لكن الأحوط الترك خروجا عن حلاف من لم يقل بطهارة ماء الاستنجاء.

(19) لوجود المقتضي للتطهير على هذا القول، و فقد المانع، لأنّه إما دعوى انصراف أدلة مطهرية الماء عنه أو استصحاب النجاسة.

و الأولى ممنوعة. و الثاني محكوم بإطلاق مطهريته. و لكن الأحوط عدم التطهير به خروجا عن خلاف المبسوط و الوسيلة، حيث نسب إليهما المنع عن التطهير به.

(20) على المشهور خصوصا بين المتأخرين، و نسبه في المعتبر إلى علمائنا. و يدل عليه جملة من الأخبار:

ص: 15

.....

______________________________

(منها): صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرّتين» (1).

و عن أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله ع قال: «سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين»(2) و مثله عن ابن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنما هو ماء- الحديث-» (3) و نحوها غيرها.

و عن الشهيد في البيان كفاية المرّة و نسبه في الذكرى إلى المبسوط، و استدل له (تارة): بالأصل. و فيه: أنّه لا وجه له مع الأدلة. (و أخرى):

بالإطلاقات الدالة على الغسل و التطهير. و فيه: أنّها مقيّدة بما مرّ من الأخبار.

(و ثالثة): بمرسلة الكافي روي: «أنّه يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو غيره» (4).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده معارضته بالمستفيضة الدالة على المرّتين في المقام و في الاستنجاء (5)، كما يأتي. و يمكن أن يكون مرادهما غير غسلة الإزالة فيتحدان مع المشهور.

و عن العلامة في القواعد التفصيل بين البول الجاف فمرّة و الرطب فمرّتين، لخبر أبي العلاء على ما رواه في المعتبر: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنّما هو ماء الأولى للإزالة، و الثانية للإنقاء» (6).

(و فيه) أولا: أنّه لم توجد هذه الزيادة في الأصول المعتبرة، كالكافي و غيره. و عن صاحب المعالم: «إنّي أحسبها من كلام المعتبر فتوهمها بعضهم

______________________________

ص: 16


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 4.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة.
6- المعتبر صفحة: 121 و الرواية مذكورة في الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 4 بدون «الأولى للإزالة .. إلخ».

..........

______________________________

من الخبر». و يبعده وجود هذا التعبير في خبر غوالي اللئالي (1).

و ثانيا: يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «فإنّما هو ماء» من الحكمة، لا العلة التامة الفعلية المنحصرة حتّى يدور الحكم مدارها وجودا و عدما.

و ثالثا: كيف يعتمد عليه في مقابل إطلاقات الأدلة المعتضدة بإطلاقات الفتوى.

و عن صاحب المعالم الاكتفاء بالمرّة في خصوص البدن، للإطلاقات، و قصور النصوص الدالة على التعدد فيه سندا.

(و فيه): منع القصور في جميعها، و على فرضه فهو منجبر بالشهرة العظيمة، و الإجماع المعتبر.

و عن بعض اختصاص التعدد بخصوص الثوب و البدن، دون غيرهما، لورود نصوص التعدد فيهما، فيرجع في غيرهما إلى الأصل و الإطلاقات. و فيه:

أنّ ذكرهما في الأدلة من باب التمثيل، لا التقييد، و قد يدّعى القطع من إجماع أو غيره على عدم الفرق، كما في الجواهر.

فروع- (الأول): المرجع في التعدد الصدق العرفي. و يعتبر الفصل بالعدم بين المرّة الأولى و الثانية، فلا يكفي المرّة الواحدة، و إن كانت بقدر المرّتين.

(الثاني) لا فرق بين بول الإنسان و غيره مما لا يؤكل لحمه، و قيل بالاختصاص بالإنسان، للانصراف إليه، و لإطلاق قوله عليه السلام:

«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (2). و لكن الانصراف ممنوع، و الإطلاق مقيّد، فالتفصيل باطل، كما لا فرق في الإنسان بين المسلم و الكافر.

(الثالث): لا فرق في اعتبارهما بين وجود العين و عدمها، و لا بين حصول الإزالة بالأولى و عدمه، للإطلاق الشامل للجميع. نعم، لو حصلت الإزالة

______________________________

ص: 17


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

بالأخيرة تشكل الطهارة، بل الظاهر عدمها، لندرة زوال العين بالأخيرة. فلا يشملها الإطلاق. مع أنّه يصدق عليه أنّه شي ء أصابه البول فيجب الغسل بعدها مرّتين، للإطلاقات. و حينئذ فالثمرة بين البول و غيره من النجاسات التي تكفي فيها المرّة تظهر في النجاسة الحكمية فقط فإنّها إن كانت من البول يجب فيها التعدد، بخلاف سائر النجاسات فيكفي فيها المرّة، كما سيأتي.

(الرابع): المشهور عدم اعتبار التعدد في المعتصم جاريا كان أو غيره، لإطلاق قوله عليه السلام:

«فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (1) و قوله مشيرا إلى غدير ماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا إلّا و طهّره» (2)، و قوله عليه السلام في المطر: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (3).

فإنّ لمثل هذه الأخبار حكومة في التطهير بالمياه على ما يظهر منه اعتبار التعدد و نحوه. مع أنّ اعتبار التعدد إنّما هو لأجل ملاقاة المحلّ للماء الطاهر بعد زوال القذر، فإذا حكم الشارع بأنّ بمجرد الاتصال بالمعتصم تزول القذارة و لا يعتبر العصر و نحوه، فلا موضوع للتعدد حينئذ و (ما يقال): من اختصاص الأخبار بموردها مع قصور السند في الأخيرين. (مردود): بأنّ سياقها التسهيل و الامتنان، و هو ينافي الاختصاص، مع أنّه خلاف المتفاهم منها عند المتشرعة، بل العرف مطلقا. و اعتماد الفقهاء على الأخيرين فتوى و عملا من موجبات الوثوق بالصدور، فلا وجه للمناقشة فيها. فالسند معتبر، و الإطلاق ثابت، و ذكر المطر و الغدير من باب المثال، لا التقييد، فلا يجب التعدد في الغسل بالماء المعتصم مطلقا.

(الخامس): لا تعتبر الغسلتان بعد زوال العين، بل لو زالت العين بالأولى كفى ضمّ الثانية إليها، لظهور الإطلاق و الاتفاق.

______________________________

ص: 18


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

و أما من بول الرضيع غير المتغذّي بالطعام فيكفي صبّ الماء مرّة (21)، و إن كان المرّتان أحوط (22).

و أما المتنجس بسائر النجاسات عدا الولوغ. فالأقوى كفاية

______________________________

(21) نسب ذلك إلى مذهب الأصحاب تارة، و إلى اتفاق كلمتهم أخرى.

و عن ثالث: دعوى الإجماع عليه صريحا، و يدل عليه حسنة الحلبي- أو صحيحه- قال:

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبيّ قال: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» (1)، و نحوه الفقه الرضوي (2).

و أما موثق سماعة قال: «سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب، فقال:

اغسله. قلت: فإن لم أجد مكانه. قال: اغسل الثوب كلّه» (3). فلا بدّ من تخصيصه بالمتغذّي، أو حمله على الندب، أو على التقية، أو إرادة الأعم من الصب من لفظ الغسل، و ذلك لظهور الإجماع على خلافه و معارضته بغيره.

(22) لما تقدم من موثق سماعة، بناء على حمله على الندب.

فروع- (الأول): المشهور اختصاص الحكم بالصبيّ، و عن الحدائق تبعا لما حكي عن الصدوقين رحمهما الله التعميم بالنسبة إلى الصبية أيضا لما تقدم في خبر الحلبي. و فيه: أنّه يمكن إرجاع قوله عليه السلام: «و الغلام و الجارية شرع سواء» إلى قوله عليه السلام: «فإن كان قد أكل فاغسله». و إلا فإعراض المشهور عن إطلاقه يوهن التمسك به.

و يشهد للمشهور النبوي: «يغسل بول الجارية و ينضح بول الصبيّ ما لم

______________________________

ص: 19


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

يطعم» (1) و قوله صلّى الله عليه و آله و سلم: «يغسل من بول الأنثى و ينضح من بول الذكر» (2)، و قوله صلّى الله عليه و آله و سلم: «يصب على بول الغلام و يغسل بول الجارية» (3).

(الثاني): الظاهر طهارة الغسالة هنا و عدم وجوب انفصالها، لإطلاق الأدلة الواردة في مقام البيان، مع ملازمة كفاية الصبّ مع طهارة الغسالة عند المتشرعة، بل العرف مطلقا.

و دعوى: أنّه مع كونه في المحلّ له حكم، و بعد الانفصال له حكم آخر.

تحتاج إلى دليل، و هو مفقود في المقام- الذي يكفي فيه غلبة الماء الحاصلة بالصبّ على المحلّ- الوارد مورد التسهيل، فيكون الصبّ هنا كالاتصال بالمعتصم في بول غير الصبيّ.

و أما خبر أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبيّ يبول على الثوب قال: يصبّ عليه الماء قليلا ثمَّ تعصره» (4).

فهو قاصر سندا، مع وهنه بإعراض الأصحاب، و احتمال أن يكون العصر للتجفيف، لا لإزالة الغسالة.

(الثالث): كفاية الصبّ فيه إنّما هي فيما إذا لم يكن المحلّ متنجسا بغير بول الصبيّ، و إلا فلا يكفي الصبّ، كما هو واضح.

(الرابع): المرجع في الأكل و التغذي هو العرف، فلا يضرّ إن كان في الأسبوع- مثلا- مرّة، كما أنّ الظاهر منه أكل ما تعارف للكبار. و أما ما أعدّ للصبيان، كما تعارف في هذه الأعصار من الألبان فلا يعد أكلا، و طريق الاحتياط واضح.

(الخامس): لا فرق بين كونه في الحولين أو أزيد، مسلما كان أو كافرا، كلّ ذلك للإطلاق، و الأحوط: الاقتصار على المسلم و على من في الحولين.

______________________________

ص: 20


1- سنن أبي داود باب بول الصبيّ يصيب الثوب حديث: 378.
2- سنن أبي داود باب بول الصبيّ يصيب الثوب حديث: 375.
3- كنز العمال ج: 9 الحديث: 1861 الإكمال من الطهارة من بول الصبيّ (الأقوال).
4- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 1.

الغسل مرّة (23) بعد زوال العين فلا تكفي الغسلة المزيلة ....

______________________________

(السادس): لا فرق بين بوله و ما تنجس به للإطلاق، و لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل.

(السابع): يعتبر في الصبّ استيعاب الماء للمحلّ، نصّا (1) و إجماعا.

فلا يكفي مجرّد الرش بلا استيعاب.

(23) لا ريب في أنّ مفهوم الغسل و التطهير بالماء من المبيّنات العرفية في جميع الأزمان و الملل و الأديان، لتقوم المعاش على الغسل بالماء، و استعماله في التنظيفات البدنية و غيرها. و هو من الأمور التشكيكية التي لها مراتب متفاوتة، فيصدق على الغسلات الوضوئية و الغسلية التي يكفي فيها مثل التدهين، و على ما يعتبر فيه انفصال الغسالة. و لا فرق في هذا المفهوم العرفي بين ما إذا استفيد نجاسة الشي ء من المدلول المطابقي للدليل، كما إذا ورد أنّه نجس، أو المداليل الالتزامية، كقوله: «اغسله، أو لا تصلّ فيه، أو اجتنب عنه» (2) إلى غير ذلك، لأنّ الكلّ عبارة أخرى عن النجاسة التي لا بد من غسلها و تطهيرها، فمفهوم الغسل و التطهير في الجميع واحد.

و الظاهر أنّ كيفية التطهير موكولة إلى العرف ما لم يرد نصّ على الخلاف، توسعة أو تضييقا، فكلّ طريق تعارف استعماله في رفع القذارات العرفية بالماء، يكفي ذلك في رفع النجاسات الشرعية أيضا، إلا مع ثبوت الردع الشرعيّ، و قد جرت العادة في رفع مطلق القذارة بعد إزالة العين بالغسل بالماء مرّة، و إطلاقات أدلّة الغسل و التطهير منزلة عليها أيضا إلا مع القرينة على الخلاف، فالإطلاق ثابت و العرف شاهد. فالتطهير بالغسل مرّة متحقق.

______________________________

ص: 21


1- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب النجاسات حديث: 3 و باب: 3 منها حديث: 1.
2- أما المدلول المطابقي كما ورد في الوسائل باب: 11 حديث: 1 من أبواب النجاسات و باب: 12 حديث: 6. و أما المداليل الالتزامية فهي كثيرة جدّا راجع بعضها في باب: 1 و باب: 38 و باب: 8 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

إن قلت: الإطلاقات في مقام أصل تشريع الغسل و الطهارة، و مقتضى الأصل بقاء النجاسة. مع أنّ قول أبي عبد الله عليه السلام في البول:

«صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء»(1)، و قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إنّه ذكر المنيّ و شدده و جعله أشد من البول» (2).

تعدد الغسل بعد الإزالة، لأنّه إذا اقتضى البول الذي هو ماء التعدد، فاقتضاء ما فيه القوام و الثخانة له يكون بالأولى.

قلت: دعوى كون الإطلاقات مجملة و في مقام أصل التشريع باطلة، لكثرتها في موارد مختلفة و ابتلائية الحكم من كلّ جهة، فكيف يتصوّر فيها الإجمال حينئذ. مضافا إلى ما تقدم من عدم الاحتياج في هذه الابتلائيات إلى البيان من الشرع، و يكفي فيها عدم ثبوت الردع. فالإطلاق محكّم.

و الاستصحاب لا وجه لجريانه معه، مع إمكان المناقشة في الاستصحاب: بأنّ مراتب النجاسات مختلفة موضوعا و حكما، كالقذارات الصورية، و المعلوم حصول مرتبة منها يعلم عادة بزوالها بالغسل مرّة واحدة، فيكون الشك في أصل الحدوث، لا البقاء حتّى يجري الاستصحاب.

إن قلت: المقام من القسم الأول من أقسام استصحاب الكليّ، فيجري فيه الاستصحاب بلا كلام.

(قلت): مقتضى ظواهر الأدلة أنّ النجاسة أقسام:

منها: ما يكفي في رفعها مجرّد الصبّ، كبول الصبيّ.

و منها: ما لا بد فيه من الغسل مرّتين، كبول غير الصبيّ.

و منها: ما يجب فيه الغسل ثلاث مرّات، كالأواني.

و منها: ما يجب فيه التعفير، كما يأتي.

و منها: ما يكفي فيه مجرّد الغسل، كسائر النجاسات.

و مع هذا التفصيل و التقسيم لا يبقى شك حتى يجري فيه الاستصحاب. و لا

______________________________

ص: 22


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب النجاسات حديث: 2.

لها (24)، الا أن يصبّ الماء مستمرّا بعد زوالها (25)، و الأحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا، بل كونها غير الغسلة المزيلة (26).

______________________________

وجه لأن يقال بتعلق الحكم بالجهة المشتركة. و أما حديث الصبّ على البول (1) مرّتين فإنّه ماء، فالتعليل للاكتفاء بأصل الصبّ مرّتين، و لا يستفاد منه أمر آخر.

كما أنّ التشديد في المنيّ، لأجل الاحتياج إلى الفرك و الدلك و الغسل لا لجهة أخرى.

كما أنّ قوله صلّى الله عليه و آله و سلم في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اقرصيه، ثمَّ اغسليه» (2) لا يدل على التعدد، لأنه مضافا الى قصور سنده، إرشاد إلى بيان ما لا يوجب التلوّث كثيرا.

فالحق كفاية المرّة، و تقتضيها سهولة الشريعة الغرّاء في مثل هذا الأمر العام البلوى. مع أنّ المقام من صغريات الأقلّ و الأكثر الذي ثبت الاكتفاء بالأقلّ في الدوران بينهما في الأصول، فراجع (3).

(24) مع تغير الماء بوصف النجس في الغسلة الأولى، للشك في الاكتفاء بها حينئذ عرفا، فيشك في شمول الإطلاق لها أيضا. و أما مع عدمه أو الشك فيه، فمقتضى الإطلاقات الكفاية، بل يظهر من إطلاق جمع كثير الاكتفاء بالمرّة، كفايتها مطلقا، و لو مع التغيير، فراجع الكلمات.

(25) لتحقق الغسل عرفا بعد زوال العين، فيشمله إطلاق الأدلة. و ليس لفظ التعدد و نحوه مورد دليل حتّى لا يتحقق الا مع الفصل، بخلاف ما ورد في بول غير الصبيّ، فقد ذكر فيه لفظ (مرّتين) فلا بد من تحققهما عرفا (4).

(26) أما أصل التعدد فللخروج عن خلاف مثل الشهيد الثاني و المحقق

______________________________

ص: 23


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- كنز العمال ج: 9 حديث: 2631، باب إزالة النجاسة (الأفعال)
3- تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 124 ط بيروت.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

الثاني رحمهما الله. و أما كونها بعد الغسلة المزيلة فلما نسبه في (شرح النجاة) إلى المشهور: من أنّ الخلاف في الاكتفاء بالمرّة أو المرّتين إنّما هو بعد الغسلة المزيلة، فيكون قول الشهيد الثاني و المحقق الثاني رحمهما الله من اعتبار المرّتين بعدها لا محالة. و لكنه خلاف إطلاق الكلمات، كما تقدم.

ثمَّ إنّ قوله رحمه الله: «و الأحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا». فإن كان المراد التعدد بعد الغسلة المزيلة، فينافي قوله بعد ذلك: «بل كونها غير الغسلة المزيلة». و إن كان المراد التعدد معها، فهو الذي أفتى رحمه الله قبيل ذلك بوجوبه، فكيف يحتاط هنا؟:

فروع- (الأول): الفرق بين الصبّ و الغسل بالعموم من وجه. و قد ورد في جملة من الأخبار الأمر بالرش و النضح في موارد.

منها: مسّ الكلب أو الخنزير جافا.

و منها: مشي الفأرة على الثياب إن لم ير أثر الرطوبة فيها.

و منها: ثوب المجوسي الذي لم يعلم نجاسته.

و منها: الثوب و البدن اللذان شك في نجاستهما.

و منها: وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا.

و منها: المذي.

و منها: بول البعير.

و منها: عرق الجنب في الثوب.

و منها: ذو الجروح في مقعدته إن وجد الصفرة بعد الاستنجاء.

و منها: الخصيّ الذي يبول و يلقى منه شدّة (1) إلى غير ذلك- مما ذكر في الحدائق.

(الثاني): نسب إلى الشهرة استحباب مسح اليد بالتراب إن لاقت مع اليبوسة كلبا، أو خنزيرا، أو ثعلبا أو أرنبا، أو فأرة، أو وزغة، أو صافح ذميّا أو ناصبيّا معلنا بالعداوة. و يمكن الحمل على التخيير بينه و بين الرش، لما تقدم من

______________________________

(1)

ص: 24


1- تقدمت النصوص الواردة في تلك الموارد في ج: 1 صفحة: 423.
مسألة 5: يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ، الغسل ثلاث مرّات في الماء القليل

(مسألة 5): يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ، الغسل ثلاث مرّات في الماء القليل (27). و إذا تنجست بالولوغ، التعفير

______________________________

استحبابه في مثل الكلب و الخنزير، و لا يبعد استحباب الجمع بينهما.

(الثالث): لو وضع قطنا أو خرقة في الماء بحيث تحمل الماء و مسحه على محلّ النجس و كان بحيث جرى الماء، فمقتضى الإطلاقات كفايته في تحقق الغسل، كما لو فعل ذلك بغسلات الوضوء و الغسل.

(الرابع): لو ترددت النجاسة بين ما يكتفي فيها بالمرّة أم لا، تجزي المرّة، و الأحوط: مرتان لأنّه من موارد الأقلّ و الأكثر.

(الخامس): إذا تنجس موضع بالبول و موضع آخر بغيره من سائر النجاسات ثمَّ اشتبها، فالأحوط غسل كلّ من الموضعين مرّتين، لتنجز العلم الإجمالي.

(27) كما عن جمع، لموثق عمار عن الصادق عليه السلام قال:

«سأل عن الكوز و الإناء يكون قذرا، كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟ قال:

يغسل ثلاث مرّات، يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثمَّ يفرغ منه، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثمَّ يفرغ ذلك الماء، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمَّ يفرغ منه و قد طهر- الحديث-» (1).

و عن جمع منهم المحقق رحمه الله في النافع و العلامة في أكثر كتبه:

الاكتفاء بالمرّة، تمسكا بالمطلق و تضعيفا للموثق.

(و فيه): ما ثبت في محله من حجية الموثق فيكون مقيدا للمطلق، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بالإطلاق، و لا الرجوع إلى البراءة، و لا إلى ما أرسله في المبسوط: «و روي غسلة واحدة» (2)، لعدم اعتبار ذلك كلّه في مقابل الموثق

______________________________

ص: 25


1- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.
2- المبسوط صفحة: 6 الطبعة الحجرية باب: حكم الأواني.

بالتراب مرّة، و بالماء بعده مرّتين (28)، و الأولى أن يطرح فيها التراب من غير ماء و تمسح به، ثمَّ يجعل فيها شي ء من الماء و تمسح به. و إن

______________________________

الذي استقر المذهب على العمل به في هذه الأزمنة، فيكون النزاع في هذه المسألة صغرويّا، كما لا يخفى. و يأتي في موثق آخر لعمار في [مسألة 3] من (فصل في حكم الأواني)، كما يأتي معنى الآنية في [مسألة 10] من ذلك الفصل.

(28) يدل على أصل التثليث في الجملة- مضافا إلى الإجماع المنقول عن الانتصار و المنتهى، بل المحقق كما في المستند صحيح البقباق قال فيه:

«حتّى انتهيت إلى الكلب فقال عليه السلام: رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرّة ثمَّ بالماء مرّتين» كذا في المعتبر و المنتهى (1)، و موضع من الخلاف و غيرها- كما في المستند- من زيادة لفظ «مرّتين».

و يؤيده مضافا إلى الأصل، الفقه الرضوي: «و اغسل الإناء ثلاث مرّات مرّة بالتراب و مرّتين بالماء» (2).

و وجود لفظ (مرّتين) في لسان القدماء الذين كانوا مواظبين على نقل متون الأحاديث في مقام الفتوى، حتّى إنّ الشيخ الذي روى الصحيح بدون ذكر (مرّتين) نقل الإجماع على وجوبهما، فلا يضرّ بعد ذلك خلوّ كتب الأحاديث التي بأيدينا عن لفظ المرّتين (3).

و في الجواهر: «إنّ المحقق رحمه الله غالبا يروي عن أصول ليس عندنا منها إلا أسماؤها».

و يؤيده أيضا: أنجسية الكلب من سائر النجاسات، كما في خبر البقباق

______________________________

ص: 26


1- راجع المعتبر صفحة: 127.
2- مستدرك الوسائل باب: 43 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.

كان الأقوى كفاية الأول فقط، بل الثاني أيضا (29). و لا بدّ من التراب،

______________________________

و غيره (1). و يشهد للتثليث اعتباره في مطلق الإناء المتنجس، كما تقدم.

و بالجملة مقتضى القرائن حصول الوثوق بصدور ما رواه في المعتبر عن المعصوم عليه السلام، فلا يبقى مجال لتشكيك صاحب المدارك: من أنّ كتب الأحاديث خالية عن لفظ (مرّتين)، و إنّما ذكره المحقق رحمه الله و تبعه غيره، كما لا وجه للبحث عن أنّ أصالة عدم الزيادة معارضة بأصالة عدم النقيصة، و عند الدوران تقدم أصالة عدم النقيصة، لاحتياج الزيادة إلى مئونة زائدة بخلاف النقيصة، فعند الدوران يجري الأصل في عدم الزيادة. و ذلك كلّه للوثوق بصدور كلمة «مرّتين» من المعصوم عليه السلام من جهة القرائن الكثيرة. مع أنّ تقديم أصالة عدم النقيصة على أصالة عدم الزيادة إنّما هو فيما إذا لم تكن الزيادة موردا لفحص من رواها لاجتهاده و فتواه، كما في المقام. و إلا فلا مجرى للأصل حينئذ، لأنّ المفروض أنّ من زادها بان على التفحّص و التحقيق. ثمَّ إنّه يظهر من المستند أنّ رواية المعتبر لا تشتمل على جملة: «فاصبب ذلك الماء» مع أنّ كتب الأحاديث تشتمل عليها، فراجع.

و أمّا مدرك المشهور في تقديم التعفير على الغسل بالماء هو ما تقدم من الصحيح، حتّى بناء على ما ضبط في سائر كتب الأحاديث.

و نسب إلى ابن الجنيد: وجوب الغسل سبعا، للأصل، و لموثق ابن عمار عن الصادق عليه السلام: «سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ، فقال: تغسله سبع مرّات و كذلك الكلب» (2).

(و فيه): أنّ الأصل محكوم بالصحيح، و الموثق محمول على الندب جمعا و إجماعا.

(29) المنساق عرفا من الغسل بالتراب ما هو المتفاهم من الغسل بالسدر

______________________________

ص: 27


1- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأشربة المحرّمة حديث: 2.

فلا يكفي عنه الرماد و الأشنان و النورة و نحوها (30). نعم، يكفي الرمل. و لا فرق بين أقسام التراب (31).

و المراد من الولوغ شربه الماء، أو مائعا آخر بطرف لسانه (32)، و يقوى إلحاق لطعه الإناء بشربه (33). و أما وقوع لعاب فمه، فالأقوى

______________________________

و الصابون و نحوهما في رفع القذارات، كما في قولك: اغسل يدك بالصابون أولا، ثمَّ بالماء. و حينئذ فالمتفاهم من الدليل هو الثاني، و استفادة الأول خلاف الظاهر، و الأحوط الجمع بينهما، لأنّه جمع بين المحتملين من الدليل و إن كان أحدهما ضعيفا.

(30) لخروجها عن مورد الدليل موضوعا، بلا فرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار، لعدم الدليل على البدلية. فما يقال: من الاجتزاء عند الاضطرار.

لا دليل عليه.

(31) أما كفاية الرمل فيدور مدار صدق التراب عليه عرفا، فيكفي مع الصدق، و لا يكفي مع الشك، فكيف مع عدم الصدق. و أما عدم الفرق بين أقسام التراب، فللإطلاق.

(32) لم يرد لفظ الولوغ في حديث معتبر حتّى يحتاج إلى التفسير. و إنّما الوارد في لفظ الفضل، كما تقدم في الصحيح. و الظاهر كونه ملازما للولوغ الذي وقع في تعبيرات الفقهاء. نعم، في النبوي:

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب» (1) و مثله غيره.

(33) و تقتضيه مرتكزات المتشرعة. و عن المحقق الثاني: الجزم بالأولوية و في الجواهر: «المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تبلغ الإجماع قصر الحكم على الولوغ».

______________________________

ص: 28


1- كنز العمال ج: 9 صفحة: 220 رقم 1875.

فيه عدم اللحوق (34)، و إن كان أحوط (35) بل الأحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته و لو كان بغير اللسان من سائر الأعضاء (36) حتّى وقوع شعره، أو عرقه (37) في الإناء.

مسألة 6: يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات

(مسألة 6): يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات،

______________________________

(34) على المشهور، جمودا على مورد النص، إذ لا يصدق الفضل الوارد فيه عليه.

(35) لأنّ المتشرعة بحسب ارتكازاتهم لا يفرّقون بينه و بين الولوغ و اللطع.

و لكن الكلام في اعتبار هذه المرتكزات في مقابل الدليل. الا أن يقال: إنّ ما ذكر في الدليل من باب ذكر أحد المصاديق، لا التخصيص.

(36) خروجا عن مخالفة الصدوقين و المفيد و غيرهم، و استوجهه في الجواهر استصحابا للنجاسة. و فيه: أنّه محكوم بالإطلاقات و العمومات. و لأنّ ذكر الفضل في الصحيح من باب المثال. و فيه: أنّ عهدة إثباته على مدّعيه.

(37) خروجا عن خلاف الفاضل في النهاية فألحقها بفضله، لما تقدم في سابقة مع ما فيه.

فروع- (الأول): يلحق بالماء سائر المائعات، و قال في الجواهر:

«ينبغي القطع بالإلحاق» و يقتضيه إطلاق أكثر الفتاوى، كما في المستند.

(الثاني): إن وقعت في الإناء نجاسة قبل تمام غسله تداخلت مع الولوغ فيما يتساويان، و يختص الزائد بالزائد إجماعا.

(الثالث): لا يجب الدلك في التعفير، للأصل و الإطلاق.

(الرابع): لا يجري حكم التعفير في غسالة الولوغ، للأصل بعد عدم الدليل، و إن كان الأحوط الجريان.

(الخامس): لو ولغ الكلب في إناء و صب ماء الولوغ في إناء آخر و هكذا، فالظاهر جريان الحكم على الجميع.

(السادس): لا يجري الحكم في وقوع بول الكلب أو خرئه في إناء، و إن

ص: 29

و كذا في موت الجرذ (38)، و هو الكبير من الفأرة البرية (39). و الأحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضا (40)، لكن الأقوى عدم وجوبه.

مسألة 7: يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا

(مسألة 7): يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا، و الأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث (41).

______________________________

كان الجريان أحوط.

(38) أما الأول: فنسب إلى الفاضل و أكثر من تأخر عنه، لصحيح ابن جعفر قال:

«و سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرّات» (1).

و السند صحيح، و الدلالة تامة، فالحكم كما ذكره رحمه الله.

و أما الثاني: فنسب إلى المشهور، لقول الصادق عليه السلام في موثق عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرّات» (2).

و قيل: بالثلاث، و قيل: مرتان. و قيل: مرة. و الكل لا دليل عليه في مقابل الموثق، و ادعي الإجماع على كفاية الثلاث. و بلوغه حدّ الاعتبار مشكل، بل ممنوع.

(39) كما عن جمع من اللغويين منهم صاحب العين، و يشهد له العرف أيضا.

(40) خروجا عن خلاف الشيخ رحمه الله و من تبعه لإطلاق الكلب عليه أحيانا كما يطلق على سائر السباع أيضا.

(41) لإطلاق ما تقدّم في مطلق الظروف مضافا إلى موثق عمار في: «قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرّات. و سأل: أ يجزيه أن يصبّ

______________________________

ص: 30


1- الوسائل باب: 13 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.
مسألة 8: التراب الذي يعفّر به، يجب أن يكون طاهرا قبل الاستعمال

(مسألة 8): التراب الذي يعفّر به، يجب أن يكون طاهرا قبل الاستعمال (42).

______________________________

فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرّات» (1).

و عن جمع منهم الشهيد و المحقق رحمهما الله وجوب الغسل سبعا لموثقة الآخر عنه عليه السلام أيضا في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال:

«تغسله سبع مرّات و كذلك الكلب» (2).

و فيه: أنّه محمول على الندب جمعا. و عن جمع كفاية المرّة، لإطلاق قوله عليه السلام في موثقة الثالث: «إذا غسل فلا بأس» (3).

و فيه: أنّه مقيد بالموثق الأول الظاهر في وجوب التثليث و حمل قوله عليه السلام: «حتّى يدلكه بيده» على الندب بقرينة خارجيّة لا يستلزم رفع اليد عن ظهور بقية الحديث بلا قرينة.

فرع: الظاهر اختصاص التعدد في الظروف مطلقا في الموارد الخاصة بما إذا تنجس داخلها. و أما إذا تنجس خارجها فقط، فمقتضى الإطلاقات كفاية المرّة إلا في البول. و ذلك لأنّ مورد الأدلة- كما تقدم- الظرف و الإناء و نحوهما، و لا يصدق ذلك كلّه على الطرف الخارج، و إن كان الأحوط الإلحاق.

(42) نسب ذلك إلى جمع منهم الشهيد و المحقق الثاني، لاستصحاب بقاء النجاسة، و المتبادر من إطلاق الأدلة، و في النبوي:

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» (4).

فإنّ المتبادر من الطهور ما كان طاهرا في نفسه. و نسب إلى إطلاق كلمات

______________________________

ص: 31


1- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأشربة المحرّمة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- السنن الكبرى للبيهقي: 1 باب إدخال التراب في إحدى غسلاته صفحة: 240.
مسألة 9: إذا كان الإناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتراب

(مسألة 9): إذا كان الإناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه و تحريكه إلى أن يصل إلى جميع أطرافه (43).

و أما إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك، فالظاهر بقاؤه على النجاسة أبدا (44) الا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير.

مسألة 10: لا يجري حكم التعفير في غير الظروف

(مسألة 10): لا يجري حكم التعفير في غير الظروف (45) مما

______________________________

جمع عدم الاعتبار جمودا على إطلاق الأدلة.

(و فيه): أنّ كون إطلاق كلماتهم في مقام البيان من هذه الجهة مشكل، و تقدم أنّ المتبادر من إطلاق الأدلة الطهارة. فالجمود على إطلاقها أشكل.

(43) لصدق غسله بالتراب- حينئذ- عرفا فيشمله الإطلاق.

(44) لاشتراط الطهارة بالتعفير، فبامتناعه يمنع حصولها. و سقوطه في مثل الفرض، لانصراف الأدلة عنه دعوى بلا شاهد، كما أنّ دعوى بدلية الماء عنه حينئذ تحتاج إلى دليل، و هو مفقود.

(45) لأنّ الظاهر من الكلمات و المتفاهم من الصحيح- الذي هو العمدة- «لا يتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء» (1)، و النبوي «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب- الحديث-» (2)هو الظرف. قال في الجواهر: «لظهور النص و الفتوى بدوران الحكم مدار الإناء، فلو لطع الكلب ثوبا أو جسدا لم يجب التعفير، بل لو ولغ بماء في كفّ إنسان- مثلا- أو موضوع في ثوب و نحوه لا تعفير، بناء على ذلك و لكن لا يخلو من نظر».

و وجه النظر احتمال أن يكون ما يستفاد من النص و الفتوى من باب المثال، لا التخصيص، فلا فرق حينئذ بين الإناء و غيره. و يشهد له ما تقدم من دعوى

______________________________

ص: 32


1- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 2.

تنجس بالكلب و لو بماء ولوغه أو بلطعه، نعم، لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير، حتّى مثل الدلو، لو شرب الكلب منه، بل و القربة و المطهرة و ما أشبه ذلك (46).

مسألة 11: لا يتكرّر التعفير بتكرر الولوغ من كلب واحد أو أزيد

(مسألة 11): لا يتكرّر التعفير بتكرر الولوغ من كلب واحد أو أزيد، بل يكفي التعفير مرّة واحدة (47).

مسألة 12: يجب تقديم التعفير على الغسلتين

(مسألة 12): يجب تقديم التعفير على الغسلتين، فلو عكس لم يطهر (48).

مسألة 13: إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث

(مسألة 13): إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث، بل يكفي مرّة واحدة حتّى في إناء الولوغ (49). نعم، الأحوط

______________________________

القطع بعدم الفرق بين الماء و سائر المائعات، مع أنّ مورد النص و الفتوى هو الولوغ في الماء.

(46) لصدق فضل الماء بالنسبة إلى الجميع، بل الظاهر صدق الإناء أيضا، إذ المراد به في المقام وعاء الماء.

(47) بلا خلاف و لا إشكال، لظهور الجنسية من الصحيح (1) التي لا يتفاوت فيها القليل و الكثير كباقي النجاسات كذا في الجواهر، و قريب منه في المستند.

(48) لظهور النّص (2) و الفتوى في تقديم التعفير عليهما، بل الصحيح نص في ذلك(3).

(49) كما عن العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني، بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب، لعموم قوله عليه السلام:

______________________________

ص: 33


1- السنن الكبرى للبيهقي صفحة: 340 ج: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 26.

.....

______________________________

«كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (1)، و قوله عليه السلام مشيرا إلى غدير من الماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا الا و قد طهر» (2).

و عدم القول بالفصل بينهما و بين الجاري، أو القطع بعدم الفرق. فلا وجه بعد ذلك لاستصحاب بقاء النجاسة. مع أنّ ما ورد (3) في تطهير الإناء ظاهر في القليل.

هذا خلاصة ما يستدل به على سقوط التثليث في المعتصم.

(و فيه): منع ظهور ما ورد في تطهير الإناء في القليل ظهورا يصح الاعتماد عليه. نعم، يمكن أن يدعى: أنّ الغلبة الخارجية في عصر صدور الرواية كانت للقليل. و الظهور فيه- على فرض تحققه- إنّما هو لأجل ذلك و لا اعتبار بمثله، كما ثبت في محله. نعم، لا ريب في ثبوت العموم لقوله عليه السلام:

«كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (4).

و هو مقدم على الجميع، لما تقرر في الأصول: من أنّ العام الوضعيّ مقدم على إطلاق المطلق مطلقا (5)، فإن ثبت عدم الفصل بينه و بين الجاري و الكرّ، أو تحقق القطع بعدم الفرق فهو. و الا فيصح التفصيل بين المطر و غيره من المياه المعتصمة. و لكن كون الجاري كالمطر قريب عند الناس، لاشتراكهما في الجريان، و لعلّه لهذا نسب إلى الشيخ رحمه الله في المبسوط و المحقق رحمه الله في المعتبر عدم سقوط التعدد في الراكد من الكثير. و لكنّه صحيح لو لا حكومة قوله عليه السلام في الغدير من الماء:

«إنّ هذا لا يصيب شيئا الا و قد طهّره»(6).

______________________________

ص: 34


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- راجع الوسائل باب: 51 حديث: 1 و باب: 53 من أبواب النجاسات.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
5- راجع تهذيب الأصول ج: 1 صفحة: 124 ط 3- بيروت.
6- مستدرك الوسائل: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

عدم سقوط التعفير فيه (50) بل لا يخلو عن قوة و الأحوط التثليث حتّى في الكثير

مسألة 14: في غسل الإناء بالماء القليل

(مسألة 14): في غسل الإناء بالماء القليل، يكفي صبّ الماء فيه (51) و إدارته إلى أطرافه، ثمَّ صبه على الأرض ثلاث مرّات. كما يكفي أن يملأه ماء ثمَّ يفرغه ثلاث مرّات.

مسألة 15: إذا شك في متنجس: أنّه من الظروف

(مسألة 15): إذا شك في متنجس: أنّه من الظروف حتّى يعتبر غسله ثلاث مرّات أو غيره حتّى يكفي فيه المرّة، فالظاهر كفاية المرّة (52).

______________________________

فالنتيجة- حينئذ- ما نسبه في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب: من سقوط التعدد في الكثير و الجاري.

هذا كلّه إن كان التثليث طريقا إلى التطهير. و أما إن كانت له موضوعية خاصة- و لو للمبالغة في الطهارة- فيتعيّن التثليث حتّى في المعتصم مطلقا.

(50) كما عن المشهور، لإطلاق النص و الفتوى، و أصالة بقاء النجاسة بدونه، لأنّه بمنزلة الغسل بالصابون و نحوه لإزالة القذارة. و لا يفرّق العرف في مثله بين القليل و الكثير. و لا يصح التمسك بعموم قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (1) لنفي التعفير، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة أصلا.

(51) ذكرت هذه الكيفية في موثق عمار (2)، و الظاهر أنّه لا موضوعية فيها بالخصوص، بل المناط كلّه إحاطة الماء بالمحلّ، فتجزي الكيفية التي ذكرت في المتن أيضا.

(52) إن كان في البين أصل موضوعيّ يقتضي كونه من الظروف أو عدم كونه

______________________________

ص: 35


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.

..........

______________________________

منها، يعمل به بلا إشكال. و إن لم يكن ذلك في البين و كانت الشبهة مفهومية، كما إذا شك- مثلا- في أنّ القربة إناء أم لا؟ فالمرجع فيه إطلاق ما دل على كفاية المرّة، لما ثبت في الأصول من أنّه مع إجمال المخصص أو المقيد، و تردده بين الأقلّ و الأكثر يرجع فيه إلى العام أو المطلق.

و إن كانت الشبهة مصداقية، فإن قلنا بجريان أصالة عدم الظرفية بالعدم الأزلي، كما هو التحقيق، فيتحقق موضوع العام أو المطلق، فيكتفي بالمرّة أيضا. و إن قيل بعدم جريانها، لكونها خلاف أنظار المتشرعة، فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة، فلا يكتفي بالمرّة.

فروع- (الأول): لو كان الإناء مملوءا من الماء و ولغ فيه الكلب وجب تعفير جميعه. و لو لم يكن مملوءا و كان الماء إلى نصفه- مثلا- فاللازم التعفير بمقدار ما كان فيه الماء دون البقية، إلا مع وصول ماء الولوغ إليها.

(الثاني): لو كان الإناء فارغا و لطع الكلب بعض مواضعه يختص وجوب التعفير بموضع اللطع.

(الثالث): لو تردد الإناء بين اثنين أو أكثر و لم يمكن التمييز. وجب تعفير الجميع. و لو تردد محلّ ولوغه بين ما يجب تعفيره كالإناء و ما لا يجب كالكرّ و نحوه، لا يجب تعفير الإناء و كذا غسله.

(الرابع): لو شك في الولوغ و عدمه، يبنى على العدم، للأصل و يثبت الولوغ بالعلم و البينة و إخبار ذي اليد.

(الخامس): لا فرق في الإناء بين الصغير و الكبير، و جميع أنواع موادة، للإطلاق. نعم، إن كان أزيد من الكرّ و ولغ فيه لا يجري عليه الحكم لعدم التنجس في المعتصم. هذا إذا كان ماؤه بقدر الكرّ. أما لو كان أقلّ منه، أو كان فيه مائع آخر غير الماء يجري عليه الحكم، للإطلاقات و العمومات. و لا مانع في البين الا دعوى الانصراف عن الظروف الكبار، و هي ممنوعة.

(السادس): لو كان ظرف فيه ماء قليل، و لكن كان متصلا بأنبوب إلى المعتصم، لا يجري عليه الحكم، إذ لا حكم للولوغ في مورد الاعتصام. و كذا

ص: 36

مسألة 16: يشترط في الغسل بالماء القليل، انفصال الغسالة على المتعارف

(مسألة 16): يشترط في الغسل بالماء القليل، انفصال الغسالة على المتعارف (53)، ففي مثل البدن و نحوه مما لا ينفذ فيه الماء

______________________________

لو كان ولوغه حين جريان المطر على الإناء.

(السابع): لو علم بنجاسة إناء و لم يعلم أنّها بالولوغ أو بغيره لا يجب التعفير، للأصل.

(الثامن): لو كان ظرف مشتملا على دهن جامد- مثلا- فلطع الكلب موضعا من الدهن بحيث لم يسر لطعه إلى الظرف لا يجري الحكم بالنسبة إلى الظرف، لعدم صدق اللطع بالنسبة إليه، بل يطرح موضع اللطع من الدهن، و يكون الباقي طاهرا.

(التاسع): لو علم بالولوغ، و شك في أنّه من الهر أو الكلب لا يجري عليه الحكم، للأصل.

(العاشر): لو ولغ كلب في إناء الغير وجب التعفير على من يستعمل الإناء، لأنّ وجوبه مقدميّ للاستعمال و إن حصل به نقص في الإناء لا يضمنه صاحب الكلب، و الأحوط الاسترضاء في صورة التسبيب.

(الحادي عشر): لا يعتبر في التطهير بالتعفير العلم و الالتفات إلى أنّ الإناء تنجس بالولوغ، فلو عفر الإناء لإزالة الدسومة- مثلا- و غسله ثلاث مرّات، ثمَّ علم بالولوغ لا يجب عليه تجديد التعفير.

(53) على المشهور بين الفقهاء، بل الثابت بمرتكز العقلاء، فضلا عن المتشرعة، فإنّهم يرون القذارة باقية ما دامت غسالتها باقية في المحلّ. و قد وردت أدلّة التطهير (1) على طبق هذه المرتكزات و لم يرد من الشارع ردع و تخطئة

______________________________

ص: 37


1- مضافا إلى ما سبق من الروايات. راجع الوسائل باب: 3 حديث: 1 و باب: 5 حديث: 3 و باب: 53 من أبواب النجاسات: و راجع مستدرك الوسائل باب: 2 و 3 من أبواب النجاسات.

يكفي صبّ الماء عليه، و انفصال معظم الماء، و في مثل الثياب و الفرش مما ينفذ فيه الماء لا بد من عصره أو ما يقوم مقامه، كما إذا داسه برجله، أو غمزه بكفّه، أو نحو ذلك (54)، و لا يلزم انفصال تمام الماء (55). و لا يلزم الفرك أو الدّلك (56)، إلا إذا كان فيه عين النجس

______________________________

عنها، بل مقتضى الاستصحاب ذلك أيضا. فدفع القذارة متقوّم بزوال ما يستقذر منه عرفا، و لا زوال إلّا بالانفصال، و لا ربط لذلك بتقوّم الغسل بالعصر و عدمه، لتحقق الغسل في جملة من الأجسام بصبّ الماء و انفصاله عن المحلّ مع أنّه لا عصر فيها، فاعتبار العصر في بعض الموارد طريقيّ لإحراز خروج الغسالة، لا أن يكون له موضوعية خاصة. و لا فرق فيه أيضا بين القول بنجاسة الغسالة و عدمها، لأنّ بقاء القذارة أعمّ من النجاسة، فمع بقاء القذارة لا يحكم العرف بالطهارة.

(54) على المشهور، لما تقدم من تقوم الغسل بزوال القذارة و لا تزول إلّا بانفصال الغسالة، فيكون وجوب العصر و نحوه فيما يتوقف الانفصال عليه طريقيّا لانفصال الغسالة، لا أن يكون له موضوعية و نفسية. و ما استدلوا به على وجوبه من الإجماع و الرضوي(1)و غيره- على فرض التمامية- إرشاد إلى المرتكزات العقلائية، لا أن تكون فيها جهة التعبدية المحضة.

(55) لعدم الدليل عليه بعد اكتفاء المتعارف و المتشرعة بما دونه و في الجواهر: «لا يعتبر أعلى أفراد العصر قطعا». و هل يكتفى بالتجفيف بالشمس أو الحرارة، أو بالآلات الصناعية لتحقق إخراج أجزاء المائية بالحرارة الشديدة و نحوها؟ وجهان: لا يبعد الأول، لانتقال القذارة إلى الماء، و زواله عن المحلّ بالحرارة.

(56) للأصل بعد عدم الدليل على وجوبه، لا نفسا و لا مقدمة، لصدق الغسل بدونهما عرفا و شرعا. فما عن العلّامة من الوجوب استظهارا، و لما ورد

______________________________

ص: 38


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1.

أو المتنجس و في مثل الصابون و الطّين و نحوهما مما ينفذ فيه الماء و لا يمكن عصره، فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه (57)، و لا يضرّه بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه (58).

و أما في الغسل بالماء الكثير، فلا يعتبر انفصال الغسالة، و لا

______________________________

في إناء الخمر (1). (مردود): بعدم الدليل على وجوب الاستظهار. و التنظير بإناء الخمر قياس باطل. نعم، قد يجبان مقدمة و هو المراد بقوله رحمه الله: «إلا إذا كان فيه عين النجس أو المتنجس».

(57) لعموم ما دل على مطهرية الماء و إطلاقه(2) مضافا إلى ما ورد في تطهير الخبز. الواقع في القذر (3) فيكون مقتضى القاعدة المستفادة من العموم و الإطلاق: طهارة كلّ متنجس بغسله بالماء إلا ما خرج بالدليل.

(58) لأنّ الظاهر و الباطن موضوعان مختلفان، فيختلف حكمهما باختلافهما. نعم، لو سرى من الباطن إلى الظاهر يكونان حينئذ موضوعا واحدا، فلا يطهر الظاهر مع الاتصال بالباطن، و السراية إليه.

ثمَّ إنّ المشهور بين المتأخرين بقاء نجاسة الباطن في الصابون و الطّين و نحوهما مع نفوذ النجاسة إليه، و طهارة الظاهر بعد تطهيره بالماء، لما تقدم.

و عن المدارك: أنّه بعد تطهير الظاهر يكون مقدار الباقي في الباطن كالباقي في مثل الثوب بعد العصر، فكلّ ما يكون مغتفرا في مثل الثوب فليكن مغتفرا في مثل الصابون أيضا. (و فيه): أنّ القياس مع الفارق، لأنّ الباقي في مثل الثوب إنّما بقي بعد العصر و خروج ما يلزم إخراجه، بخلاف مثل الصابون، إذ لم يخرج من الباقي شي ء أبدا. نعم، لو حصل التجفيف في الجملة، و قلنا بكفايته و بقي بعد ذلك شي ء، لكان التنظير في محله.

______________________________

ص: 39


1- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

العصر، و لا التعدد (59) و غيره، بل بمجرد غمسه في الماء بعد زوال

______________________________

(59) على المشهور بين المتأخرين في عدم اعتبار الانفصال و العصر، لإطلاق قوله عليه السلام:

«كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (1)، و قوله عليه السلام في الغدير من الماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا إلا و قد طهّره» (2)، و قوله عليه السلام في الجاري: «و إن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (3).

و المستفاد من الجميع أنّ لاعتصام الماء خصوصية ليست للقليل، فنفوذ الماء المعتصم بوصف الاعتصام حدوثا و بقاءا في المتنجس يلازم عرفا طهارته، سواء انفصلت الغسالة أم لا، لأنّ انفصالها إنّما هو لإزالة القذارة، و حين استيلاء المعتصم على المتنجس و نفوذ المعتصم فيه بوصف الاعتصام لا يبقى نجاسة في المحلّ حتّى يلزم انفصالها عنه و قد تقدم أنّ وجوب العصر لا موضوعية فيه، بل يكون طريقا لانفصال الغسالة.

و بالجملة: فرض استيلاء الماء المعتصم على المحلّ، و عدم عين النجاسة يلازم الطهارة من دون عصر، و لا انفصال للغسالة. و قد تقدم ما يتعلق بالتعدد في المسائل السابقة، فراجع.

هذا كله في النجاسة الحكمية مع استيلاء المعتصم عليها عرفا و أما إذا لم يكن كذلك، بل كان من مجرد سراية رطوبة الماء فقط. فيشك في شمول إطلاقات المعتصم و عموماته لمثله، فلا يصح التمسك بها، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية و مقتضى الأصل بقاء النجاسة إلا أن يدل دليل على الخلاف، و هو (تارة) القول بكفاية هذا المقدار من الرطوبة في الطهارة التبعية، و هو مشكل في مقابل الأصل، و عدم عموم أو إطلاق في البين دال على كفايتها.

(و أخرى): ما دل على طهارة الأواني إذا غسل ثلاثا أو سبعا (4) الشامل لما

______________________________

ص: 40


1- تقدما في صفحة: 18.
2- تقدما في صفحة: 18.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.
4- الوسائل باب: 53 و 15 من أبواب النجاسات حديث: 1.

.....

______________________________

إذا كانت من الخزف و نحوه مما يرسب فيها الخمر أو الماء المتنجس.

(و ثالثة): بإطلاق ما دل على غسل اللحم الذي طبخ في القدر الذي فيه الدم، أو الفأرة (1). فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا لم ينفذ الماء الطاهر في داخل اللحم.

(و رابعة): بإطلاق ما دل على غسل الخفاف التي تنقع في البول (2)، فإنّه يشمل ما إذا لم ينفذ الماء الطاهر في الباطن و كان من مجرد الاتصال الرطوبي فقط.

(و خامسة): بما دل على طهارة طين المطر، و طهارة السطح الذي يبال عليه بالمطر (3) ضرورة أنّ رسوب ماء المطر فيها بنحو الرطوبة، لا سراية الماء بوصف المائية.

(و سادسة): بما ورد في قدر قطرت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر فيه لحم كثير و مرق كثير. قال عليه السلام:

«يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» (4).

(و سابعة): بكثرة سهولة الشريعة في الطهارة، خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة التي ربما كان أهلها يكتفون بقربة من الماء أيّاما و ليالي في أكثر حوائجهم العرفية و الشرعية.

(و ثامنة): بأنّه لو كانت خصوصية خاصة معتبرة في التطهير وجودا أو عدما، لأشير إليها في مثل هذا الأمر العام البلوى. إما ابتداء من الإمام، أو سؤالا من الأنام، و لم نظفر بها إلا في الغسل من البول مرّتين، و التعدد في الإناء و التعفير في الولوغ(5) و ليس المقام من ذلك كلّه.

______________________________

ص: 41


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 3 و باب: 6، من الأشربة المحرمة.
2- الوسائل باب: 71 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 75 من أبواب النجاسات و باب: 6 من أبواب الماء المطلق.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الأشربة المحرمة.
5- الوسائل باب: 1 و باب: 53 و باب: 70 من أبواب النجاسات.

العين يطهر، و يكفي في طهارة أعماقه- إن وصلت النجاسة إليها- نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير، و لا يلزم تجفيفه أولا (60).

نعم، لو نفذ فيه عين البول- مثلا- مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه (61)، بمعنى عدم بقاء مائيته فيه، بخلاف الماء النجس الموجود فيه، فإنّه بالاتصال بالكثير يطهر فلا حاجة فيه إلى التجفيف (62).

______________________________

(و تاسعة): بأنّ الرطوبة المسرية توجب انتقال النجاسة فبأن توجب انتقال الطهارة المبنية على التيسير و التسهيل أولى.

(و عاشرة): بأنّ الشارع اكتفى في الطهارة الحديثة بمثل التدهين، فلأن يكتفي به في الطهارة الخبيثة أنسب برأفته بأمته.

و هذه الأمور و إن أمكنت المناقشة في بعضها، لكن جميعها مما يوجب الاطمئنان العرفي بحكم الشارع فأيّ بعد في أن ينزّل الشارع الأقدس هذه الرطوبة اليسيرة منزلة الماء بعد اتصالها بالمعتصم تسهيلا على الأمة و تيسيرا عليهم.

(60) لأنّه إن نفذ فيه الماء، فهو متصل بالمعتصم. و إن لم ينفذ و كان من مجرد الرطوبة و قلنا بكفايتها، فكذلك أيضا. و إن لم يكن من هذا و لا ذاك، فلا وجه للطهارة. فلا موضوع للتجفيف على أيّ تقدير.

(61) لوجوب إزالة عين النجاسة و عدم حصول الطهارة بدون ذلك فيجب التجفيف مقدمة لذلك، هذا إذا لم يستهلك بالاتصال بالمعتصم. و الا فلا وجه للتجفيف.

(62) لتحقق الطهارة بمجرد الاتصال بالمعتصم، فلا يبقى موضوع لوجوب التجفيف. نعم من يقول بعدم كفاية مجرد الاتصال به و لزوم العصر حتّى في المعتصم يحتاج إليه عنده.

فروع- (الأول): سراية النجس إلى الباطن لا بد و أن يكون بالأجزاء المائية، أو بنحو الرطوبة المسرية المعبّر عنها في الفارسية ب (تري)، و لا يكفي مجرد

ص: 42

مسألة 17: لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجس ببول الرضيع و إن كان مثل الثوب

(مسألة 17): لا يعتبر العصر و نحوه فيما تنجس ببول الرضيع و إن كان مثل الثوب، و الفرش و نحوهما، بل يكفي صبّ الماء عليه مرّة على وجه يشمل جميع أجزائه (63) و إن كان الأحوط مرّتين (64) لكن

______________________________

الرطوبة، لأصالة طهارة الباطن إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل في غير الأولين.

(الثاني): إذا علم بوصول النجاسة إلى الباطن و شك في نفوذ الماء المعتصم إليه و لو بنحو ما مرّ يبقى على النجاسة لاستصحاب بقائها و إذا شك في وصول النجاسة إليه، فمقتضى الأصل طهارته، سواء علم بوصول الماء المعتصم إليه، أم شك فيه، أم علم بالعدم.

(الثالث): لا يثبت نفوذ النجاسة إلا بالعلم أو الحجة المعتبرة، و لا عبرة بالظنّ، و لا اعتبار بعلم الوسواسي.

(63) على المشهور المقطوع به لدى الأصحاب، لمعتبرة الحلبي:

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبيّ. قال عليه السلام: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء، و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» (1).

فيحمل خبر أبي العلاء: «عن الصبيّ يبول على الثوب. قال:

عليه السلام تصب عليه الماء قليلا ثمَّ تعصره» (2) على الإرشاد إلى إزالة الماء بحسب المتعارف لا العصر الواجب في الغسل بالماء القليل مقدمة لانفصال الغسالة، كما أنّه يحمل موثق سماعة:

«سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب فقال: اغسله» (3) على المتغذي جمعا و إجماعا.

(64) و عن بعض تعيينهما جمودا على الإطلاقات (4) الدالة على لزوم

______________________________

ص: 43


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2 و 4.

يشترط أن لا يكون متغذيا، معتادا بالغذاء و لا يضرّ تغذيته اتفاقا نادرا (65)، و أن يكون ذكرا، لا أنثى على الأحوط (66)، و لا يشترط فيه

______________________________

الغسل من البول مرّتين. و لكنّه لا بد من حملها على المتغذّي جمعا و إجماعا.

(65) أما اعتبار عدم الاعتياد بالغذاء، فلظهور الإجماع، و ما تقدم من خبر الحلبي. و أما عدم كون التغذّي الاتفاقي مضرّا بالحكم، فلظهور الدليل في أنّ المراد من الأكل ما هو المتعارف منه، لا النادر الذي يكون بحكم العدم.

(66) و عن المشهور المدّعى عليه الإجماع: الجزم بذلك، للعمومات الدالة على الغسل مرّتين في البول (1) مطلقا المقتصر في تخصيصها على خصوص الذكر، و لما عن عليّ عليه السلام:

«لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم» (2).

مع اشتمال الروايات الدالة على كفاية الصب على بول الصبيّ (3) الظاهر في الذكر فقط.

و ما تقدم في خبر الحلبي «من أنّ الغلام و الجارية فيه شرع سواء»(4) أي بعد الأكل، لا قبله.

و لعلّ وجه عدم جزم الماتن: أنّه نوقش في الإجماع بعدم اعتباره، إذ لم يذكر إلا في المختلف. و في العمومات بأنّها من التمسك بها في الشبهة الموضوعية، و في الخبر باشتماله على ما لا يقول به أحد: من وجوب الغسل من لبن الجارية، و في خبر الحلبي بأنّه لا شاهد على هذا الحمل.

و الكلّ مردود، لأنّ هذا الإجماع لا يقصر عن سائر الإجماعات التي يعتمدون عليها مع اعتضاده بالشهرة المحققة، و عدم نقل الخلاف، و أنّ العمومات يصح التمسك بها، لكون المقام من الشك في أصل التخصيص كما أنّ

______________________________

ص: 44


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2 و 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 2.

أن يكون في الحولين، بل هو كذلك ما دام يعد رضيعا غير متغذ، و إن كان بعدهما (67).

كما أنّه لو صار معتادا بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور (68)، بل هو كسائر الأبوال.

و كذا يشترط في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة، فلو كان من الكافرة لم يلحقه، و كذا لو كان من الخنزيرة (69).

______________________________

التفكيك في الخبر الواحد بالعمل ببعض أجزائه، دون الآخر شائع فما هو المشهور هو المتعيّن، و تقتضيه أصالة بقاء الأثر. و دعوى: أنّ المراد بالجارية أعمّ من الرضيع. لا وجه له في المقام، لأنّ قوله عليه السلام: «لبن الجارية»، و قوله عليه السلام: «قبل أن تطعم» قرينة على الرضيع.

(67) لإطلاق خبر الحلبي لما بعدهما أيضا. و دعوى الانصراف إلى ما بينهما ممنوع، لأنّه بدوي كما أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا رضاع بعد فطام» (1)لا يدل على السلب المطلق من تمام الجهات و الحيثيات موضوعا و حكما، بل المنساق منه بالنسبة إلى نشر الحرمة فقط. فلا وجه لما نسب إلى المحقق الثاني و الشهيد الثاني من الاختصاص.

(68) لاختصاص الصبّ بخصوص غير المتغذّي نصّا و إجماعا، فيرجع في غيره إلى إطلاق ما دل على وجوب الغسل من البول مرّتين (2).

(69) لعدم تعارف ارتضاع الصبيّ من الكلبة و الخنزيرة، و الأدلة منزلة على المتعارف. فأصالة بقاء الأثر جارية، فوجب الغسل مرّتين، بلا فرق فيه بين ما إذا قلنا بنجاسة ما يدخل من الباطن إلى الباطن أم لا، و يشهد له التعليل الوارد في خبر السكوني (3)، فإنّه و إن لم يعمل به في مورده، و لكن يمكن أن يستأنس به

______________________________

ص: 45


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 4.
مسألة 18: إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن

(مسألة 18): إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون و نحوه بنى على عدمه، كما أنّه إذا شك بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه، بنى على عدمه، فيحكم ببقاء الطهارة في الأول، و بقاء النجاسة في الثاني (70).

مسألة 19: قد يقال بطهارة الدّهن المتنجس

(مسألة 19): قد يقال بطهارة الدّهن المتنجس إذا جعل في

______________________________

للغسل إذا كان اللبن نجسا. و أما لبن المشركة أو غيرها من فرق الكفار المحكومة بالنجاسة. فإن قلنا بعدم اختصاص الحكم بالصب بالمسلمين، كما في سائر الأحكام، و يقتضيه الإطلاق كفى فيه الصبّ أيضا. و إن قيل بالاختصاص بالمسلم كان لبنها كلبن الخنزيرة و الأول أقوى، و الثاني أحوط.

فروع- (الأول): لا فرق بين كون الإرضاع من الثدي مباشرة أو بحلب اللبن في إناء و إطعام الصبيّ، للإطلاق.

(الثاني): يشكل الحكم فيما لو كان فم الصبي، أو ثدي المرأة أو اللبن المحلوب متنجسا بالعرض، لاحتمال الانصراف عن ذلك. نعم، الظاهر شمول الإطلاق لما إذا كانت النجاسة من جهة الصبيان لغلبتها فيهم و تعذر التطهير.

(الثالث): لا فرق بين كون الإرضاع من الأم أو غيرها مستأجرة كانت أو لا، كما لا يبعد جريان الحكم على شرب الألبان الصناعية الحديثة، أو شرب لبن الشاة و البقر بالطريق المخصوص أو نحو ذلك، لصدق عدم التغذّي بالمعتاد في جميع ذلك. و لكنّه خلاف الاحتياط و لو تعارف تغذيته كلّ يوم بماء البرتقال- مثلا- يكفي الصب في بوله، لعدم صدق المتغذّي المعتاد على مثله، و الاحتياط في الغسل.

(الرابع): لو ارتضعت الجارية بلبن الغلام أو بالعكس، فمقتضى التعليل الوارد في خبر السكوني كفاية الصب في الأول، و وجوب الغسل في الثاني.

و لكنه مشكل- بناء على تضعيف السند- و لكن أثبتنا اعتباره.

(70) لاستصحاب الطهارة و النجاسة في الصورتين.

ص: 46

الكرّ الحار بحيث اختلط معه، ثمَّ أخذ من فوقه بعد برودته، لكنه مشكل، لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، و إن كان غير بعيد إذا غلى الماء مقدارا من الزمان (71).

مسألة 20: إذا تنجس الأرز أو الماش أو نحوهما

(مسألة 20): إذا تنجس الأرز أو الماش أو نحوهما يجعل في وصلة (خرقة) و يغمس في الكرّ، و إن نفذ فيه الماء النجس (72)، يصبر حتّى يعلم نفوذ الماء الطاهر إلى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس بل لا يبعد تطهيره بالقليل (73)، بأن يجعل في ظرف و يصب عليه، ثمَّ تراق غسالته، و يطهر الظرف أيضا بالتبع (74) فلا حاجة إلى التثليث فيه، و إن كان هو الأحوط.

______________________________

(71) القائل بالطهارة هو العلامة. و وجه الإشكال، بل الامتناع ما ثبت في محلّه من امتناع تداخل الأجسام، فلا يمكن استيلاء الماء المعتصم جميع الذرات النجسة من الدهن. نعم، لو فرض استهلاك الدهن في الماء المعتصم يطهر، لما تقدم في [مسألة 6] من فصل المياه (1) من أنّ المضاف النجس المستهلك في المعتصم يطهر بالاستهلاك و لكن استهلاك الدهن في الماء بعيد جدا. و يشهد لعدم الطهارة إطلاق ما ورد (2) في الزيت و السمن الجامدين إن ماتت فيهما فارة.

و يأتي منه رحمه اللّه الفتوى بعدم الطهارة، راجع آخر المطهّرات [مسألة 1].

(72) كلّ ذلك للاتصال بالمعتصم. أما الظاهر فقط إن لم تنفذ النجاسة أو الداخل أيضا إن نفذت فيه.

(73) تقدم التفصيل في [مسألة 16]، فراجع (3).

(74) لأنّه آلة الغسل عرفا فيشمله ما دل على الطهارة في آلات الغسل، راجع التاسع من المطهرات، و يشهد له عدم تعرض صحيح ابن مسلم(4) لغسل المركن

______________________________

ص: 47


1- راجع ج: 1 صفحة: 139.
2- راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
3- صفحة: 37.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.

نعم، لو كان الظرف أيضا نجسا فلا بد من الثلاث (75).

مسألة 21: الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت و صب الماء عليه

(مسألة 21): الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت و صب الماء عليه (76) ثمَّ عصره و إخراج غسالته، و كذا اللحم النجس.

و يكفي المرّة في غير البول، و المرتان فيه، إذا لم يكن الطشت نجسا قبل صبّ الماء. و الا فلا بد من الثلاث (77)، و الأحوط التثليث مطلقا.

مسألة 22: اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير

(مسألة 22): اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير، بل و القليل (78) إذا صبّ عليه الماء و نفذ فيه إلى المقدار الذي وصل إليه الماء النجس.

مسألة 23: الطين النجس اللاصق بالإبريق، يطهر بغمسه في الكرّ و نفوذ الماء إلى أعماقه

(مسألة 23): الطين النجس اللاصق بالإبريق، يطهر بغمسه في الكرّ و نفوذ الماء إلى أعماقه، و مع عدم النفوذ يطهر ظاهره، فالقطرات التي تقطر منه بعد الإخراج من الماء طاهرة و كذا الطين

______________________________

مستقلا بعد غسل المتنجس فيه.

(75) لأنّ له حكما مستقلا حينئذ في مقابل المتنجس الذي غسل فيه، فيشمله إطلاق التثليث في الظروف.

(76) بناء على اعتبار ورود الماء على النجس. و أما بناء على جواز ورود النجس على الماء، فيجزي العكس أيضا و تقدم في أول الفصل ما ينفع المقام، فراجع. و كذا الكلام في اللحم و غيره.

(77) لاستصحاب النجاسة بعد قصور الدليل عن إثبات الطهارة التبعية.

(78) لإطلاق مطهّرية الماء، و إطلاق قول عليّ عليه السلام:

«يغسل اللحم و يؤكل»(1).

و لكن لا بد من إخراج الغسالة بما أمكن.

______________________________

ص: 48


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

اللاصق بالنعل، بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضا، بل إذا وصل إلى باطنه- بأن كان رخوا- طهر باطنه أيضا به (79).

مسألة 24: الطحين و العجين النجس يمكن تطهيره بجعله خبزا ثمَّ وضعه في الكرّ

(مسألة 24): الطحين و العجين النجس يمكن تطهيره بجعله خبزا ثمَّ وضعه في الكرّ (80) حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائه.

و كذا الحليب النجس (81) بجعله جبنا و وضعه في الماء كذلك.

مسألة 25: إذا تنجس التنور يطهر بصب الماء في أطرافه من فوق إلى تحت

(مسألة 25): إذا تنجس التنور يطهر بصب الماء في أطرافه من فوق إلى تحت، و لا حاجة فيه إلى التثليث، لعدم كونه من الظروف، فيكفي المرّة في غير البول، و المرّتان فيه، و الأولى أن يحفر فيه حفيرة (82) تجتمع الغسالة فيها، و طمّها بعد ذلك بالطّين الطاهر.

مسألة 26: الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر و الحجر تطهر بالماء القليل إذا أجرى عليها

(مسألة 26): الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر و الحجر تطهر بالماء القليل إذا أجرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجسا،

______________________________

(79) كلّ ذلك لإطلاق مطهّرية الماء لكن بشرط وصول الماء إلى ما نفذت النجاسة مطلقا و انفصال الغسالة عرفا إن كان التطهير بالقليل، و قد انتفى موضوع جملة من هذه المسائل في هذه الأعصار، لكثرة المياه المعتصمة لشيوع أنابيب الماء في القرى فكيف بالبلاد.

(80) بناء على نفوذ الماء في أعماقه، و المفروض عدم اعتبار انفصال الغسالة في المعتصم، بل يصح تطهيره حينئذ بالقليل أيضا لو أمكن الانفصال بنحو ما مر.

(81) بناء على عدم مانعية الدسومة الموجودة فيه عن حصول طهارته كما في اللحم و الألية المتنجسين. و أما بناء على المانعية فلا يطهر الا بالاستهلاك و لا يبعد الأول، لصدق أنّه جسم دسم أحاط الماء بجميع أجزائه.

(82) أما طهارة التنور- و لو بالقليل- فلإطلاق أدلة مطهّرية الماء. و أما حفر الحفيرة فلا ربط لها بطهارة التنور.

ص: 49

و لو أريد تطهير بيت أو سكة فإن أمكن إخراج ماء الغسالة- بأن كان هناك طريق لخروجه- فهو، و الا يحفر حفيرة ليجتمع فيها، ثمَّ يجعل فيها الطين الطاهر، كما ذكر في التنور. و إن كانت الأرض رخوة بحيث لا يمكن إجراء الماء عليها، فلا تطهر إلا بإلقاء الكرّ أو المطر أو الشمس.

نعم، إذا كانت رملا يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها و رسوبه في الرّمل فيبقى الباطن نجسا بماء الغسالة، و إن كان لا يخلو من إشكال (83) من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

مسألة 27: إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر

(مسألة 27): إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر (84). نعم، إذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكرّ أو الغسل بالماء القليل، بخلاف ما إذا صبغ بالنيل النجس، فإنّه إذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الإطلاق يطهر و إن صار مضافا أو متلوّنا بعد العصر، كما مرّ سابقا.

مسألة 28: فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات

(مسألة 28): فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات، فلو غسل مرّة في يوم، و مرّة أخرى في يوم آخر كفى (85).

______________________________

(83) إن كان منشأ الإشكال من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

فهو مخدوش، لأنّ المراد بالانفصال انتقالها إلى محلّ آخر، و لا ريب في الانتقال عن السطح الظاهر إلى الباطن، فيطهر الظاهر لا محالة و إن بقي الباطن على النجاسة، لأجل الغسالة.

(84) لكونه كاشفا عن بقاء العين، و مع بقاء عين النجاسة لا يعقل الطهارة، و قد تقدم في [مسألة 2] من أول فصل المطهّرات عند قوله رحمه اللّه:

«أما إذا غسل في الكثير» ما ينفع المقام (1).

(85) لإطلاق أدلة الغسل (2) و إطلاق مطهّرية الماء، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

______________________________

ص: 50


1- صفحة: 14.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.

نعم، يعتبر في العصر الفورية (86) بعد صبّ الماء على الشي ء المتنجس.

مسألة 29: الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي ء منها

(مسألة 29): الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي ء منها، تعدّ من الغسلات (87) فيما يعتبر فيه التعدد، فتحسب مرّة، بخلاف ما إذا بقي بعدها شي ء من أجزاء العين، فإنها لا تحسب (88).

و على هذا، فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرّتان، كفى غسله مرّة أخرى، و إن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرّتان أخريان (89).

مسألة 30: النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير

(مسألة 30): النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير و لا حاجة فيها إلى العصر، لا من طرف جلدها، و لا من طرف خيوطها.

و كذا البارية (90)، بل في الغسل بالماء القليل أيضا كذلك، لأنّ الجلد

______________________________

(86) تقدم أنّه ليس للعصر وجوب نفسيّ، و إنّما هو مقدمة لإخراج الغسالة، فالمناط كلّه على عدم بقاء الغسالة في المحلّ. فإن صدق عرفا مع عدم المبادرة إلى إخراجها، بقاؤها في المحلّ، كما إذا كان الهواء حارّا جدّا، و لم نقل بكفاية الجفاف في إخراج الغسالة، فلا ريب في وجوب المبادرة. و أما إذا أمكن إخراجها و لو بعد زمان، طال أو قصر، و أخرجت بعد ذلك فلا دليل على الفورية حينئذ، بلا فرق في ذلك بين كون دليل العصر هو الإجماع أو غيره.

(87) على تفصيل تقدم في [مسألة 4] من أول الفصل فراجع.

(88) لأنّه مع بقاء العين لا وجه للطهارة و لو بأدنى مراتبها.

(89) لإطلاق ما دل على الغسل بالماء مرّتين (1)الشامل لما إذا أزيلت العين بغير الماء أيضا.

(90) لما تقدم من سقوط اعتبار العصر في المعتصم، بشرط استيلاء ماء

______________________________

ص: 51


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.

و الخيط ليسا مما يعصر، و كذا الحزام من الجلد، كان فيه خيط، أو لم يكن.

مسألة 31: الذّهب المذاب و نحوه من الفلزّات إذا صبّ في الماء النجس، أو كان متنجسا فأذيب، ينجس ظاهره و باطنه

(مسألة 31): الذّهب المذاب و نحوه من الفلزّات إذا صبّ في الماء النجس، أو كان متنجسا فأذيب، ينجس ظاهره و باطنه (91)، و لا يقبل التطهير الا ظاهره، فإذا اذيب ثانيا بعد تطهير ظاهره تنجس ظاهره ثانيا.

نعم، لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه، و أنّ ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة. يحكم بطهارته. و على أي حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله (92) و إن كان مثل القدر من الصفر.

مسألة 32: الحليّ الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته

(مسألة 32): الحليّ الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته (93)، و مع العلم بها يجب غسله و يطهر ظاهره، و إن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجسا قبل الإذابة.

______________________________

المعتصم على النجس، ظاهرا كان، أو باطنا، أو هما معا.

(91) بشرط السراية إلى الباطن، و لكنّها مشكلة، لأنّ شدّة الحرارة في الفلزات المذابة تمنع عن السراية إلى الباطن، و يكفي الشك في السراية في عدم النجاسة. نعم، لو كانت متنجسة فأذيبت ينجس الباطن إن تحقق اختلاط جميع الأجزاء ظاهرا أو باطنا. و مع الشك في الاختلاط، تجري قاعدة الطهارة في الباطن.

(92) لطهارة ظاهره قطعا. نعم، لو ظهر الباطن بالاستعمال و كان نجسا، وجب تطهيره. و مع الشك في ظهوره، فمقتضى الأصل عدمه.

(93) لقاعدة الطهارة و أما وجوب تطهيره مع العلم بالنجاسة، فهو وجوب مقدميّ للاستعمال.

ص: 52

مسألة 33: النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير

(مسألة 33): النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير، بل و الغسل بالقليل إذا علم جريان الماء عليه بوصف الإطلاق، و كذا قطعة الملح. نعم، لو صنع النبات من السكر المتنجس، أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعا، لا يكون حينئذ قابلا للتطهير (94).

مسألة 34: الكوز الذي صنع من طين نجس، أو كان مصنوعا للكافر

(مسألة 34): الكوز الذي صنع من طين نجس، أو كان مصنوعا للكافر، يطهر ظاهره بالقليل، و باطنه (95) أيضا إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه.

مسألة 35: اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير و القليل

(مسألة 35): اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير و القليل، إذا لم يكن لدسومتها جرم، و الا فلا بد من إزالته أولا، و كذا اللحم الدسم، و الألية، فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء (96).

______________________________

(94) لعدم نفوذ الماء في باطنه بوصف الإطلاق. نعم، يطهر بالاستهلاك في المعتصم كما تقدم.

(95) أما طهارة ظاهره بالقليل فلإطلاق أدلّة مطهّرية الماء، و عدم سراية النجاسة من الباطن إلى الظاهر، كما هو المفروض. و أما طهارة باطنه بنفوذ الماء، فلما مرّ من أنّ الاتصال بالمعتصم يوجب الطهارة. و لكن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا أحرز عادة نفوذ الماء في الأعماق، كما هو الغالب في الكوز.

الثاني: إحراز عدم النفوذ.

الثالث: الشك في النفوذ.

و لا ريب في الطهارة في القسم الأول. و أما الآخران فتبقى النجاسة، و إن طهر ظاهره.

(96) للدسومة مراتب متفاوتة. فبعضها كالعرض، و بعضها لها جسمية خارجية. و ما لا يكون مانعا هو الأولى، دون الأخيرة. و مع الشك فمقتضى

ص: 53

مسألة 36: الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها

(مسألة 36): الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها، كالحب المثبت في الأرض و نحوه إذا تنجست يمكن تطهيرها بوجوه (97):

(أحدها) أن تملأ ماء ثمَّ تفرغ (98) ثلاث مرّات.

(الثاني) أن يجعل فيها الماء ثمَّ يدار إلى أطرافها بإعانة اليد أو غيرها، ثمَّ يخرج منها (99) ماء الغسالة ثلاث مرّات.

(الثالث) أن يدار الماء (100) إلى أطرافها، مبتدئا بالأسفل إلى الأعلى، ثمَّ يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرّات.

(الرابع): أن يدار كذلك لكن من أعلاها إلى الأسفل ثمَّ يخرج ثلاث مرّات.

و لا يشكل بأنّ الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل، و مع اجتماعها لا يمكن إدارة الماء في أسفلها، و ذلك لأنّ المجموع يعدّ غسلا واحدا، فالماء الذي ينزل من الأعلى

______________________________

الأصل بقاء النجاسة، و لكن الظاهر أنّ الغالب في اليد، و اللحم و ظاهر الألية المرتبة الأولى، فلا موضوع للشك.

(97) هذه الوجوه ليست تعبديّة، بل من الأمور التي يساعدها العرف في كيفية رفع القذارات و النجاسات عن الظروف الكبار.

(98) يشمل هذا الوجه قوله عليه السلام في موثق عمار: «يصب فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ» (1).

(99) لإطلاق قوله عليه السلام في الموثق: «فيحرك ثمَّ يفرغ»، إذ التحريك أعمّ مما إذا كان باليد أو بآلة أخرى، كما أنّ التفريغ أيضا أعمّ من ذلك.

(100) يشمله إطلاق الصب و التحريك أيضا.

______________________________

ص: 54


1- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.

يغسل كلّ ما جرى عليه إلى الأسفل، و بعد الاجتماع يعدّ المجموع غسالة، و لا يلزم تطهير آلة إخراج الغسالة (101) كلّ مرّة، و إن كان أحوط (102).

و يلزم المبادرة (103) إلى إخراجها عرفا في كلّ غسلة، لكن لا يضرّ الفصل (104) بين الغسلات الثلاث. و القطرات التي تقطر من الغسالة فيها لا بأس بها (105)، و هذه الوجوه تجري في الظروف غير المثبتة أيضا و تزيد بإمكان غمسها في الكرّ أيضا، و مما ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضا بالماء القليل (106).

مسألة 37: في تطهير شعر المرأة و لحية الرجل

(مسألة 37): في تطهير شعر المرأة و لحية الرجل لا حاجة إلى

______________________________

(101) لتحقق التبعية العرفية فيها نجاسة و طهارة، و عدم لحاظ الاستقلال فيهما بالنسبة إليها في المتعارف.

(102) خروجا عن خلاف جمع منهم الشهيد الثاني حيث جعلها مستقلة في النجاسة و الطهارة، و هو خلاف المتفاهم العرفي، و يكون مثيرا للوسواس.

(103) للأصل و عدم دليل على اعتبار المبادرة: بل إطلاق الموثق ينفيه.

و دعوى انصرافه إلى صورة المبادرة ممنوعة. نعم، لو كان الفصل بحيث يكون إبقاء للقذارة عرفا، يشكل الطهارة حينئذ.

(104) للأصل، و إطلاق الموثق.

(105) لجريان حكم التبعية عليها، كما تقدم في الآلة.

(106) بعد كون هذه الوجوه من الطرق المتعارفة في التطهير، لا فرق فيها بين الظروف، مثبتة كانت أو ناقلة، و لا بينها و بين الحوض، ما لم يرد ردع شرعيّ عن وجه من تلك الوجوه. ثمَّ إنّه مما يسهل الخطب انتفاء موضوع الوجوه المذكورة في هذه المسألة في هذه الأعصار التي شاع استعمال (السيار) المتصل بأنبوب الماء في تطهير مثل هذه الظروف.

ص: 55

العصر و إن غسلا بالماء القليل، لانفصال معظم الماء بدون العصر (107).

مسألة 38: إذا غسل ثوبه المتنجس ثمَّ رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطّين أو من دقاق الأشنان الذي كان متنجسا

(مسألة 38): إذا غسل ثوبه المتنجس ثمَّ رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطّين أو من دقاق الأشنان الذي كان متنجسا، لا يضرّ ذلك بتطهيره، بل يحكم بطهارته أيضا، لانغساله بغسل الثوب (108).

مسألة 39: في حال إجراء الماء على المحلّ النجس

(مسألة 39): في حال إجراء الماء على المحلّ النجس من البدن أو الثوب إذا وصل ذلك الماء الى ما اتصل به من المحلّ الطاهر- على ما هو المتعارف- لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة (109) حتّى يجب غسله ثانيا، بل يطهر المحلّ النجس بتلك الغسالة و كذا إذا كان جزء من الثوب نجسا فغسل مجموعه، فلا يقال: إنّ المقدار الطاهر تنجس بهذه الغسلة، فلا تكفيه.

بل الحال كذلك إذا ضمّ مع المتنجس شيئا آخر طاهرا، و صبّ الماء على المجموع، فلو كان واحد من أصابعه نجسا فضم إليه البقية، أجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها إلى البقية، ثمَّ انفصل، تطهر بطهره.

و كذا إذا كان زنده نجسا فأجرى الماء عليه فجرى على كفّه ثمَّ

______________________________

(107) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الشعور و سائر الجهات، فقد يتوقف على العصر، و قد لا يتوقف عليه لانفصال الغسالة بنفسها.

(108) مع إحراز عدم كونه مانعا عن وصول الماء إلى الثوب.

(109) لعدّ الجميع شيئا واحدا، و حينئذ فالغسالة ما انفصلت عن المجموع، لا عن بعض الأجزاء. هذا مضافا إلى السيرة القطعية على عدم إجراء حكم الغسالة عليه إلا بعد الانفصال عن المجموع.

ص: 56

انفصل، فلا يحتاج إلى غسل الكفّ لوصول ماء الغسالة إليها، و هكذا. نعم، لو طفر الماء من المتنجس حين غسله على محلّ طاهر من يده أو ثوبه يجب غسله- بناء على نجاسة الغسالة- و كذا لو وصل بعد ما انفصل عن المحلّ إلى طاهر منفصل، و الفرق أنّ المتصل بالمحلّ النجس يعدّ معه مغسولا واحدا، بخلاف المنفصل.

مسألة 40: إذا أكل طعاما نجسا فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته

(مسألة 40): إذا أكل طعاما نجسا فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته (110)، و يطهر بالمضمضة (111). و أما إذا كان الطّعام طاهرا فخرج دم من بين أسنانه، فإن لم يلاقه لا يتنجس (112) و إن تبلل بالريق الملاقي للدم، لأنّ الريق لا يتنجس بذلك الدم. و إن لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال، من حيث إنّه لاقى النجس في الباطن، لكن الأحوط الاجتناب عنه، لأنّ القدر المعلوم أنّ النجس في الباطن لا ينجس ما يلاقيه مما كان في الباطن، لا ما دخل إليه من الخارج. فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم بتنجس باطن الأنف، و لا بتنجس رطوبته، بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته، فإنّ الأحوط غسله.

مسألة 41: آلات التطهير- كاليد و الظرف الذي يغسل فيه- تطهر بالتبع

(مسألة 41): آلات التطهير- كاليد و الظرف الذي يغسل فيه- تطهر بالتبع (113)، فلا حاجة إلى غسلها، و في الظروف لا يجب غسله

______________________________

(110) لاستصحاب بقاء النجاسة. و يأتي التفصيل في العاشر من المطهّرات.

(111) لإطلاق ما دل على طهورية الماء.

(112) لقاعدة الطهارة، و استصحاب بقائها.

(113) لإطلاق أدلّة التطهير، و ما تقدم من صحيح ابن مسلم، و لسيرة المتشرعة، و سهولة الشريعة خصوصا في الطهارة. و يأتي في التاسع من المطهّرات ما ينفع المقام.

ص: 57

ثلاث مرّات، بخلاف ما إذا كان نجسا قبل الاستعمال في التطهير، فإنه يجب غسله ثلاث مرّات، كما مرّ.

«الثاني»: من المطهّرات الأرض

اشارة

«الثاني»: من المطهّرات الأرض (114)، و هي تطهّر باطن القدم

______________________________

(114) على المشهور بل المجمع عليه في الجملة محصّلا و منقولا، و نصوصا مستفيضة، و عملا مستمرّا- كما في الجواهر، ففي صحيح زرارة:

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها.

أ ينقض ذلك وضوءه؟ و هل يجب عليه غسلها؟ فقال عليه السلام: لا يغسلها إلا أن يقذرها و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها و يصلّي» (1).

و في صحيح الأحول عن الصادق عليه السلام «في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا. قال عليه السلام: لا بأس إذا كان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلك» (2).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «جرت السنة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان (3)و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» (4).

و عن المعلّى: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا؟ فقال عليه السلام: أ ليس وراءه شي ء جاف؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (5) إلى غير ذلك.

و يمكن أن يتمسك بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «جعلت لي الأرض

______________________________

ص: 58


1- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- العجان:- بكسر العين المهملة- الاست.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 3.

و النعل (115) بالمشي عليها. أو المسح بها (116)، بشرط زوال عين النجاسة إن كانت (117) و الأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة. دون ما حصل من الخارج (118).

______________________________

مسجدا و طهورا» (1) بناء على كونه أعمّ من الحدث و الخبث.

(115) لإطلاق الأدلة الشامل لهما، فإنّ الوطء بالرجل يشمل الحافي و الناعل مع غلبة لبس شي ء في الرجلين من النعل و الخف و غيرهما.

و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» (2).

و في صحيح حفص عن الصادق عليه السلام: «إن وطأت على عذرة بخفيّ و مسحته حتّى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال عليه السلام:

«لا بأس» (3) مضافا إلى إطلاق التعليل في رواية المعلّى: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا».

(116) أما المسح فلما تقدم في صحيحي زرارة. و أما المشي فلإطلاق لفظ الوطء الظاهر فيه، مضافا إلى خبر الحلبي عن الصادق عليه السلام.

«إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال عليه السلام: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت:

بلى، قال عليه السلام: «فلا بأس «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (4).

(117) إذ لا يعقل الطهارة مع بقاء النجاسة.

(118) للأصل، و الاقتصار على المتيقن من الأدلة، بل هو الظاهر من

______________________________

ص: 59


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 2.
2- سنن أبي داود باب: الأذى يصيب النعل حديث: 386.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 6.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 9.

و يكفي مسمّى المشي أو المسح (119)، و إن كان الأحوط المشي خمس عشرة خطوة (120). و في كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي

______________________________

صحيحي زرارة و الأحول، و قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» أي يطهّر بعضها النجاسة الحاصلة من بعضها، و هذا هو المنساق منه عرفا.

و احتمال أن يكون المراد انتقال النجاسة عن محل من الأرض إلى محلّ آخر منها، كما عن الوافي، أو أنّ بعض الأرض يطهّر بعض المتنجسات، كما عن الوحيد، خلاف الظاهر.

نعم، قوله عليه السلام في الصحيحة الثانية لزرارة: «و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» (1).

يمكن أن يستفاد منها التعميم و لكنّها محمولة على غيرها، مع أنّ كونها في مقام البيان حتّى من هذه الجهة مشكل، فلا وجه للتمسك بإطلاقها. نعم، يمكن استفادة التعميم في النجاسة الحاصلة من الأرض إلى ما كانت بالمشي عليها، أو وضع الرجل- مثلا- على النجاسة، و لو من دون مشي، كما إذا جلس في موضع لقضاء الحاجة فوضع رجله على النجاسة. و يمكن أن يستأنس ذلك من صحيحة زرارة الثانية.

(119) لإطلاق ما تقدم من النصوص، و ظهور الاتفاق عليه الا ما عن ابن الجنيد، و يأتي دليله و المناقشة فيه.

(120) تقدم في صحيح الأحول التعبير بالذراع، و هو محمول على الندب أو على ما إذا توقفت إزالة العين عليه، لإباء الإطلاقات الواردة في مقام الامتنان، خصوصا صحيحي زرارة المتقدمين عن التقييد به، فلا وجه لما نسب إلى ابن الجنيد من اعتبار المشي خمس عشرة ذراعا.

ثمَّ إنّ المذكور في صحيح الأحول إنّما هو الذراع، و ما ذكره في المتن من

______________________________

ص: 60


1- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 10.

إشكال (121)، و كذا في مسح التراب عليها (122).

______________________________

الخطوة، فلعلّه للملازمة بينهما في الجملة.

(121) من إطلاق قوله عليه السلام: «الأرض يطهّر بعضها بعضا»(1) فتكفي المماسة.

و من ظهور لفظ المشي و المسح الواردين في النصوص (2) في عدم كفاية مجرد المس. و لكن الأول في مقام أصل التشريع في الجملة، فلا يصح الأخذ بإطلاقه، فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة إلى أن يتحقق المشي أو المسح.

(122) من صحة دعوى كون المناط إزالة العين بالأرض، كما في الاستنجاء. و من أنّ المتعارف و المنساق من الأدلة في مثل نجاسة النعل و الرجل مسحهما على الأرض، لا العكس، كما أنّ المتعارف في الاستنجاء مسح الأرض على المحلّ، لا العكس، كما يأتي في الاستنجاء. و لكن الكلام في اعتبار هذا التعارف، مع أنّ المدار كلّه على زوال العين في الموضعين.

فروع- (الأول): بناء على عدم كفاية مجرد المماسة لو تكرّر المس كما إذا وضع رجله أربع مرّات- مثلا- على الأرض و رفعها. فهل يجزي ذلك في الطهارة أم لا؟ وجهان: لا يبعد الأول، و على هذا لو صعد درجة ذات أربع درجات أو أكثر لا يبعد الطهارة، لتكرر المس، و ما لا يكفي إنّما هو مجرد المس لا تكرره.

(الثاني): هل يعتبر في مسح النعل أن تكون في الرجل فلا يكفي لو أخذها بيده و مسحها على الأرض، أو يكفي ذلك؟ وجهان: من الجمود على المعهود المتعارف فلا يكفي الثاني، و من الجمود على الإطلاق، فيكفي و لا يبعد الثاني.

(الثالث): لا يعتبر في المسح و المشي أن يكون بقصد الطهارة، بل و لا يعتبر العلم بالنجاسة حين المشي، فلو علم بعد المشي بالنجاسة قبله كفى، كما لا يعتبر أن يكونا بالمباشرة فيكفي بأيّ نحو تحقق، كلّ ذلك للإطلاق كسائر

______________________________

ص: 61


1- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 2 و 6 و 8 و 9.
2- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 2 و 6 و 8 و 9.

و لا فرق في الأرض بين التراب و الرّمل و الحجر الأصلي، بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر، بل بالآجر، و الجص و النورة (123).

______________________________

الطهارات الخبثية.

(الرابع): لو علم بالنجاسة و المشي، و شك في التقدم و التأخر، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة.

(الخامس): لا يعتبر الاتصال بين زمان التنجس و المشي أو المسح، للإطلاق.

(السادس): لو علم إجمالا إما بنجاسة رجله أو نعله وجب الاحتياط لتنجز العلم الإجمالي.

(السابع): لو علم إجمالا بنجاسة نعله أو نعل غيره، لا أثر لهذا العلم الإجماليّ بالنسبة إليه للخروج عن محلّ الابتلاء.

(الثامن): لو لبس نعل الغير و نجسه لا يجوز مسحه أو المشي به بدون إذن صاحبه. و هل يجب إعلامه بالنجاسة؟ مقتضى الأصل عدمه.

(التاسع): لا يجب تطهير النعل إلا إذا كانت مستعملة فيما يعتبر فيه الطهارة.

(العاشر): لو علم بنجاسة رجله أو نعله و لم يعلم بأنّها حصلت من الأرض أو من غيرها، لا يطهر بالمشي و المسح، للأصل.

(123) لإطلاق الأدلة الشامل للجميع كقوله عليه السلام: «أ ليس وراءه شي ء جاف» (1).

و صحيح الأحول: «ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا» (2).

و يصح التمسك بالإطلاق الأحوالي للأرض في قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (3) مع غلبة وجود هذه الأشياء على الأرض في القرى

______________________________

ص: 62


1- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات.
2- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات.
3- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات.

نعم، يشكل كفاية المطلي بالقير، أو المفروش باللوح من الخشب مما لا يصدق عليه اسم الأرض (124).

و لا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش، و الحصير، و البواري و على الزرع و النباتات (125)، الا أن يكون النبات قليلا بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض (126)، و لا يعتبر أن تكون في

______________________________

و البلاد، مضافا إلى أنّ الحكم تسهيليّ امتنانيّ يناسبه التيسير و التعميم، و مع الشك فالمرجع استصحاب النجاسة.

(124) لا إشكال في إطلاق الشي ء و المكان عن ذلك كلّه، بل الأرض في الجملة أيضا. إنّما الكلام في انصرافها إلى ما كان متعارفا في تلك الأزمنة أو يشمل الجميع، و الانصراف مسلّم. و لكنّه لغلبة الوجود بالنسبة إلى الأزمنة القديمة، و قد تقرّر أنّ الانصراف الذي يكون كذلك لا اعتبار به و قد تقدم حكم صورة الشك.

فروع- (الأول): هل يجزي المرمر الطبيعيّ أو الصناعيّ أو الموزائيك أو الإسمنت أو لا؟ وجهان: مقتضى الجمود على الإطلاق هو الأول، و طريق الاحتياط واضح.

(الثاني): هل يعتبر الاتصال بالأرض، فلا يكفي المشي على التراب المطروح على الفراش- مثلا- أم لا يعتبر ذلك؟ ظاهر الإطلاق هو الثاني.

(الثالث): الظاهر كفاية المشي على الغبار الغليظ الذي يصدق عليه التراب إن كان على الفرش و نحوه، لصدق المشي على التراب، و مع الشك فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة.

(125) لعدم صدق الأرض عليها، مضافا إلى الإجماع على عدم الإجزاء الا ما نسب إلى ابن الجنيد من اكتفائه بكلّ جسم قالع، و في أصل النسبة بحث، و على فرض الصحة فلا يضرّ مخالفته، لكثرة مخالفته في المسلّمات.

(126) فيشمله الإطلاق مع غلبة وجود الخليط على الأرض من نبات أو

ص: 63

القدم أو النعل رطوبة، و لا زوال العين بالمسح أو بالمشي (127) و إن كان أحوط (128).

و يشترطّ طهارة الأرض و جفافها (129). نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة.

و يلحق بباطن القدم و النعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما

______________________________

غيره، و التقييد بعدمه، يوجب أن لا يبقى في مورد الإطلاق إلا الفرد النادر.

(127) كلّ ذلك لظهور الإطلاق، فتطهر النجاسة الحكمية بهما أيضا.

نعم، في العينية لا بد من زوال العين، سواء كان ذلك بالمسح أم المشي أم بغيرهما، قبل المشي أو المسح.

(128) جمودا على ما تقدم في صحيح زرارة: «يمسحها حتّى يذهب أثرها» (1).

و لكن لا يصلح لتقييد المطلقات، لكون المورد وجود العين.

(129) أما الطهارة فلما أشرنا إليه من قاعدة أنّ المتنجس لا يكون مطهّرا (2)، المطابقة للمرتكزات، و استقراء المطهّرات في الشريعة، و هي كالقرينة المحفوفة بالكلام تمنع عن ظهور الإطلاق. و أما الجفاف فلقوله عليه السلام في خبر المعلّى:

«أ ليس وراءه شي ء جافّ» (3) و في خبر الحلبي: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة» (4).

و المتفاهم منهما الجفاف و اليبوسة بالنسبة إلى المحلّ الذي مشى فيه

______________________________

ص: 64


1- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- راجع ج: 1 صفحة: 448.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 3. و تقدما في صفحتي: 58.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 9. و تقدما في صفحتي: 59.

يلتزق بهما من الطّين و التراب حال المشي (130)، و في إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما، لاعوجاج في رجله وجه قويّ، و إن كان لا يخلو عن إشكال (131)، كما أنّ إلحاق الركبتين و اليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما أيضا مشكل، و كذا نعل الدابة، و كعب عصا الأعرج، و خشبة الأقطع، و لا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود و القطن و الخشب و نحوها مما هو متعارف (132)، و في الجورب إشكال إلا إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل، و يكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة و إن بقي أثرها، من اللون و الرائحة. بل و كذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز كما في

______________________________

و تنجست رجله، لا الجفاف المطلق من كلّ جهة. فيصح قوله رحمه اللّه:

«نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة و إن كان الأحوط الجفاف عنهما أيضا»، جمودا على الإطلاق المتقدم.

(130) لتنزل الأدلة على ما هو المتعارف، و المفروض تعارف ذلك، خصوصا في مثل العذرة التي هي مورد صحيح زرارة.

(131) أما وجه الإلحاق فللإطلاق الشامل للجميع بعد فرض كون ذلك متعارفا أيضا في نوعه و مناسبا للتسهيل و الامتنان.

و أما وجه الإشكال فلاحتمال الانصراف عن العجزة، و الركبة و اليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما و نعل الدابة و نحو ذلك، و لكن الانصراف في جميع ذلك بدويّ، للصدق الحقيقيّ العرفيّ بالنسبة إلى الجميع، و كون ذلك متعارفا في نوع خاص.

(132) للإطلاق الشامل للجميع، و وجه الإشكال في الجورب احتمال الانصراف عنه، خصوصا بالنسبة إلى أزمنة صدور الأخبار، لعدم تعارفه فيها، لكن إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل يشمله الإطلاق، إذ لا تحديد للنعل بكيفية خاصة فيشمل الدليل كل ما كان نعلا، أو تعارف استعماله بمنزلة النعل.

ص: 65

الاستنجاء بالأحجار (133)، لكن الأحوط اعتبار زوالها (134).

كما أنّ الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاصقة بالنعل و القدم و إن كان لا يبعد طهارتها أيضا (135).

مسألة 1: إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي

(مسألة 1): إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي، بل في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه إشكال و إن قيل بطهارته بالتبع (136).

______________________________

(133) اما اعتبار زوال العين فلأنه لا يعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة.

و اما الأثر فله إطلاقات. أحدها: اللون، و الرائحة، و الطعم غير الكاشفة عن بقاء العين، فلا يعتبر زواله نصا و إجماعا- كما تقدم- و ثانيها: ما يكون كاشفا عن بقاء العين، و يعتبر زواله بلا إشكال، لكونه من مراتب بقاء العين. و ثالثها:

الأجزاء الصغار التي لا يمكن إزالتها إلا بالماء، و لا تزول بالأرض و غيرها، و مقتضى إطلاق أدلة مطهرية الأرض عدم اعتبار زوالها و الا تكون مطهريتها لغوا، كما يأتي في الاستنجاء بالأحجار و ظهر من ذلك أن المراد بقوله (رحمه اللّه):

«لا تتميز» اي لا تزول الا بالماء، كما يأتي في الاستنجاء.

(134) خروجا عن خلاف من أوجب ذلك كالعلامة الطباطبائي، و ان لم يكن له دليل ظاهر.

(135) لجريان الطهارة التبعية في غير الماء أيضا، فإنّها من كيفيات الطهارة الموكولة إلى العرف بحسب ما يرونه من الملازمة بين طهارة الشي ء و طهارة ما يتبعه.

(136) أما عدم طهارة داخل النعل بالمشي، فلأنّ الظاهر من الأدلة (1) ملاقاة الأرض موضع النجاسة، و لا يتحقق ذلك بالنسبة إلى الداخل. و أما الإشكال فلظهور الأدلة في طهارة السطح الظاهر، و قصور دليل التبعية عن شمول

______________________________

ص: 66


1- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات.
مسألة 2: في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال

(مسألة 2): في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال (137).

و أما أخمص القدم فإن وصل إلى الأرض يطهر، و إلا فلا، فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض (138)، فلو كان تمام باطن القدم نجسا و مشى على بعضه لا يطهر الجميع، بل خصوص ما وصل إلى الأرض.

مسألة 3: الظاهر كفاية المسح على الحائط

(مسألة 3): الظاهر كفاية المسح على الحائط، و إن كان لا يخلو عن إشكال (139).

______________________________

الباطن، و إنّما تشمل التوابع الظاهرية فقط، بل ظاهرهم عدم الشمول إلا في صورة نفوذ الماء المعتصم إليه، و لكنّه ليس من التبعية في شي ء، و مع الشك فالمرجع أصالة بقاء النجاسة.

(137) وجه الإشكال احتمال عدم شمول دليل الطهارة التبعية لما بين الأصابع، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة حينئذ، و يمكن الفرق بين ما ينفتح ما بينها حين المشي، فيصير من التوابع الظاهرية، و بين ما يبقى على الانضمام فمقتضى الأصل بقاء النجاسة حينئذ.

(138) لأنّه الظاهر من الروايات (1)و الكلمات. نعم، ما يكون تابعا عرفا للطهارة لا يعتبر فيه ذلك.

(139) من إطلاق لفظ «المسح» الوارد في صحيح زرارة (2)، و من احتمال اختصاص كون الممسوح به خصوص الأرض بالنحو المتعارف، و يشهد له صحيح الأحول:

«ثمَّ يطأ بعد ذلك مكانا نظيفا» (3).

و كذا ذيل خبري المعلّى و الحلبي (4)بدعوى: كون المحلّ قابلا لذلك، و الجدار ليس كذلك.

______________________________

ص: 67


1- تقدمت في صفحة 58 و 59.
2- تقدمت في صفحة 58 و 59.
3- تقدمت في صفحة 58 و 59.
4- تقدمت في صفحة 58 و 59.
مسألة 4: إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها

(مسألة 4): إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها (140) فتكون مطهّرة، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها، و إذا شك في جفافها لا تكون مطهّرة إلا مع سبق الجفاف فيستصحب (141).

مسألة 5: إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس لا بد من العلم بزوالها

(مسألة 5): إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس لا بد من العلم بزوالها (142). و أما إذا شك في وجودها فالظاهر كفاية المشي و إن لم يعلم بزوالها على فرض الوجود (143).

مسألة 6: إذا كان في الظلمة و لا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه

(مسألة 6): إذا كان في الظلمة و لا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه لا يكفي المشي عليه فلا بد من

______________________________

(140) لاستصحاب طهارة الأرض إذا كانت مسبوقة بها. و مع الجهل بالحالة السابقة، فلقاعدة الطهارة، و لا يجري بعد ذلك استصحاب النجاسة في الرجل أو النعل، لما ثبت في محلّه من تقدم الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبّب مطلقا. و إذا كانت الحالة السابقة في الأرض النجاسة، فيجري استصحاب النجاسة بلا إشكال، و لا مورد حينئذ لقاعدة الطهارة.

(141) هذا إذا علم بسبق الجفاف. و أما إن علم بسبق الرطوبة غير المغتفرة فلا وجه للطهارة، لعدم تحقق الشرط. و كذا لو لم يعلم الحالة السابقة، لأنّ الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، فيرجع إلى استصحاب النجاسة في الصورتين.

(142) لأصالة بقائها إلى أن يحرز العلم بزوالها.

(143) بل يجب العلم بالزوال على هذا الفرض، لأصالة بقاء النجاسة حتّى يعلم الزوال، و لا تجري أصالة عدم العين لعدم العلم بعدمها بالعدم النعتي، لأنّ النجاسة حدثت إما معها، أو مع عدمها، فلا حالة سابقة معلومة لها من هذه الجهة. نعم، تجري أصالة عدم العين بالعدم الأزلي.

ص: 68

العلم بكونه أرضا (144)، بل إذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهّريته أيضا (145).

مسألة 7: إذا رقع نعله بوصلة طاهرة فتنجست تطهر بالمشي

(مسألة 7): إذا رقع نعله بوصلة طاهرة فتنجست تطهر بالمشي (146). و أما إذا رقعها بوصلة متنجسة ففي طهارتها إشكال، كما مرّ من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة.

______________________________

(144) لأصالة بقاء النجاسة إلا بعد إحراز المشي على الأرض بأمارة أو أصل معتبر، و المفروض عدمهما.

(145) بل مقتضى استصحاب بقاء النجاسة عدمها، بعد كون أصالة عدم حدوث الفرش أو نحوه لا تثبت الأرضية. الا أن يقال: إنّ موضوع الحكم المشي على ما ليس بفرش أو نحوه- و لو بالأصل- فلا يكون الأصل مثبتا حينئذ، و لكنّه مشكل، لعدم انفهام ذلك من ظواهر الأدلة.

(146) لإطلاق الأدلة الشامل لها أيضا.

فروع- (الأول): هل يجري الحكم في الحيوانات أيضا؟ الظاهر أنّه لا وجه لهذا النزاع في النجاسة العينية، لأنّها مع وجود عين النجاسة في أبدانها نجسة، و مع الزوال طاهرة، كما يأتي في العاشر من المطهّرات، سواء كان الزوال بالمشي أم بغيره. و أما الحكمية فلا يبعد القول بذلك إن قلنا بالنجاسة الحكمية فيها أيضا.

(الثاني): هل يجري الحكم في عربات السيارات و نحوها من النواقل؟ لا يبعد ذلك، لكون الحكم تسهيليا.

(الثالث): يشمل جميع ما تقدم: الصغير الذي لا تكليف عليه، فلو صارت رجله أو نعله متنجستين تطهران بالمشي على الأرض.

(الرابع): لو صنع النعل من الجلد المتنجس لا تطهر بالمشي على الأرض لأنّها نجاسة خارجية، و تقدم عدم كون الأرض مطهّرة لها.

(الخامس): لا فرق في مطهّرية الأرض بين كونها مباحة أو مغصوبة كما

ص: 69

«الثالث» من المطهّرات: الشمس

اشارة

«الثالث» من المطهّرات: الشمس (147) و هي تطهّر الأرض

______________________________

في جميع المطهّرات الخبثية.

(السادس): لو علم بنجاسة النعل و لم يعلم بأنّها لأجل كون الجلد من الميتة، أو لأجل النجاسة العرضية، و لم يكن أصل أو أمارة يعيّنان أحدهما فمقتضى الأصل بقاء النجاسة و عدم الطهارة بالمشي.

(مطهّرية الشمس)

(147) على المشهور المدعى عليه الإجماع في السرائر. و يدل عليه نصوص:

منها: صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه؟ فقال عليه السلام: إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (1).

و في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنّه قد يبس الموضع القذر. قال عليه السلام: لا يصلّى عليه و أعلم موضعه حتّى تغسله. و عن الشمس، هل تطهر الأرض؟ قال عليه السلام: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة. و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر، و كان رطبا فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، و إن كانت رجلك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع حتّى ييبس، و إن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك» (2).

و المنساق منه عرفا طهارة المحلّ بإشراق الشمس خصوصا مع ملاحظة ما دلّ

______________________________

ص: 70


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 4.

.....

______________________________

على وجوب طهارة محلّ السجود إن لم تجب طهارة بقية المساجد.

و أمّا ما عن الشيخ البهائي و الكاشاني رحمهما اللّه: من أنّ الموجود في النسخة الموثوق بها: «و إن كان عين الشمس» بدل «و إن كان غير الشمس» فتكون كلمة (إن) وصلية، و تدل على عدم مطهّرية الشمس.

ففيه أولا: أنّه خلاف الظاهر، كما اعترف به غير واحد.

و ثانيا: أنّه لا وجه لكون النسخة المشتملة على (عين الشمس) موثوقا بها مع اشتمال جملة من كتب الحديث و كتب الفروع على جملة (غير الشمس)، و في كشف اللثام إنّ العين سهو من النساخ.

و ثالثا: أنّه لا وجه لتذكير الفعل حينئذ بل اللازم أن يقال: (و إن كانت عين الشمس).

و رابعا: أنّ استعمال عين الشمس خلاف الاستعمالات المتعارفة، لأنّها إنّما تكون بدون لفظ العين كما في جميع روايات الباب و غيرها من الكتاب السنة فالموثقة إنّما تتضمن حكم الأقسام الثلاثة الابتلائية:

(الأول) جفاف النجاسة بالشمس، و حكمه الطهارة و عدم بقاء النجاسة.

(الثاني) عدم الجفاف مع إشراق الشمس، و حكمه بقاء النجاسة.

(الثالث) الجفاف بغير الشمس، و حكمه بقاء النجاسة فكيف بما إذا لم يجف.

فتلخّص: أنّ المتفاهم من أخبار المقام الطهارة بالشمس.

و في خبر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام: «ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» (1) أو «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» (2).

و المتفاهم من هذه الأخبار عرفا الطهارة، كما يستفاد الطهارة من مثل هذه التعبيرات في الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة. فما نسب إلى جمع من القدماء من القول بالعفو عن التيمم، و السجود على ما جفّفته الشمس دون الطهارة و أحكامها، خلاف ظاهر الأخبار، و لا وجه للتمسك باستصحاب بقاء النجاسة في مقابلها.

______________________________

ص: 71


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 6.

و غيرها من كلّ ما لا ينقل (148) كالأبنية، و الحيطان و ما يتصل بها من الأبواب، و الأخشاب، و الأوتاد، و الأشجار، و ما عليها من الأوراق، و الثمار، و الخضروات، و النباتات ما لم تقطع، و إن بلغ أوان قطعها، بل و إن صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار.

______________________________

و أما صحيح زرارة و حديد بن حكيم قالا: «قلنا: لأبي عبد اللّه عليه السلام: السطح يصيبه البول أو يبال عليه، أ يصلّى في ذلك المكان؟ فقال عليه السلام: إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس الا أن يكون يتخذ مبالا» (1).

فذكر الريح فيه من باب الغالب، لا التقييد، و الا فهو خلاف الإجماع، و يمكن حمله على التقية. كما أنّ صحيح ابن بزيع قال: «سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه، هل تطهّر الشمس من غير ماء؟ قال: كيف يطهر من غير ماء» (2) فمحمول على ما إذا كانت الأرض جافة، لما يأتي من أنّه يشترط في التطهير بالشمس أن تكون في المحلّ رطوبة متعدّية و الا فهو مطروح، أو محمول على التقية.

(148) على المشهور بين المتأخرين، و استدل عليه تارة: بإطلاق خبر الحضرمي المتقدم، خرج منه المنقول إجماعا، و بقي الباقي.

و أخرى: بأنّ المذكور في الأدلة لفظ «تصيبه الشمس» أو «أشرقت عليه الشمس» أو «جفّفته الشمس»، و المنساق منها عرفا الثابت الذي له استعداد ذلك.

و ثالثة: باشتمال الأدلة على الموضع و المكان و السطح، و الظاهر منها إرادتها بما يتبعها من الثابتات فيها التي تكون عبارة أخرى عن غير المنقول.

و رابعة: بورود النّص (3) في البواري التي قلّ نقلها لكونها تتكسر بذلك

______________________________

ص: 72


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 7.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 3.

و كذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط، و كذا ما على الحائط و الأبنية مما طلي عليها من جصّ و قير و نحوهما، عن نجاسة البول، بل و سائر النجاسات و المتنجسات (149). و لا تطهر من المنقولات إلا الحصر و البواري فإنّها تطهّرهما أيضا على الأقوى (150).

______________________________

غالبا فيكون من باب المثال لما لا ينقل عادة.

و خامسة: باقتضاء سهولة الشريعة و سماحتها في ذلك.

و سادسة: بالملازمة العرفية بين طهارة السطح و الموضع و المكان و ما يكون ثابتا فيها.

و بالجملة مقتضى قول أبي جعفر عليه السلام في خبر الحضرمي: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» المنجبر بالشهرة المؤيد بما ذكر، عموم الحكم لكلّ شي ء إلا ما خرج بالدليل. فاللازم إقامة الدليل على الإخراج، لا الاستدلال على التعميم فإنّه ثابت بالعموم الوضعي.

(149) نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين. و يدل على الكلّ عموم خبر الحضرميّ المؤيد بالوجوه المذكورة.

و ما نسب إلى جمع من الاختصاص بالبول، لا دليل لهم الا ذكره في بعض ما تقدم من الأخبار. و لكنّه من باب المثال بقرينة موثق عمار:

«إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك»(1).

ثمَّ إنه ليس من لفظ المنقول و غير المنقول في الأخبار عين و لا أثر، و إنّما ذكرا في كلمات الفقهاء، و لعلّهم استظهروهما مما ورد في الأخبار من لفظ السطح و المكان و الموضع و الصلاة عليه و نحو ذلك، فراجع ما تقدم منها (2).

(150) على المعروف بين الأصحاب، لعموم خبر الحضرمي المنجبر، و لإمكان أن يراد بالسطح و المكان و الموضع الأعمّ من البواري و الحصر ما لم يقم

______________________________

ص: 73


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2 و 7.

.....

______________________________

إجماع على الخلاف، و لا إجماع كذلك. و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن البواري يصيبها البول، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال عليه السلام نعم، لا بأس» (1)، و في آخر عنه عليه السلام «عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليها؟ قال: إذا يبست فلا بأس» (2).

و المنساق من إطلاق الصلاة عليها صحة السجود عليها، خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانوا يسجدون على الحصر و البواري غالبا فلا بد و أن يراد باليبس و الجفاف ما إذا كانا بالشمس.

و أما صحيحة الثالث «عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال عليه السلام: نعم» (3).

فلا ربط له بالمقام، لأنّ لفظ (فيهما) قرينة ظاهرة على أنّ المراد مكان المصلّى و محلّ الصلاة، لا محلّ سجوده في مكان المصلّي إذا لم تكن النجاسة مسرية، كما يأتي.

ثمَّ إنّه قد نقل عن جمع من أهل اللغة: اتحاد الحصير و البارية، و في كاشف اللثام: «إنّي لم أعرف في اللغة فرقا بينهما».

أقول: لا إشكال في أنّ لها أنواعا و أقساما في كلّ عصر و زمان، و غلبة بعض الأنواع في بعض الأزمان أو في بعض الأماكن لا توجب الاختصاص به.

فما قيل باختصاص البارية بما عمل من القصب، و الحصير بغيره. إن كان لأجل الغلبة الوجودية الخارجية، فلا يكون ذلك منشأ للاختصاص، و إن كان لأجل ذكر البارية في الصحيحين(4)فهو من باب المثال.

و قال في الجواهر: «إن لم نقل بشمولها له (أي البوريا للحصير) لغة أمكن إلحاقه بها، إلقاء للخصوصية بقرينة فهم الأصحاب». و أرسل في المستند

______________________________

ص: 74


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 29 و باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 2.

و الظاهر أن السفينة و «الطّرادة» من غير المنقول و في «الگاري» و نحوه إشكال، و كذا مثل الجلابية و القفّة (151). و يشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية (152). و أن تجفّفها بالإشراق

______________________________

اتحادهما الحكمي إرسال المسلّمات. و لا فرق بين أنواعها و أقسامها ما دام يصدق الحصير و البوريا، و في شمول الحكم لما يعمل بنحو السجادة، و ينقل إلى حيث يراد، إشكال.

ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق في الحصر و البواري بينما إذا كانت مبسوطة قطعا متعددة أو معمولة بقدر المكان قطعة واحدة للإطلاق. و هل يشمل ما إذا كانت ملفوفة موضوعة في محلّ، جمودا على الإطلاق، أم لا؟ وجهان:

الأحوط هو الأخير.

(151) تقدم: أنّه ليس للفظ المنقول و غير المنقول في الأخبار عين و لا أثر، و إنّما المذكور فيها الموضع و المكان و المحلّ، و الظاهر عدم صحة الأخذ بإطلاقها، لشمولها للمنقول أيضا في الجملة. نعم، لا يبعد أن يستظهر من الأخبار المتقدمة أنّ المناط صحة وقوع الصلاة فيها و عليها، فما كان صالحا لذلك و جرت العادة بالصلاة فيها- و لو أحيانا- يطهر بالشمس، و ما لم يكن كذلك فلا يشمله الدليل، بل و مع الشك أيضا، فيكون المرجع أصالة بقاء النجاسة.

(152) لاشتمال الأدلة (1) على الجفاف و اليبس الحاصل بالشمس و يتوقف على وجود الرطوبة المسرية، و هذا لا إشكال فيه بناء على ترادف اليبس و الجفاف. و أما بناء على أنّ بينهما العموم من وجه بدعوى: عدم صدق الجفاف إلا مع سبق الرطوبة المسرية، سواء زالت بعد إشراق الشمس رأسا أم بقي منها شي ء يسير لا يضرّ بصدق الجفاف عرفا. و أما اليبس، فلا يصدق إلا إذا زالت الرطوبة رأسا و لم يبق منها شي ء و لو يسيرا، سواء كانت الرطوبة السابقة مسرية أم لا، فيكون مورد الاجتماع- و هو ما إذا كانت في المحلّ الرطوبة المسرية و يبست

______________________________

ص: 75


1- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات.

عليها بلا حجاب عليها (153)، كالغيم و نحوه، و لا على المذكورات فلو جفّت بها من دون إشراقها، و لو بإشراقها على ما يجاورها، أو لم

______________________________

بالإشراق- طاهرا قطعا، و في غيره- و هو ما إذا لم يصدق عليه اليبس و إن صدق الجفاف- يرجع إلى أصالة بقاء النجاسة ما لم يدل دليل على التطهير، و لا دليل عليه الا عموم: «كلّ ما أشرقت الشمس عليه فهو طاهر» (1) و لا وجه للتمسك به، لوجوب تخصيصه بما إذا صار يابسا. و لكن الظاهر أنّ بينهما الترادف لغة و عرفا. نعم، قد يتسامح في إطلاقهما و لو كان في المحلّ رطوبة يسيرة، و لا يبعد اغتفارها مع صدق الجفاف و اليبوسة عرفا.

ثمَّ إنّه يستفاد من موثق عمار أمور (2):

الأول: مسلميّة كون الشمس مطهّرا حيث قال: «فلا تصيبه الشمس ..

إلخ»، إذ يستفاد منه معروفية مطهّرية الشمس في الجملة و إنّما سأل عن الخصوصيات، و أكد ذلك بالسؤال ثانيا بقوله: «و عن الشمس هل تطهّر الأرض».

الثاني: عدم اختصاص المطهّرية بقذارة البول فقط، لقوله عليه السلام:

«أو غير ذلك».

الثالث: اعتبار الرطوبة في المحل ثمَّ اليبس بالشمس.

الرابع: عدم مطهّرية غير الشمس من الريح و الحرارة و نحوهما بقوله عليه السلام: «و إن كان غير الشمس أصابه .. إلخ». و ما تقدم عن الحبل المتين و الوافي (3) فقد مرّت المناقشة فيهما.

(153) نصّا و إجماعا، و تقدم خبر الحضرمي: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس».

______________________________

ص: 76


1- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 70.
3- الوافي ج: 4 صفحة: 36 و تقدمت المناقشة في صفحة: 71.

تجف، أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر (154).

نعم، الظاهر أنّ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس و إشراقها لا يضرّ (155)، و في كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال (156).

مسألة 1: كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتصل بالظاهر النجس

(مسألة 1): كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتصل بالظاهر النجس بإشراقها عليه و جفافه بذلك (157)، بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجسا أو لم يكن متصلا بالظاهر، بأن يكون بينهما فصل بهواء، أو بمقدار طاهر، أو لم يجف أو جفّ بغير الإشراق على الطاهر، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر و تجفيفها للباطن، كأن يكون أحدهما في يوم و الآخر في يوم آخر، فإنّه لا يطهر في هذه الصور (158).

______________________________

(154) كلّ ذلك لاستصحاب بقاء النجاسة بعد كون المتفاهم عرفا من الأدلة استقلال الشمس بالإشراق و الجفاف، و تقدم ما في خبر حديد (1) الذي ذكر فيه الريح مع الشمس.

(155) لصدق الجفاف بإشراق الشمس عرفا.

(156) لخروجه عن المتفاهم العرفي من الأدلة، و مثله ما لو كان الحائل زجاجا و نحوه مما لا يمنع المشاهدة و إن كان أخفّ إشكالا من المرآة و أما الستار المصنوع لدفع دخول الهوام، فالظاهر أنّه غير مانع إن صدق إشراق الشمس معه عرفا.

(157) لصدق الجفاف بإشراق الشمس، فيشمله إطلاق الأدلة. و نسب إلى البحار دعوى الإجماع عليها أيضا، هذا مع وحدة الموضوع عرفا، بخلاف ما إذا تعدّد أو شك في الوحدة و التعدد، فالمرجع استصحاب النجاسة حينئذ.

(158) كلّ ذلك لاستصحاب النجاسة بعد ظهور الأدلّة في غيرها أو الشك

______________________________

ص: 77


1- تقدم في صفحة: 72.
مسألة 2: إذا كانت الأرض أو نحوها جافة، و أريد تطهيرها بالشمس

(مسألة 2): إذا كانت الأرض أو نحوها جافة، و أريد تطهيرها بالشمس يصبّ عليها الماء الطاهر، أو النجس، أو غيره مما يورث الرطوبة فيها حتّى تجفّفها (159).

مسألة 3: ألحق بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقولات

(مسألة 3): ألحق بعض العلماء (البيدر) الكبير بغير المنقولات و هو مشكل (160).

مسألة 4: الحصى و التراب و الطّين و الأحجار و نحوها ما دامت واقعة على الأرض هي في حكمها

(مسألة 4): الحصى و التراب و الطّين و الأحجار و نحوها ما دامت واقعة على الأرض هي في حكمها، و إن أخذت منها لحقت بالمنقولات، و إن أعيدت عاد حكمها، و كذا المسمار الثابت في الأرض، أو البناء، ما دام ثابتا يلحقه الحكم، و إذا قلع يلحقه حكم المنقول، و إذا أثبت ثانيا يعود حكمه الأول، و هكذا فيما يشبه ذلك (161).

مسألة 5: يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة

(مسألة 5): يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة إن

______________________________

في شمولها لتلك الصور، إذ لا يجوز التمسك بها حينئذ، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

(159) على المشهور، و تقدم أنّ ذلك محمل صحيح ابن بزيع.

(160) من الجمود على إطلاق: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» و لم يقم دليل فيه على الخلاف و من أنّ المتعارف في أمثاله إجراء حكم الأجزاء على الكلّ، و الأجزاء منقولة قطعا، فيكون الكلّ كذلك أيضا.

(161) على المشهور، لكونها من توابع غير المنقول عرفا، فيشملها إطلاق الأدلة، هذا إذا كانت النجاسة و الإشراق كلاهما في حال الاتصال بالأرض. و أما إن كانت النجاسة في حال الانفصال، و الإشراق في حال الاتصال بها، أو كان بالعكس، أو كانا معا في حال الانفصال، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة بعد الشك في شمول الأدلة لها، بل الجزم بالعدم في بعض الصور.

ص: 78

كان لها عين (162).

مسألة 6: إذا شك في رطوبة الأرض حين الإشراق

(مسألة 6): إذا شك في رطوبة الأرض حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها، أو في حصول الجفاف، أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير، لا يحكم بالطهارة (163)، و إذا شك في حدوث المانع عن الإشراق من ستر و نحوه يبنى على عدمه على إشكال، تقدم نظيره في مطهّرية الأرض (164).

مسألة 7: الحصير يطهر بإشراق الشمس على أحد طرفيه، طرفه الآخر

(مسألة 7): الحصير يطهر بإشراق الشمس على أحد طرفيه، طرفه الآخر (165)، و أما إذا كانت الأرض التي تحته نجسة، فلا تطهر بتبعيته (166) و إن جفّت بعد كونها رطبة و كذا إذا كان تحته حصير آخر، إلا إذا خيط به على وجه يعدّان معا شيئا واحدا. و أما الجدار المتنجس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر إذا جفّ به (167)، و إن كان لا يخلو عن إشكال (168). و أما إذا أشرقت على

______________________________

(162) للإجماع، مضافا إلى عدم تعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة.

(163) لاستصحاب بقاء النجاسة، و لا يصح التمسك بإطلاقات الأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

(164) لاستصحاب النجاسة بعد عدم صحة جريان أصالة عدم المانع لكونها مثبتة.

(165) بناء على وحدة الموضوع فتشمله إطلاقات الأدلة. و أما مع الشك فيها فالمرجع استصحاب النجاسة. و الظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد.

(166) لتحقق الاثنينية العرفية، و لا أقلّ من الشك في الوحدة، فيرجع إلى استصحاب بقاء النجاسة، و من ذلك يظهر حكم الجدار أيضا، إذ الظاهر تحقق الاثنينية بين طرفيها، فالمدار على صدق الوحدة العرفية و التبعية كذلك.

(167) مع صدق الوحدة العرفية.

(168) مع عدم الصدق أو الشك فيه.

ص: 79

جانبه الآخر أيضا فلا إشكال (169).

«الرابع»: الاستحالة

«الرابع»: الاستحالة و هي تبدل حقيقة الشي ء و صورته النوعية إلى صورة أخرى (170). فإنّها تطهّر النجس، بل و المتنجس (171)،

______________________________

(169) لشمول العموم للطرفين.

(مطهّرية الاستحالة)

(170) و هي من المبيّنات العرفية، و لا بد من الرجوع في فهم حقيقتها إلى العرف. و إذا راجعناهم يحكمون بأنّ المراد بها تبدل موضوع الحكم بالنجاسة بحسب المتفاهم من الأدلة، بل يكون كذلك عقلا أيضا، لأنّ تقوم الحكم بموضوعه المأخوذ في دليله عقليّ، فمع انتفاء الموضوع ينتفي الحكم لا محالة، و ليس للفقهاء اصطلاح خاص حتى نحتاج إلى بيان تعريفاتهم، لأنّ مرادهم بيان المعنى العرفي لها أيضا. و لم يرد لفظ الاستحالة في الأدلة الشرعية حتّى يحتاج إلى البحث و الاجتهاد، بل في تسميتها من المطهّرات مسامحة واضحة، إذ المتفاهم منها بقاء الموضوع و زوال وصف النجاسة، و أما تبدل أصل الموضوع فهو من السالبة بانتفاء الموضوع.

ثمَّ إنّ للاستحالة مراتب متفاوتة، و المراد منها في المقام الصدق العرفي بأن يصدق على الشي ء التراب- مثلا- و لا يصدق عليه العذرة، و دليل الطهارة بها واضح، لأنّ موضوع النجاسة إنّما هو العناوين الخاصة، و لا ريب في تبدلها بالاستحالة فلا يجري إطلاق أدلة تلك العناوين، و لا الاستصحاب لتبدل الموضوع و حينئذ فتشمله إطلاقات أدلة المستحال إليه، فيكون طاهرا لا محالة.

هذا إذا أحرز تبدل الموضوع واقعا، فتكون الطهارة في المستحال إليه واقعية.

و أما الشك فيه بحيث لا يجري استصحاب النجاسة من جهة اختلاف الموضوع فالمرجع قاعدة الطهارة، و تكون الطهارة ظاهرية حينئذ. و بعد كون المرجع في موضوع الاستحالة هو العرف و مسلّمية حكمها عند الفقهاء، فإن وقع

ص: 80

.....

______________________________

النزاع في بعض أفرادها، فهو صغرويّ، لا أن يكون نزاعا في حكم أصل الاستحالة. و ظاهرهم الإجماع على تحققها في الرماد و الدخان.

و تردد المحقّق رحمه اللّه في المعتبر في الفحم، و لا وجه له، خصوصا في بعض مراتبه لأنّ الفحم غير الخشب عرفا و لغة. و نسب إلى المبسوط نجاسة دخان الدهن المتنجس و الظاهر أنّه ليس لأجل النزاع في الاستحالة، بل لأجل تصاعد الأجزاء الدهنية النجسة، كما لا يخفى على من راجع كلماته. و ظاهرهم التسالم على تحقق الطهارة في صيرورة الماء النجس بخارا. و كذا استحالة العذرة إلى الدود و التراب و صيرورة الكلب و الخنزير ملحا، و النطفة حيوانا، و الماء و الغذاء النجس لبنا، أو عرفا، و الوجه في طهارة جميع ذلك صدق عنوان المستحال إليه على المذكورات، و لا نحتاج بعد ذلك إلى الإجماع، و قاعدة الطهارة، مع صحة التمسك بهما أيضا. و إشكال جمع في صيرورة الكلب ملحا، إنّما هو لأجل الجهات الخارجية، لا من جهة الإشكال في مطهّرية أصل الاستحالة فيكون النزاع في أنّه هل تحققت الاستحالة بالنسبة إلى جميع الخصوصيات أم لا؟

(171) لأنّ معروض النجاسة الصورة النوعية، و هي تزول بالاستحالة فيزول حكم النجاسة قهرا. و لا منشأ للحكم بالنجاسة في استحالة المتنجس إلّا القول بأنّ المعروض مطلق الجسم. و لا وجه له ثبوتا، لأنّ الجسم المطلق من حيث هو لا تحقق له في الخارج إلا في ضمن الصورة النوعية الخاصة فهي المحكومة بالأحكام الشرعية، و كذا لا دليل عليه إثباتا، بل مقتضى المتفاهمات العرفية خلافه، فيكون النزاع في أنّ استحالة المتنجس توجب الطهارة أم لا، صغرويا، لا كبرويّا. فمن يقول بأنّ معروض النجاسة الصور النوعية يقول بالأول. و من يقول بأنّه مطلق الجسمية يقول بالثاني، و لكن لا طريق له إلى إثباته، لا من العقل، و لا من النقل.

نعم، مع الشك في أصل الاستحالة يجري استصحاب النجاسة بلا شبهة، و مع الشك في بقاء موضوع الاستصحاب، فالمرجع قاعدة الطهارة، لعدم جريان دليل المستحال منه، و لا المستحال إليه، و لا الاستصحاب، للشك في

ص: 81

كالعذرة تصير ترابا، و الخشبة المتنجسة إذا صارت رمادا، و البول و الماء المتنجس بخارا، و الكلب ملحا و هكذا كالنطفة تصير حيوانا، و الطعام النجس جزءا من الحيوان (172).

و أما تبدل الأوصاف و تفرّق الأجزاء، فلا اعتبار بهما، كالحنطة إذا صارت طحينا (173) أو عجينا، أو خبزا (174)، و الحليب إذا صار

______________________________

الموضوع. فتصل النوبة قهرا إلى قاعدة الطهارة، كما هو واضح إلى النهاية.

و ما يقال: من أنّ مدرك التطهير بالاستحالة منحصر في الإجماع، و لا إجماع في المتنجس لوجود الخلاف فيه.

(مخدوش) بأنّ المدرك قاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الاسم التي مرّت إليها الإشارة (1)، و الإجماع حاصل منها، لا أن يكون إجماعا تعبّديا، و تلك القاعدة تشمل النجس و المتنجس، كما لا يخفى فيشكل الاعتماد على مثل هذه الإجماعات.

(172) لأنّ في الجميع المستحال منه، و ما استحال إليه نوعين مختلفين عرفا، و لكلّ منهما آثار مختلفة تكشف عن اختلاف الحقيقة بينهما، فيختلف حكمهما قهرا. ثمَّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين أن تكون الاستحالة بالتبدلات التكوينية، أو الصناعية الحديثة بعد عدم صدق اسم المستحال منه على المستحال إليه.

(173) لشهادة العرف، و الاتفاق، و الاستصحاب على عدم الاستحالة فيه.

(174) على المشهور، و يدل عليه- مضافا إلى الاستصحاب- صحيح ابن أبي عمير:

«قيل لأبي عبد الله عليه السلام: في العجين يعجن من الماء النجس

______________________________

ص: 82


1- راجع ج: 1 صفحة: 137.

.....

______________________________

كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة»(1).

و أما مرسلة الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يدفن و لا يباع» (2)، فيدل على النجاسة.

و أما بالنسبة إلى البيع فمحمول على من لا يستحل الميتة جمعا، أو على ما إذا كان المشتري مسلما مع عدم الإعلام.

كما أنّ صحيحه الثالث: «في عجين عجن و خبز، ثمَّ علم أنّ الماء كان فيه الميتة، قال: لا بأس أكلت النار ما فيه» (3). محمول على ميتة ما لا نفس له، أو على ما إذا كان الماء من البئر بقرينة خبر الزبيري، و تكون من أدلة عدم انفعال البئر، كما استقر عليه المذهب.

و أما قوله عليه السلام: «أكلت النار ما فيه» فإرشاد إلى زوال مطلق الحزازة، لا زوال النجاسة الاصطلاحية.

و كذا خبر الزبيري: «عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس بأكله» (4).

هذا مع أنّ قصور سند الأخير، و إعراض المشهور عنه- على فرض نجاسة البئر- أسقطه عن الاعتبار.

ثمَّ إنّه قد تقدم جواز بيع النجاسات فكيف بالمتنجسات مع وجود المنافع المحللة فيها، فيجوز بيعها من المسلم أيضا مع الإعلام. و لعلّ قوله عليه السلام: «يباع ممن يستحل الميتة» للإرشاد إلى تنزه المسلمين عن هذه الأمور و إن كانت مباحة لهم.

هذا مع أنّ المشهور بين الفقهاء أنّه يجب على المسلمين إجراء حكم المسلم على الكفار إلا ما خرج بالدليل، و حينئذ يجب إعلامهم بالنجاسة أيضا، كما إذا بيع من المسلم. إلا أن يقال: إنّ الإعلام لغو بالنسبة إليهم، لفرض

______________________________

ص: 83


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأسئار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الأسئار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 18.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 17.

جبنا (175). و في صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحما تأمل (176)، و كذا في صيرورة الطّين خزفا أو آجرا (177) و مع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة.

______________________________

نجاستهم و نجاسة رطوباتهم مطلقا، فلا أثر للإعلام، لأنّ وجوبه مقدّميّ، لا نفسيّ.

(175) ظهور الإجماع على عدم الاستحالة، و لاستصحاب بقاء النجاسة.

(176) من جهة الشك في بقاء الموضوع و عدمه، و لكن العرف يحكم بالاستحالة في الفحم، خصوصا في بعض مراتبه. مضافا إلى أنّه مع بقاء الشك في بقاء الموضوع لا وجه للتمسك بدليل المستحال منه، و لا المستحال إليه، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، كما لا وجه للاستصحاب للشك في أصل الموضوع، فيكون المرجع قاعدة الطهارة.

(177) نسب القول بالاستحالة و الطهارة فيهما إلى الأكثر، و عن الشيخ دعوى الإجماع على الطهارة. و عن جمع منهم الشهيد الثاني القول: بعدمها و بقاء النجاسة. و عن آخرين التوقف في المسألة. و هذا الفرع يذكر هنا و في التيمم، كما يذكر في مسجد الجبهة. و ربما يختلف نظر الفقيه الواحد في المقامات الثلاثة. و النزاع صغرويّ، لا أن يكون كبرويا.

و البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الاستظهارات العرفية. و ثالثة: بحسب الأدلة.

أما الأول فمقتضى الأصل بقاء الشي ء على حالته الأولية، و عدم عروض عنوان الاستحالة، و عدم حصول الطهارة مع بقاء وحدة الموضوع عرفا، و أما مع التعدد أو الشك في الوحدة، فالمرجع قاعدة الطهارة.

و أما الثاني فمقتضى قاعدة (أنّ اختلاف الآثار يكشف عن اختلاف الحقيقة). تحقق الاستحالة، فيكون الطين مع كلّ من الجص و الخزف، و الآجر مختلفا و مباينا، و حينئذ لا يبقى مورد للأصل، لأن تلك القاعدة كالأمارة المقدمة عليه.

ص: 84

.....

______________________________

و أما الأخير فليس في البين الا دعوى الإجماع عن الشيخ على الطهارة، و صحيح ابن محبوب الذي تقدم (1)، لكن الصحيح مجمل، و اعتبار ما ادعاه الشيخ من الإجماع أول الدعوى. و قاعدة كشف اختلاف الآثار عن اختلاف الحقائق مسلمة إن كان الاختلاف في جميع الآثار و تمامها، لا في الجملة، فيمكن أن يكون اختلاف كلّ من الخزف و الجص و الآجر مع الأرض، كالاختلاف بين اللحم الطريّ و المشويّ و لكن لا ريب في أنّ الشك في تعدد الموضوع يوجب سقوط الاستصحاب فالمرجع قاعدة الطهارة. و قد جزم الماتن في (فصل ما يصح به التيمم) و (مسجد الجبهة) بعدم جواز التيمم و السجود عليها. و هنا أشكل في الاستحالة مع سكوت أعلام المحشّين رحمهم اللّه في الموضعين.

ثمَّ إنّ الشك في الاستحالة (تارة): يكون في أصل الجعل الشرعي، بأن يكون الشك في أنّ الشارع جعلها من المطهّرات أم لا؟ و المرجع حينئذ أصالة عدم الجعل. (و أخرى): في مفهومها بعد العلم بالجعل، و لا وجه فيه للتمسك بالأدلة اللفظية مطلقا، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. كما لا يجري الاستصحاب لا في الحكم، للشك في موضوعه. و لا في الموضوع، لأنّ الشك في بقاء الموضوع، لا في موضوعية الباقي و المرجع حينئذ قاعدة الطهارة.

(و ثالثة): في مجرد بقاء الموضوع الخارجي كما إذا علم بوقوع الكلب- مثلا- في المملحة و شك لأجل الظلمة أو العمى أو نحوهما في الاستحالة و عدمها، فيجري استصحاب بقاء الكلب على ما كان عليه، و معه لا تصل النوبة إلى استصحاب النجاسة، لتقدم الأصل الموضوعيّ على الحكميّ. و هذا القسم هو مراد الماتن من الحكم بعدم الطهارة.

فرع: ظاهر الفقهاء اعتبار عدم وجود الرطوبة المسرية في مورد الاستحالة. و الا، تبقى النجاسة بحالها، و إن تحقّقت الاستحالة، لأصالة بقاء الرطوبة على النجاسة، و عدم تحقق الاستحالة بالنسبة إليها، إلا إذا قلنا بالطهارة التبعية في مورد الاستحالة أيضا.

______________________________

ص: 85


1- راجع ج 1 صفحة: 460.

«الخامس»: الانقلاب

اشاره

«الخامس»: الانقلاب كالخمر تنقلب خلّا (178) فإنّه يطهر، سواء كان بنفسه أم بعلاج (179) كإلقاء شي ء من الخلّ أو الملح «مطهّرية الانقلاب»

______________________________

(178) قد اشتهرت عناوين ستة في الألسنة: الاستحالة، و تبدل الأوصاف و تبدل الأجزاء، و الانقلاب، و الانتقال، و الاستهلاك، و يجمعها التغاير في الجملة. و الأول كالعذرة تصير ترابا، و هي من المطهّرات، كما تقدم. و الثاني كالحليب يصير جبنا. و الثالث كالحنطة تصير دقيقا، و تقدم عدم الاستحالة بهما فلا يوجبان زوال النجاسة. و الرابع مطهّر نصّا و إجماعا، و ليس له إلا مصداق واحد و هو انقلاب الخمر خلا فقط، و لا مورد له غير ذلك، و يأتي في المسألة الخامسة أنّه عبارة عن مجرد تغير الاسم، دون تبدل الحقيقة النوعية.

و فيه إشكال: لأنّ الخلّ و الخمر حقيقتان مختلفتان لغة و عرفا و أثرا و واقعا، و تقدم أنّ للاستحالة مراتب متفاوتة فإذا قلنا بجريان الاستحالة في المائعات أيضا يكون الانقلاب من أفراد الاستحالة، فيكون النص الوارد فيه موافقا للقاعدة. و إذا قلنا- كما هو المشهور- باعتبار عدم الرطوبة المسرية في مورد الاستحالة تكون الطهارة بالانقلاب تعبدية للنص (1)، و الإجماع و يأتي معنى الانتقال في السابع من المطهّرات، و معنى الاستهلاك في المسألة السابعة.

(179) أما الأول فبضرورة المذهب، بل الدّين. و المستفيضة من نصوص المعصومين عليهم السلام. أما الثاني فللإجماع، و إطلاق جملة من النصوص، و ما ورد فيه بالخصوص، ففي صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام قال:

______________________________

ص: 86


1- راجع الوسائل باب: 77 من أبواب النجاسات.

فيها (180)، سواء استهلك أو بقي على حاله (181).

و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية

______________________________

«سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلا؟ قال: لا بأس» (1)، و في صحيح ابن المهتدي قال: «كتبت إلى الرضا عليه السلام: جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتّى يصير خلا. قال: لا بأس به» (2)، و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحول خلا. قال: لا بأس- الحديث-» (3) إلى غير ذلك من الروايات.

و أما خبر أبي بصير (4) عنه عليه السلام: «سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ فقال: لا، إلا ما جاء من قبل نفسه».

فمحمول على الكراهة، جمعا بينه و بين خبره الآخر عنه عليه السلام أيضا عن الخمر: «يصنع فيها الشي ء حتّى تحمض؟ قال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس به» (5).

هذا مضافا إلى الوهن بقصور السند، و إعراض المشهور.

و كذا خبر العيون عن عليّ عليه السلام: «كلوا ما انفسد و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم» (6). مع إمكان حمل مثل هذه الأخبار على ما إذا أزيل السكر و لم تصر خلا، فلا تطهر حينئذ، كما يأتي.

(180) هما منصوصان فيما تقدم من خبري أبي بصير و ابن المهتدي، و يشملهما إطلاق الشي ء في سائر الأخبار.

(181) على المشهور، للإطلاق الشامل لهما، كما أنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون ما يعالج به مائعا أو جامدا، لأنّ أدلة طهارة الخمر بالانقلاب

______________________________

ص: 87


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 77 من أبواب النجاسات حديث: 4 كما ورد في باب: 31 من الأشربة المحرمة.
6- عيون أخبار الرضا باب: 31 حديث 127.

إليها، فلو وقع فيها- حال كونها خمرا- شي ء من البول أو غيره، أو لاقت نجسا لم تطهر بالانقلاب (182).

مسألة 1: العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلّا لم يطهر

(مسألة 1): العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلّا لم يطهر.

و كذا إذا صار خمرا، ثمَّ انقلب خلّا (183).

مسألة 2: إذا صبّ في الخمر ما يزيل سكرها لم تطهر

(مسألة 2): إذا صبّ في الخمر ما يزيل سكرها لم تطهر و بقيت على حرمتها (184).

______________________________

تشمل جميع ذلك بالملازمة العرفية، بل صرّح في صحيح ابن المهتدي بصبّ الخلّ عليه، و الظاهر كونه من باب المثال، فيشمل مطلق المائع.

(182) لاستصحاب النجاسة بعد قصور الأدلة عن إثبات الطهارة بمثل هذا الانقلاب، سواء قلنا بأنّ النجس ينفعل بملاقاة نجس آخر أم لا. أما على الأول فلأنّ دليل الطهارة بالانقلاب يدل على طهارة الخمر بالانقلاب فقط، فتصير خلا متنجسا بالنجاسة الخارجية. و أما على الثاني فلأنّ عدم نجاسة الخمر بنجاسة نجس آخر القي فيه لا يلازم زوال نجاسة ذلك النجس الآخر، فتستصحب نجاسته إلى أن تثبت الطهارة، و دليل مطهرية الانقلاب لا يثبت الطهارة، لا بالملازمة العرفية، و لا الشرعية، كما هو واضح. و من ذلك يعلم الوجه في المسألة اللاحقة فلا نحتاج إلى الإعادة.

نعم، لو ألقيت فيه خمر و انقلبت تلك الخمر أيضا، فالظاهر شمول دليل مطهّرية الانقلاب لها حينئذ، لعدم تفرقة العرف في طهارة الخمرين بالانقلاب، فيشملها الإطلاق حينئذ.

(183) لما مرّ من استصحاب النجاسة، بلا دليل حاكم عليه.

(184) لإطلاق الأدلة، و أصالة بقاء النجاسة و الحرمة، و ما في بعض الأخبار من أنّه «إذا ذهب سكره فلا بأس»(1)، و «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» (2) مقيد بما إذا كان ذلك بالتخليل فقط، و لم يعمل أحد من الأصحاب بإطلاقهما.

______________________________

ص: 88


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
مسألة 3: بخار البول أو الماء المتنجس طاهر

(مسألة 3): بخار البول أو الماء المتنجس طاهر (185)، فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام الا مع العلم بنجاسة السقف.

مسألة 4: إذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ، و استهلكت فيه لم يطهر

(مسألة 4): إذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ، و استهلكت فيه لم يطهر، و تنجس الحلّ إلا إذا علم انقلابها خلّا بمجرد الوقوع فيه (186).

______________________________

هذا مع صدق الموضوع عرفا. و أما مع عدم الصدق، أو الشك فيه فلا وجه للتمسك بهما، فيكون المرجع قاعدتي الحلية و الطهارة، إن لم يكن إجماع في البين. و لو جعل في العنب شي ء يمنع عن حصول صفة الإسكار فيه بعد نشيشه مع تحقق سائر صفات الخمر، فلا مورد للإطلاق و الاستصحاب، و ينحصر المرجع في قاعدتي الحلية و الطهارة.

(185) هذه المسألة من فروع: أنّ البخار من الاستحالة، أو من تفرق الأجزاء، فعلى الأولى يكون طاهرا، بخلاف الثاني و العرف و اختلاف الأثر يدلّان على الأول، و مع الشك في أنّه من أيّهما، فالمرجع قاعدة الطهارة بعد عدم جواز التمسك بالأدلة اللفظية، و بالاستصحاب، للشك في الموضوع، و تقدم في [مسألة 4] من فصل المياه، بعض الكلام (1).

(186) أما عدم طهارة القطرة الواقعة فلما دل على نجاسة الخمر، و أصالة بقائها إلى ما بعد ورودها في الخلّ. و أما تنجس الخلّ فلأنّه مائع مضاف لاقى نجسا فينفعل بمجرد الملاقاة، و لا أثر لاستهلاك النجس في المضاف، بل يتنجس المضاف بمجرد الملاقاة، و قد تقدم في [مسألة 1] من فصل المياه بعض الكلام فراجع (2). و أما إذا علم بانقلابها خلا بالوقوع فيه، فالصور المتصورة فيه ثلاث:

(الاولى) انقلابها خلا قبل الوقوع في الخلّ، فلا إشكال في طهارة الخلّ

______________________________

ص: 89


1- راجع ج: 1 صفحة: 137.
2- ج: 1 صفحة: 130.
مسألة 5: الانقلاب غير الاستحالة

(مسألة 5): الانقلاب غير الاستحالة (187)، إذ لا تتبدل فيه

______________________________

و طهارة القطرة الواقعة فيه، لأنّها خلّ وقعت في الخلّ.

(الثانية): الانقلاب بعد الوقوع، فلا ريب في نجاسة الخلّ، لما مرّ من أنّه مضاف لاقى النجس فينجس.

(الثالثة): الانقلاب إلى الخلّ في آن الوقوع فيه بالدقة العقلية، و يشكل التمسك بما دل على أنّ ملاقاة النجس موجب للانفعال في هذه الصورة، لكونه من التمسك بدليل يشك في موضوعه، كما يشكل التمسك بما دل على مطهرية الانقلاب أيضا لذلك، فيرجع إلى استصحاب طهارة الخلّ بلا دليل حاكم عليها، و هذه الصورة نظير ما تقدم في [مسألة 7] من فصل المياه (1).

________________________________________

و أما ما نسب إلى الشيخ رحمه الله في النهاية: من أنّه إذا وقع شي ء من الخمر في الخلّ لم يجز استعماله الا بعد أن يصير ذلك الخمر خلا. فإن أراد الصورة الثالثة فهو. و الا فلم يعلم الوجه فيه، بل هو ظاهر الخدشة كما تقدم.

(187) للاستحالة مراتب متفاوتة، و الانقلاب من بعض مراتبها بلا شبهة.

و الفرق بينهما: أنّ الاستحالة تختص بما ليست فيه رطوبة مسرية، و الانقلاب يختص بمائع مخصوص لدليل خاص. و لو قيل بأنّ الاستحالة تجري حتّى فيما فيه الرطوبة المسرية أيضا لما نحتاج في مطهّرية الانقلاب إلى دليل خاص به، بل نقول بالطهارة لو استحال الدم- مثلا- إلى الماء و لكنّه خلاف المصطلح بين الفقهاء رحمهم اللّه و إن كان الظاهر تسالمهم على طهارة انقلاب الدم بالقيح.

و التعليل في قوله رحمه الله تعالى: «إذ لا تبدل فيه للحقيقة النوعية».

(مخدوش) لاختلاف الخمر و الخلّ في الآثار الكاشف عن الاختلاف في الحقيقة، و حق التعليل أن يقال: إنّه يختص بالمائع و مورد خاص بخلاف الاستحالة فإنّها تختص بغيره.

______________________________

ص: 90


1- ج: 1 صفحة: 140.

الحقيقة النوعية بخلافها، و لذا لا تطهر المتنجسات به و تطهر بها (188).

مسألة 6: إذا تنجس العصير بالخمر ثمَّ انقلبت الخمر خلّا

(مسألة 6): إذا تنجس العصير بالخمر ثمَّ انقلبت الخمر خلّا، لا يبعد طهارته، لأنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية (189) بصيرورته

______________________________

(188) أما عدم طهر المتنجسات بالانقلاب فلاستصحاب بقاء النجاسة بالنسبة إلى ذات الجسم الموجود في الموردين، فلا ينافي ما تقدم في الخامس من المطهرات(1)، لأنّ الحكم تعلق هناك بالصور النوعية بخلاف المقام الذي يكون موضوع الحكم هو ذات الجسم و هو باق في الحالتين .. بعد اختصاص دليل مطهّريته بمورد خاص- و هو انقلاب الخمر خلا- فقط.

و أما طهرها بالاستحالة فلانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع قهرا. و لكن بشرط أن لا يكون من المائعات و لم تكن فيه الرطوبة المسرية على المشهور.

(189) المنساق إلى الأذهان السليمة أنّ النجاسة العرضية تنعدم عند صيرورتها ذاتية مع كونهما من صنف واحد، و الأدلة الشرعية قاصرة عن إثبات نجاستين في موضوع واحد مع كونهما من صنف واحد. فمع زوال النجاسة الذاتية بالانقلاب تحصل الطهارة لا محالة.

و أما ما يقال: في وجه عدم إمكان اجتماع نجاستين، إن كانتا من صنف واحد، بأنّه من اجتماع المثلين، و هو باطل. (فمخدوش): بأنّ اجتماع المثلين الباطل إنّما هو في الموجودات الخارجية، دون الاعتباريات، شرعية كانت، كالطهارة و النجاسة أو غيرها، لأنّها تدور مدار اعتبار المعتبر، و في مورد اتحاد الأثر لا وجه للاعتبار، و في مورد الاختلاف يعتبر الأثر الزائد. كما أنّ ما يجاب به على فرض كون المقام من اجتماع المثلين الباطل: من تعدد الموضوع، فإنّ موضوع النجاسة الذاتية، حقيقة الخمرية، و موضوع النجاسة العرضية ذات العصير و هما مختلفان. (مخدوش) أيضا، لكون الموضوع في

______________________________

ص: 91


1- راجع صفحة: 86.

خمرا، لأنّها هي النجاسة الخمرية (190)، بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات فإنّ الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها، و لا يصيّرها ذاتيّة، فأثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

مسألة 7: تفرق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة

(مسألة 7): تفرق الأجزاء بالاستهلاك (191) غير الاستحالة و لذا لو وقع مقدار من الدم في الكرّ و استهلك فيه، يحكم بطهارته (192)، لكن لو اخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة (193)، بخلاف الاستحالة فإنّه إذا صار البول بخارا ثمَّ ماء، لا يحكم بنجاسته، لأنّه صار حقيقة أخرى.

______________________________

كلّ منهما ذات الجسم، و هذا الاختلاف اعتباريّ عقليّ و هو غير موجب لتعدد وجود الموضوع خارجا، كما لا يخفى.

(190) فيصح فيها التضاعف و الاشتداد، لما مرّ: من أنّ النجاسة اعتبارية، و اعتبار التضاعف و الاشتداد في الاعتباريات لا بأس به.

(191) الاستهلاك: عبارة عن زوال الوحدة الاتصالية التي تكون في الشي ء، و صيرورة ذلك الشي ء أجزاء متفرقة متناهية- بناء على تحقق الجزء الذي لا يتجزأ- و غير متناهية- بناء على امتناعه- مع بقاء الحقيقة النوعية و آثارها في تلك الأجزاء واقعا.

(192) الحكم بالطهارة في مورد الاستهلاك فطريّ عقليّ، لأنّ زوال النجاسة لعدم الموضوع لها، فلا موضوع للنجاسة حتّى يحكم بها. ثمَّ إنّه لا اختصاص بالاستهلاك بخصوص الكرّ، بل يجري الحكم في الاستهلاك في مطلق المعتصم. نعم، لا وجه للاستهلاك في القليل و المضاف مطلقا، لأنّه ينفعل المستهلك فيه بأول الملاقاة.

(193) إن صدق الدم عليه فعلا فيتعلق به الحكم بالنجاسة قهرا، و كذا فيما يأتي في البول.

ص: 92

نعم، لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء (194).

و من ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرّمة، مثل عرق لحم الخنزير، أو عرق العذرة أو نحوهما، فإنّه إن صدق عليه الاسم السابق (195) و كان فيه آثار ذلك الشي ء و خواصه يحكم بنجاسته أو حرمته، و إن لم يصدق عليه ذلك الاسم، بل عدّ حقيقة أخرى ذات أثر آخر و خاصيّة أخرى، يكون طاهرا و حلالا. و أما نجاسة عرق الخمر فمن جهة أنّه مسكر مائع، و كلّ مسكر نجس.

______________________________

(194) بناء على نجاسة كلّ بول و لو تكوّن من الماء، لأنّ ما كان من الحيوان قد انعدم، و هذا بول آخر حصل من الماء. نعم، لو صدق عليه عين البول السابق الذي كان من الحيوان غير المأكول فلا ريب في نجاسته حينئذ و لكن في كون مثل هذه الاستحالة من المطهّرات بحث، لفرض العلم ببقاء أجزاء المستحال منه في المستحال إليه.

(195) عرق الأعيان النجسة (تارة): يعلم بوجود عين النجس فيه، أو بملاقاته له، فلا إشكال في النجاسة، و كذا لو علم بتصاعد أجزاء النجس إليه بواسطة الحرارة و نحوها. (و اخرى): يعلم بعدم عين النجس فيه، و عدم الملاقاة له و عدم تصاعد الأجزاء إليه. (و ثالثة): يشك في ذلك. و مقتضى قاعدة الطهارة الحكم بها في الصورتين الأخيرتين بعد كون العرق من الاستحالة عرفا و إن كانت فيه خواص ذلك الشي ء و آثاره، لأنّ ذلك أعمّ من كونه من النجاسات المنصوص عليها بالخصوص. نعم، لو سمّي باسم ذلك الشي ء عرفا، فالنجاسة و عدمها مبنيان على أنّ نجاسة تلك العناوين مختصة بما إذا تكوّنت بأسبابها الطبيعية الخاصة، أو تشمل غيرها أيضا. و منشأ الإشكال الجمود على الإطلاق الاسمي، أو دعوى الظهور في المتعارف الخارجي. و من ذلك يعلم حكم العرق المتخذ من الأعيان المحرّمة، فمع وجود أجزاء الحرام فيه- و لو

ص: 93

مسألة 8: إذا شك في الانقلاب

(مسألة 8): إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة (196).

«السادس»: ذهاب الثلاثين في العصير العنبي

اشارة

«السادس»: ذهاب الثلاثين في العصير العنبي (197)، على القول بنجاسته بالغليان. لكن قد عرفت أنّ المختار عدم نجاسته، و إن كان الأحوط الاجتناب عنه. فعلى المختار فائدة ذهاب الثلاثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة، و أما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الإشكال لمن أراد الاحتياط.

و لا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء (198).

كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة- على القول بها- بين

______________________________

بالتصاعد- يحرم، و مع العلم بالعدم أو الشك، فمقتضى قاعدة الحليّة عدم الحرمة.

(196) مع بقاء الموضوع، للاستصحاب. و الا فمقتضى القاعدة، الطهارة.

«مطهّرية ذهاب الثلاثين»

(197) لا ريب في ثبوت الأثر له في الجملة نصّا (1) و إجماعا، و ضرورة من الفقه. أما بالنسبة إلى الطهارة و التحليل معا لو قلنا: بحصول النجاسة أيضا بالغليان. أو بالنسبة إلى الأخير فقط، إن قلنا: بعدم حصولها به، و حيث تقدم عدم حصول النجاسة فينحصر أثره في التحليل. ثمَّ إنّ العصير إن صار خمرا، فينحصر التطهير، و التحليل بالتخليل فقط. و إن لم يصر خمرا فيحصلان بالتخليل إجماعا، و بذهاب الثلاثين بالإجماع و النصوص المستفيضة بل المتواترة التي يأتي بعضها.

(198) مدرك هذا التعميم الجمود على إطلاق قوله عليه السلام: «حتّى

______________________________

ص: 94


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة.

المذكورات، كما أنّ في الحرمة بالغليان التي لا إشكال فيها، و الحليّة بعد الذهاب كذلك، أي لا فرق بين المذكورات (199) و تقدير الثلث و الثلاثين إما بالوزن، أو بالكيل، أو بالمساحة (200).

______________________________

يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» (1).

و يمكن انصرافه عرفا، بل ظهوره في الذهاب بالنار، فالتعميم مشكل، فراجع أخبار الباب (2) تجد لفظ الطبخ في جملة منها، كقوله عليه السلام: «إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال» (3).

و لا ريب في ظهور لفظ «إن طبخ» في الطبخ بالنار فتكون المطلقات (4) أيضا منصرفة إليه، و مع الشك فالمرجع استصحاب الحرمة و النجاسة على القول بها.

(199) لظهور الأدلة في التعميم، كقوله عليه السلام:

«لا يحرم العصير حتّى يغلي» (5)، و قوله عليه السلام: «تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه قلت: أيّ شي ء الغليان؟ قال: القلب» (6) و قوله عليه السلام: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» (7)، و قوله عليه السلام: «إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه»(8).

إلى غير ذلك من الأخبار. نعم، إذا غلى بنفسه و صار مسكرا، فطهره و تحليله منحصر بتخليله.

(200) المدار على إحراز ذهاب الثلاثين بأيّ وجه تحقق، و يمكن أن يعلم

______________________________

ص: 95


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 2 و 5 و 8 من أبواب الأشربة المحرمة.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.
4- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة.
7- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة.
8- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.

و يثبت بالعلم و بالبينة، و لا يكفي الظنّ. و في خبر العدل الواحد إشكال (201)، الا أن يكون في يده، و يخبر بطهارته و حليته و حينئذ يقبل قوله، و إن لم يكن عادلا، إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلاثين (202).

______________________________

بغير ذلك كالغلظة و اللون و نحوهما، و ربما كان العامي الذي يكون من أهل الخبرة بهذه الصناعة أبصر من الفقيه بطرق العلم بذهاب الثلاثين. و ما ورد في خبر عمار من الكيل (1)، و في خبر ابن أبي يعفور من الوزن (2) ليس لأمر تعبدي حتّى يبحث عنه، بل إرشاد إلى ما يصلح أن يكون طريقا لإذهاب الثلاثين، و ما يلزم على الشارع إنّما هو بيان ماله دخل في الحلية من حيث الحكم الكلّي، و هو ذهاب الثلاثين، و أما تشخيص الموارد الجزئية الخارجية فليس ذلك من وظيفة الشارع، و لا بد من إيكاله إلى المتعارف.

نعم، هنا إشكال، و هو أنّ التحديد الوزني أخصّ من غيره، فكيف يصح أن يجعل الأعمّ معرّفا حينئذ. و يدفع: بأنّه يمكن أن يكون التفاوت بما يتسامح فيه و هو مما لا بد منه في مثل هذه التحديدات، كما في تحديد الكرّ بالأشبار. و لو كان التفاوت بما لا يتسامح فيه فلا بد من التحديد الوزني.

(201) أما الثبوت بالعلم فهو من الضروريات. و أما بالبينة فلعموم دليل اعتبارها كما تقدم (3). و أما عدم الثبوت بالظنّ، فلأصالة عدم اعتباره و أما الإشكال في العدل الواحد فقد تقدم مكرّرا، فراجع (4).

(202) أما اعتبار قول ذي اليد فلبناء العقلاء، و لصحيح معاوية(5)و أما عدم الاعتبار به في المقام إذا استحله، فلسقوط قوله بذلك، مع أنّه منصوص (6)

______________________________

ص: 96


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 9.
3- ج: 1 صفحة: 232.
4- ج: 1 صفحة: 237.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 و 5.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 و 5.
مسألة 1: بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان

(مسألة 1): بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه، أو بذهاب ثلثيه، بناء على ما ذكرناه من عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء. و على هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف و إن لم يذهب الثلثان مما في القدر، و لا يحتاج إلى إجراء حكم التبعية. لكن لا يخلو عن إشكال، من حيث إنّ المحلّ إذا تنجس به أولا لا ينفعه جفاف تلك القطرة، أو ذهاب ثلثيها، و القدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحلّ المعد للطبخ، مثل القدر و الآلات، لا كلّ محلّ كالثوب و البدن و نحوهما (203).

مسألة 2: إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك

(مسألة 2): إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك لا ينجس و لا يحرم بالغليان (204). أما إذا وقعت تلك الحبة

______________________________

بالخصوص. و أما صحيح ابن جعفر:

«لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا» (1)، و خبر عمار: «إن كان مسلما ورعا مؤمنا» كما في الوسائل(2)، «و إن كان مسلما عارفا مأمونا» كما في الجواهر.

فمحمولان إما على ما إذا كان ذو اليد غير مبال بالدين، أو على الندب.

و إلا فإطلاقهما مناف للسيرة، و لسهولة الشريعة.

(203) لأنّ دليل الطهارة التبعية. إما الإجماع، أو السيرة، أو لزوم العسر و الحرج. و لا بد في الأوليين من الاقتصار على المتيقن منها، و في الأخير على مورد تحققهما. و إما إطلاق الأدلة فلا بد من الاقتصار على ما يفهم منه عرفا، و المقام ليس في شي ء من ذلك، فاستصحاب النجاسة غير محكوم بشي ء مطلقا.

(204) لأنّ الاستهلاك يوجب زوال الموضوع عرفا، فلا موضوع للحرمة،

______________________________

ص: 97


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6 و 7.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6 و 7.

في القدر من المرق أو غيره فغلى، يصير حراما و نجسا، على القول بالنجاسة (205).

مسألة 3: إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه

(مسألة 3): إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه، يشكل طهارته و إن ذهب ثلثا المجموع (206).

نعم، لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه و إن كان ذهابه قريبا فلا بأس به (207). و الفرق أنّ في الصورة الأولى ورد العصير النجس على ما صار طاهرا فيكون منجسا له، بخلاف الثانية فإنّه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله.

______________________________

و لا يصدق غليان العصير العنبي حتّى ينجس. هذا إذا كان الغليان بعد الاستهلاك. و أما إذا كان قبله. فالظاهر أنّ غليانه يوجب النجاسة، على القول بها.

(205) مع كون الغليان قبل الاستهلاك، و إن كان بعده فلا حرمة و لا نجاسة. و كذا في صورة الشك في أنّه كان قبله أو بعده، فإنّ مقتضى الأصل الحلية و الطهارة فيها أيضا.

(206) لاستصحاب بقاء النجاسة العرضية الحاصلة بملاقاة العصير المغلي لما زالت نجاسته و حلّ و طهر، و التثليث إنّما يؤثر في طهارة ما لم يثلث لا بالنسبة إلى ما ثلث و حلّ و طهر، ثمَّ حصلت له نجاسة عرضية، فلا حاكم على استصحاب النجاسة العرضية، و لا مزيل لها، و من إطلاق الأحواليّ الدال على الطهارة الشامل لجميع ذلك.

(207) يعني يطهر و يحل بعد العلم بذهاب ثلثي المجموع. أما على القول بعدم عروض النجاسة العرضية على العصير المغلي النجس مثل نجاسة من سنخها فواضح لا إشكال فيه، لعدم حدوث نجاسة أخرى حتى نبحث عن موجب الطهارة بالنسبة إليها، بل تنحصر النجاسة في النجاسة الذاتية و تزول بذهاب الثلاثين. و أما على القول به فحيث إنّ العصير المغليّ صار نجسا ذاتا ثمَّ عرضت عليه نجاسة

ص: 98

هذا و لو صب العصير الذي لم يغل على الذي غلى، فالظاهر عدم الإشكال فيه. و لعلّ السرّ فيه أنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية، و إن كان الفرق بينه و بين الصورة الأولى لا يخلو عن إشكال (208) و محتاج إلى التأمل.

مسألة 4: إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى بعد ذلك

(مسألة 4): إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى بعد ذلك (209).

مسألة 5: العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان على الأقوى

(مسألة 5): العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان على الأقوى (210)، بل مناط الحرمة و النجاسة فيهما هو الإسكار.

مسألة 6: إذا شك في الغليان يبنى على عدمه، كما أنّه لو شك في ذهاب الثلاثين يبنى على عدمه

(مسألة 6): إذا شك في الغليان يبنى على عدمه، كما أنّه لو شك في ذهاب الثلاثين يبنى على عدمه (211).

مسألة 7: إذا شك في أنّه حصرم أو عنب يبنى على أنّه حصرم

(مسألة 7): إذا شك في أنّه حصرم أو عنب يبنى على أنّه حصرم (212).

______________________________

أخرى مثلها، و الذاتية تذهب بالتثليث فكذا العرضية التي تكون مثلها، و إلا لزم زيادة الفرع على الأصل المستنكرة عند المتشرعة.

(208) ظهر مما تقدم عدم الإشكال، لأنّ النجاسة العرضية الحاصلة للعصير الطاهر في الصورة الأولى لم تقع على النجاسة العصيرية الذاتية. فلا مزيل لها، و مقتضى الأصل بقاؤها، بخلاف الثانية فإنّها وقعت على الذاتية، و مع زوال الذاتية بالتثليث تزول العرضية التي تكون مثلها قهرا.

(209) تقدم الإشكال في هذا التعميم. نعم، إن كان ذلك بالنار فلا أثر للغليان بعد ذلك.

(210) و هو المشهور، و قد تقدم الوجه في نجاسة الخمر. فراجع.

(211) للأصل في الموردين.

(212) الوجه في ذلك أصالة البقاء على الحصرمية، و عدم الاستحالة إلى العنبية.

ص: 99

مسألة 8: لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ

(مسألة 8): لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلّا، أو بعد ذلك قبل أن يصير خلّا، و إن كان بعد غليانه أو قبله و علم بحصوله بعد ذلك (213).

مسألة 9: إذا زالت حموضة الخلّ العنبي

(مسألة 9): إذا زالت حموضة الخلّ العنبي و صار مثل الماء لا بأس به (214)، الا إذا غلى فإنّه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلّا ثانيا.

مسألة 10: السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر

(مسألة 10): السيلان و هو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر، لا مانع من جعله في الأمراق، و لا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر (215).

«السابع» الانتقال

اشارة

«السابع» الانتقال (216): كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس

______________________________

(213) لإطلاق أدلّة مطهّرية الانقلاب، و شمول دليل الطهارة التبعية لمثل هذه الأمور كشموله لغيرها مما يكون ملازما عادة مع العنب و التمر و الزبيب، فكلّ ما يكون معها أو يجعل معها عادة يشمله دليل الطهارة التبعية.

(214) فلا يحرم و لا ينجس بالغليان، لفرض أنّه خلّ و ليس بعصير. هذا إذا كان خلا فاسدا، و أما إذا زالت الحموضة قبل صيرورته خلا. فإن كان عصيرا و لم ينقلب خمرا، فلا بد بعد الغليان من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا. و أما إن كان خمرا و صار مثل الماء فينحصر طهارته و تحليله في التخليل فقط.

(215) على المشهور المختار، و تقدم الوجه في [مسألة 1] من نجاسة الخمر.

(مطهّرية الانتقال)

(216) لا يخفى أنّ بين الانتقال و بين الاستحالة عموما من وجه، فيصدقان

ص: 100

إلى جوف ما لا نفس له كالبق، و القمل، و كانتقال البول إلى النبات و الشجر و نحوهما. و لا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه و الا لم يطهر، كدم العلق بعد مصّه من الإنسان (217).

مسألة 1: إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله

(مسألة 1): إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله، و خرج منه الدم لم يحكم بنجاسته إلا إذا علم أنّه هو الذي مصّه (218) من جسده

______________________________

معا في انتقال النجس أو المتنجس إلى الأشجار و الأزهار و الأثمار و تصدق الاستحالة دونه في استحالة الكلب ملحا- مثلا- و يصدق دونها في انتقال دم الإنسان إلى جوف البق و نحوه. و في مورد تصادقهما يكفينا في الدليل على الطهارة ما تقدم في الاستحالة و لا نحتاج إلى إقامة دليل آخر. و في غيره (تارة):

تصح إضافة النجس فعلا إلى المنتقل إليه و لا تصح إلى المنتقل عنه إلا بعلاقة ما كان. (و أخرى): بعكس ذلك. (و ثالثة): يشك في أنّه من الأولى أو الثانية. و دليل الطهارة في الأولى- مضافا إلى الإجماع و السيرة- إطلاق دليل طهارة المنتقل إليه، كالأخبار الواردة في طهارة دم البق و القمل (1). و لا وجه للطهارة في الثانية، لفرض إضافة النجس إلى المنتقل عنه، و صحة سلبها عن المنتقل إليه، بل مقتضى ذلك هو النجاسة كما لا وجه للطهارة في الثالثة أيضا، لأنّ المتيقن من الإجماع و السيرة و غيرها و مع الشك في الموضوع لا يصح التمسك بدليل طهارة المنتقل إليه و لا بنجاسة المنتقل عنه، لكونه من التمسك بالدليل مع عدم إحراز موضوعه و يجري الاستصحاب مع بقاء الموضوع عرفا. و إلا فالمرجع قاعدة الطهارة فتنحصر مطهّرية الانتقال، إما باتحاده مع الاستحالة، أو الإضافة إلى المنتقل إليه و سلب الإضافة عن المنتقل عنه.

(217) للأصل و الإطلاق، و مع الشك في الموضوع، فالمرجع قاعدة الطهارة.

(218) أو شك فيه مع صدق بقاء الموضوع عرفا، فيجري الاستصحاب حينئذ.

______________________________

ص: 101


1- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

فروع- (الأول): يجوز أخذ الدم و تزريقه إن لم يكن في البين ما يوجب الحرمة من ضرر و نحوه، و تصح المبادلة عليه بالمال، لفرض المنفعة المحللة، بلا فرق فيه بين دم المسلم و الكافر، و الأجنبي و الأجنبية و الأرحام و غيرهم.

و الأحوط عدم جعل المال في مقابل خصوص الدم خروجا عن خلاف من أبطل المعاملة عليه مطلقا، كما يجوز إيداع الدم و إهداؤه و التبرع به، خصوصا بالنسبة إلى ذوي الحاجة و المسكنة، و فيه الأجر و الثواب.

(الثاني): لا يجوز التصرف في دم الغير إلا بإذنه، و يضمن إن كان بدونه، لفرض اعتبار المالية العرفية فيه.

(الثالث): لو غصب دم الغير و جعل في بدن شخص، فلا إشكال في الضمان و الإثم بالنسبة إلى الغاصب. و هل تبطل صلاة من جعل في بدنه مع العلم بالغصبية، أم لا؟ ظاهر الفقهاء الثاني في كلّ ما دخل في الباطن مع عدم إمكان الرد و صيرورته كالتلف.

(الرابع): لو جنى على أحد بما خرج منه الدم، فلا ريب في وجوب الدية إن كان للجناية مقدّر شرعيّ، أو أرش الجناية، إن لم يكن لها مقدّر. فهل يضمن الدم التالف بجنايته، خصوصا إن كانت قيمة الدم أكثر من الدية أو أرش الجناية فيه تفصيل، يأتي إن شاء اللّه تعالى في الجنايات.

(الخامس): ليس لكلّ أحد أن يأذن في إخراج الدم منه ما لم يطمئنّ بعدم الضرر، كما أنّه ليس لوليّ الطفل أن يأذن في إخراج دم الطفل إلا بعد الاطمئنان بعدم التضرر.

(السادس): يجري الرباء في بيع الدم بمثله مع التفاضل.

(السابع): يضمن العامل لإخراج الدم و تزريقه إن حدث بفعله ضرر.

(الثامن): قد يجب بذل الدم، كما إذا أشرف مؤمن على الهلاك و توقف حفظ نفسه عليه، و قد يكون وجوبه عينيا، و قد يكون كفائيا، كما للحاكم الشرعيّ أن يأخذ الدم من صاحبه و يعطيه لمن يحتاج إليه من الفقراء و المساكين، و يحتسب له من الحقوق الشرعية مع تحقق الشرائط.

(التاسع): لو أخذ دم الصبيّ و المجنون يكون للوليّ حق مطالبة العوض،

ص: 102

بحيث أسند إليه لا إلى البق فحينئذ يكون كدم العلق.

«الثامن»: الإسلام

اشارة

«الثامن»: الإسلام (219): و هو مطهر لبدن الكافر و رطوباته المتصلة به من بصاقه، و عرقه و نخامته، و الوسخ الكائن على بدنه (220). و أما النجاسة الخارجيّة التي زالت عينها ففي طهارته منها إشكال، و إن كان هو الأقوى (221). نعم، ثيابه التي لاقاها حال الكفر

______________________________

و هو للمولى عليه، دون الولي.

(العاشر): تجري جميع أحكام البيع و أقسامه في بيع الدم.

(مطهّرية الإسلام)

(219) و هو من المطهّرات بضرورة المذهب في الجملة إن لم يكن من الدّين.

(220) كلّ ذلك للتبعية العرفية في الطهارة، فلا يجري استصحاب النجاسة.

ثمَّ إنّ للتبعية مراتب متفاوتة:

(منها): ما كان من عوارض البدن اللازمة له غالبا.

(و منها): النجاسة الحكمية، فإنّها من العوارض اللازمة لأبدان الكفار غالبا، و الظاهر جريان حكم التبعية فيها أيضا، للسيرة و خلوّ الأدلة عن الأمر بالتطهير منها، مع أنّ لزوم التطهير منها إنّما يتصوّر بناء، على صحة تأثر النجس من النجس، و أما بناء على عدمه فلا وجه له أصلا.

(و منها): ثيابه التي تكون على بدنه حال الإسلام و لاقاها مع الرطوبة في حالة الكفر.

(و منها): ما لا تكون على بدنه، و باشرها بالرطوبة في حالة الكفر.

(و منها): أثاث بيته التي تكون كذلك.

(221) أما الإشكال فلاستصحاب النجاسة، و لكن لا وجه له بعد أنّ

ص: 103

مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط بل هو الأقوى في ما لم يكن على بدنه فعلا.

مسألة 1: لا فرق في الكافر بين الأصلي و المرتد المليّ

(مسألة 1): لا فرق في الكافر بين الأصلي و المرتد المليّ، بل الفطري أيضا على الأقوى من قبول توبته باطنا و ظاهرا أيضا (222)، فتقبل

______________________________

الحكم بالطهارة التبعية في الجميع مقتضى سهولة الشريعة، خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة. و خصوصا بالنسبة إلى الطهارة المبنيّة على التسهيل مطلقا، مع أنّه لم نظفر بما يدل على لزوم التطهير: من نص معتبر، أو سيرة، أو إجماع، بل الظاهر ثبوت السيرة في زمن المعصومين (عليهم السلام) على عدم التطهير، فلا وجه معها لاستصحاب النجاسة، و طريق الاحتياط واضح و أما الطّهارة فقد ظهر وجهها مما تقدم.

(222) أما عدم الفرق بين الأصليّ و المليّ، فلظهور الإجماع و السيرة، بل الضرورة. و أما قبول توبة الفطريّ باطنا و ظاهرا، فلإطلاقات و عمومات أدلة التوبة (1) الواردة في مقام الرأفة و الامتنان غير القابلة للتقييد و التخصيص، و لسعة رحمة اللّه تعالى غير القابلة للتضييق، و لسهولة الشريعة المقدّسة، خصوصا بالنسبة إلى التوبة، مع أنّ اليأس من رحمة اللّه تعالى من الكبائر، و قبول التوبة رحمة من اللّه تعالى.

مضافا إلى اتفاقهم على فعلية تكليف المرتد، و بطلان عمله في حال الارتداد، فلو لم تقبل توبته يكون ذلك من التكليف بالمحال، مضافا إلى ما دلّ على أنّ الإسلام إنّما هو الإقرار بالشهادتين (2) فإذا أقرّ بهما يكون مسلما، فكيف يطلق عليه اسم الكفر حينئذ؟

و مع ذلك كلّه نسب إلى المشهور عدم قبولها من الفطريّ لقول أبي جعفر

______________________________

ص: 104


1- راجع الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس.
2- أصول الكافي ج: 2 صفحة: 25، و راجع الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات.

.....

______________________________

عليه السلام في صحيح ابن مسلم:

«من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك على ولده»(1).

المحمول على الفطريّ بقرينة صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال:

«سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: عليه السلام: يقتل و لا يستتاب، قلت:

فنصرانيّ أسلم ثمَّ ارتد. قال: يستتاب فإن رجع، و الا قتل» (2).

و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه، فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتد، و يقسم ماله على ورثته، و تعتد امرأته عدة المتوفّى عنها زوجها، و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه» (3) و نحوهما غيرهما.

«و فيه»- أولا: أنّه يجب تقييدها بما إذا لم يدّع الشبهة، و الا فلا بد من إزالتها أولا. ثمَّ الحكم بالارتداد بعد الإصرار عليه، فلا وجه للأخذ بإطلاق مثل هذه الأخبار من تمام الجهات.

و ثانيا: إنّ عدم استتابة الإمام عليه السلام في موثق عمار بعد الثبوت لديه و الوقوع في يده لا يدل على عدم قبول توبته أصلا، و إنّما يدل على عدم صحة الاستتابة للإمام، و عدم سقوط القتل لو تاب لديه، فيكون كحد الزناء إذا ثبت بالبينة عند الحاكم و لا ملازمة بين ذلك و بين عدم قبول التوبة منه مطلقا، حتّى لو لم يثبت عند الحاكم أو ثبت عنده و حكم بقتله و هرب و تاب.

و ثالثا: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «فلا توبة له» يحتمل وجوها:

______________________________

ص: 105


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المرتد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المرتد حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب المرتد حديث: 3.

عباداته و يطهر بدنه.

نعم، يجب قتله إن أمكن، و تبين زوجته، و تعتد عدّة الوفاة و تنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته، و لا تسقط هذه الأحكام

______________________________

(الأول): عدم الأثر لتوبته بالنسبة إلى قتله و تقسيم تركته و بينونة زوجته و اعتدادها، و هذا مسلّم لا ريب فيه.

(الثاني): عدم القبول مطلقا، كما نسب إلى المشهور.

(الثالث): عدم التوفيق للتوبة، كما يكون كذلك غالبا.

(الرابع): عدم التوبة الكاملة.

(الخامس): عدم كفاية مجرد التوبة في إسلامه، بل لا بد من إظهار الشهادتين بعدها. و المتيقن، بل الظاهر من هذه الاحتمالات هو الأول، بمعنى أنّ رجوعه عن ارتداده ليس رجوعا إلى زوجته كالمرتد المليّ، و تعيين غيره يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة.

إن قلت: القرينة: استصحاب بقاء الكفر و عدم زواله بالتوبة.

(قلت): لا وجه للاستصحاب بعد عمومات التوبة و إطلاقاتها المؤيدة بما تقدم من الوجوه، و يأتي بعض الكلام في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ مقتضى ما تقدم قبول توبته ظاهرا و باطنا بالنسبة إلى نفسه و غيره، لظاهر العموم و الإطلاق، فلا وجه للتفصيل بين القبول باطنا و عدم القبول ظاهرا، و لا بين القبول لنفسه دون غيره، إذ لا دليل عليه الا زعم أنّه جمع بين الأدلة.

و تقدم أنّ المقام من العام و الخاص، و المطلق و المقيد، لا التعارض حتّى يحتاج إلى الجمع، لأنّ عمومات قبول التوبة و إطلاقاتها و ما دل على أنّ الإسلام مجرّد الإقرار بالشهادتين(1) محكمة، و قوله عليه السلام: «لا توبة له» (2) إنّما هو بالنسبة إلى الأمور المذكورة في موثق عمار فقط، لا بالنسبة إلى جميع الجهات.

______________________________

ص: 106


1- تقدم في صفحة: 104.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المرتد.

بالتوبة (223)، لكن يملك ما اكتسبه بعد التوبة (224)، و يصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد حتّى قبل خروج العدّة على الأقوى (225).

______________________________

و الشك في ثبوت العموم يكفي في عدم صحة التمسك به.

(223) نصّا (1) و إجماعا.

(224) بل و قبلها أيضا، لعموم أدلّة التملّك بالأسباب الموجبة له من المعاملات و حيازة المباحات، لكن بنحو ينتقل إلى الورثة كسائر ما كان مالكا، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم كون الارتداد مطلقا مانعا عن التملك بالأسباب و إن عدّ الفقهاء الارتداد من موجبات الحجر، لكنّه لا ينافي الملكية، كما في المفلس و المريض.

(225) إذ لا يستفاد من الأدلة أنّ المرتد الفطري كالميت مطلقا و من تمام الجهات، حتّى بناء على قبول توبته و لم يعدوا الارتداد عن فطرة من المحرّمات الأبدية لزوجة المرتد، و لو بناء على قبول التوبة، و الظاهر أنّ المشهور أيضا لا يقولون به- على فرض قبولها- فيكون هذا النزاع لفظيا فمن يقول بصحة الرجوع إليها بعقد جديد يقول بصحة توبته، و من يقول بعدمها يقول بعدم صحة التوبة منه. و أنّ هذه العدة عدّة البائنة و مقتضى ما يأتي في محلّه من صحة العقد من الزوج على زوجته في العدة البائنة صحة العقد منه عليها في المقام بعد التوبة.

(لا يقال): إنّ مقتضى الأصل عدم ترتب الأثر على هذا التزويج. (فإنه يقال): الأصل محكوم بإطلاق ما دل على أنّ للزوج العقد على زوجته في العدة البائنة.

فروع- (الأول): يعتبر في الارتداد الموجب لما تقدم من الأحكام:

البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد إجماعا، بل ضرورة في بعضها فلا عبرة بما يصدر من الصبيّ، و المجنون، و المكره، و الغافل.

______________________________

ص: 107


1- راجع الوسائل، الباب: 1 من أبواب حدّ المرتد.

.....

______________________________

(الثاني): لو كان في حالة لا يملك نفسه من غضب و نحوه و صدر منه ما يوجب الارتداد، فمقتضى الأصل عدم كفره، و لما ورد عن عليّ بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كنت عنده و سأله رجل عن رجل يجي ء منه الشي ء على جهة غضب، يؤاخذه اللّه به؟ فقال: اللّه أكرم من أن يستغلق عبده» (1).

(الثالث): لا فرق في الارتداد الموجب لما تقدم من الأحكام بين ما إذا علم به غيره أم لا، طال زمانه أم لا، لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(الرابع): إذا شك في حصوله و عدمه، فمقتضى الأصل عدمه سواء حصل الشك له، أم لغيره، أم لهما.

(الخامس): الكافر الأصلي من انعقدت نطفته في حال كفر والديه و بلغ كافرا. و المليّ من انعقدت نطفته في حال كفر والديه و بلغ كافرا ثمَّ أسلم، ثمَّ ارتد. و الفطري: من انعقدت نطفته في حال إسلام والديه أو أحدهما و بلغ مسلما ثمَّ ارتد. ثمَّ إنّ مقتضى الأصل عدم الحكم بالارتداد مع الإسلام الحكمي. قال في الجواهر في كتاب الحدود: «ليس في النصوص إطلاق يوثق به على الاكتفاء بصدق الارتداد مع الإسلام الحكمي و لعله لا يخلو عن قوّة».

(السادس): لا تقتل المرأة على الارتداد، و لو فطريا، بل تحبس دائما على ما يأتي التفصيل في كتاب الحدود.

(السابع): لا فرق في حكم الارتداد بين ما إذا انتحل بعد الارتداد نحلة من النحل الباطلة أم لا، لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(الثامن): لو ادعى الإكراه، أو الشبهة، أو عدم القصد أو نحوها يقبل منه، لما سيجي ء في محله من أنّ الحدود تدرأ بالشبهة، و لأنّ المنساق من أدلة المقام غيره.

(التاسع): لو اضطر إلى ما يوجب الارتداد، لخوف على النفس أو العرض يجوز، بل قد يجب، و ينبغي التورية مع الإمكان، و لا يجب عليه تجديد الإسلام بعد رفع العذر.

______________________________

ص: 108


1- الوسائل باب: 28 من أبواب حد القذف حديث: 1.
مسألة 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر، إظهار الشهادتين

(مسألة 2): يكفي في الحكم بإسلام الكافر، إظهار الشهادتين، و إن لم يعلم موافقة قلبه للسانه، لا مع العلم بالمخالفة (226).

______________________________

(العاشر): لو كان معتقدا بالإسلام واقعا، و صدر منه ما يوجب الارتداد و كان مخالفا لاعتقاده، فمقتضى الأصل عدم حصول الارتداد، و الظاهر من العمومات و الإطلاقات الدالة على حصول الارتداد بما يوجبه إنّما هو فيما إذا لم يكن معتقدا للإسلام، و مع الشك لا يصح التمسك بها لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(الحادي عشر): يعتبر في حصوله القصد الجديّ، فلو كان لاعبا أو لاغيا، فمقتضى الأصل عدم حصول الارتداد و إن تحقق منه القصد الاستعمالي.

نعم، لا ريب في الإثم.

(الثاني عشر): لو لقّن ما يوجب الارتداد، و قال كما يقول الملقن بلا جزم منه في ذلك، فالأصل بقاء إسلامه، و عدم كفره.

(الثالث عشر): الظاهر عدم الفرق بين الارتداد المادامي، و الارتداد الدائمي.

(226) أما كفاية الإقرار بالشهادتين في الحكم بالإسلام فللنص (1)و الإجماع، بل الضرورة. و أما الأقسام المتصورة، فأربعة:

الأول: الإقرار بهما مع عقد القلب عليهما و اليقين بالمعارف الإسلامية و علم الغير بذلك أيضا، و لا ريب و لا إشكال في صحة إسلامه.

الثاني: الإقرار بهما و عقد القلب عليهما مع عدم اليقين و عدم علم الغير بذلك أيضا، و مقتضى العمومات و السيرة الحكم بإسلامه أيضا، كما عليه سواد الناس، خصوصا في أوائل الإسلام. و لو اعتبر اليقين مضافا إلى عقد القلب، لزم منه عدم إسلام جمع من الناس، و قول الصادق:

______________________________

ص: 109


1- تقدم في صفحة: 104.

.....

______________________________

«من شك في اللّه و رسوله، أو في رسوله صلّى اللّه عليه و آله فهو كافر» (1) الدال بظاهره على اعتبار اليقين، مقيد بقوله عليه السلام: «يا زرارة إنّما يكفر إذا جحد» (2)، فيكون المراد بالشك ما أوجب الجحود و زوال أصل الاعتقاد.

الثالث: مجرد الإقرار اللفظيّ مع عدم عقد القلب بهما، و مع علم الغير بأنّه لا يعتقد بمفاد إقراره، و لكن مع العمل بأحكام الإسلام و قوانينه ظاهرا.

و مقتضى سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين عليهم السلام الحكم بإسلامه، و قد أفتى بذلك جمع كثير من الفقهاء.

و في مفتاح الكرامة: «إنّ الأخبار بذلك متواترة». فالمنافق مسلم ظاهريّ، و اللّه تعالى أعلم به يوم القيامة، و يمكن ثبوت الكفر الواقعي بالنسبة إليه، و لا ينافي ذلك إسلامه الظاهر لمصالح شتّى في الدنيا.

و أما قول الصادق عليه السلام في المنافقين: «ليسوا من الكفار و ليسوا من المؤمنين و ليسوا من المسلمين، يظهرون الإسلام و يصيرون إلى الكفر و التكذيب لعنهم اللّه تعالى» (3). فلا يدل على كفرهم لنفيه عليه السلام الكفر عنهم، و إنّما يدل على نفي بعض مراتب الإيمان و الإسلام عن المنافقين، لأنّ لهما مراتب متفاوتة جدّا. و لعلّ المراد بقوله عليه السلام: «و يصيرون إلى الكفر و التكذيب» أنّ مصيرهم في الآخرة إليهما، و أما في الدنيا فليسوا بكافرين، كما صرّح به عليه السلام في صدر الحديث.

الرابع: القسم الثالث بعينه، و لكن مع عدم علم الغير بمخالفة إقراره لاعتقاده- و يظهر حكمه من سابقة بالأولى، كما لا يخفى. و من ذلك كلّه تظهر الخدشة في قوله رحمه اللّه: «لا مع العلم بالمخالفة».

______________________________

ص: 110


1- الوسائل باب: 10 من أبواب حدّ المرتد حديث: 52.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب حدّ المرتد حديث: 56.
3- الوافي: باب النفاق من أبواب الكفر حديث: 1.
مسألة 3: الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميز

(مسألة 3): الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميز إذا كان عن بصيرة (227).

مسألة 4: لا يجب على المرتد الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل

(مسألة 4): لا يجب على المرتد الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل (228)، بل يجوز له الممانعة منه (229)، و إن وجب قتله على

______________________________

(227) للعمومات و الإطلاقات المرغبة في الإسلام الشاملة للبالغ و المميز (1) و لا دليل على الخلاف. و ما يتوهم من دليل الخلاف إن كان قوله عليه السلام: «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم» (2).

فالمنساق منه المؤاخذة و الإلزام، لا أصل الصحة، و لعلّ ذلك واضح عرفا. و إن كان قوله عليه السلام: «عمد الصبيان خطأ» (3). فالمنساق منه خصوص الجنايات، لا مطلق أعماله الحسنة.

و إن كان احتمال أنّه لا حكم لارتداده فلا حكم لإسلامه أيضا، فهو قياس، مع أنّه مع الفارق، لأنّ الإسلام حسنة و رحمة يناسب التوسعة و صحته من كلّ أحد إلا ما اتفق على عدم صحته، كالمجنون و غير المميز. و الارتداد سيئة يناسب التضييق، كما جرت عليه عادة اللّه تبارك و تعالى في الحسنات و السيئات.

فرع: لو ارتد الصبيّ لا عبرة بارتداده إجماعا، و يأتي التفصيل في الحدود و الكفارات و تعرض له في (الجواهر) عند قول المحقق: «و لو أسلم المراهق لا يحكم بإسلامه».

(228) للأصل، و ظهور الأدلة في أنّ القتل تكليف الغير (4). مضافا إلى الأخبار الخاصة الدالة على أنّ التوبة أفضل من التعريض للحد:

______________________________

ص: 111


1- من الكتاب آل عمران آية 19 و 85 و من السنة راجع الوسائل باب: 10 و 11 من أبواب جهاد العدوّ.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب حد المرتد حديث: 3.

غيره (230).

«التاسع»: التبعية

اشارة

«التاسع»: التبعية (231): و هي في موارد:

______________________________

منها: ما عن عليّ عليه السلام: «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملإ، أ فلا تاب في بيته، فو اللّه لتوبته فيما بينه و بين اللّه أفضل من إقامتي عليه الحد»(1).

و لا فرق فيه بين كونه قبل التوبة أو بعدها، و لعلّ تقييده رحمه اللّه بما بعد التوبة، لدفع توهم كونه شرطا لصحة التوبة.

(229) للأصل أيضا، و لا يبعد الوجوب إن فرض شمول دليل وجوب حفظ النفس للمورد أيضا. و لو توقفت الممانعة على ضرب القاتل و جرحه فهل يجوز أم لا؟ وجهان: من أنّ ذلك من مقدمات حفظ النفس فيجوز الجرح و الدفع، بل قد يجب، و من احتمال انصراف ما دل على وجوب حفظ النفس عن مثل ذلك فلا يجوز.

فروع- (الأول): لا يجب على أحد الفحص عن أنّ إقرار شخص بالشهادتين موافق لاعتقاده أولا، بل قد لا يجوز، و لا بد من ترتب آثار الإسلام مطلقا.

(الثاني): من ارتد و له أولاد صغار، مقتضى الأصل عدم نجاسة أولاده، إلا مع صدق التبعية العرفية في هذه الجهة.

(الثالث): لا أثر لمجرد القصد و النية في الارتداد، بل لا بد فيه من مبرز خارجيّ.

(230) أي الحاكم الشرعي، أو من يستأذن من بعد بيان الموضوع عنده و شرحه.

(231) بمعنى أنّ دليل طهارة المتبوع يشمل التابع أيضا، لمكان التبعية،

______________________________

ص: 112


1- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة حديث: 3.
«أحدها»: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه

«أحدها»: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه، كما مرّ (232).

«الثاني»: تبعية ولد الكافر له في الإسلام أبا كان، أو جدّا، أو أمّا، أو جدّة

«الثاني»: تبعية ولد الكافر له في الإسلام أبا كان، أو جدّا، أو أمّا، أو جدّة (233).

______________________________

و عدم الانفكاك بينهما عرفا، و الا فليس للتابع بما هو كذلك دليل خاص يدل على طهارته، فيكون النزاع في الطهارة و عدمها في بعض موارد التبعية صغرويا، لا كبرويّا، بمعنى أنّ من يقول بالطهارة يثبت التبعية العرفية. و من يقول بعدمها ينفيها. و لو اتفقوا على التبعية، لاتفقوا على الطهارة أيضا.

(232) تقدم الوجه فيها، فراجع (1).

(233) لقول الصادق عليه السلام: «في رجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار و ولده و ماله و متاعه و رقيقه له، فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين، الا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك» (2).

و إطلاقه يشمل الأب و الجد، و أما الأم و الجدة فلظهور تسالم الأصحاب على تبعية الولد لأشرف الأبوين، و إرسال قاعدة الإسلام يعلو و لا يعلى عليه إرسال المسلّمات في نظائر المقام. و لا بأس بالإشارة إليها و لو إجمالا.

«قاعدة: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» الأصل في هذه القاعدة: نبويّ مرسل في كتب أصحابنا، و هو: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (3)، المنجبر بعملهم و استدلالهم في موارد متعددة، حتّى في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم، بل عدم جواز مساواته. و تشهد

______________________________

ص: 113


1- صفحة: 103.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الجهاد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 11.

.....

______________________________

له جملة من الأخبار، بل تدل عليه:

منها: ما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الإسلام يزيد المسلم خيرا و لا ينقص» (1) و عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ و جل لم يزدنا بالإسلام إلا عزّا» (2) أو «لا نزداد بالإسلام إلا عزّا» (3). و تشهد له أيضا جملة كثيرة من الأخبار الواردة في القصاص (4).

و يحتمل في قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» وجوه:

(الأول): إتقان أحكامه أصولا و فروعا.

(الثاني): ناسخيته لجميع الأديان، و أنّه لا ناسخ له.

(الثالث): ظهور الإسلام في الدنيا و استيلاء المسلمين على الأرض كلّها.

(الرابع): علوّه المعنوي في الآخرة. و تخصيص الرواية بإرادة كلّ واحد مما مرّ بلا مخصص، فيتعيّن الوجه.

(الخامس): و هو العلوّ بجميع معنى الكلمة، و كلّ ما يحتمل فيه من المعاني. و قد أطلقت القاعدة على قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» في كلمات الفقهاء منهم صاحب الجواهر و غيره.

و الظاهر، بل المتعيّن أنّ العمل بعمومها في كلّ مورد يحتاج إلى ملاحظة عمل الأصحاب، إذ الظاهر أنّهم لم يعملوا بعموم هذه القاعدة و أمثالها، كقاعدة الميسور، و القرعة في جميع الموارد، فإذا كان المسلم مديونا- مثلا- للكافر غير الحربي، ليس لأحد أن يتمسك بعموم هذه القاعدة و القول بسقوط دينه، بل المماطلة في أداء دينه. و كذا في جميع موارد حقوق الناس، و سيأتي التعرض لمورد جريانها في الموارد المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): تقدم أنّه لو اختار الصبيّ الكفر مع إسلام أحد أبويه، فالظاهر بقاء التبعية، للأصل و الإطلاق، و عدم الاعتبار مما اختاره الصبيّ من الكفر.

______________________________

ص: 114


1- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 10.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 19.
4- راجع الوسائل باب: 47 من أبواب القصاص.
«الثالث»: تبعية الأسير

«الثالث»: تبعية الأسير للمسلم الذي أسره (234)، إذا كان غير بالغ و لم يكن معه أبوه أو جدّه.

______________________________

(الثاني): لو اختار الإسلام مع كفر أبويه، فظاهر المشهور من سلب عبارات الصبيّ، عدم الحكم بإسلامه، و لكن مقتضى قبول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إسلام عليّ عليه السلام- و هو صغير- القبول. و المسألة مذكورة في كتاب الكفّارات عند اعتبار إسلام المعتق، فراجع. و تردد فيها المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

(الثالث): لا فرق في التبعية بين وحدة المكان و تعدده، فلو كان الصبيّ في بلاد الكفر- مثلا- و المسلم من والديه في بلاد الإسلام، أو بالعكس جرى حكم التبعية في الإسلام و الطهارة.

(الرابع): مقتضى إطلاق المتن عدم الفرق بين الجدّ و الجدّة من طرف الأب أو الأم، و لا بين حياة الوالدين و بقائهما على الكفر و عدمه لإطلاق ما تقدم من «قاعدة الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»، و بناء الفقهاء على تغليب جانب الإسلام.

(234) نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب. و استندوا (تارة) إلى قاعدة الطهارة بعد عدم جريان استصحاب النجاسة، لأنّها كانت تبعية لوالديه، و قد زالت بزوالها، و لا أقلّ من الشك في الموضوع المانع من جريان الاستصحاب.

(و اخرى): بالسيرة المستمرة على جريان حكم الآسر على الأسير في هذه الجهة. (و ثالثة): باستصحاب طهارة ملاقي الأسير بعد عدم جريان استصحاب نجاسته، لما تقدم. و الا يكون مقدّما على استصحاب طهارة ملاقيه، لأنّ الأصل السببيّ مقدم على الأقل المسببي. و أما الاستدلال بالنبويّ المعروف: «كلّ مولود يولد على الفطرة» (1). ففيه: مضافا إلى قصور سنده، أنّه ليس المراد

______________________________

ص: 115


1- البحار ج: 3 صفحة: 281 حديث: 22 و في الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 باختلاف يسير و في كنز العمال حديث: 1308 و 1309.
«الرابع»: تبعية ظرف الخمر لها

«الرابع»: تبعية ظرف الخمر لها بانقلابها خلّا (235).

«الخامس»: آلات تغسيل الميت

«الخامس»: آلات تغسيل الميت من السدة، و الثوب الذي يغسله فيه، و يد الغاسل دون ثيابه (236)، بل الأولى و الأحوط الاقتصار على يد الغاسل (237).

«السادس»: تبعية أطراف البئر

«السادس»: تبعية أطراف البئر، و الدلو و العدّة، و ثياب النازح- على القول بنجاسة البئر- (238) لكن المختار عدم تنجسه بما

______________________________

بالفطرة فعلية الإسلام، بل المراد بها استعداد قبول الإسلام لو عرض عليه، لأنّ الإسلام دين الفطرة: يعني أنّ قوانينه مطابقة للفطرة المستقيمة العقلائية. و إذا كان بالغا فظاهرهم الإجماع على عدم التبعية، كما أنّه إذا كان معه أبوه أو جدّه، فلا خلاف عندهم في البقاء على الكفر التبعيّ لأحدهما، و لا وجه حينئذ لتبعية الآسر. و يأتي في كتاب الجهاد و أحكام اللقيط و كتاب الحدود ما ينفع المقام فراجع.

(235) للملازمة العرفية بين طهارة الخلّ بالانقلاب و طهارة ظرفه فيشمله دليل طهارة الخلّ عرفا.

(236) السدة: كما في المجمع هي «الباب». و كان يغسل عليها الميت، فيشملها إطلاق ما دل على طهارة الميت (1) بالغسل، و كذا الثوب الذي يغسل فيه. و كذا يد الغاسل، فإنّ كلّ ذلك يطهر بالتبعية العرفية المستفادة من الإطلاق.

(237) خروجا عن خلاف من اقتصر في المقام على طهارة خصوص يد الغاسل بالتبع و توقف في غيرها.

(238) أرسل الطهارة التبعية في أطراف البئر و الدلو و الرشا إرسال المسلّمات، بل عدّها من ضروريات الفقه، و يمكن أن تستفاد الطهارة التبعية

______________________________

ص: 116


1- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت.

عدى التغير، و معه أيضا يشكل جريان حكم التبعية (239).

«السابع»: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير

«السابع»: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته- فإنّها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلاثين (240).

______________________________

بالنسبة إلى الثياب أيضا من سكوت النصوص الواردة في النزح عن تطهيرها مع كون الحكم ابتلائيا في تلك الأزمنة.

(239) بدعوى: أنّ التطهير حينئذ منحصر بزوال التغيير، لا أن يكون نفس النزح مطهّرا. نعم، هو موجب لزوال التغير. و يمكن دفعه: بأنّ التبعية أعمّ مما كانت بلا واسطة أو معها، و على أيّ تقدير، التبعية العرفية متحققة فيشملها إطلاق دليل طهارة البئر (1).

فروع- (الأول): المكائن الحديثة المصنوعة لغسل الثياب و الظروف تطهر بالتبع أيضا إن طهرت الثياب و الظروف فيها، لما مرّ.

(الثاني): الطهارة التبعية في الخامس و الثامن في مورد الغسل بالماء القليل. و أما إذا كان بالمعتصم و وصل الماء إلى الجميع، فالطهارة استقلالية، لا تبعية.

(الثالث): لو شك في أصل تبعية شي ء للمتنجس، فالمرجع استصحاب النجاسة إن كان متنجسا، و الا فالمرجع قاعدة الطهارة.

(الرابع): المتيقن من الطهارة بالتبع ما إذا كان التابع متنجسا بنجاسة المتبوع. و إن كان متنجسا بنجاسة أخرى أيضا، ففي طهارته بالتبع إشكال.

(الخامس): لو علم بنجاسة التابع و ترددت بين كونها تبعية حتّى تطهر بالتبع، أو غيرها حتّى لا تطهر به، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة.

(240) لشمول إطلاق دليل طهارة العصير المطبوخ بعد ذهاب ثلثيه بالملازمة العرفية لآلات الطبخ أيضا.

______________________________

ص: 117


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 و 6.
«الثامن»: يد الغاسل

«الثامن»: يد الغاسل، و آلات الغسل في تطهير النجاسات، و بقية الغسالة الباقية في المحلّ بعد انفصالها (241).

«التاسع»: تبعية ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل

«التاسع»: تبعية ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل كالخيار و الباذنجان، و نحوهما كالخشب و العود، فإنّها تنجس تبعا له عند غليانه- على القول بها- و تطهر تبعا له بعد صيرورته خلّا (242).

«العاشر»: من المطهّرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان

اشارة

«العاشر»: من المطهّرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الإنسان بأيّ وجه كان (243)، سواء كان بمزيل،

______________________________

(241) لإطلاق دليل طهارة المغسول الحالي و المقامي، الشامل لليد و آلات الغسل، و الغسالة الباقية في المحلّ بالملازمة العرفية.

(242) ظهر ذلك أيضا مما تقدم. و عمدة الوجه في ذلك كلّه التمسك بالإطلاق الحاليّ و المقاميّ في المطهّرات، و سهولة الشريعة المقدّسة فيها.

(243) على المشهور، بل المتسالم عليه، للسيرة القطعية من أول البعثة و في زمان المعصومين إلى هذا الزمان على طهارة الحيوانات مع العلم بتلوثها بدم الولادة أو سائر النجاسات، و ينبغي عدّ هذه المسألة من القطعيات، بلا احتياج إلى التمسك بالإجماع و الروايات، بل تطهير الحيوانات عن النجاسات الحكمية يعدّ من الوسواس عند المتشرّعة، و يدل عليها إطلاقات الأدلة الدالة على طهارة سؤر الهرّة (1)و الباز و الصقر و العقاب (2) و الوحش (3) و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن فأرة وقعت في حبّ دهن و أخرجت قبل أن تموت، أبيعه من مسلم؟

قال: نعم، و يدهن منه» (4).

______________________________

ص: 118


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأسئار.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 1.

أو من قبل نفسه، فمنقار الدجاجة إذا تلوّث بالعذرة يطهر بزوال عينها و جفاف رطوبتها، و كذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأيّ وجه، و كذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التولد إلى غير ذلك، و كذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان (244) كفمه، و أنفه، و اذنه. فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرّد بلعه.

هذا إذا قلنا إنّ البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة، و كذا جسد الحيوان، و لكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما أصلا، و إنّما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان.

و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهّرات، و هذا الوجه قريب

______________________________

فإنّ محل بولها و بعرها كان متنجسا قطعا، و مع ذلك حكم عليه السلام بترتيب أثر الطهارة على ملاقيه. و إطلاق قول الصادق عليه السلام في موثق عمار:

«كلّ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه و لا تشرب» (1).

فجعل عليه السلام النجاسة مدار وجود عينها فقط. و احتمال أنّ مثل هذه الأخبار وارد مورد احتمال ورود المطهّر، كما في النهاية، خلاف الظاهر و المأنوس من مرتكزات المتشرعة. كما أنّ احتمال بقاء النجاسة و العفو عنها أيضا كذلك.

(244) إجماعا، بل ضرورة، كما في الجواهر. و خبر عبد الحميد قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه. قال: ليس بشي ء» (2)، و مثله رواية حسن الحنّاط.

______________________________

ص: 119


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2.

جدّا (245)، و مما يترتب على الوجهين أنّه لو كان في فمه شي ء من الدم،

______________________________

(245) و تدل بالنسبة إلى البواطن الأدلة المستفادة:

منها: أنّه لا حكم للنجاسة إلا للظاهر و في الظاهر، لاشتمالها على غسل الثوب و الجسد (1)، و قوله عليه السلام: «لا تتوضأ بفضله» (2) و قوله عليه السلام: «اغسل يدك» (3) و قوله عليه السلام: «ما يبل الميل ينجس حبّا من الماء» (4) إلى غير ذلك مما هو ظاهر، بل نصّ في تعلق الحكم بالظاهر فقط، مضافا إلى أنّ الحكم بنجاسة الباطن مطلقا خلاف سهولة الشريعة و مرتكزات المتشرّعة. و مع الشك في شمول الأدلة، فالمرجع قاعدة الطهارة.

ثمَّ إنّ للباطن مراتب متفاوتة:

منها: الحلق و أعلى داخل الأنف- مثلا.

و منها: أوائل الأنف و الفم، و يمكن استفادة طهارتها من إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل يسيل من أنفه الدم. و هل عليه أن يغسل باطنه، يعني: جوف الأنف؟ فقال: إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه» (5).

و قول أبي الحسن الرضا عليه السلام: «يستنجي و يغسل ما ظهر منه على الشرج، و لا يدخل فيه الأنملة» (6)، و قول أبي جعفر عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (7).

و نحوها المؤيدة بسهولة الشريعة، خصوصا في الطهارة الخبثية المبنية على التسهيل و التيسير.

و أما بالنسبة إلى عدم نجاسة بدن الحيوان، فلما تقدم من قول الصادق

______________________________

ص: 120


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث 4. و غيره من الأخبار المذكورة.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 5.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 6.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 5.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 1.
7- الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 7.

فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأول. فإذا لاقى شيئا نجّسه، بخلافه على الوجه الثاني، فإنّ الريق طاهر و النجس هو الدم فقط، فإن أدخل إصبعه- مثلا- في فمه، و لم يلاق الدم لم ينجس و إن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأنّ ملاقاة النجس في الباطن أيضا موجبة للتنجس، و الا فلا ينجس أصلا إلا إذا أخرجه و هو ملوّث بالدم.

مسألة 1: إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر

(مسألة 1): إذا شك في كون شي ء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول (246)، من الوجهين، و يبنى على طهارته على الوجه الثاني، لأنّ الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس (247).

مسألة 2: مطبق الشفتين من الباطن

(مسألة 2): مطبق الشفتين من الباطن، و كذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق (248).

______________________________

عليه السلام في الموثق: «الا أن ترى في منقاره دما» فإنّه ظاهر في أنّ الدم نجس لا بدن الحيوان. هذا مع عدم التعرض لهذا الحكم العام البلوى في الأخبار، لا بيانا من الإمام عليه السلام، و لا سؤالا من الرواة إلا بمثل موثق عمار (1) الظاهر في عدم الانفعال، و لو وصلت النوبة إلى الشك، فمقتضى قاعدة الطهارة عدم الانفعال بعد الشك في شمول أدلة سراية النجاسة إلى بدن الحيوان.

(246) لاستصحاب بقاء النجاسة.

(247) فيكون المرجع حينئذ قاعدة الطهارة.

(248) على ما هو المعروف بين الفقهاء و المتعارف بين الناس، لأنّ الظاهر و الباطن من المبينات العرفية. فما كان ظاهرا عرفا ينجس، و ما كان باطنا كذلك تدور نجاسته مدار وجود العين، أو لا ينجس أصلا على ما تقدم- و ما يشك في أنّه باطن أو ظاهر، فالمرجع فيه قاعدة الطهارة، إلا مع وجود العين بحيث لا تجري

______________________________

ص: 121


1- الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 5.

«الحادي عشر»: استبراء الحيوان الجلّال

«الحادي عشر»: استبراء الحيوان الجلّال، فإنّه مطهّر لبوله و روثه (249)، و المراد بالجلّال: مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذّي العذرة، و هي غائط الإنسان (250). و المراد من الاستبراء منعه من ذلك، و اغتذاؤه بالعلف الطاهر (251) حتّى يزول عنه اسم

______________________________

القاعدة حينئذ. و ما تقدم من غسل ظاهر الأنف عند الرعاف، و ظاهر المقعدة عن الاستنجاء، بيان للأمر العرفيّ و يأتي في الطهارة الحدثية أيضا كفاية غسل الظاهر.

(249) نصّا (1) و إجماعا، و لقاعدة زوال الحكم بزوال العنوان (2)، فإنّه إذا زال عنوان الجلل يزول الحكم. قهرا.

(250) على المشهور المتسالم عليه بين الأصحاب، و المتفاهم عرفا من خبر ابن أكيل عن أبي جعفر عليه السلام «في شاة شربت بولا، ثمَّ ذبحت.

قال: فقال عليه السلام: يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة. و الجلّالة هي التي يكون ذلك غذاؤها» (3).

و تشهد له اللغة أيضا (4)، فما عن الحلبي: من إلحاق سائر النجاسات بها، لا وجه له في مقابل أصالة الحلية و الطهارة. و المرجع في صدق الجلّال هو العرف، فإذا صدق أنّ غذاءه العذرة محضا، يتعلق به الحكم لعدم ورود التحديد الموضوعيّ عن الشرع، و الأدلة منزلة على الصدق العرفي قهرا، فالتحديد باليوم و الليلة، أو بما يظهر النتن في لحمه، أو جلده أو بما ينمو بذلك لا وجه له ما لم يكن من الصدق العرفيّ في مقابل استصحاب الحليّة و الطهارة الذي هو المرجع عند الشك في حصول الحرمة و النجاسة.

(251) ليس لهذا التقييد في الأخبار عين و لا أثر الا أن يدعى انصرافها

______________________________

ص: 122


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- تقدم في ج: 1 صفحة: 137.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.
4- راجع مجمع البحرين صفحة: 429.

الجلل (252)، و الأحوط مع زوال الاسم مضيّ المدة المنصوصة في كلّ حيوان بهذا التفصيل: في الإبل إلى أربعين يوما (253)، و في البقر إلى

______________________________

إليه. و فيه ما لا يخفى. نعم، هو المشهور في الكلمات و بلوغه حدّ الإجماع المعتبر، مشكل، و لكنّه الأحوط.

(252) لدوران الحكم مدار صدق الموضوع حدوثا و بقاء، فمع زوال عنوان الجلل لا وجه لبقاء الحرمة و النجاسة. و إنّما البحث في أنّ ما ورد من التحديد في النصوص (1) له موضوعية خاصة حتّى يجب و لو مع زوال الاسم و العنوان قبل حصوله، أو أنّه طريق إلى زوال الاسم فيدور مداره. يحتمل الأخير، لبعد التعبد المحض في هذا الأمر العرفي، و إنّما ورد التحديد بما ورد من باب الغالب، فالمناط كله زوال الاسم المختلف باختلاف مزاج الحيوان و الزمان و المكان. فيكون المقام نظير المرض و الصحة المعلق عليهما الحكم في الأدلة. هذا و لكن نسب إلى المشهور، بل المجمع عليه وجوب مراعاة ما ورد في النصوص و إن زال الاسم قبله.

(253) ورد هذا التحديد في خبر السكوني عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتّى تقيد ثلاثة أيام و البطة الجلالة خمسة أيام، و الشاة الجلالة عشرة أيام، و البقرة الجلالة عشرين يوما، و الناقة الجلالة أربعين يوما»(2).

و المشهور عملوا بهذا الحديث، و هو معتبر من حيث السند أيضا، كما أثبتناه في محلّه.

ثمَّ إنّ المتفق عليه نصّا و فتوى أنّ مدة الاستبراء بالنسبة إلى الإبل أربعون يوما و اختلفت النصوص في غيره، و لأجل ذلك اختلفت الأقوال أيضا، ففي خبر

______________________________

ص: 123


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرّمة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

ثلاثين (254)، و في الغنم إلى عشرة أيام، و في البطة إلى خمسة أو سبعة (255)، و في الدجاجة إلى ثلاثة أيام (256) و في غيرها يكفي زوال الاسم (257).

______________________________

مسمع على ما رواه في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام- في حديث-: و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتّى تغذى ثلاثين يوما (1) و ضبطه في التهذيب ب «عشرين يوما» (2)، و في الاستبصار «أربعين يوما» (3)، و في خبر يعقوب بن يزيد قال:

«قال أبو عبد اللّه: الإبل الجلالة إذا أردت نحرها، تحبس البعير أربعين يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الشاة عشرة أيام» (4).

و في خبر يونس عن الرضا عليه السلام في حديث: «و البطة سبعة أيام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الإبل أربعين يوما ثمَّ تذبح» (5)، و في خبر الجوهري: «و البطة تربط ثلاثة أيام»(6). قال و روي: «ستة أيام» (7)، و في مرسل العلامة: «للشاة سبعة». و لكن الكلّ قاصرة سندا، و معرض عنها عند الأصحاب، فالعمل على خبر السكوني الذي عمل به المشهور هو المتعيّن.

(254) تقدم أنّ المشهور نصّا و فتوى «عشرون يوما»، و في خبر مسمع على نسخة الكافي و الاستبصار: «أربعين يوما». و قصور السند و الإعراض أوهناهما، مع أنّ في نسخة التهذيب ضبط: «عشرين يوما».

(255) ذكر السبعة في خبر يونس عن الرضا عليه السلام، كما تقدم.

______________________________

ص: 124


1- الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- التهذيب باب الصيد و الذكاة حديث: 189.
3- الاستبصار باب كراهية لحوم الجلالات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 4.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 5 و 6.
6- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 7 و 10.
7- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 8 و 9.

«الثاني عشر»: حجر الاستنجاء

«الثاني عشر»: حجر الاستنجاء على التفصيل الآتي (258).

«الثالث عشر»: خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف

«الثالث عشر»: خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف فإنّه مطهّر لما بقي منه في الجوف (259).

«الرابع عشر»: نزح المقادير المنصوصة

«الرابع عشر»: نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها و وجوب نزحها (260).

«الخامس عشر»: تيمم الميت بدلا عن الأغسال عند فقد الماء

«الخامس عشر»: تيمم الميت بدلا عن الأغسال عند فقد الماء، فإنّه مطهّر لبدنه على الأقوى (261).

«السادس عشر»: الاستبراء بالخرطات بعد البول

«السادس عشر»: الاستبراء بالخرطات بعد البول، و بالبول بعد

______________________________

و لكنه موهون بقصور السند و الإعراض و لا بأس بحمله على الندب.

(256) هذا متفق عليه نصّا و فتوى. نعم، قال في المقنع: «الدجاجة تربط ثلاثة أيام» (1)، و روي «يوما إلى الليل»، و لكنه لم يعرف له قائل (2).

(257) لقاعدة «انتفاء الحكم بانتفاء الاسم و العنوان» كما تقدم (3).

(258) نصّا و إجماعا، كما يأتي في فصل الاستنجاء.

(259) تقدم ذلك في النجاسات، راجع [مسألة 2] من نجاسة الدم.

(260) إذ لا وجه لوجوب النزح الا التطهير، و هو المراد من الروايات الواردة في النزح سؤالا و جوابا (4).

(261) لعموم بدلية الطهارة الترابية عن المائية في المقام، إذ لا نجاسة للميت إلا الحدثية الحاصلة بالموت، و مع زوال الحدثية تحصل الطهارة من هذه الجهة لا محالة. و الا لغي وجوب الطهارة الترابية عند تعذر الطهارة المائية بالنسبة إلى الميت، و لا ينافي ذلك عدم حصول الطهارة الخبثية بالتيمم في سائر

______________________________

ص: 125


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 10 و 8 و 9.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 10 و 8 و 9.
3- تقدم في ج: 1 صفحة: 137.
4- الوسائل أبواب: 15 إلى 23 من أبواب الماء المطلق.

خروج المنيّ، فإنّه مطهّر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة (262) لكن لا يخفى أنّ عدّ هذا من المطهّرات من باب المسامحة (263)، و الا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

«السابع عشر»: زوال التغير في الجاري

«السابع عشر»: زوال التغير في الجاري، و البئر، بل مطلق النابع بأيّ وجه كان و في عدّ هذا منها أيضا مسامحة، و الا ففي الحقيقة المطهّر هو الماء الموجود في المادة (264).

«الثامن عشر»: غيبة المسلم

اشارة

«الثامن عشر»: غيبة المسلم، فإنّها مطهّرة لبدنه، أو لباسه، أو فرشه، أو ظرفه، أو غير ذلك مما في يده (265).

______________________________

الموارد، و يأتي التعرض له في [مسألة 6] من فصل غسل الميت. هذا إذا لم يكن بدن الميت متنجسا بالنجاسة العرضية، و الا فالحكم بطهارة هذه النجاسة العرضية بالتيمم مشكل.

(262) نصا و إجماعا، و يأتي التفصيل في فصل الاستبراء.

(263) لأنّ طهارة الرطوبة المشتبهة: أما ظاهرية، فيكفي فيها مجرد الشك في النجاسة، فلا وجه لتسمية الاستبراء مطهّرا، و إما واقعية يكفي فيها تحقق موضوعها الواقعيّ و لا وجه لكون الاستبراء مطهّرا أيضا. و يمكن أن يقال: إنّ الاستبراء موضوع لحكم الشارع واقعا بطهارة البلل، كما أنّ الذبح الشرعيّ موضوع لحكم الشارع لطهارة الدم المتخلف.

(264) فتحصل الطهارة حينئذ لوجود المقتضي- و هو المادة- و زوال المانع- و هو التغير- فليس مجرد زوال التغير مطهّرا، بل المطهّر إنّما هو المادة الموجودة و الاتصال بها.

(265) لظهور الإجماع و السيرة القطعية من صدر الشريعة، و لزوم الحرج من الاجتناب، و ظهور حال المسلم في الاجتناب عن النجاسة و الاهتمام بتطهيرها، فيكون نفس احتمال التطهير كافيا في ترتيب آثار الطهارة، و كما أنّ احتمال الطهارة في سائر الموارد يكفي في الحكم بها مع عدم سبق النجاسة

ص: 126

بشروط خمسة (266):

______________________________

يكتفى به في المقام حتّى مع سبق النجاسة، لسقوط استصحاب النجاسة بالسيرة، و ظهور الإجماع و عدم اعتناء المتشرعة بمثل هذا الاستصحاب، فيكون المقام كسائر الموارد في جريان قاعدة الطهارة أيضا بلا مانع، الا أنّ جريانها في سائر الموارد يكون بلا عناية شي ء، و في المقام يكون لأجل احتمال التطهير، و مقتضى عموم دليل القاعدة الشمول للصورتين. مع أنّ في أصل جريان استصحاب النجاسة إشكالا، لاحتمال أن يكون زوال العين عما يتعلق بالمسلم كزوال العين عن بدن الحيوان، فالنجاسة تدور مدار وجود عينها فقط في الحيوان. و سواد الناس، و السيرة القطعية على عدم الاجتناب عنهم، و لا اختصاص لما قلناه بالنجاسة، فلنا أن ندعي السيرة العقلائية على أنّه إن رأى العقلاء قذارة على بدن شخص أو ثيابه أو ما يتعلق به من أثاثه، ثمَّ لم يروا تلك القذارة و احتملوا إزالتها لا يرتّبون آثار بقاء تلك القذارة، بل يرتبون آثار النظافة، بلا فرق في ذلك كلّه بين الظنّ بالإزالة و عدمه، و يرون التأمل في ذلك من الوسواس، و المتردد فيه خارجا عن متعارف الناس.

(266) الشرطان الأولان يرجعان إلى شي ء واحد، و الدليل على اعتبارهما:

أنّهما كالموضوع لتحقق احتمال التطهير الذي هو العمدة في الحكم بالطهارة، و مع عدم الأمرين لا يتحقق هذا الاحتمال قطعا.

كما أنّ الشرط الثالث و الرابع يرجعان إلى شي ء واحد أيضا، و هو ترتب آثار الطهارة عليه مطلقا سواء أ كان بالاستعمال أو بغيره، و الدليل عليه: أنّ ذلك هو المتيقن من الإجماع و السيرة. كما أنّ الدليل على الشرط الخامس كونه المتيقن من الإجماع و السيرة أيضا.

و لكن عن بعض الفقهاء رحمهم اللّه عدم اشتراط علمه بالنجاسة و لا تلبّسه بما يشترط بالطهارة، لعموم السيرة و سهولة الشريعة، خصوصا بالنسبة إلى الطهارة سيّما في صدر الإسلام، بل و في هذه الأيام بالنسبة إلى نوع العوام، و لكن الأحوط ما قاله الماتن تبعا لجمع من الفقهاء رحمهم اللّه.

ص: 127

«الأول»: أن يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني (267).

«الثاني»: علمه بكون ذلك الشي ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا (268).

«الثالث»: استعماله لذلك الشي ء فيما يشترط فيه الطهارة، على وجه يكون أمارة نوعيّة على طهارته، من باب حمل فعل المسلم على الصحة (269).

«الرابع»: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض (270).

«الخامس»: أن يكون تطهيره لذلك الشي ء محتملا، و الا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته (271)، بل لو علم من حاله أنّه لا يبالي بالنجاسة و أنّ الطاهر و النجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته (272)، و إن كان تطهيره إيّاه محتملا.

______________________________

(267) المراد من العلم العادي منه الشامل لمطلق الحجج المعتبرة و مر الدليل على اعتبار أصل الشرط.

(268) تقدم أنّه يرجع إلى الشرط الأول.

(269) إذا جعلنا استعماله أمارة على الطهارة فلا نحتاج إلى أصالة الصحة و قد ذكرنا الفرق بين الأمارة و الأصل في كتابنا (تهذيب الأصول) و من شاء فليراجعه.

(270) لأنه مع عدم العلم بذلك و لا أثر لاستعماله كما مرّ.

(271) لأنّ مطهّرية الغيبة طريق تسهيليّ ظاهري، لا موضوع لها مع العلم بالواقع، كسائر الطرق الظاهرية مطلقا.

(272) منشأ الإشكال فيه و في المميز، الإشكال في ثبوت السيرة و عدمه.

و عن الفقيه الهمداني دعوى ثبوتها فيهما، و يمكن الاختلاف باختلاف مراتب عدم

ص: 128

و في اشتراط كونه بالغا، أو يكفي و لو كان صبيا مميزا وجهان و الأحوط ذلك. نعم، لو رأينا أنّ وليّه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة لا يبعد البناء (273) عليها، و الظاهر إلحاق الظلمة و العمى بالغيبة مع تحقق الشروط المذكورة (274).

ثمَّ لا يخفى أنّ مطهّرية الغيبة إنّما هي في الظاهر و الا فالواقع على حاله (275)، و كذا المطهّر السابق و هو الاستبراء بخلاف سائر الأمور المذكورة فعد الغيبة من المطهّرات من باب المسامحة، و الا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير.

مسألة 1: ليس من المطهّرات الغسل بالماء المضاف

(مسألة 1): ليس من المطهّرات الغسل بالماء المضاف، و لا مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة، و لا إزالة الدم بالبصاق، و لا غليان الدم في المرق، و لا خبز العجين النجس، و لا مزج الدّهن

______________________________

المبالاة و مراتب التمييز، ففي بعضها ثابتة، و في بعضها مشكوكة الثبوت، و في بعضها مقطوعة العدم. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(273) تقدم أنّه بالنسبة إلى بعض مراتب التمييز يصح دعوى قيام السيرة، و بالنسبة إلى بعض مراتبها الأخر لا يصح، فيجوز الاعتماد على عمل الوليّ إن أوجب حصول الاطمئنان بالطهارة، و الا فلا وجه للاعتماد عليه.

(274) بدعوى: أنّه ليس لنفس الغيبة من حيث هي موضوعية خاصة بل المناط كلّه تحقق الشروط المذكورة و المفروض تحققها، فتكون من طرق استظهار الطهارة. نعم، لو كانت الظلمة و العمى بحيث لم يمكن استظهار الطهارة معهما، يشكل الإلحاق، فيكون النزاع حينئذ صغرويا.

(275) كما في كلّ حكم ظاهريّ مجعول، و لكن يمكن أن يكون نفس الغيبة موضوعا لجعل الطهارة الواقعية، كما تقدم في الاستبراء. هذا بناء على النجاسة الحكمية. و أما بناء على أنّ النجاسة تدور مدار عينها كما مرّ، فالطهارة واقعية في غير عين النجاسة.

ص: 129

النجس بالكرّ الحار، و لا دبغ جلد الميتة و إن قال بكلّ قائل (276).

مسألة 2: يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية

(مسألة 2): يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية و لو فيما يشترط فيه الطهارة (277)، و إن لم يدبغ على الأقوى (278).

______________________________

(276) نسب الأول إلى المفيد و السيد. و الثاني إلى السيد و المفاتيح.

و الثالث إلى السيد. و الرابع إلى المفيد، و الشيخ و القاضي، و الخامس إلى الشيخ في النهاية و الاستبصار. و السادس إلى العلامة. و السابع إلى ابن الجنيد (قدّس اللّه أسرار جميعهم).

و الكل مردود، لاستقرار المذهب على خلافهم، مع أنّه لا مدرك لهم يصح الاعتماد عليه، لأنّ مستندهم بين ما هو قاصر سندا، أو معارض بمثله، أو موهون بهجر الأصحاب، فلا يصلح لمعارضة استصحاب النجاسة، فضلا عن التقدم عليه، و قد تقدم في [مسألة 11] من نجاسة الدم، و في الاستحالة، و [مسألة 15] من المطهّرات، و [مسألة 8] من نجاسة الميتة و سائر المسائل المناسبة ما يتعلق بالأقوال.

(277) لما يأتي في لباس المصلّي و كتاب الصيد و الذباحة إن شاء اللّه تعالى من قبول كلّ حيوان للتذكية إلا ما خرج بالدليل، مثل نجس العين، و ما ليس له نفس سائلة، و المسوخ غير السباع. و في موثق سماعة:

«سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ قال: إذا رميت و سمّيت، فانتفع بجلدها» (1).

و إطلاقه يشمل الجميع الا ما خرج بالدليل.

(278) و هو المشهور، للأصل، و إطلاق مثل موثق سماعة:

______________________________

ص: 130


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 4.

نعم، يستحب أن لا يستعمل مطلقا الا بعد الدبغ (279).

مسألة 3: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية

(مسألة 3): ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية (280)، و إن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ (281).

______________________________

«عن جلود السباع فقال عليه السلام: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (1).

و لكن لا تصح الصلاة فيما لا يؤكل منها، لما يأتي إن شاء اللّه تعالى في الرابع من شرائط لباس المصلّي، و تقدم في [مسألة 3] من نجاسة البول ما يتعلق بالمقام (2).

(279) نسب إلى الشيخين و المرتضى عدم الطهارة إلا بالدبغ، لما روي عن الرضا عليه السلام: «دباغة الجلد طهارته» (3).

و لخبر أبي مخلّد السراج «- في حديث- قال: إنّي رجل سراج أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس» (4).

و لكنهما لا تصلحان لحرمة الاستعمال، لقصور السند و الهجر عند الأصحاب. مع أنّ قوله عليه السلام: «دباغة الجلد طهارته» يمكن أن يحمل على الطهارة في مقابل القذارة الظاهرية، دون ما تقابل النجاسة الشرعية.

(280) بضرورة المذهب، بل الدّين، و المستفيض من الأخبار، تقدم بعضها في [مسألة 6] من نجاسة الميتة (5).

(281) على المشهور، لإطلاق الأدلة الدالة على اعتبار يد المسلمين

______________________________

ص: 131


1- الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلي حديث: 6.
2- راجع ج 1 صفحة: 300.
3- الفقه الرضوي: صفحة: 41 و ذكرنا الرواية في ج: 1 صفحة: 307.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
5- ج 1 صفحة: 323 و راجع الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات.
مسألة 4: ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية

(مسألة 4): ما عدا الكلب و الخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية (282)، فجلده و لحمه طاهر بعد التذكية.

مسألة 5: يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد مع عدم تنجسه

(مسألة 5): يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد مع عدم تنجسه، كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس و البغل و الحمار (283)، و ملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة مع ظهور أثرها، و المصافحة مع الناصبيّ بلا رطوبة (284)، و يستحب النضح- أي الرش

______________________________

و سوقهم الشامل لهذا القسم أيضا مع وجود من يقول بهذا بينهم، خصوصا في الصدر الأول، و يشهد له إطلاق قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار:

«إنّ الدّين أوسع من ذلك» (1).

و ما ورد في بعضها من النّهي عن السؤال (2).

(282) لإطلاق موثق ابن بكير (3) و صحيح ابن يقطين (4). و لا بد من استثناء الحشرات و الإنسان أيضا. أما الأخير، فبضرورة الدّين، و أما الأول فإنّه لا أثر للتذكية فيها، لعدم جواز أكلها ذكيت أولا، كما أنّها طاهرة مطلقا، ذكيت أم لا.

(283) لقول الصادق عليه السلام: «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل» (5).

المحمول على الندب، جمعا بينه. و بين ما ظاهره الطهارة (6).

(284) أما في الفأرة فلخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال:

«سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أ يصلّى

______________________________

ص: 132


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 6 و 7.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 6 و 7.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9 و 12.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب لباس المصلّي حديث: 9 و 12.

بالماء- في موارد، كملاقاة الكلب، و الخنزير، و الكافر بلا رطوبة (285)، و عرق الجنب من الحلال (286)، و ملاقاة ما شك في

______________________________

فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء» (1).

المحمول على الندب بقرينة غيره (2). و أما الناصبيّ، فلخبر القلانسي عن الصادق عليه السلام:

«ألقى الذمي فيصافحني. قال: امسحها بالتراب و بالحائط. قلت:

فالناصب؟ قال: اغسلها» (3).

المحمول في الذمّي على عدم الرطوبة إجماعا و في الناصب على استحباب الغسل حتّى مع اليبوسة.

(285) لحديث الأربعمائة قال:

________________________________________

«تنزهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب و هو رطب فليغسله، و إن كان جافا فلينضح ثوبه بالماء» (4).

و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام فيمن أصاب ثوبه خنزير قال عليه السلام: «إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، الا أن يكون فيه أثر فيغسله» (5).

و في صحيح الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي، فقال عليه السلام:

«يرشّ بالماء» (6).

المحمول كلّ منها على الندب، لقرائن خارجية و داخلية.

(286) لخبر أبي بصير عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتّى يبتلّ

______________________________

ص: 133


1- الوسائل باب: 33 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث 1 و 9.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 11.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب النجاسات حديث: 1.
6- الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 3.

ملاقاته لبول الفرس و البغل و الحمار (287)، و ملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها (288)، و ما شك في ملاقاته للبول أو الدم أو المنيّ (289)، و ملاقاة الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير (290)،

______________________________

القميص، فقال: «لا بأس، و إن أحبّ أن يرشه بالماء فليفعل»(1).

و في استفادة الاستحباب الشرعي عن مثل هذا التعبير إشكال.

(287) لخبر ابن مسلم قال: «سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير، فقال عليه السلام: اغسله، فإن لم تعلم مكانه، فاغسل الثوب كلّه فإن شككت فانضحه (2).

المحمول على الندب إجماعا.

(288) لما تقدم من خبر ابن جعفر: «و ما لم تره انضحه بالماء».

(289) لخبر ابن الحجاج عن الكاظم عليه السلام: «عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه فلا يستيقن، فهل يجزيه أن يصيب على ذكره إذا بال و لا يستنشف؟ قال: يغسل ما استبان أنّه قد أصابه، و ينضح ما يشك فيه من جسده و ثيابه و يتنشف قبل أن يتوضّأ» (3).

و المراد بالتنشف الاستبراء- كما في الوسائل- و في خبر ابن سنان عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال:

«إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به، فليس عليه إعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شي ء فنظر فيه فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء» (4).

و الظاهر أنّ ذكر الجنابة في الجواب من باب الاكتفاء بأحد فردي السؤال عن

______________________________

ص: 134


1- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 8.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 3.

و معبد اليهود و النصارى و المجوس إذا أراد أن يصلي فيه (291).

و يستحب المسح بالتراب أو بالحائط في موارد: كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة، و مس الكلب و الخنزير بلا رطوبة، و مسّ الثعلب و الأرنب (292).

______________________________

فرده الآخر، لا الاختصاص بها فقط.

(290) لخبر صفوان قال: «سأل رجل أبا الحسن عليه السلام و أنا حاضر فقال: إنّ لي جرحا في مقعدتي، فأتوضأ ثمَّ أستنجي، ثمَّ أجد بعد ذلك الندى و الصفرة تخرج من المقعدة. أ فأعيد الوضوء؟ قال: قد أيقنت؟ قال: نعم، قال: لا. و لكن رشه بالماء، و لا تعد الوضوء» (1).

و حيث إنّ الغالب في جرح المقعدة البواسير، فيحمل الخبر عليه.

(291) لصحيح ابن سنان قال: «سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس فقال عليه السلام: رشّ و صلّ»(2).

(292) أما الكتابيّ فلما تقدم في خبر القلانسي، و أما الكلب و الخنزير فلفتوى جمع به معترفين بعدم العثور على النص. و عن بعض زيادة مس الثعلب و الأرنب، و عن آخر إضافة مسّ الفأرة و الوزغة. و عن المبسوط استحبابه لمس كلّ نجاسة يابسة. فإن أرادوا الاستحباب الشرعي، و كفى فتوى الفقيه في ثبوته تسامحا يثبت الاستحباب في ذلك كلّه، و الا فلا وجه له و إن أرادوا حسن التنزه و رفع مطلق الاستقذار عند العقلاء فله وجه.

و الحمد للّه ربّ العالمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و قد انتهى في اليوم الأول من شهر رجب المرجب سنة ألف و ثلاثمائة و تسع و سبعين هجرية على من هاجرها آلاف التحية و الثناء و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

______________________________

ص: 135


1- الوسائل باب: 16 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.

فصل إذا علم بنجاسة شي ء

اشارة

(فصل إذا علم بنجاسة شي ء) يحكم ببقائها ما لم يثبت تطهيره. و طريق الثبوت أمور:

«الأول»: العلم الوجداني.

«الثاني»: شهادة العدلين (1) بالتطهير أو بسبب الطهارة، و إن لم يكن مطهّرا عندهما أو عند أحدهما، كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النجس بمقدار لا يكفي عندهما في التطهير، مع كونه كافيا عنده، أو أخبرا بغسل الشي ء بماء يعتقدان أنّه مضاف و هو عالم بأنّه ماء مطلق، و هكذا (2).

(فصل إذا علم بنجاسة شي ء)

______________________________

(1) أما الحكم ببقاء النجاسة، فللاستصحاب. و أما اعتبار العلم الوجداني في الطهارة، فبضرورة الدّين، بل العقلاء. و يكفي الاطمئنان المعتبر بالطهارة و إن لم يصل إلى حدّ العلم، لحجية الاطمئنان، بل هو المراد بالعلم في الكتاب و السنة كما تقدم مكرّرا. و أما الأخير فللإجماع بل الضرورة الفقهية و لرواية مسعدة ابن صدقة (1).

(2) لأنّ المناط في حجية الحجج مطلقا كونها ذات أثر عند من قامت لديه، للسيرة، و لصدق قيام الحجة لديه، فتشمله إطلاقات أدلة اعتبارها و حجيتها.

______________________________

ص: 136


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به، حديث: 4 ج 14.

«الثالث»: إخبار ذي اليد و إن لم يكن عادلا (3).

«الرابع»: غيبة المسلم على التفصيل الذي سبق.

«الخامس»: إخبار الوكيل في التطهير بطهارته (4).

«السادس»: غسل مسلم له بعنوان التطهير و إن لم يعلم أنّه غسله على الوجه الشرعي أم لا حملا لفعله على الصحة.

______________________________

(3) لما تقدم من اعتبار اليد في [مسألة 6] من فصل ماء البئر (1).

(4) أخبار الوكيل في التطهير معتبرة من جهة قاعدة اليد، فلا بد و أن يكون ما أخبر بطهارته تحت استيلائه، و إن لم يكن كذلك و كان عادلا، فهو من أخبار العدل الواحد، فيجري فيه ما تقدم. و الا فلا اعتبار بقوله، إلا إذا حصل منه الاطمئنان العقلائي، و الا فنفس الوكالة من حيث هي لا موضوعية فيها، و هذا هو مراد صاحب الجواهر حيث قال:

«للسيرة المستمرة القطعية في سائر الأعصار و الأمصار المأخوذة يدا بيد في تطهير الجواري و النساء و نحوهنّ ثياب ساداتهنّ و رجالهنّ، بل لعلّ ذلك من الضروريات».

و من ذلك تحدث قاعدة، و هي: «كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله» و إنّها من القواعد العامة المعمول بها في أبواب متفرقة، بل الظاهر كونها متعارفة بين الناس، فيكفي عدم ثبوت الردع، مع أنّه قد ورد التقرير من ظهور الإجماع، و حمل فعل المسلم على الصحة، و ما ورد في القصارين(2)، و الجزارين (3)، و الجارية المأمورة بغسل ثوب سيدها (4)، و أنّ الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة (5).

______________________________

ص: 137


1- راجع ج: 1 صفحة 232.
2- الوافي: كتاب الطهارة باب التطهير من مس الحيوانات حديث: 21.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الذبائح حديث: 1.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب النجاسات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 56 من أبواب النجاسات حديث: 1.

«السابع»: إخبار العدل الواحد عند بعضهم لكنّه مشكل (5).

مسألة 1: إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير و عدمه

(مسألة 1): إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير و عدمه تساقطا (6) و يحكم ببقاء النجاسة، و إذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ما عدا العلم الوجداني تقدم البينة (7).

______________________________

و يمكن أن يستدل عليها بما دل على اعتبار اليد أيضا (1)، إذ المراد بها الاستيلاء على الشي ء بأيّ وجه كان، فكلّ من استولى على شي ء قوله معتبر فيه و هو مؤتمن، فهذه أخصّ من قاعدة اليد. و لولاها لاختلّ النظام، و تعطلت الأحكام. و فيها فروع نتعرض لها في الموارد المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

(5) إن لم يحصل منه الاطمئنان المتعارف، و الا فيعتمد عليه، لاعتبار الاطمئنان، و بذلك يجمع بين الكلمات، فمن اعتبره أراد به صورة حصول الاطمئنان. و ما نسب إلى المشهور من عدم الاعتبار أرادوا به صورة عدم حصوله، و تقدم في [مسألة 6] من فصل ماء البئر بعض الكلام.

(6) لأصالة التساقط في كلّ طريقين تعارضا من تمام الجهات و لم يكن مرجح في البين. هذا مع عدم استناد بينة العدم إلى الأصل، و عدم شهادته بالنفي المحض، و الا فتقدم بينة التطهير. و كذا في أخبار صاحبي اليد.

ثمَّ إنّه مع تساوي البينتين من جميع الجهات لا يبعد ترجيح بينة التطهير بقاعدة الطهارة و سهولة الشريعة، و بنائها على التسهيل في الطهارة.

(7) على تفصيل تقدم آنفا في تعارض البينتين. و إن تساوى بعض الطرق المتقدمة مع البينة من كلّ جهة و تعارضا، يشكل تقديم البينة، لفرض أنّ الطريق الآخر حجة معتبرة شرعا أيضا.

و دعوى: أنّ دليل حجيته مقيد بعدم وجود البينة في البين. بلا شاهد.

______________________________

ص: 138


1- ج 1 صفحة: 232.

مسألة 2: إذا علم بنجاسة شيئين، فقامت البينة على تطهير أحدهما

(مسألة 2): إذا علم بنجاسة شيئين، فقامت البينة على تطهير أحدهما غير المعيّن، أو المعيّن و اشتبه عنده، أو طهّر هو أحدهما ثمَّ اشتبه عليه، حكم عليهما بالنجاسة عملا بالاستصحاب (8)، بل يحكم بنجاسة ملاقي كلّ منهما، لكن إذا كانا ثوبين و كرّر الصلاة فيهما صحت.

______________________________

نعم، لو كانت حجية البينة أقوى من حجية سائر الحجج، يمكن القول بتقديمها، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء.

(8) يجب الاحتياط عملا بالعلم الإجمالي، و جريان الاستصحاب فيهما معا ثبوتا لا وجه له، لإحراز نقض الحالة السابقة في الجملة فكيف يبنى عليها فيهما معا، بلا فرق فيه بين كون الحالة السابقة فيهما النجاسة ثمَّ علم إجمالا بالطهارة، أو كونها الطهارة فعلم إجمالا بالنجاسة، فلا موضوع لجريان الأصل في جميع الأطراف ثبوتا على أيّ تقدير. و كذا إثباتا، لعدم تمامية أركان الاستصحاب بالنسبة إلى تمام الأطراف، للعلم بالخلاف، و بالنسبة إلى المردد من حيث الترديد لا وجه لجريانه، لعدم تحقق المردد لا خارجا و لا ذهنا، فكيف يتعلق به اليقين السابق و الشك اللاحق. و كذا لا وجه لجريانه بالنسبة إلى طرف مخصوص، لأنّه من الترجيح بلا مرجح، و الاستصحاب بالنسبة إلى كلّي النجاسة فيما إذا كانت الأطراف مسبوقة بها لا مانع منه، لوجود المقتضي و فقد المانع.

و لكن نفس العلم الإجمالي بوجود نجس في البين يغني عن جريانه، فيجب الاحتياط لأجله بلا حاجة إلى التمسك بالأصل.

و لو كانت الأطراف مسبوقة بالطهارة و علم إجمالا بعروض النجاسة في الجملة في أحد الأطراف، لا يجري استصحاب الطهارة في المردد، و لا المعيّن، لما تقدم. بل و لا استصحاب الكلّي، لعدم أثر عمليّ له، لأنّ العلم الإجمالي بوجود النجس في البين يقتضي الاحتياط، و قد تعرضنا في الأصول إلى بعض ما يتعلق بالمقام، فراجع.

ثمَّ إنّ الجزم بوجوب الاجتناب عن ملاقي كلّ منهما مع العلم بفساد أحد

ص: 139

مسألة 3: إذا شك بعد التطهير و علمه بالطهارة، في أنّه هل أزال العين أم لا؟

(مسألة 3): إذا شك بعد التطهير و علمه بالطهارة، في أنّه هل أزال العين أم لا؟ أو أنه طهّره على الوجه الشرعي أم لا؟ يبني على الطهارة (9)، الا أن يرى فيه عين النجاسة و لو رأى فيه نجاسة، و شك في أنّها هي السابقة أو أخرى طارئة بنى على أنّها طارئة (10).

مسألة 4: إذا علم بنجاسة شي ء، و شك في أنّ لها عينا أم لا

(مسألة 4): إذا علم بنجاسة شي ء، و شك في أنّ لها عينا أم لا

______________________________

الاستصحابين لا وجه له، فيكون المقام من ملاقي الشبهة المحصورة الذي حكم رحمه اللّه فيه بعدم وجوب الاجتناب في [مسألة 6] من فصل الماء المشكوك. و تمامية أركان الاستصحاب في كلّ واحد من الأطراف ظاهرا- على فرض تسليمه- لا تنفع مع العلم بالخلاف في البين إجمالا، و قد تقدم في تلك المسألة ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إنّ صحة الصلاة مع تكرارها في الثوبين و عدم التمكن من تحصيل الثوب الطاهر لا إشكال فيها، لأنّ من يقول بتقدم الامتثال التفصيلي على الإجمالي يقول به مع التمكن منه، دون ما إذا لم يتمكن. و أما مع التمكن فالمسألة من موارد صحة الامتثال الإجمالي مع التمكن التفصيلي، و تقدم مرارا جوازه، و إن كان خلاف الاحتياط.

(9) لقاعدة الصحة، هذا إذا كان بانيا على إزالة العين و التطهير الشرعي.

و أما إذا كان غافلا بالمرّة، فيشكل الحكم بالتطهير، للشك في جريان القاعدة حينئذ، فيجري استصحاب النجاسة بلا مانع. و كذا الكلام فيما إذا شك في أنّها طارئة أو سابقة، فمع إحراز الالتفات و لو في الجملة تجري قاعدة الصحة في الغسل و يبنى على أنّها طارئة. و مع عدمه فالمرجع هو الاستصحاب بلا مانع، إلا إذا قلنا بجريان القاعدة حتّى في صورة الغفلة و عدم الالتفات، لأنّها من القواعد التسهيلية الامتنانية فتعتبر مع الغفلة أيضا.

(10) لجريان قاعدة الصحة بالنسبة إلى النجاسة السابقة، فلا موضوع للبناء على كونها السابقة.

ص: 140

له أن يبني على عدم العين (11)، فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها، و إن كان أحوط.

مسألة 5: الوسواسي يرجع في التطهير إلى المتعارف

(مسألة 5): الوسواسي يرجع في التطهير إلى المتعارف، و لا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة (12).

______________________________

(11) لأنّها مسبوقة بالعدم فيجري استصحاب عدم حدوثها، فلا يجب الغسل بمقدار يعلم بزوالها على فرض حدوثها و ليس هذا من الأصول المثبتة بدعوى: أنّ استصحاب عدم حدوث العين يثبت النجاسة الحكمية، فيكون مثبتا و لا اعتبار به، إذ لا نحتاج إلى إثبات النجاسة الحكمية، بل الأثر- و هو عدم وجوب الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على فرض حدوثها- مترتب على نفس أصالة عدم حدوث العين من دون حاجة إلى إثبات شي ء آخر، نعم، لو رجع الشك إلى عدم تحقق الغسل الشرعي جرى فيه التفصيل المتقدم.

(12) لأنّ تحصيل علمه من إطاعة الشيطان، كما في صحيح ابن سنان (1) و هي منهيّ عنها.

______________________________

ص: 141


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

فصل في حكم الأواني

اشارة

(فصل في حكم الأواني)

مسألة 1: لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة

(مسألة 1): لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة، من الأكل و الشرب، و الوضوء، و الغسل (1) بل الأحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا (2)، و كذا غير الظروف من جلدهما، بل و كذا سائر (فصل في حكم الأواني)

______________________________

البحث فيها (تارة): من جهة نجاستها العينية، كما يصنع من جلود الميتة و نحوها. (و أخرى): من حيث نجاستها العرضية، كأواني الكفار و أواني الخمر (و ثالثة): من جهة كونها من الذهب أو الفضة. (و رابعة): من حيث الغصبية، و يأتي حكم الجميع إن شاء اللّه تعالى.

(1) إجماعا، بل ضرورة من المذهب، إن لم يكن من الدّين. مضافا إلى الأخبار الدالة على عدم جواز الانتفاع بالنجس (1). و المتيقن من الأولين الحرمة الغيرية دون النفسية، كما أنّها المتفاهم من الأخير عرفا. و احتمال الحرمة النفسية حتّى فيما إذا كانت لها منافع صحيحة شرعية. لا وجه له خصوصا في هذه الأزمنة التي شاعت فيها المنافع الصحيحة للنجاسات، و تكفينا أصالة الإباحة بعد استفادة الحرمة الغيرية من الأدلة.

(2) خروجا عن خلاف من يظهر منه الحرمة النفسية، و جمودا على بعض

______________________________

ص: 142


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح.

الانتفاعات غير الاستعمال فإنّ الأحوط ترك جميع الانتفاعات منهما (3).

و أما ميتة ما لا نفس له كالسمك و نحوه فحرمة استعمال جلده غير معلومة (4) و إن كان أحوط (5)، و كذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقا (6). و الوضوء، و الغسل منها مع العلم باطل (7)- مع

______________________________

الإطلاقات التي يمكن أن يستفاد منها، و قد تقدم في نجاسة الميتة بعض الكلام (1) فراجع.

(3) تحرزا عن خلاف من قال بحرمة جميع الانتفاعات، و جمودا على بعض الإطلاقات (2).

(4) للأصل و ظهور الأدلة (3) فيما له النفس السائلة، و يظهر من صاحب الجواهر المفروغية من ذلك. و يأتي في الثالث من شرائط لباس المصلّي ما ينفع المقام.

(5) جمودا على بعض الإطلاقات من النصوص(4)و الكلمات.

(6) لتوافق العقل و النقل على عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير الا برضاه، فهو مضافا إلى كونه من ضروريات الدّين، من الضروريات بين العقلاء أيضا. قال: أبو عبد اللّه عليه السلام- في حديث:

«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه» (5).

و ذكر المسلم من باب المثال، أو أفضل الأفراد، لا التخصيص.

و في التوقيع المبارك: «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(6).

______________________________

ص: 143


1- راجع ج: 1 صفحة: 308.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 2.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 2.
4- الوسائل باب: 34 و 35 من أبواب النجاسات.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 6.

.....

______________________________

نعم لو أذن الشارع في الجواز فهو إذن من وليّ الأمر و صاحب المال حقيقة، فيجوز التصرف حينئذ و لو مع عدم إذن مالكه الظاهري، كمال الحربي و نحوه.

(7) لما يأتي في الشرط الرابع من شرائط الوضوء.

و خلاصة الكلام في حكم بقية المسألة: أنّ استعمال الإناء المغصوب في الطهارة الحدثية (تارة): بنحو الارتماس فيه. (و أخرى): بالصب به على مواضع الطهارة. (و ثالثة): بالاغتراف منه، إما دفعة واحدة لما يكفي لتمام الطهارة أو بالتدريج. و جميع هذه الأقسام (تارة): مع الانحصار.

(و أخرى): مع عدمه.

و حينئذ فإن قلنا: إنّ المناط في حرمة التصرف في المغصوب الأنظار العرفية المبنية عليها الأحكام الفقهية كانت الطهارة في الجميع تصرفا عرفا في المغصوب و تبطل لا محالة، لعدم إمكان التقرب بما هو مبغوض لدى المتقرب إليه، و قد أفتى الماتن رحمه اللّه بالبطلان مطلقا في الشرط الرابع من (فصل الوضوء). نعم، لو أخذ من الماء ما يكفيه لتمام الطهارة دفعة واحدة، ثمَّ تطهّر تصح طهارته و إن أثم أولا.

و إن بنينا على التدقيقات العقلية غير المبنية عليها المسائل الفقهية، فيمكن تصحيح الجميع. أما في صورة الارتماس، فلدعوى: أنّه ليس من استعمال الإناء و التصرف فيه بوجه، بل يكون من التصرف في الماء. نعم، يكون انتفاعا بالإناء أيضا و لا دليل على كون مطلق الانتفاع بالمغصوب حراما. (و ما يقال):

من أنّ الارتماس في الماء يستلزم تحرك الماء و هو مستلزم لحركة سطح الماء الملاصق بداخل الإناء، فيكون من التصرف في الإناء. (مدفوع): بأنّه لا يعد تصرفا في الإناء دقة، لو لم يمس يده الإناء- كما إذا مشى قريبا من العين المغصوبة مع العلم بأنّ مشيه يوجب تموج الهواء الملاصق بالعين و يتحرك سطحه الملاصق بها- هذا مع أنّ له أن يقصد الطهارة بالبقاء بعد سكون حركة الماء أو بالإخراج، لا بالإدخال حتّى يلزم المحذور.

و أما في صورة الاغتراف تدريجا فلأنّ الوضوء ليس إلا الغسلات و المسحات

ص: 144

.....

______________________________

الخاصة، و الاغتراف خارج عن حقيقته، فيكون حين الاغتراف آثما، و بعده مأمورا بالوضوء- خصوصا بناء على صحة الترتب- فيكون في كلّ آن آثما مع كونه مأمورا بالوضوء في عين ذلك الآن. (و ما يقال): أنّ ذلك بناء على عدم الانحصار حيث يتحقق الأمر و الملاك فيتحقق منشأ الصحة، و أما مع الانحصار فلا ملاك و لا أمر فكيف يمكن الصحة. (مدفوع): بأنّه لا إشكال في ثبوتهما بناء على الترتب، و أما بناء على عدمه فالأمر و إن كان ساقطا، و لكن لا وجه لسقوط الملاك أصلا، إذ ليس الأمر علة لثبوته حتّى يسقط بسقوطه، و لا علة لإثباته أيضا، بل الملاكات إنّما علمت بالأدلة العقلية و النقلية الدالة على وجود المصالح و المفاسد الواقعية المقتضية للأوامر و النواهي، كان في البين أمر و نهي أم لا. نعم، الأمر و النهي من أحد طرق إحرازها، و امتثال الأمر و النهي موجب لاستيفاء المصالح و التجنب عن المفاسد، فإذا صح مع الانحصار يصح مع عدمه بالأولى.

هذا كله إذا لم يكن الاغتراف بقصد التفريغ، و إلا فلا إشكال فيه إذا كان الماء ملكا له و لم يكن قد صبه في الإناء بسوء اختياره، لوجوب التفريغ حينئذ بأيّ نحو كان، و لو بنحو الاغتراف. إلا أن يقال: إنّ التفريغ بالتدريج تصرّف زائد على التفريغ الدفعي في المغصوب فيكون حراما.

ثمَّ إنّ اعتبار قصد التفريغ في الاغتراف مبنيّ على اعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة في مقدمية المقدمة و وجوبها، و قد ثبت في محلّه عدم اعتباره في ذلك. و قد تقدم أنّ المرجع هو الأنظار العرفية، و العرف يرى جميع تلك الصور استعمالا، فيكون حراما.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ للتدقيقات العقلية مراتب متفاوتة:

(منها): ما يتوقف على إعمال مقدمات بعيدة.

(و منها): ما يتوقف على الاستعانة بالبراهين الحكمية و الدقية.

(و منها): ما لا يكون كذلك، بل تقبلها الأذهان المستقيمة بعد العرض عليها و التأمل فيها. و المقام من قبيل الأخير، دون الأولين، و لا دليل على عدم ابتناء الأحكام الشرعية على الأخير، بل هي مبتنية عليها.

و إن شئت قلت: العرفيات على قسمين دقية، و مسامحية، و الأدلة الشرعية

ص: 145

الانحصار- بل مطلقا. نعم، لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضأ أو اغتسل صح، و إن كان عاصيا من جهة تصرفه في المغصوب.

مسألة 2: أواني المشركين و سائر الكفار محكومة بالطهارة

(مسألة 2): أواني المشركين و سائر الكفار محكومة بالطهارة (8) ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسرية، بشرط أن لا تكون من الجلود، و الا فمحكومة بالنجاسة (9) إلا إذا علم تذكية حيوانها، أو علم

______________________________

مبتنية على الأول، الا إذا ثبت ابتناؤها على الأخير. و بناء على هذا لا يكون الوضوء تصرفا في المغصوب بحسب الأنظار الدقية العرفية أيضا.

(8) كل ما استولى عليه الكافر، أو من لا يبالي بالطهارة و النجاسة، كأثاث بيته و ثيابه و أوانيه و فرشه و نحو ذلك محكوم بالطهارة، لقاعدتها، بلا فرق في ذلك بين الكافر و غيره. نعم، لو كان المستولي مسلما تكون يده أمارة على الطهارة أيضا، كما تقدم(1).

و أما الكافر فلا تكون يده أمارة على الطهارة إجماعا، كما لا تكون أمارة على النجاسة أيضا، لعدم الدليل عليها، فالمرجع قاعدة الطهارة. مضافا إلى قول الصادق عليه السلام:

«لا بأس بالصلاة في الثياب التي تعملها المجوس» و مثله غيره (2).

و ما يظهر منه الخلاف محمول على مطلق التنزه بقرينة قوله عليه السلام:

«و أن يغسل أحبّ إليّ» (3).

و إن شئت قلت: إنّ ما يتعلق بالكافر و بمن لا يبالي من المسلمين يكون كبدن الحيوان في دوران النجاسة مدار رؤية عينها فقط.

(9) لأصالة عدم التذكية التي تقدم ما يتعلق بها من نجاسة الميتة (4) و مع

______________________________

ص: 146


1- تقدم في ج: 1 صفحة: 323.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 5 و غيره من الأخبار الواردة في باب: 72 منها.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 5 و غيره من الأخبار الواردة في باب: 72 منها.
4- راجع ج: 1 صفحة: 325.

سبق يد مسلم عليها، و كذا غير الجلود و غير الظروف مما في أيديهم، مما يحتاج إلى التذكية كاللحم، و الشحم، و الألية، فإنّها محكومة بالنجاسة إلا مع العلم بالتذكية، أو سبق يد المسلم عليها.

و أما ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة، إلا مع العلم بالنجاسة، و لا يكفي الظنّ بملاقاتهم (10) لها مع الرطوبة، و المشكوك في كونه من جلد الحيوان، أو من شحمه، أو أليته محكوم بعدم كونه منه، فيحكم عليه بالطهارة و إن أخذ من الكافر (11).

مسألة 3: يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها

(مسألة 3): يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها و إن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف غير المطليّ بالقير أو نحوه (12).

______________________________

هذا الأصل لا وجه للتمسك بكون يد الكافر أمارة على عدم التذكية، مع أنّه لا دليل عليه، و لا ثمرة عملية لها بعد كون مقتضى الأصل النجاسة. ثمَّ إنّ هذا الأصل معتبر مع عدم أمارة معتبرة على الخلاف من إحراز سبق يد المسلم بعلم أو بحجة معتبرة شرعية. و الا فلا وجه للتمسك به، و الحكم في غير الجلود من الشحم، و اللحم، و الألية مما يحتاج إلى التذكية يعلم مما ذكر في الجلود، فلا يحتاج إلى الإعادة.

(10) لأصالة عدم اعتباره إلا إذا كان من الاطمئنان الذي يعتمد عليه المتعارف.

(11) أما الحكم بالطهارة فيما لا يحتاج إلى التذكية، فلقاعدة الطهارة، و أما طهارة المشكوك كونه من الحيوان، فلقاعدة الطهارة، و أصالة عدم تعلق الروح الحيواني به. و أما التعميم لما أخذ من الكافر، فلعدم الدليل على أمارية يده على النجاسة، فينحصر المرجع في أصالة الطهارة لا محالة.

(12) على المشهور لأصالة الإباحة، و إطلاق الأدلة:

منها: موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الدن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ (أي ما يؤدم به) أو

ص: 147

و لا يضرّ نجاسة باطنها (13) بعد تطهير ظاهرها داخلا و خارجا بل داخلا فقط. نعم، يكره (14) استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه، إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضا.

مسألة 4: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل

(مسألة 4): يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل

______________________________

زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس. و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس. و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال تغسله ثلاث مرّات. و سئل: أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات»(1)

و أما ما ورد من أنّه نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله «عن الدباء و المزفّت و الحنتم و النقير، قلت: و ما ذلك؟ قال: الدباء: القرع، و المزفت: الدنان، و الحنتم: جرار خضر، و النقير: خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتّى يصير لها أجواف ينبذون فيها» (2).

فمحمول على الكراهة، أو على ما إذا سرت النجاسة من الداخل إلى الخارج، كما هو الظاهر في النقير، بل و في غيره أيضا. فما عن النهاية و ابن البراج من المنع عن استعمال غير الصلب من ظروف الخمر، مستندا إلى مثل هذا الخبر. ضعيف جدّا، لو أحرز بوجه معتبر عدم سراية النجاسة من الباطن- و لو بالأصل- و من ذلك يظهر وجه ما يأتي من كراهة استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه، للنبوي و غيره المحمول عليها جمعا.

(13) إن قلنا بطهارة الباطن تبعا للظاهر، فلا موضوع للنجاسة حتّى يضر.

و إن قلنا بالعدم فهما موضوعان مختلفان لكلّ منهما حكمه، الا إذا أحرزت سراية النجاسة من الباطن إلى الظاهر.

(14) لما تقدم من النبويّ المحمول عليها جمعا.

______________________________

ص: 148


1- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب النجاسات حديث: 2.

و الشرب (15)، و الوضوء، و الغسل، و تطهير النجاسات و غيرها من سائر

______________________________

(15) إجماعا، و نصوصا كثيرة التي عبر فيها بلفظ النهي تارة. و صيغته اخرى. و بلفظ الكراهة ثالثة. و بلفظ لا ينبغي رابعة. و لا ريب في ظهور الأولين في الحرمة. و الأخيران و إن كانا أعم منها، لكنّهما محمولان عليها جمعا و إجماعا، و كذا ما وقع عن الشيخ رحمه الله في الخلاف: من التعبير بالكراهة محمولة عليها بقرينة ما صدر منه من التصريح بالحرمة في زكاة الخلاف.

و من الأخبار: ما عن النبيّ صلّى الله عليه و آله: «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة، و لا تأكلوا في صحافها، فإنّها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة» (1).

و التعليل ظاهر في مطلق الاستعمال، و أنّ ذكر الأكل و الشرب إنّما هو من باب المثال.

و عنه صلّى الله عليه و آله أيضا: «الّذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم» (2).

و منها: ما عن الصادق عليه السلام قال: «لا تأكل في آنية من فضة و لا في آنية مفضّضة» (3).

و منها: ما عن أبي الحسن عليه السلام قال: «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون»(4).

و عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تأكل في آنية ذهب و لا فضة» (5).

و منها: صحيح ابن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة فكرههما فقلت: قد روى بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبسة فضة، فقال: لا، و الحمد للّه، إنّما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي- الحديث-» (6).

و منها: موثق سماعة: «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة» (7).

______________________________

ص: 149


1- كنز العمال: ج: 8 صفحة 16 رقم (362).
2- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 7.
3- الوسائل باب: 66 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب النجاسات حديث: 4.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب النجاسات حديث: 7.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب النجاسات حديث: 1.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب النجاسات حديث: 5.

الاستعمالات (16)، حتّى وضعها على الرفوف للتزيين، بل يحرم تزيين المساجد و المشاهد المشرّفة بها (17)، بل يحرم اقتناؤها من غير

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار.

(16) إجماعا، و لما تقدم من النصوص المستفاد منها حرمة مطلق الاستعمال، و إن ذكر الأكل و الشرب فيها، و في جملة من كلمات الفقهاء من باب المثال و الغالب، لا التخصيص.

(17) لكون ذلك كلّه من أنحاء استعمالاتها المتعارفة، إذ لا ينحصر استعمالها في قسم خاص، بل كلّ ما يعد استعمالا عرفا يشملها الدليل بعد حمل الأكل و الشرب على الغالب، هذا إذا لم نقل بحرمة مطلق التزيين بها و اقتنائها.

و إلا فيحرم من أجلهما أيضا، و لو شك في مورد أنّه من الاستعمال أم لا، فلا تشمله الأدلة اللفظية، لكونها حينئذ من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، كما أنّ المتيقن من الإجماع غيره أيضا، فيكون المرجع أصالة الإباحة.

و لباب القول: أنّ العناوين بالنسبة إلى آنية الذهب و الفضة ثلاثة:

(الأول): ما يصدق عليه الاستعمال عرفا، و لا ريب في حرمته كما تقدم.

(الثاني): التزيين بهما، و يمكن أن يستدل لحرمته بخبر موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» (1).

بدعوى: أنّ التمتع يشمل مطلق التزيين. (و فيه): مضافا إلى قصور السند، كما قيل. يمكن دعوى ظهوره في الاستعمالات الشائعة. الا أن يقال:

إنّ التزيين أيضا استعمال عرفي بالنّسبة إليهما، كما أنّ التزيين بالحليّ من الذهب و الفضة استعمال لهما.

______________________________

ص: 150


1- الوسائل باب: 65 من أبواب النجاسات حديث: 4.

استعمال. و يحرم بيعها و شراؤها، و صياغتها و أخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة أيضا حرام لأنّها عوض المحرّم، و إذا حرّم الله شيئا حرّم ثمنه (18).

مسألة 5: الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا.

(مسألة 5): الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا. و أما إذا لم يكن كذلك، فلا يحرم، كما إذا كان الذهب أو الفضة قطعات منفصلات لبّس بهما الإناء من الصفر داخلا أو خارجا (19).

______________________________

(الثالث): الاقتناء بلا استعمال و لا تزيين، نسب إلى المشهور حرمته، و في الجواهر: «نفي وجدان الخلاف فيه الا من المختلف».

و استدل على الحرمة (تارة): بالإجماع. و فيه: إمكان منع تحققه.

(و اخرى): بأنّه تعطيل للمال. و فيه: أنّه مجرد الدعوى، لإمكان أن يكون فيه الغرض الصحيح من العقلاء. (و ثالثة): بأنّ حرمة الاستعمال تستلزم حرمة الإمساك و فيه: أنّه لا دليل على الملازمة عرفا و شرعا. (و رابعة): بتحقق مناط حرمة الاستعمال فيه أيضا، و هو الخيلاء و كسر قلوب الفقراء. و فيه: منع الصغرى و الكبرى. (و خامسة): بأنّ المنساق من الأدلة حرمة أصل وجودها، كآلات اللهو. و فيه: أنّ إثبات هذه الدعوى على عهدة مدعيها. (و سادسة):

بشمول إطلاق الأدلة للاقتناء أيضا. و فيه: أنّ المتفاهم عرفا خصوص الاستعمال، فإن تمَّ إجماع فعليه التعويل، و الا فتكون المسألة بلا دليل.

(18) كلّ ذلك بناء على حرمة الاقتناء بقول مطلق، و إلا فتختص الحرمة بما إذا كان للاستعمال المحرم.

(19) أما الحرمة في الأول فلشمول الإطلاقات له، بعد صدق الإناء عليه.

و أما عدمها في الأخير، فهو المشهور، بل لم ينقل الخلاف إلا من الخلاف، و يدل عليه قول أبي عبد الله عليه السلام في خبر ابن سنان:

ص: 151

مسألة 6: لا بأس بالمفضّض و المطلي و المموّه بأحدهما

(مسألة 6): لا بأس بالمفضّض و المطلي و المموّه بأحدهما (20). نعم، يكره استعمال المفضّض، بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة (21)، بل الأحوط ذلك في المطلي أيضا (22).

______________________________

«لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض، و اعزل فمك عن موضع الفضة» (1)

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح ابن وهب: «عن الشرب في القدح فيه ضبة (2)من فضة قال: لا بأس الا أن يكره الفضة فينزعها» (3).

فيحمل ما ظاهره المنع على الكراهة جمعا، كقول أبي عبد الله عليه السلام: «لا تأكل في آنية من فضة و لا في آنية مفضضة» (4)، و في حسن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه: «كره آنية الذهب و الفضة و الآنية المفضضة» (5).

و مثله ما تقدم من صحيح ابن بزيع.

(20) للأصل بعد ظهور الأدلة فيما إذا كان الإناء من أحدهما عرفا، كإناء النحاس و الخزف و نحوهما، بل يمكن استفادة الجواز بما تقدم في المفضض، بناء على شموله للمموّه بالفضة أيضا.

(21) أما الكراهة فلما تقدم من أنّها مقتضى الجمع بين الأدلة. و أما حرمة وضع الفم على موضع الفضة، فنسب إلى المشهور. و استندوا إلى ما تقدم من قول أبي عبد الله عليه السلام في خبر ابن سنان. و عن المعتبر و المدارك حمل الأمر فيه على الندب. و لا وجه له بعد ظهور الأمر في الوجوب في خبر ابن سنان.

(22) كما استظهره جمع منهم صاحبا الحدائق و المدارك، لأنّ الأدلة و إن

______________________________

ص: 152


1- الوسائل باب: 66 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الضبة: خيط من حديد، أو صفر، أو فضة يجعل في الإناء لجبر كسره أو للزينة.
3- الوسائل باب: 66 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 66 من أبواب النجاسات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 65 من أبواب النجاسات حديث: 10.

مسألة 7: لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما

(مسألة 7): لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما (23).

مسألة 8: يحرم ما كان ممتزجا منهما

(مسألة 8): يحرم ما كان ممتزجا منهما، و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما، بل و كذا ما كان مركبا منهما، بأن كان قطعة منه من ذهب، و قطعة منه من فضة (24).

مسألة 9: لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما

(مسألة 9): لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما، كاللوح من الذهب أو الفضة، و الحليّ كالخلخال، و إن كان مجوّفا، بل و غلاف السيف، و السكين، و أمامة الشطب، بل و مثل القنديل، و كذا نقش الكتب و السقوف و الجدران بهما (25).

______________________________

وردت في خصوص المفضض، لكن الجزم بوحدة المناط بينه و بين المذهّب حاصل. و فيه: منع الصغرى و الكبرى، كما لا يخفى.

فرع: هل يحرم وضع الفم على موضع الفضة مطلقا، و إن لم يكن إناء، كما إذا كان أنبوب رأسه من الفضة فوضع فمه عليه، و شرب منه الماء؟ وجهان:

مقتضى الجمود على خبر ابن سنان هو الأول. و لكنه مشكل أيضا، لأنّ مورد الخبر هو الإناء. و أما وضع الفم على الضرائح المقدسة التي تكون من الذهب أو الفضة للتقبيل، فلا بأس به، للأصل بعد عدم كونها من الإناء.

(23) للأصل بعد عدم شمول الأدلة من جهة عدم الصدق العرفي.

(24) إن كان بحيث يصدق عليه اسم أحدهما تشمله الإطلاقات قهرا.

و الا فالحكم بالحرمة، إما للقطع بالمساواة أو الأولوية، أو دعوى ظهور الأدلة في أنّ الموضوع للحرمة هو القدر المشترك. و الكلّ لا يصلح دليلا في مقابل أصالة الإباحة و الجمود على إطلاقات أدلة الإباحة، و طريق الاحتياط واضح.

(25) كلّ ذلك لأصالة الإباحة بعد عدم صدق الآنية عليها، بل و لو شك في الشمول أيضا لا يصح التمسك بالإطلاقات، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المفهومية، المرددة بين الأقلّ و الأكثر، فيكون المرجع أصالة الإباحة لا محالة.

ص: 153

.....

______________________________

مضافا إلى الأدلة الخاصة، فقد ورد أنّ في درع النبيّ صلّى الله عليه و آله المسمى بذات الفضول «لها ثلاث حلقات فضة» (1)، و في سيفه صلّى الله عليه و آله المسمّى بذي الفقار «حلية من فضة» (2) أو «حلقتان من ورق» (3).

و في صحيح ابن جعفر عليه السلام «عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال: نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به» (4)، و في صحيح ابن حازم عن التعويذ يعلق على الحائض فقال: «نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد» (5).

و عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنّ حلية سيف رسول الله صلّى الله عليه و آله كانت فضة كلّها قائمته و قباعته» (6) (7).

و في الصحيح: «ليس بتحلية السيف بأس بالذهب و الفضة» (8).

و عن الصادق عليه السلام: «ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس» (9).

و بإزاء هذه الأخبار ما يظهر منه المنع، كخبر الفضل عن الصادق عليه السلام: «عن السرير فيه الذهب، أ يصلح إمساكه في البيت؟ فقال: إن كان ذهبا فلا، و إن كان ماء الذهب فلا بأس» (10).

و عن عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام: «سألته عن السرج و اللجام فيه الفضة أ يركب به؟ قال: إن كان مموّها لا يقدر على نزعه فلا بأس، و إلا فلا يركب به» (11).

و في صحيح ابن بزيع عن الرضا عليه السلام: «روى بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضة. فقال: لا، و الحمد للّه (أو

______________________________

ص: 154


1- راجع الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- راجع الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 8.
3- راجع الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- راجع الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 5.
5- راجع الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 2.
6- قائمة السيف مقبضته، و قبيعته ما على طرف مقبضته من فضة أو حديد.
7- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام الملابس.
8- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام الملابس.
9- الوسائل باب: 64 من أبواب أحكام الملابس.
10- الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 1.
11- الوسائل باب: 67 من أبواب النجاسات حديث: 6.

مسألة 10: الظاهر أنّ المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس و الكوز و الصّيني

(مسألة 10): الظاهر أنّ المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس و الكوز و الصّيني، و القدر، و السماور، و الفنجان و ما يطبخ فيه القهوة و أمثال ذلك مثل كوز القليان، بل و المصفاة و المشقاب، و النعلبكي، دون مطلق ما يكون ظرفا (26) فشمولها لمثل رأس القليان

______________________________

لا و الله)(1)إنّما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي، ثمَّ قال: إنّ العباس حين عذر (2)عمل له قضيب ملبّس من فضة من نحو ما يعمله للصبيان تكون فضة نحوا من عشرة دراهم فآمر به أبو الحسن فكسر» (3).

و لكن هجر الأصحاب أسقطها عن الاعتبار و يمكن حملها على الكراهة لو لم تأباها النصوص المرخصة.

هذا بالنسبة إلى الحرمة النفسية. و أما لبس الذهب فيأتي حكمه في لباس المصلّى إن شاء الله تعالى، كما أنّ التشكيك في كون أمامة الشطب و غلاف السيف من الإناء يأتي في المسألة اللاحقة.

(26) لكونه أخص في الاستعمالات الصحيحة عن الظرف و الوعاء، فيصح أن يقال: «القلوب أوعية و خيرها أوعاها» (4)، أو أن يقال: ظرف الزمان و المكان. و لا يصح استعمال الإناء في هذه الموارد، بل لم أظفر على استعماله في مثل الحبّ و الدنّ و نحوهما من الظروف الكبار فيما تفحصت عاجلا، بل ظاهر ما تقدم من موثق عمار في [مسألة 3] عدم الاستعمال حيث ذكر الإناء في مقابل القدح و الدنّ، و المنساق من موارد استعمالاته هو ما تعارف استعماله في الأكل و الشرب، سواء كان به أم منه بحسب المتعارف، فلا يشمل ما إذا كان لوح من

______________________________

ص: 155


1- كما في نسخة التهذيب ج: 9 صفحة 91 و في الكافي ج: 6 صفحة: 267 (لا، الحمد للّه).
2- العذار: أي الختان.
3- الوسائل باب: 65 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- نهج البلاغة باب: المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام رقم 147.

و رأس الشطب، و قراب السيف و الخنجر و السكين، و قاب الساعة (27)، و ظروف الغالية، و الكحل، و العنبر، و المعجون، و الترياك، و نحو ذلك غير معلوم و إن كانت ظروفا، إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية، و كونها مرادفا للظروف غير معلوم، بل معلوم العدم (28)، و إن كان الأحوط في جملة من ...

______________________________

فضة أو ذهب و وضع شي ء فوقه للأكل أو الشرب، و مقتضى القاعدة في موارد الشك الرجوع إلى أصالة الإباحة، لأنّ التمسك بالأدلة اللفظية من التمسك بالدليل في الشبهة المفهومية. و لا يصح التمسك بالإجماع أيضا، للزوم الاقتصار على المتيقن منه عند الشك في الموضوع.

(27) لما يأتي في الفرع الثالث من تفريعاتنا.

(28) أما ما هو معلوم العدم فلا ريب في عدم شمول الحكم له، لفرض العلم بعدم كونه إناء. و أما غير المعلوم فالمرجع فيه أصالة الإباحة، كما مرّ.

و يمكن الرجوع إلى الأصل الموضوعي أيضا، فإنّ المادة قبل عروض الهيئة المخصوصة عليها لم تكن إناء قطعا فيستصحب عدم عروض الإنائية عليها.

و الحاصل إنّ الاحتمالات في الإناء ثلاثة:

الأول: كونه مساويا لمطلق الظرف و الوعاء، كما عن جمع من أهل اللغة. و فيه: أنّه خلاف الاستعمالات الصحيحة.

الثاني: كونه عبارة عن مطلق أثاث البيت و لو لم يصدق عليه الظرف و الوعاء، كما يشهد له ما تقدم من صحيح ابن بزيع، و خبر الفضل و فيه: أنّه خلاف المشهور بين الفقهاء. مع أنّ الصحيحة تشتمل على الكراهة التي تكون أعمّ من الحرمة، و قد دلّ الدليل على أنّ المراد بالكراهة في الإناء هي الحرمة، و بقي الباقي تحت مطلق المرجوحية.

الثالث: كونه أخصّ من مطلق الظرف، و هو المتيقن من الإجماع و المتفاهم من الأدلة اللفظية عرفا. و لكن يشكل الحكم فيما عدّ من أثاث البيت عرفا، و إن لم يكن إناء، جمودا على صحيح ابن بزيع و خبر الفضل.

ص: 156

المذكورات الاجتناب (29). نعم، لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ إذا كان من الفضة، بل الذهب أيضا (30).

و بالجملة، فالمناط صدق الآنية، و مع الشك فيه محكوم بالبراءة (31).

مسألة 11: لا فرق في حرمة الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما لفمه

(مسألة 11): لا فرق في حرمة الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة بين مباشرتهما لفمه، أو أخذ اللقمة منها و وضعها في الفم، بل و كذا وضع ظرف الطعام في الصيني من أحدهما، و كذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما (32) و كذا لو فرغ ما في الإناء من

______________________________

(29) خروجا عن خلاف بعض من حرّمها أيضا، و لاحتمال أن يكون المقام من الدوران بين المتباينين الموجب للاحتياط. و لكن الأول لا دليل له بعد إعراض المشهور عن مثل خبر الفضل، و الثاني من مجرد الاحتمال الذي لا يصلح الا لرجحان الاحتياط. و لكن المأنوس في الأذهان في ظرف الغالية و ما بعدها عدم الاستبعاد في إطلاق الآنية عليها، فلا يترك فيها الاحتياط.

(30) لخروجه عن مورد الأدلة تخصصا، لأنّ بيت التعويذ لا يصدق عليه الإناء و لا يكون من أثاث البيت، و قد تقدم صحيح ابن حازم (1) المصرّح بجواز كون بيت التعويذ من الفضة، و يظهر ذلك مما ورد في حرز الجواد عليه السلام أيضا (2) و يمكن حملهما على الغالب و المثال فيشمل الذهب.

(31) لأنّ الشبهة مفهومية مرددة بين الأقلّ و الأكثر، و المرجع فيها البراءة، كما ثبت في محلّه. نعم، لو ثبت حرمة كون مطلق أثاث البيت منهما و لو لم يصدق عليه الإناء، لا تجري البراءة فيما يكون أثاثا، كما لا تجري في الإناء أيضا.

(32) لأنّ المتفاهم من الأدلة حرمة ما يسمّى استعمالا عرفا، و هو أعمّ من

______________________________

ص: 157


1- صفحة: 154.
2- مهج الدعوات صفحة: 38.

أحدهما في ظرف آخر- لأجل الأكل و الشرب- لا لأجل نفس التفريغ، فإنّ الظاهر حرمة الأكل و الشرب، لأنّ هذا يعدّ أيضا استعمالا لهما فيهما (33)، بل لا يبعد حرمة شرب الشاي في مورد يكون السماور من

______________________________

أن يكون بلا واسطة أو معها على ما هو المتعارف في استعمال جميع الأواني و الظروف الشامل لما كان مع الواسطة أو بدونها، فوضع (الاستكان- فنجان الشاي) في (النعلبكي- صحن الشاي) استعمال للنعلبكي، كما أنّ وضع النعلبكي في (الصيني) استعمال للصيني. و كذا بالنسبة إلى سائر الأشياء.

(33) لا إشكال في حرمة نفس الاستعمال ذاتا، للإطلاقات. و أما نفس الأكل و الشرب بمعنى الازدراد و البلع، فلا وجه لحرمته، و مقتضى الأصل الإباحة، سواء أكل دفعة أم بالتدريج، و كذا الكلام في شرب الشاي إن كان السماور من أحدهما.

و بالجملة هنا أمور: الأول: استعمال الإناء من أحدهما، و لا إشكال في حرمته، سواء كان في الأكل أم في الشرب أم في غيرهما، بلا واسطة أو معها.

الثاني: الأكل و الشرب مباشرة من الآنية التي تكون من أحدهما، كما إذا وضع الآنية على فمه و أكل أو شرب، و لا إشكال في حرمة الأكل و الشرب، لصدق الاستعمال عرفا. و أما الازدراد بعد رفع الإناء عن الفم، فمقتضى الأصل إباحته، كما أنّ المأكول و المشروب كذلك.

الثالث: كون الآنية من مقدمات الأكل و الشرب، قريبة كانت أو بعيدة، مع عدم تحقق مباشرة الأكل أو الشرب منها، فقد تحقق حينئذ أمران: استعمال الإناء من أحدهما، ثمَّ الأكل أو الشرب و لا ريب في حرمة الأول. و أما الثاني، فمقتضى الأصل إباحته إلا إذا ثبتت بدليل آخر حرمة الأكل أو الشرب مطلقا، حتّى لو كان في إحدى مقدماتها و لو كانت بعيدة إناء الذهب أو الفضة، و هو مفقود، فالمرجع الأصل و هو البراءة.

ص: 158

أحدهما، و إن كان جميع الأدوات ما عداه من غيرهما (34)، و الحاصل أنّ في المذكورات، كما أنّ الاستعمال حرام، كذلك الأكل و الشرب أيضا حرام (35). نعم، المأكول و المشروب لا يصير حراما (36)، فلو

______________________________

و أما النبوي: «الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم» (1).

فمع قصور سنده، محمول على المجاز- كما في الجواهر- و هو الظاهر، لأنّه عقاب أصل الاستعمال، لا أن يكون ذلك لحرمة المأكول أو المشروب.

(34) لا ريب في كون صبّ الماء من السماور استعمالا له و حراما. و أما شرب الشاي، فلا وجه لحرمته بعد تحقق الاستعمال المحرّم و الفراغ منه و مع الشك، فالمرجع البراءة.

(35) إن انطبق عليهما استعمال آنية الذهب و الفضة، و إن لم ينطبق أو شك فيه فلا حرمة، كما تقدم.

(36) الحرمة كسائر الأحكام، تكليفية كانت أو وضعية، إنّما تتعلق بالأشياء باعتبار إضافتها إلى فعل المكلّف، بل مطلق الإنسان، لتعلق جملة من الأحكام الوضعية بأفعال المجانين و الصبيان. و هي: إما ذاتية، و تسمّى بالأصلية أيضا، أو عرضية أو تكون من قبيل الوصف بحال المتعلق. و الأولى: كشرب الخمر، و أكل لحم الخنزير، و نحوهما. و الثانية: كالأكل و الشرب في صوم شهر رمضان- مثلا.

و الأخيرة كالمأكول و المشروب بالنسبة إلى الأكل و الشرب من إناء الذهب و الفضة. فإنّ حرمتهما ليست ذاتية و لا عرضية، بل إنّما تكون باعتبار الاستعمال المنطبق على الأكل و الشرب، فتكون لا محالة من باب الوصف بحال المتعلق، فالاستعمال محرّم ذاتا، لا المأكول و المشروب. نعم، هما ملازمان

______________________________

ص: 159


1- تقدم في صفحة: 149.

كان في نهار رمضان لا يصدق أنّه أفطر على حرام (37)، و إن صدق أنّ فعل الإفطار حرام، و كذلك الكلام في الأكل و الشرب من الظرف الغصبيّ (38).

مسألة 12: ذكر بعض العلماء: أنّه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الشاي من القوري من الذهب أو الفضة

(مسألة 12): ذكر بعض العلماء: أنّه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الشاي من القوري من الذهب أو الفضة في الفنجان الفرفوري و أعطاه شخصا آخر، فشرب، فكما أنّ الخادم و الآمر عاصيان، كذلك الشارب (39) لا يبعد أن يكون عاصيا، و يعدّ هذا منه استعمالا لهما.

مسألة 13: إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرّغه في ظرف آخر

(مسألة 13): إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرّغه في ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به (40)

______________________________

للاستعمال، و لا دليل لسراية الحرمة من أحد المتلازمين إلى الآخر، بل مقتضى الأصل عدمها.

(37) لأنّ الإفطار على المحرّم الذي يوجب كفارة الجمع لا بد و أن تكون الحرمة فيه إما ذاتية كأكل المغصوب، و شرب الخمر، و الجماع المحرّم، أو عرضية كالوطء في حال الحيض، و تناول ما يضره، لشمول إطلاق الإفطار على الحرام لكلّ منهما. و أما لو كانت الحرمة من باب الوصف بحال المتعلق، فالإفطار و إن كان حراما، لكن لا يصدق أنّه بالحرام و على الحرام.

(38) لأنّ الغصب إنّما يتحقق بالتصرف في المغصوب و هو المحرّم، دون المأكول و المشروب، فإنّهما باقيان على إباحتهما. و كذا مع نذر عدم تناول غذاء مخصوص، أو مع نهي الوالدين عنه.

(39) أما الخادم، فلمباشرة الاستعمال، فيأثم لو لم يكن مكرها. و أما الآمر فلتسبيبه الإثم. و أما الشارب، فمقتضى الأصل عدم صدور الإثم منه، للشك في كون مثل هذا الشرب استعمالا منه لهما.

(40) لعدم عد ذلك من الاستعمال المحرم في أنظار المتشرعة، و يكفي الشك في كونه منه في الرجوع إلى البراءة. و مقتضى المتعارف الفرق بين التفريغ

ص: 160

و لا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا (41).

مسألة 14: إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحد الإناءين

(مسألة 14): إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحد الإناءين، فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب (42)، و إلا سقط

______________________________

بقصد التخلص من الحرام. و تفريغ ماء السماور و الشاي من القوري (الإبريق) لأجل الاستعمال، لأنّه في الأخيرين استعمال لهما عرفا. نعم، لو دق بآنية الذهب على الباب- مثلا- ليعلم من في الدار و يفتح له الباب لا يعد ذلك استعمالا للآنية عرفا، فلا وجه لحرمة مثل هذا الدق، لأنّ المتفاهم عرفا مما دل على حرمة استعمالهما إنّما هو الاستعمالات المتعارفة بالنسبة إلى الإناء، فوضعها على ورق لئلا يذهب به الريح، أو كسر الجوز بالإناء من أحدهما- مثلا- يشك في شمول الدليل له.

و بالجملة مطلق الانتفاع أعمّ من الاستعمال المعهود، و حرمة الثاني لا يلازم حرمة الأول، كما مرّ.

(41) لأنّهما حينئذ ليس استعمالا لهما، لفرض حصول التفريغ بل لا يحرم الأكل و الشرب بعد التفريغ، و إن عد التفريغ استعمالا لهما، لكونهما موضوعين مختلفين، فعصى في أحدهما، و انتفى موضوع العصيان في الآخر.

فروع- (الأول): أدوات الكهرباء الحادثة في هذه الأزمنة لا تدخل في الإناء. نعم، بناء على حرمة كون أثاث البيت من الذهب و الفضة لا إشكال في الحرمة إن كانت منهما.

(الثاني): الظاهر جواز كون الأقلام المستحدثة في هذه الأزمنة منهما.

نعم، إن صدق لبس الذهب عليها يحرم على الرجال إن كانت من الذهب، لما يأتي في أحكام لباس المصلّي.

(الثالث): قاب الساعة ما دام متصلا بها لا يصدق عليه الإناء و مقتضى الأصل الإباحة. نعم، إن صدق التزين بالذهب يحرم على الرجال من هذه الجهة. و تأتي في لباس المصلّي فروع أخرى.

(42) مقدمة لوجوب الوضوء الذي هو أعمّ من حرمة مثل هذا الاستعمال

ص: 161

وجوب الوضوء أو الغسل، و وجب التيمم (43)، و إن توضأ أو اغتسل منهما بطل، سواء أخذ الماء منهما بيده أم صبّ على محلّ الوضوء بهما، أم ارتمس فيهما (44)، و إن كان له ماء آخر، أو أمكن التفريغ في ظرف آخر و مع ذلك توضأ أو اغتسل منهما، فالأقوى أيضا البطلان (45)، لأنّه و إن لم يكن مأمورا بالتيمّم، إلا أنّ الوضوء أو الغسل

______________________________

الذي يمكن انصراف الدليل عنه أصلا و لو لم يكن مقدمة لواجب، لكونه بنظر العرف من التخليص من الحرام، لا أن يكون من الاستعمال المحرّم.

(43) لعدم التمكن الشرعي من استعمال الماء فينتقل التكليف لا محالة إلى الطهارة الترابية، و يأتي في الشرط الخامس من شرائط الوضوء ما ينفع المقام.

(44) لما يقال: من عدم الأمر بالطهارة المائية مع انحصار الماء فيما لا يجوز استعماله شرعا مع أنّها عبادة و هي متقوّمة بقصد الأمر. و كذا لا ملاك لها- بناء على كونه دائرا مدار الأمر حدوثا و بقاء- فلا أمر إلا بالطهارة الترابية، و لا ملاك الا لها. و فيه: أنّ ذلك يصح فيما إذا صب الماء بالإناء، و قصد بذلك الوضوء، فإنّه استعمال له في الوضوء عرفا. و أما إن كان بنحو الاغتراف أو الارتماس، ففي كونهما استعمالا إشكال و المرجع حينئذ هو الأصل موضوعا و حكما، إذ الاستعمال مسبوق بالعدم فمع الشك في حدوثه يستصحب عدمه.

مع أنّ حديث دوران الملاك مدار الأمر حدوثا و بقاء مما لا أصل له أبدا، مضافا إلى أنّ ذلك- على فرضه- إنّما هو فيما إذا كان الاغتراف تدريجيا، و أما إذا كان دفعيا و كفت الغرفة لتمام غسلات الوضوء، فلا ريب في ثبوت الأمر و ملاكه حينئذ. مع أنّ هذا كلّه فيما إذا لم يجب التفريغ، و الا وجب و لو بالتوضي بنحو الاغتراف و تقدم في الوضوء من الإناء الغصبيّ ما ينفع المقام، فراجع فإنّ المسألتين متحدثان من حيث الدليل.

(45) ظهر مما تقدم أنّه لا وجه للبطلان فيما لو اغترف دفعة ما يكفيه و كذا في الرمس لو لم يعد مثله استعمالا عرفا، أو شك في كونه منه.

ص: 162

حينئذ يعدّ استعمالا لهما عرفا (46)، فيكون منهيّا عنه، بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء، لما ذكر من أنّ توضّؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالا لهما (47).

نعم، لو لم يقصد جعلهما مصبّا للغسالة، لكن استلزم توضؤه ذلك، أمكن أن يقال: إنّه لا يعدّ الوضوء استعمالا لهما، بل لا يبعد أن يقال: إنّ هذا الصبّ أيضا لا يعدّ استعمالا (48)، فضلا عن كون الوضوء كذلك.

مسألة 15: لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الرديّ

(مسألة 15): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيّد منهما و الرديّ، و المعدنيّ، و المصنوعيّ، و المغشوش، و الخالص، إذا لم يكن الغش إلى حدّ يخرجهما عن صدق الاسم، و إن لم يصدق الخلوص (49).

و ما ذكره بعض العلماء من أنّه يعتبر الخلوص و أنّ المغشوش ليس محرّما، و إن لم يناف صدق الاسم كما في الحرير المحرّم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصا، لا وجه له. و الفرق بين الحرير و المقام أنّ الحرمة هناك معلقة في الأخبار على الحرير المحض، بخلاف المقام فإنّها معلّقة على صدق الاسم.

مسألة 16: إذا توضأ أو اغتسل من إناء الذهب أو الفضة

(مسألة 16): إذا توضأ أو اغتسل من إناء الذهب أو الفضة مع

______________________________

(46) ظهر مما تقدم أنّ هذا الإطلاق مشكل، بل ممنوع.

(47) الظاهر اختلاف ذلك بحسب كثرة استعمال الماء و قلّته.

(48) إن كان الصبّ فيه توليديّا عن فعله يحرم، لاستناده إلى اختياره و اختيارية السبب تكفي في اختيارية المسبب الحاصل منه.

(49) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

ص: 163

الجهل بالحكم أو الموضوع صح (50).

مسألة 17: الأواني من غير الجنسين لا مانع منها

(مسألة 17): الأواني من غير الجنسين لا مانع منها، و إن كانت أعلى و أغلى، حتّى إذا كانت من الجواهر الغالية، كالياقوت و الفيروزج (51).

مسألة 18: الذهب المعروف بالفرنكي لا بأس بما صنع منه

(مسألة 18): الذهب المعروف بالفرنكي لا بأس بما صنع منه، لأنّه في الحقيقة ليس ذهبا، و كذلك الفضة المسماة بالورشو، فإنّها ليست فضة، بل صفر أبيض.

مسألة 19: إذا اضطر إلى استعمال أواني الذهب، أو الفضة في الأكل و الشرب

(مسألة 19): إذا اضطر إلى استعمال أواني الذهب، أو الفضة في الأكل و الشرب، و غيرهما جاز، و كذا في غيرهما من الاستعمالات (52). نعم، لا يجوز التوضؤ و الاغتسال منهما (53) بل ينتقل إلى التيمم.

مسألة 20: إذا دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبيّ

(مسألة 20): إذا دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبيّ قدّمهما (54).

______________________________

(50) لعدم تنجز النهي حينئذ فيصح التقرب به. و لكن هذا في غير الجاهل بالحكم الذي ادعي الإجماع على كونه مثل العامد خصوصا مع التقصير.

(51) للأصل و الاتفاق، و إطلاق أدلة الحلية الشامل للحلية النفسية و الغيرية.

(52) إذ «ما من شي ء حرّمه الله تعالى الا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1).

(53) إذا لم يكن مضطرا إلى نفس الوضوء أو الغسل منهما لتقية و غيرها.

و الا فيصحان بلا إشكال، لارتفاع النهي بالاضطرار فيصح التقرب بهما حينئذ، و كذا لو اضطر إلى أخذ الماء منهما.

(54) لأهمية مراعاة حق الناس عن حق الله تعالى عند الدوران على ما يظهر

______________________________

ص: 164


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

مسألة 21: يحرم إجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما

(مسألة 21): يحرم إجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما و أجرته أيضا حرام، كما مرّ (55).

مسألة 22: يجب على صاحبهما كسرهما

(مسألة 22): يجب على صاحبهما كسرهما (56). و أما غيره، فإن علم أنّ صاحبهما يقلّد من يحرّم اقتناءهما أيضا، و أنّهما من الأفراد المعلومة في الحرمة، يجب عليه نهيه (57)، و إن توقف على الكسر

______________________________

منهم التسالم عليه، و إن كان في كليته كلام يأتي في كتاب الحج.

(55) بلا إشكال فيما إذا كانت للاستعمال و علم بترتبه على فعله، «لأنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» (1)، و أما إذا كانت للاقتناء فالحرمة مبنية على كون الاقتناء حراما، و قد تقدم البحث عنه.

(56) بناء على حرمة الاقتناء، فإنّه حينئذ حرام تجب إزالته و محوه بأيّ وجه أمكن، كما في سائر الهيئات المحرّمة كآلات اللهو و القمار.

(57) مع تحقق جميع شرائط النهي عن المنكر، لكون المورد من موارد النهي عن المنكر حينئذ. و كذا في جميع الموارد التي تكون الهيئة حدوثا و بقاء مبغوضة عند الشارع.

و الصور المتصورة فيها ثلاث:

(الأولى): العلم بأنّها محرّمة عند صاحبها اجتهادا أو تقليدا.

(الثانية): العلم بعدم تحريمها كذلك.

(الثالثة): عدم العلم بذلك، و يجب النهي عن المنكر في خصوص الصورة الأولى، دون الأخيرتين على ما يأتي التفصيل في محلّه إن شاء الله تعالى. و في الصورة الأولى أيضا يجوز له أن يرشد صاحبها إن كان عاميا إلى أن يعدل إلى المجتهد الذي لا يحرّم الاقتناء مع تحقق شرائط العدول، فينتفي موضوع النّهي عن المنكر بعد ذلك.

______________________________

ص: 165


1- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8 و راجع ج: 1 صفحة 312.

يجوز له كسرهما (58)، و لا يضمن قيمة صياغتهما (59). نعم، لو تلف الأصل ضمن (60)، و إن احتمل أن يكون صاحبهما ممن يقلّد من يرى جواز الاقتناء، أو كانت مما هو محلّ الخلاف في كونه آنية أم لا، لا يجوز له التعرض له (61).

مسألة 23: إذا شك في آنية أنّها من أحدهما أم لا

(مسألة 23): إذا شك في آنية أنّها من أحدهما أم لا، أو شك في كون شي ء مما يصدق عليه الآنية أم لا، لا مانع من استعمالها (62).

______________________________

(58) لأنّ ذلك من إحدى مراتب النّهي عن المنكر بعد عدم التأثير للنهي القوليّ على ما يأتي في محلّه.

(59) لأنّ الشارع ألقى المالية عن الهيئة المحرّمة، كما في جميع الهيئات المحرّمة كالأصنام و الصلبان و آلات الطرب و نحوها.

(60) لأصالة الاحترام في المال المحترم التي هي من الأصول المسلمة النظامية و قررتها جميع الشرائع الإلهية، و لا منافاة بينها و بين وجوب الكسر، لاختلاف المورد المبغوض لدى الشارع، فإنّما هو الهيئة دون المادة، بل قد لا تكون منافاة حتّى مع وحدة المورد أيضا، كما في أكل مال الغير عند توقف حفظ النفس عليه فيجب عليه الإتلاف بالأكل مع الضمان.

(61) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بحجة معتبرة، و هي مفقودة. و لا يتحقق حينئذ موضوع النهي عن المنكر، كما تقدم، بل يكون نظائر المقام من مجاري قاعدة الصحة.

(62) لأصالة البراءة في الشبهة الموضوعية. و أما في الشبهة المفهومية، فيرجع العامي إلى مقلده و يتبع رأيه، لأنّ مفهوم الآنية من الموضوعات المستنبطة التي لا بد فيها من رجوع الجاهل إلى العالم، كالصعيد و الكر و السفر و نحوها، و قد تقدم في [مسألة 67] من مسائل التقليد.

فروع- (الأول): لو حصل إذهاب الهيئة بكسر بعضه، لا يجوز له التصرف في الباقي بدون رضاء صاحبه.

ص: 166

.....

______________________________

(الثاني): لو تعهد صاحبه بكسره و كان موثوقا به، لا يجب على من ينهى عن المنكر كسره، بل قد لا يجوز.

(الثالث): لو باعه إلى من يجوّز اقتناءه سقط وجوب الكسر و يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، و تقدم في [مسألة 55] من مسائل الاجتهاد و التقليد.

و يأتي في كتاب البيع إن شاء الله.

(الرابع): يجوز استعمالها للتقية عن ظالم و نحوه، كما ترتفع الحرمة صنعا و استعمالا عن الإكراه ممن يخاف منه.

(الخامس): يجوز بيع المادة مع الهيئة لغير محترم المال.

(السادس): لو مات صاحبها تورث المادة فقط، لا الهيئة إن كان الورثة مقلّدين لمن يرى حرمة الاقتناء.

(السابع): إذا اشترك شي ء بين الإناء و غيره، تحرم الاستعمالات الإنائية، دون غيرها.

(الثامن): لو اشتراها لا يحسب عوض الهيئة من المؤنة بناء على حرمة الاقتناء، كما في اشتراء جميع المحرّمات حيث لا تحسب عوضها من المؤنة.

ص: 167

فصل في أحكام التخلّي

اشارة

(فصل في أحكام التخلّي)

مسألة 1: يجب في حال التخلّي، بل في سائر الأحوال ستر العورة

(مسألة 1): يجب في حال التخلّي، بل في سائر الأحوال ستر العورة (1) عن الناظر المحترم، سواء كان من المحارم أم لا رجلا كان أو (فصل في أحكام التخلّي)

______________________________

(1) نصّا و إجماعا، محصّلا و منقولا، بل ضرورة من الدّين. و الظاهر أنّ كشفها و النظر إليها في الجملة من القبائح العقلائية بلا اختصاص لذلك بمذهب و ملة. و عن النبي صلّى الله عليه و آله:

«ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه» (1)، «و إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته» (2)، «عورة المؤمن على المؤمن حرام» (3).

و عن الصادق عليه السلام: «قال الله عزّ و جل قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ. كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذا الموضع فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه» (4).

و أما صحيح ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام أ يتجرّد

______________________________

ص: 168


1- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

امرأة، حتّى عن المجنون و الطفل المميّز (2)، كما أنّه يحرم على الناظر أيضا النظر إلى عورة الغير، و لو كان مجنونا أو طفلا مميّزا (3) و العورة (4) في الرجل: القبل و البيضتان، و الدبر. و في المرأة القبل

______________________________

الرجل عند صبّ الماء ترى عورته؟ أو يصب عليه الماء؟ أو يرى هو عورة الناس؟ قال: كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد» (1) فمحمول على الحرمة بلا شبهة.

(2) كلّ ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق و عدم مخالف في البين.

(3) نصّا، و إجماعا، كالنبوي: «نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم. و نهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة. و قال صلّى الله عليه و آله: من نظر إلى عورة أخيه المسلم، أو عورة غير أهله متعمدا أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس، و لم يخرج من الدنيا حتّى يفضحه الله الا أن يتوب» (2).

و في صحيح حريز عن الصادق عليه السلام: «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» (3).

(4) نصّا، و إجماعا، و هي من المبينات العرفية و ليست من المجملات لديهم، و لا من الأمور التعبدية، و لا من الموضوعات المستنبطة. فكل ما تكون عورة عرفا يجب سترها، و يحرم النظر إليها، و يرجع في المشكوك منها إلى البراءة سترا و نظرا، سواء كانت الشبهة موضوعية أم مفهومية مرددة بين المتباينين، أو الأقل و الأكثر. إلا إذا دل دليل على وجوب الستر و حرمة النظر بالنسبة إلى غير الموضوع العرفي فيتبع لا محالة. و لا يستفاد من الأدلة إلا ما هو المتعارف بين الناس، فعن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال:

العورة عورتان: القبل، و الدبر، و الدبر مستور بالأليتين فإذا سترت

______________________________

ص: 169


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحمام حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

و الدبر. و اللازم ستر لون البشرة (5)، دون الحجم و إن كان الأحوط ستره أيضا (6). و أما الشبح و هو ما يتراءى عند كون الساتر رقيقا، فستره

______________________________

القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» (1).

و في مرسل الصدوق «الفخذ ليس من العورة» (2).

و أما خبر حسين بن علوان: «و العورة ما بين السرة و الركبة» (3)، و خبر بشير النبال عن أبي جعفر عليه السلام حيث دخل الحمام: «فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرته- إلى أن قال:- هكذا فافعل» (4).

و ما عن عليّ عليه السلام: «ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم» (5).

محمول على الندب، لقصور السند عن إفادة الوجوب، مع معارضتها بغيرها (6). فلا وجه لما عن الكركي من إلحاق العجان بها، كما لا وجه لما عن القاضي من أنّها من السرة إلى الركبة. و لعلّهما أرادا الندب أيضا، فلا خلاف في البين.

(5) لأنّه المتفاهم من الأدلة، و كذا الشبح لرجوعه إلى رؤية نفس البشرة أيضا. و أما الحجم فهو خارج عنها، لصدق ستر العورة بالحائل بينها و بين النظر إليها. فيصدق عرفا أنّ النظر إنّما وقع على الحائل دون العورة. مضافا إلى خبر الرافقي: «النورة سترة» (7). و قول أبي جعفر عليه السلام: «أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة» (8).

(6) خروجا عن خلاف المحقق الثاني حيث نسب إليه وجوب ستر الحجم

______________________________

ص: 170


1- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب آداب الحمام.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الملابس حديث: 3.
6- راجع الوسائل باب: 3 و 9 من أبواب النجاسات.
7- الوسائل باب: 18 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
8- الوسائل باب: 18 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

لازم، و في الحقيقة يرجع إلى ستر اللون (7).

مسألة 2: لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الأقوى

(مسألة 2): لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم و الكافر على الأقوى (8).

______________________________

أيضا. ثمَّ لا يخفى أنّ الحجم إنّما يتحقق بالنسبة إلى القبل و البيضتين دون الدبر.

(7) لأنّ الشبح من مراتب رؤية العين، و إن لم يتميّز اللون كاملا.

(8) كما هو المشهور، لإطلاق الأدلة، و ارتكاز العقلاء. و ما في خبر ابن ابي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام: «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار» (1) مهجور لدى الأصحاب، فلا يعتمد عليه، فما يظهر عن صاحب الوسائل من جواز النظر إلى عورة من ليس بمسلم بلا شهوة مستندا إليه، لا وجه له. و أما ما في الأخبار من ذكر المسلم و المؤمن، فهو من باب بيان الحكم الكلّي بذكر أفضل أفراده، لا من باب التخصيص، و هو شائع في المحاورات، خصوصا في الكتاب و السنة.

فروع- (الأول): لا فرق في حرمة النظر إلى العورة بين ما إذا كان بالتلذذ و الريبة أم لا، لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(الثاني): يحرم مسّ عورة الغير، كما يحرم النظر إليها.

(الثالث): مقتضى الأصل جواز النظر إلى العورات المكشوفة في الصور، كما أنّ مقتضاه جواز تصور عورة الغير أيضا ما لم تترتب عليه مفسدة.

(الرابع): كشف العورة، و النظر إليها من المعاصي الصغيرة و مع الإصرار تصير معصية كبيرة، و تجب التوبة على من تعمد الكشف و على من تعمّد النظر.

(الخامس): لو اكره على كشفها أو على النظر إليها يرتفع الإثم.

(السادس): يحرم التسبيب لكشف عورة الغير، كما يحرم التسبيب إلى النظر إليها.

______________________________

ص: 171


1- الوسائل باب: 6 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.

مسألة 3: المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل غير المميّز، و الزوج و الزوجة

(مسألة 3): المراد من الناظر المحترم من عدا الطفل غير المميّز، و الزوج و الزوجة، و المملوكة بالنسبة إلى المالك، و المحلّل بالنسبة إلى المحلّل له (9)، فيجوز نظر كلّ من الزوجين إلى عورة الآخر، و هكذا في المملوكة و مالكها، و المحلّلة و المحلّل له، و لا يجوز نظر المالكة إلى مملوكها أو مملوكتها، و بالعكس (10).

مسألة 4: لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته، إذا كانت مزوجة أو محلّلة في العدة

(مسألة 4): لا يجوز للمالك النظر إلى عورة مملوكته، إذا كانت مزوجة أو محلّلة في العدة، و كذا إذا كانت مشتركة بين مالكين لا يجوز لواحد منهما النظر إلى عورتها و بالعكس (11).

مسألة 5: لا يجب ستر الفخذين، و لا الأليتين، و لا الشعر النابت أطراف العورة

(مسألة 5): لا يجب ستر الفخذين، و لا الأليتين، و لا الشعر النابت أطراف العورة. نعم، يستحب ستر ما بين السرة إلى الركبة، بل إلى نصف الساق (12).

______________________________

(السابع): لو كان شخص نائما و انكشفت عورته لريح أو نحوها يجب على غيره على الأحوط سترها، لاحتمال أن يكون من المحرّمات الذاتية.

(9) كلّ ذلك بضرورة المذهب، بل الدين. و اتفاقهم على دوران حلية النظر إلى العورة مدار حلية الوطء، بل جعلوا ذلك قاعدة خرج منها غير المميز و بقي الباقي، و سنتعرض للقاعدة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.

(10) لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتخصيص، و قاعدة دوران حلية النظر مدار حلية الوطء.

(11) لما مرّ من قاعدة دوران جواز النظر إلى العورة مدار جواز الوطء في المميز، و لا يجوز الوطء من المالك في جميع هذه الموارد.

(12) أما عدم وجوب ستر ما ذكر فللأصل بعد ما تقدم من اختصاص العورة بغيرها. و أما استحباب الستر إلى نصف الساق فلما دل من الأخبار على الترغيب على الاتزار عند دخول الحمام (1). بناء على أنّ الأزر السابقة كانت تصل إلى

______________________________

ص: 172


1- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب آداب الحمام.

مسألة 6: لا فرق بين أفراد الساتر

(مسألة 6): لا فرق بين أفراد الساتر، فيجوز بكل ما يستر و لو بيده أو يد زوجته أو مملوكته (13).

مسألة 7: لا يجب الستر في الظلمة المانعة عن الرؤية

(مسألة 7): لا يجب الستر في الظلمة المانعة عن الرؤية، أو مع عدم حضور شخص، أو كون الحاضر أعمى، أو العلم بعدم نظره (14).

مسألة 8: لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الشيشة الزجاج

(مسألة 8): لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الشيشة [الزجاج]، بل و لا في المرآة، أو الماء الصافي (15).

مسألة 9: لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير

(مسألة 9): لا يجوز الوقوف في مكان يعلم بوقوع نظره على عورة الغير (16)، بل يجب عليه التعدّي عنه و غضّ النظر و أما مع الشك

______________________________

نصف الساق، و لعلّها مدرك ما نسب إلى الحلبي من أنّ العورة من السرة إلى نصف الساق، و لا يخفى وضوح منع البناء و المبنى.

(13) للإطلاق و ظهور الاتفاق و تحقق المطلوب، لأنّه يحصل بوجود المانع عن النظر و لو كان باليد أو طلي مثل النورة، و يأتي في [مسألة 3] من (فصل الستر في الصلاة) ما ينفع المقام.

(14) لأنّه ليس وجوب الستر نفسيا، و إنّما يجب مقدمة للمنع عن الرؤية، و إذا ثبت عدم الرؤية في جميع هذه الفروض فلا وجه لوجوب التستر بعد ذلك، لأنّه من تحصيل الحاصل.

(15) كلّ ذلك لصدق النظر إلى العورة فتشمله الأدلة.

(16) لأنّه من التسبيب إلى الحرام، فهو حرام، هذا إذا علم بوقوع نظره بلا اختيار. و أما إذا علم بأنّه ينظر باختياره، فلا حرمة للوقوف حينئذ، لما ثبت في الأصول من عدم حرمة مقدمة الحرام المتخلل بينها و بين ذيها الإرادة و الاختيار، و لكن يمكن أن يقال: إنّ مقدمة الحرام و إن لم تكن محرمة ما لم تكن من العلة التامة. و لكن يستفاد من مجموع أخبار المقام وجوب التستر مع المعرضية العرفية للنظر و وجوب الغض كذلك.

ص: 173

أو الظنّ في وقوع نظره فلا بأس (17)، و لكن الأحوط أيضا عدم الوقوف أو غضّ النظر.

مسألة 10: لو شك في وجود الناظر

(مسألة 10): لو شك في وجود الناظر، أو كونه محترما فالأحوط التستر (18).

مسألة 11: لو رأى عورة مكشوفة و شك في أنّها عورة حيوان أو إنسان

(مسألة 11): لو رأى عورة مكشوفة و شك في أنّها عورة حيوان أو إنسان، فالظاهر عدم وجوب الغضّ عليه (19) و إن علم أنّها من إنسان، و شك في أنّها من صبيّ غير مميّز، أو من بالغ أو مميّز، فالأحوط ترك النظر (20)، و إن شك في أنّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبيّة، فلا يجوز النظر، و يجب الغضّ عنها، لأنّ جواز النظر معلّق

______________________________

(17) لأنّه من الشك في أصل التكليف و المراجع فيه البراءة. إلا إذا كان معرضا عرفيا للنظر فلا يجوز حينئذ، كما مرّ.

(18) لإمكان أن يقال: إنّ المتفاهم مما ورد في حفظ الفرج في الآية الكريمة (1)، و النبويّ (2): «فليحاذر على عورته» هو الستر في موارد احتمال وقوع النظر أيضا إن كان من الاحتمال المعتد به.

(19) لأصالة البراءة بعد كون الشك في أصل التكليف، مضافا إلى أصالة عدم التميز في الآخر. الا أن يقال: إنّ المستفاد من الأدلة بعد صدق العورة وجوب الغض مطلقا الا أن يحرز كونها عورة الحيوان أو غير المميز، كما يأتي نظيره في الفرع التالي.

(20) لأنّ خروج غير المميز عن حرمة النظر إنّما هو بالإجماع، و المتيقن منه إنّما يكون في مورد إحرازه، و في مورد الشك يرجع إلى عموم المنع. نعم، لو علم بعدم التميز سابقا ثمَّ شك فيه، فمقتضى أصالة عدم التميز جواز النظر.

______________________________

ص: 174


1- النور: 30.
2- تقدم في صفحة: 168.

على عنوان خاص و هو الزوجية أو المملوكية، فلا بد من إثباته (21). و لو رأى عضوا من بدن إنسان لا يدري أنّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر (22)، و إن كان الأحوط الترك (23).

مسألة 12: لا يجوز للرجل و الأنثى النظر إلى دبر الخنثى

(مسألة 12): لا يجوز للرجل و الأنثى النظر إلى دبر الخنثى و أما قبلها، فيمكن أن يقال بتجويزه لكلّ منهما، للشك في كونه عورة.

لكن الأحوط الترك، بل الأقوى وجوبه، لأنّه عورة على كلّ حال (24).

______________________________

(21) تقدم في [مسألة 7] من (فصل الماء الراكد) (1) ما يتعلق بمثل هذا التعليل، و يأتي في النكاح بعض الكلام أيضا. و لباب القول: إنّ اقتضاء تعليق الجواز على عنوان وجوديّ خاص لإحرازه و إثباته ليس من القواعد المعتبرة العقلية أو الشرعية حتّى يستدل بها، بل لا بد من الاستدلال عليها و إثباتها بالدليل، ثمَّ الاستدلال بها. و لا دليل عليها لو لم تنطبق على سائر القواعد المعتبرة.

نعم، يمكن أن يقال في المقام: إنّ النظر إلى العورة مطلقا من أعظم مصائد الشيطان، و من أهمّ موجبات إثارة الشهوة الحيوانيّة و التخيلات الفاسدة، فالأصل في العورة هو الغضّ عنها الا ما خرج بالدليل فيكون هذا الأصل من الأصول العقلائية، كأصالة احترام العرض و المال مضافا إلى الأصل الموضوعيّ الجاري في المقام، و هي أصالة عدم الزوجية و المملوكية.

(22) لأصالة البراءة.

(23) لما مرّ من احتمال أن يكون جواز النظر معلقا على إحراز الحلية فيصير المشكوك داخلا فيما يحرم النظر إليه.

(24) أما عدم جواز النظر إلى دبر الخنثى، فلكونه عورة قطعا. و أما كون قبله عورة على كلّ حال، ففيه تفصيل: لأنّه إن كان النظر إلى كلتيهما فلا ريب في الحرمة، للعلم التفصيلي بوقوع النظر على العورة، و كذا إن كان النظر إلى

______________________________

ص: 175


1- راجع ج: 1 صفحة: 189.

مسألة 13: لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير- كما في مقام المعالجة-

(مسألة 13): لو اضطر إلى النظر إلى عورة الغير- كما في مقام المعالجة- فالأحوط أن يكون في المرآة (25) المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك. و إلا فلا بأس.

مسألة 14: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم بدنه

(مسألة 14): يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة و استدبارها بمقاديم بدنه (26). و إن أمال عورته إلى غيرهما. و الأحوط ترك

______________________________

العورة الموافقة لعورة الناظر، للعلم التفصيلي بالحرمة حينئذ، لأنّ الخنثى إن كان موافقا للناظر فقد وقع النظر إلى العورة، و إن كان مخالفا فقد وقع نظر الأجنبي إلى بدن الأجنبية، أو بالعكس و هو حرام أيضا.

و أما إن كان النظر إلى العورة المخالفة لعورة الناظر، فلا علم تفصيليّ بالحرمة، لاحتمال أن يكون الخنثى موافقا للناظر في الذكورة و الأنوثة، و كان المنظور إليه عضوا زائدا غير العورة، و مقتضى الأصل عدم الحرمة حينئذ، و ينحل العلم الإجمالي بكون أحدهما عورة إلى العلم التفصيلي بالحرمة بالنسبة إلى ما يماثل عورة الناظر، و الشك البدوي في غيرها، هذا كلّه إن كان الناظر أجنبيا أو أجنبية. و لو كان محرّما فلا انحلال، للعلم الإجمالي بالنسبة إليه و يبقى على تنجزه مطلقا، فيحرم عليه النظر إلى كلّ واحد من العورتين، للعلم الإجمالي.

فرع: لو كان لرجل قصيبان، فمقتضى العلم الإجمالي حرمة النظر إلى كلّ منهما، بل يمكن أن يقال: بشمول الإطلاق لهما لو لم نقل بالانصراف إلى الحقيقي، و كذا لو كان للمرأة فرجان.

(25) لاحتمال أخفية حرمة النظر إليها في المرآة عن النظر إليها نفسها و قد وردت في ذلك رواية (1).

(26) أما أصل الحرمة فهو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع. و يدل عليه

______________________________

ص: 176


1- الوسائل باب: 3 من أبواب خنثى المشكل حديث: 2.

الاستقبال و الاستدبار بعورته فقط (27)، و إن لم يكن مقاديم بدنه إليهما. و لا فرق في الحرمة بين الأبنية و الصحاري (28).

______________________________

جملة من الأخبار المعمول بها عند الأصحاب، كخبر المناهي:

«نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله عن استقبال القبلة ببول أو غائط» (1).

و قول أبي الحسن عليه السلام في حدّ الغائط: «لا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها» (2)، و قول الكاظم عليه السلام: «و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول» (3)إلى غير ذلك من الأخبار المنجبر قصور سندها بالعمل.

و أما كونها بمقاديم البدن فلأنّها المتفاهم عرفا من أخبار المقام، و كلمات الأعلام، و الظاهر ثبوت الملازمة العرفية بين الاستقبال بالفرج و الاستقبال بمقاديم البدن إن كان بحسب الجلوس المتعارف المعتاد، فيكون ذكر المقاديم في الكلمات من باب الاكتفاء بذكر أحد المتلازمين عن ذكر الآخر.

و كذا الفرج في النبوي: «نهى صلّى الله عليه و آله أن يبول الرجل و فرجه باد إلى القبلة» (4).

فإنّه أيضا من باب الاكتفاء بذكر أحد المتلازمين عن ذكر الآخر. نعم، يمكن تعمد التفكيك بينهما في قبل الرجل بأن يجلس إلى القبلة و يميل عورته عنها، أو بالعكس. و أما في الدبر مطلقا، و قبل المرأة فتصويره ممنوع، لكونهما غير قابلين للانتقال الا بنقل البدن.

(27) لأنّ المنساق من الأدلة و إن كان هو المقاديم. و لكن مناط الهتك موجود في الاستقبال و الاستدبار بالعورة فقط أيضا. و لكن تقدم أنّ التفكيك مشكل، إلا في قبل الرجل.

(28) لظهور الإطلاق الشامل لهما.

______________________________

ص: 177


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

و القول بعدم الحرمة في الأول ضعيف (29)، و القبلة المنسوخة- كبيت المقدس- لا يلحقها الحكم (30)، و الأقوى عدم حرمتهما في حال الاستبراء و الاستنجاء (31)، و إن كان الترك أحوط (32).

________________________________________

(29) نسب هذا القول إلى المفيد و سلّار و ابن الجنيد رحمهم الله، لخبر محمد بن إسماعيل:

«دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة، و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة، ثمَّ ذكر فانحرف عنها، إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له» (1).

و فيه: أنّه حكاية أمر لم يعلم وجهه، مع أنّ كون الكنيف مستقبل القبلة أعمّ من كون الجلوس للتخلّي فيه أيضا كذلك، فلا ريب في ضعف هذا القول.

(30) لظهور الأدلة في القبلة الناسخة، فمقتضى الأصل البراءة عن الحرمة بالنسبة إلى القبلة المنسوخة.

(31) لاشتمال الأدلة (2) على البول و الغائط، و ظهورهما في حال الاشتغال بالتخلّي مما لا ينكر.

(32) لاحتمال شمول إطلاق النبويّ لهما أيضا. قال صلّى الله عليه و آله:

«إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها» (3)، و في موثق عمار: «الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال عليه السلام: كما يقعد للغائط» (4).

و لكن المتبادر من الأول حال التخلّي فقط، و من الثاني التشبيه لوضع الجلوس بلحاظ حال التخلّي، لا بلحاظ الجهات الخارجية من الاستقبال و الاستدبار، و لا أقل من الشك في ذلك، فلا يصح التمسك بإطلاقه حينئذ. هذا

______________________________

ص: 178


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7 و 5.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7 و 5.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

و لو اضطر إلى أحد الأمرين تخيّر (33)، و إن كان الأحوط الاستدبار (34)، و لو دار أمره بين أحدهما و ترك للتستر مع وجود الناظر وجب الستر (35). و لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظنّ (36)، و لو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، و لو تردد بين المتصلتين فكالتردد بين الأربع، التكليف ساقط، فيتخيّر بين الجهات (37).

______________________________

إذا لم يعلم بخروج البقايا. و الا يأتي حكمه في [مسألة 19].

(33) لعدم ثبوت الترجيح بنحو يعتمد عليه.

(34) لاحتمال كون الاستقبال أشدّ هتكا، و لعلّ كثرة النصوص الواردة في الاستقبال دون الاستدبار يكشف عن ذلك. و قد جزم به في الجواهر، و كون هذا الاحتمال مما يوجب الترجيح مشكل.

(35) للقطع بأهميته من مذاق الشارع، و يكفي الاحتمال المعتد به في الترجيح.

(36) لدوران الأمر بينه و بين التخيير، و لا موضوع للثاني مع إمكان الأول، لأنّ التخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن محتمل الأهمية في البين، و يمكن تعميم ما دل على اعتبار الظنّ بالقبلة عند التحير (1) إلى المقام أيضا. و يأتي التفصيل في أحكام القبلة من كتاب الصلاة. هذا إذا كانت في الصبر إلى أن يتبيّن الحال مشقة عرفية، و الا وجب الصبر، أو الفحص.

(37) لسقوط العلم الإجمالي عن التنجز، للاضطرار. هذا إذا لم يكن محتمل التعيين في البين، و إلّا تعيّن. كما أنّه فيما إذا تحقق الاضطرار العرفي، و الا وجب الصبر إلى تبين الحال إن أمكن.

فروع- (الأول): لو كان هناك أمكنة للتخلّي، و علم إجمالا بكون أحدها مستقبل القبلة، يحرم التخلّي في الجميع، و إن كان بعض الأطراف خارجا عن

______________________________

ص: 179


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القبلة.

.....

______________________________

مورد الابتلاء لمانع يصح في البعض الآخر.

(الثاني): كلّ ما بني في بلاد الإسلام يصح التخلّي فيها بعد الإذن من المالك، و لا يجب الفحص و السؤال عن كونها مستقبل القبلة أو مستدبرها.

(الثالث): الحكم مختص بصورة العلم و العمد و الاختيار، فلا حرمة مع الجهل بالموضوع و النسيان و الاضطرار و الإكراه، لسقوط الحرمة في جميع ذلك.

و الجاهل بالحكم عامد.

(الرابع): لا فرق في ذلك بين بلاد الإسلام و غيرها، فيحرم الاستقبال أو الاستدبار بالبول أو الغائط في بلاد الكفر أيضا.

(الخامس): الظاهر جواز التخلّي فيما أعد للتخلية في بلاد الكفر من غير فحص، لعدم العلم التفصيلي بكونه مستقبلا أو مستدبرا. و العلم الإجمالي بوجود محلّ كذلك فيها غير منجّز، لكون الأطراف غير محصورة.

(السادس): لا فرق بين الحدوث و البقاء، فلو علم في الأثناء بالاستقبال أو الاستدبار وجب الانحراف، كما لا فرق فيه بين المحلّ الساكن و المتحرك كالسفينة و القطار و نحوهما، كما لا فرق بين القيام و القعود و الاستلقاء و الاضطجاع، و الصحة و المرض، سواء كان الخروج طبيعيا أم بالآلات الحديثة، كلّ ذلك للإطلاق.

(السابع): المراد بالقبلة المكان الذي يقع فيه البيت الشريف، لا المسجد الحرام، و تتسع الجهة بالنسبة إلى البعيد، و تتضيق بالنسبة إلى أهل مكة، كما سيأتي في كتاب الصلاة.

(الثامن): لو توقفت معرفة القبلة على بذل مال وجب، ما لم يكن حرجا، كما يجب الاستغفار لو استقبل أو استدبر فيهما عمدا.

(التاسع): يحرم التخلّي في المساجد و المشاهد المشرفة و على المحترمات، بل قد يوجب الكفر.

(العاشر): من يعلم عن حاله أنّه لو نام يبول في نومه، يحرم عليه أن ينام مضطجعا نحو القبلة.

ص: 180

مسألة 15: الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا

(مسألة 15): الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلّي على وجه يكون مستقبلا أو مستدبرا (38). و لا يجب منع الصبيّ و المجنون إذا استقبلا أو استدبرا عند التخلّي (39). و يجب ردع البالغ العاقل العالم بالحكم و الموضوع من باب النّهي عن المنكر (40)، كما أنّه يجب إرشاده (41) إن كان من جهة جهله بالحكم، و لا يجب ردعه (42) إن كان من جهة الجهل بالموضوع.

و لو سأل عن القبلة، فالظاهر عدم وجوب البيان (43). نعم، لا

______________________________

(38) لاحتمال أن يكون الاستقبال و الاستدبار حال التخلّي مبغوضا بالمعنى الأعمّ من المباشرة و التسبيب. و يمكن أن يقال: إنّ المتيقن من الإجماع و المتفاهم من الأدلة خصوص المباشرة فقط.

(39) لأصالة البراءة بعد عدم كونه من النهي عن المنكر، لاعتبار التكليف في مورده، مضافا إلى السيرة.

(40) لعموم أدلة وجوبه، و إطلاقها الشامل للمقام أيضا.

(41) لوجوب إرشاد الأنام إلى الأحكام كتابا، و سنة، و إجماعا.

(42) أما عدم وجوب البيان، فلأصالة البراءة بعد عدم الدليل على وجوب الإرشاد في الموضوعات، بل ظاهر بعض الأخبار عدم الوجوب، راجع خبر اللمعة (1)، و ما ورد في عدم وجوب صعود الجبل لتبين المغرب، بل يظهر منه المرجوحية(2).

(43) لأصالة البراءة بعد عدم شمول أدلة إرشاد الجاهل له، لاختصاصها بالأحكام دون الموضوعات. و أما عدم جواز الإيقاع في خلاف الواقع، فمبنيّ على كون الحرمة في المقام من المبغوضات الذاتية التي تكون مبغوضة مباشرة

______________________________

ص: 181


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أوقات الصلاة: حديث: 2.

يجوز إيقاعه في خلاف الواقع.

مسألة 16: يتحقق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى أحد الطرفين

(مسألة 16): يتحقق ترك الاستقبال و الاستدبار بمجرد الميل إلى أحد الطرفين، و لا يجب التشريق أو التغريب، و إن كان أحوط (44).

مسألة 17: الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال و الاستدبار بقدر الإمكان

(مسألة 17): الأحوط فيمن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال و الاستدبار بقدر الإمكان، و إن كان الأقوى عدم الوجوب (45).

مسألة 18: عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف

(مسألة 18): عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف (46). نعم، إذا اختار في مرّة أحدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها، بل له أن يختار في كلّ مرّة جهة أخرى إلى

______________________________

و تسبيبا، و تقدم الكلام في [مسألة 32] من أحكام النجاسات من فصل يشترط في صحة الصلاة.

(44) أما تحقق تركها بمجرد الميل، فلصدق تركهما به عرفا. و أما الاحتياط في التشريق و التغريب فللنبويّ: «و لكن شرّقوا أو غرّبوا» (1).

المحمول على مطلق الرجحان، جمعا و إجماعا، مضافا إلى قصور سنده عن إفادة الوجوب.

(45) لظهور الأدلة في المتعارف من التخلّي، لا ما كان خارجا عنه بلا اختيار. و منشأ الاحتياط حسنه في كلّ حال ما لم يكن حرجا. نعم، لو كان لهما محلّ متعارف تشملهما الأدلة بلا شبهة.

(46) لأنّ مجموع الأطراف حينئذ موضوع واحد عرفا، فعلم بتحقق المخالفة القطعية فيه، و يحرم من هذه الجهة.

______________________________

ص: 182


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

تمام الأربع (47). و إن كان الأحوط ترك ما يوجب القطع بأحد الأمرين و لو تدريجا خصوصا إذا كان قاصدا ذلك من الأول، بل لا يترك في هذه الصورة (48).

______________________________

(47) لأصالة بقاء التخيير. (إن قيل): نعم، و لكن يعلم بتحقق المخالفة القطعية حينئذ، فتكون مثل الصورة الأولى. (فإنّه يقال): الفرق بينهما بوحدة الواقعة في الاولى، و التعدد في الثانية عرفا، و تحليل الأولى إلى القطرات فتتعدّد و تصير كالثانية خلاف نظر العرف المنزلة عليه الأدلة الشرعية، و إن كان كذلك بالدقة العقلية غير المبتنية عليها الأدلة. نعم، لا إشكال في تحقق المخالفة القطعية في الصورتين. و لكن لا ريب في تحقق الموافقة كذلك في الثانية، لتعدد الواقعة عرفا.

و إن لوحظ كل واحد من القطرات موضوعا مستقلا بنظر العرف، فحكم الصورتين واحد، و لا ترجيح لترك المخالفة القطعية المستلزم لترك الموافقة القطعية، كما لا ترجيح في العكس فتبقى أصالة بقاء التخيير بلا مانع، لأنّ عدم الترجيح بين ترك المخالفة القطعية و ترك الموافقة كذلك موجب للتخيير لا محالة.

نعم، لو ثبت ما نسب إلى المشهور من أنّه عند الدوران بين دفع المفسدة و جلب النفع يكون الأول أولى بالمراعاة لا وجه لأصالة بقاء التخيير حينئذ. و لكن الكلام في الدليل على إثباته.

(48) بدعوى: أنّ البناء على المخالفة مع تحققها خارجا ظلم بالنسبة إلى المولى، و لا ريب في قبحه. و على هذا لا وجه لترك الاحتياط.

و الحاصل: إنّ تحقق المخالفة (تارة): في واقعة واحدة عرفا، و لا إشكال في الحرمة. (و أخرى): في وقائع متعددة، مع البناء و العزم على المخالفة، و مع عدم الدليل على التخيير، و لا ريب أيضا في الحرمة. بل و كذا مع عدم البناء عليها إن لم يكن دليل على الترخيص في البين، كما في موارد العلم الإجمالي في أطراف المتدرجة الوجود، و ذلك لعدم الفرق في تنجز العلم الإجمالي بين ما إذا كانت أطرافه دفعية أو تدريجية، كما ثبت في محله.

ص: 183

مسألة 19: إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء

(مسألة 19): إذا علم ببقاء شي ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء، فالاحتياط بترك الاستقبال أو الاستدبار في حالة أشدّ (49).

مسألة 20: يحرم التخلّي في ملك الغير من غير إذنه

(مسألة 20): يحرم التخلّي في ملك الغير (50) من غير إذنه حتّى الوقف الخاص، بل في الطريق غير النافذ بدون إذن أربابه (51).

و كذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكا لهم (52).

______________________________

(و ثالثة): في الوقائع المتعددة مع البناء عليها و وجود الدليل على التخيير في الجملة و لو كان أصلا معتبرا، كما في المقام، و الجزم بالترخيص المطلق في هذه الصورة مشكل. (و رابعة): هذه الصورة بعينها مع عدم البناء على المخالفة حين الارتكاب، و لكن يحصل القطع بها بعد ارتكاب الجميع، و استصحاب بقاء التخيير في هذه الصورة لا محذور فيه الا دعوى انصراف أدلة الاستصحاب عنها.

(49) بل الظاهر وجوب الترك، لإطلاق الأدلة (1) الشامل للقليل أيضا. الا أن يدّعى الانصراف إلى التخلّي المتعارف، و هو ممنوع.

(50) لأنّه نوع تصرف في ملك الغير بدون إذنه، و هو حرام بالضرورة.

(51) إن قلنا بأنّه ملك لأربابها كما هو المعروف، فهو من التصرف في ملك الغير بدون إذنه. و إن قلنا بعدم كونه ملكا لهم، فهو متعلق حقهم و التصرف في متعلق حق الغير كالتصرف في ملكه حرام، فيحرم بدون إذنه. و يأتي التفصيل في المشتركات إن شاء الله تعالى.

(52) لأنّ «حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا» (2)، فيحرم ما عد هتكا له بعد موته أيضا. هذا إذا لم يكن ملكا لأحد، و الا فيحرم من جهة أخرى أيضا.

فروع- (الأول): يحرم التخلّي على قبر غير المؤمن إن استلزم مفسدة شخصية أو نوعية، حالية كانت أو مستقبلة، كما يحرم التخلّي في الشوارع

______________________________

ص: 184


1- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام التخلّي.
2- ورد مضمونها في الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.

مسألة 21: المراد بمقاديم البدن: الصدر، و البطن، و الركبتان

(مسألة 21): المراد بمقاديم البدن: الصدر، و البطن، و الركبتان (53).

مسألة 22: لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها

(مسألة 22): لا يجوز التخلّي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها (54) من اختصاصها بالطلاب أو بخصوص الساكنين منهم

______________________________

و المجامع إن ترتبت عليه المفسدة مطلقا، و لو كانت من جهة سب المسلمين و انتسابهم إلى عدم المبالاة في دينهم.

(الثاني): لو كان المالك قاصرا، أو كان في الملاك من هو قاصر، لا يجوز التخلّي إلا بإذن وليّه مع عدم المفسدة.

(الثالث): في موارد إذن الغير في التخلّي في ملكه يقتصر على ما يشمله الإذن، و لا يجوز التعدّي عنه، بل للمالك الرجوع عن إذنه في الأثناء، لسلطنته، و له نظائر كثيرة سيأتي التعرض لها في محالّها.

(الرابع): في الطريق غير النافذ لا يجوز لأربابه التخلّي فيه أيضا إلا بإذن الجميع، و إن جاز لهم سائر التصرفات بغير الإذن، للشك في شمول تسلطه لذلك، كما لا يجوز إقعاد الطفل للتخلّي في الطريق النافذ إن أضرّ بالمارة فضلا عن غير النافذ.

(الخامس): لو اضطر إلى التخلّي في ملك الغير بدون إحراز رضاه لا إثم عليه، و يجب عليه استرضاؤه بعد ذلك و لو بعوض.

(السادس): لا فرق في جميع ما مرّ بين ملك المسلم و الكافر، فلا يجوز التخلّي في ملك الكافر بدون إذنه إلا إذا أسقط الشارع إذنه.

(53) مقاديم البدن من الأمور المبيّنة العرفية، و لا يحتاج إلى البيان و المراد بالركبتين هنا بعضهما لا تمامهما، و الا فيمكن تحقق الاستقبال مع كون المهم منهما خارجا عن القبلة، كما لو جلس متربعا.

(54) لأصالة عدم جواز التصرف في ملك الغير أو متعلق حقه الا بدليل يدل عليه، و لعموم قوله:

ص: 185

فيها، أو من هذه الجهة أعمّ من الطلاب و غيرهم، و يكفي إذن المتولّي (55) إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع، و الظاهر كفاية جريان العادة (56) أيضا بذلك، و كذا الحال في غير التخلّي من التصرفات الأخر (57).

______________________________

«الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1).

فلا يجوز الا بتصريح من الواقف بالتعميم، أو إذن المتولّي الأمين أو سيرة معتبرة كاشفة عن أحدهما.

(55) مع إحراز وثاقته و ائتمانه، و لو بالأصل، موضوعا كان أو حكميا.

(56) العادات الجارية في مثل هذه الأمور أقسام:

(الأول): ما إذا كانت ممن يواظب على دينه و يحتفظ عليه بحيث تكون كاشفة نوعا عن تعميم الإذن. و لا ريب في اعتبارها، إذ هي من الأمارات النوعية، بل هي من أقواها.

(الثاني): أن تكون من الهمج الرعاع الذين لا يبالون بشي ء، و لا اعتبار بمثل هذه العادة في مقابل أصالة عدم الجواز، و يشكل جريان أصالة الصحة، لفرض إحراز عدم المبالاة.

(الثالث): ما إذا شك في أنّها من أيّ القسمين، كما إذا ورد غريب إلى بلد، و رأى ذلك بالنسبة إلى مدرسة- مثلا- فتجري أصالة الصحة في فعلهم، فيكون كالأمارة النوعية على الجواز.

(57) ظهر حكمها مما مرّ.

______________________________

ص: 186


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 1.

فصل في الاستنجاء

اشارة

(فصل في الاستنجاء) يجب غسل (1) مخرج البول بالماء (2) مرّتين (3) و الأفضل ثلاث (4) (فصل في الاستنجاء)

______________________________

(1) وجوب الاستنجاء من البول و الغائط، فهو من ضروريات المذهب، و لا ريب في كونه مقدميّا لما يعتبر فيه الطهارة الخبثية كالصلاة و الطواف على تفصيل يأتي، و لا يجب لغيرهما حتّى الوضوء، للأصل، و ظهور الاتفاق، و لصحيح عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام:

«في الرجل يبول، فينسى غسل ذكره، ثمَّ يتوضأ وضوء الصلاة قال:

يغسل ذكره، و لا يعيد الوضوء» (1).

و غيره من الروايات فيحمل صحيح ابن خالد عن أبي جعفر عليه السلام:

«في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره؟ قال: يغسل ذكره ثمَّ يعيد الوضوء» (2) على مطلق الرجحان.

فما نسب إلى الصدوق رحمه الله من وجوب الإعادة. مخدوش: مع أنّه مخالف للإجماع، فقد استقر المذهب على خلافه.

و لا ريب في رجحان الاستنجاء ذاتا مطلقا، كما أنّ رفع مطلق القذارة محبوب و راجح شرعا. فهو راجح ذاتيّ و واجب غيريّ.

(2) نصّا و إجماعا. قال أبو جعفر عليه السلام:

«يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء» (3).

______________________________

ص: 187


1- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1
2- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

.....

______________________________

و أما خبر ابن بكير قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط. قال: كلّ شي ء يابس زكيّ» (1)

فالمراد به تجفيف المحلّ حتّى يصل إلى الماء فيتطهر.

(3) الكلام في وجوب المرّتين (تارة): بحسب الإطلاقات. (و اخرى):

بحسب الأدلة الخاصة. (و ثالثة): بحسب الأصل. (و أخيرا): بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى إطلاق صحيح ابن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط، أو بال.

قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثمَّ يتوضأ مرّتين مرّتين» (2).

و هو كالصريح في كفاية المرّة بقرينة ذكر المرّتين في الوضوء، و عدم التعرض لهما في البول، و مثله خبر ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال:

«قلت له: للاستنجاء حدّ؟ قال: لا، ينقي ما ثمة. قلت: ينقي ما ثمة و يبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها» (3)، و مرسل الكافي: «أنّه يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة و غيره» (4).

و كذا إطلاقات غسل النجس الدالة على كفاية المرة (5) إلا إذا ورد دليل خاص على التقييد معتبر سندا و دلالة.

و أما الثاني: فاستدل على التعدد (تارة): بما تقدم في المطهّرات من وجوب غسل ما أصابه البول مرّتين (و فيه): أنّها وردت في الثوب و الجسد (6)، خصوصا بقرينة لفظ الإصابة، إذ لا يطلق لفظ الإصابة على مخرج البول، بل يقال: خرج منه البول، و لا يقال أصابه، فلا وجه للتمسك بها للمقام.

(و اخرى): بخبر ابن صالح عن الصادق عليه السلام قال:

______________________________

ص: 188


1- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب النجاسات حديث: 2 و 3.
6- راجع صفحة: 14.

.....

______________________________

«سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» (1).

بدعوى: أنّ لفظ المثلين ظاهر في التعدد الوجودي. و فيه: أنّه أعمّ من ذلك عرفا، لشموله لمطلق تضاعف الكمية، سواء كان مع التعدد في الوجود الخارجي أم مع الوحدة فيه، و يمكن دعوى ظهوره في المقام في تضاعف الكمية مع الوحدة الخارجية بقرينة قوله: «مثلا ما على الحشفة من البلل»، فإنّ مثلي البلل يستعمل بحسب المتعارف في الوحدة لا التعدد، لأنّه عبارة: عن القطرة الواحدة، فلا وجه للاستناد إلى مثل هذه الأدلة لإثبات التعدد.

و أما الثالث: فمقتضى الأصل بقاء النجاسة. و لكنّه محكوم بما تقدم من الإطلاقات فلا وجه للتمسك به.

و أما الأخير، فنقل عن أبي الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و العلامة في المختلف: كفاية مطلق الغسل و ما يسمّى غسلا. و عن جمع منهم الشيخ سلار و المحقق و العلامة: التعبير بمثلي ما على الحشفة. و إطلاق قولهم يشمل تضاعف الكمية و لو بالمرّة. و عن المحقق الثاني و الشهيدين و غيرهم: الغسل مرّتين، و عدم الاجتزاء بالمرّة. و لو كان الماء مثلي ما على الحشفة. و لا ريب في أنّ كلماتهم لا تكون مستندة لا إلى ما بأيدينا من الأخبار، و لا حجة لهم وراء ذلك.

و يمكن رفع النزاع بأن يقال: أنّ ما يبقى على رأس الحشفة من البول، (تارة): يكون من مجرد النداوة، فيجزي مطلق الغسل و لو بالمرّة.

(و أخرى): يكون قطرة من البول- مثلا- بحيث تكون المرّة تذهب بالعين فقط، و لا ترفع نجاسة رأس الحشفة، فيعتبر مرّتين حينئذ، و لكن غلبة كون ما على رأس المخرج بقدر القطرة، و استبعاد كون حكم البول من حيث التطهير في الجسد و الثوب و نحوهما مخالفا لحكمه في المخرج بحسب أذهان المتشرعة، يوجب الاطمئنان بتعين المرّتين. فما اختاره جمع من الفقهاء من وجوبهما هو المتعيّن.

______________________________

ص: 189


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

بما يسمّى غسلا (5). و لا يجزي غير الماء (6)، و لا فرق بين الذكر،

______________________________

(4) لصحيح زرارة قال: «كان يستنجي من البول ثلاث مرّات و من الغائط بالمدر و الخرق» (1).

فإنّ الظاهر، بل المقطوع به أنّ مرجع ضمير (كان) هو المعصوم عليه السلام- إماما كان، أو نبيّا- بحكاية الإمام عنه، فيدل بقرينة لفظ (كان) الظاهر في الاستمرار على الرجحان في الجملة.

(5) نفى الخلاف في الجواهر: عن عدم الاجتزاء إن لم يحصل الغسل و قد صرّح بالغسل، جمع كثير من الفقهاء، منهم الشيخ، و الحلي، و العلامة و الشهيد، و يقتضيه إطلاق النصوص المشتملة على الغسل أيضا. و عن جمع، بل نسب إلى المشهور: أنّ أقلّه مثلا البلل، و ظاهرهم الاكتفاء به، و إن لم يحصل مسمّى الغسل، تمسكا بما تقدم من خبر نشيط: «مثلا ما على الحشفة من البلل» (2)، فإنّ مقتضى الجمود عليه كفاية تضاعف البلل و لو لم يسمّى غسلا.

و فيه (أولا): إجمال الخبر، لأنّه يحتمل أن يكون كناية عن الاجتزاء بحصول مسمّى الغسل، و عدم استعمال الماء كثيرا فيما لا فائدة فيه بعد تحقق أصل الغسل، و يشهد له قول الصادق عليه السلام:

«يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت يمينك» (3).

نعم لو كان غرض صحيح في البين، فلا بأس بعدم الاجتزاء بحصول مسمّى الغسل، كما في الاستنجاء من الغائط، فعن جعفر عليه السلام عن أبيه:

أنّ النبي صلّى الله عليه و آله قال لبعض نسائه:

«مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن، فإنّه مطهرة للحواشي

______________________________

ص: 190


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

.....

______________________________

و مذهبة للبواسير» (1).

(و ثانيا): أنّه لا وجه للأخذ بهذا المجمل و رفع اليد عن الإطلاقات المشتملة على لفظ الغسل (2) الظاهرة في وجوب تحققه، كما في سائر موارد استعمالاته.

(و ثالثا): لا وجه لنسبة ذلك إلى المشهور،- كما في المسالك و غيره- لأنّ أعلام الفقه أفتوا بلزوم تحقق الغسل، فكيف ينسب إلى مشهورهم كفاية مثلي البلل و لو لم يتحقق الغسل.

(و رابعا): كيف يجتزأ بمثلي البلل مع عدم تحقق الغسل في مقابل قول أبي جعفر عليه السلام- في حديث-: «و أما البول فإنّه لا بد من غسله» (3).

فأي داع لهم بعد ذلك لطرح هذا، و الأخذ بما لم يعلم المراد منه، أو علم أنّ المراد منه عدم إسراف الماء؟

و (خامسا): استعمال مثلي البلل مع عدم صدق الغسل بالنسبة إلى مخرج بول النساء تسرية للنجاسة، و مثيرة للوسواس، فكيف يأمر الشارع بذلك في هذا الأمر العام البلوى؟

و (سادسا): إنّ صاحب الحدائق وصف خبر نشيط بالضعف. و هو كذلك فيما تفحصت عاجلا، مع أنّه معارض بمرسلة: «يجزي من البول أن تغسله بمثله» (4).

فإن رجع ضمير «المثل» إلى البول- كما عن الشيخ رحمه الله- فلا ريب في تحقق الغسل، و يشهد له ذكر لفظ «البول» قبله. و إن رجع إلى البلّة التي تكون على رأس الحشفة، فهو مخالف للنص و الفتوى، فيا ليت أنّ نشيطا لم يرو خبرية المرسل، و المسند حتى لا يقع الفقهاء في هذه المتعبة.

______________________________

ص: 191


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 9 حديث: 1 و 5 و باب 28 حديث: 1 و باب: 26 حديث: 7 و 8 من أبواب أحكام الخلوة و غيره.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

و الأنثى، و الخنثى (7)، و كذا لا فرق بين المخرج الطبيعيّ و غيره معتادا

______________________________

فروع- (الأول): يكفي صدق مجرد الغسل عرفا، و لا يجب الزائد عليه، لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(الثاني): لا يعتبر تعدد الغسل في المعتصم كالكرّ، و الجاري، و المطر، و إن تطهر بالقليل يعتبر ورود الماء على المحل على الأحوط، دون العكس، و قد تقدم وجه ذلك في المطهّرات (1).

(الثالث): لو تعدّى البول من رأس الحشفة إلى سائر أجزاء القضيب، فإن كان بالقدر المتعارف يلحقه حكم الاستنجاء، و إن كان بغيره فيجب غسله مرّتين، لما تقدم. و لو شك في التعدّي بنى على العدم للأصل.

(6) نصّا (2) و إجماعا، بل ضرورة من المذهب.

فرعان- (الأول): لو لم يتمكن من استعمال الماء في البول لجرح أو نحوه لا يجب التمسح لما تقدم و إن كان أحوط، خروجا عن خلاف المعتبر، و المنتهى، و الذكرى.

(الثاني): لا يجب على الأغلف كشف داخل الغلفة، للأصل بعد احتمال كونه من الباطن.

(7) للإطلاق الشامل للجميع بعد أن كان المنساق من الأدلة غسل مخرج البول في مقابل مخرج الغائط، و يصح التمسك بقاعدة الاشتراك أيضا.

(و توهم) أنّها إنّما تجري في الحكم دون الموضوع. (مدفوع) أولا: بأنّ المقام من الحكم و هو وجوب غسل مخرج البول. و ثانيا: أنّه من مجرد الدعوى بلا شاهد، فكلّ موضوع كان متعلقا لحكم من الأحكام تجري القاعدة بالنسبة إليه أيضا كالوجه، و اليد، و الرجل، و الرأس في الوضوء. و البدن في الغسل و نحو ذلك.

______________________________

ص: 192


1- تقدم في صفحة: 14.
2- راجع الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ قاعدة الاشتراك تطلق في الفقه في موارد أربعة: اشتراك الكفار مع المسلمين في التكاليف، اشتراك النساء مع الرجال في الأحكام، اشتراك النافلة مع الفريضة، و أخيرا اشتراك العبيد مع الأحرار في التكاليف.

أما الأول فسيأتي الكلام فيه (1) و أما الثاني: فاستدل عليه بالإجماع و الإطلاقات و العمومات، تكليفية كانت أو وضعية، و الأدلة الخاصة الواردة في الأبواب المتفرقة من الكتاب (2) و السنة. و إن ذكر الرجل في السؤالات أو الروايات الواردة عن المعصوم من باب أفضل أفراد المكلّفين، و الاهتمام بالتستر بالنسبة إليهنّ حتّى في سؤال الأحكام و بيانها، لا أن يكون من باب الاختصاص مع أنّ المتشرعات يرين أنفسهنّ مكلفات بتكاليف الرجال من الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة، و الخمس، و غسل الجنابة، و نحوها من التكاليف إلا ما اختص بهم من الأحكام الشرعية، فالاشتراك فطريّ في الجملة، فكما يرين أنفسهنّ مشتركات مع الرجال في مكارم الأخلاق من الصبر، و التوكل، و سائر الصفات الحسنة إلا ما خرج بالدليل، كالغيرة، و الشجاعة فكذا بالنسبة إلى التكاليف الإلهية.

و يمكن أن يستدل بشكل بديهيّ الإنتاج و هو: أنّ التكاليف الإلهيّة من أقوى الموجبات لاستكمال النفوس الإنسانية، و كل ما كان كذلك يجب أن يكون عاما لجميع أفراد الإنسان، فيجب أن تكون التكاليف الإلهية كذلك. و الكبرى ثابتة بالأدلة الأربعة، فمن العقل ما ثبت في محلّه: من عنايته الاستكمالية بالنسبة إلى جميع الممكنات، فضلا عن الإنسان، إذ مقتضى الحكمة و العناية «إيصال كل ممكن لغاية». و من الكتاب مثل قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (3) و من الإجماع: اتفاق العقلاء على أنّ تعطيل النفوس الإنسانية عن

______________________________

ص: 193


1- يأتي في مسألة 17 آخر فصل مستحبات غسل الجنابة.
2- أما الكتاب فقوله تعالى وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الغافر: 40 و كذا آية: 33 من الأحزاب، و آية: 16 من النحل. و أما السنة فهي كثيرة جدّا راجع بعضها في باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات.
3- الذاريات: 56.

أو غير معتاد (8). و في مخرج الغائط مخيّر بين الماء و المسح بالأحجار أو الخرق (9) إن لم يتعدّ عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء،

______________________________

الإرشاد إلى الواقعيات قبيح، و هو محال بالنسبة إليه تعالى. و قد وقع الإرشاد بالتكاليف المشتركة و المختصة بكل واحد من الصنفين. و من السنة أخبار كثيرة في أبواب متفرقة.

(8) للإطلاق الشامل للجميع. و احتمال الانصراف إلى المعتاد وجيه فيجري في غير المعتاد حكم سائر الجسد، و مقتضى استصحاب بقاء النجاسة بعد قصور الإطلاق عن شموله ذلك أيضا.

(9) أما أصل وجوب الاستنجاء من الغائط، فبضرورة المذهب، بل الدّين، و كذا إجزاء الماء فيه.

مضافا إلى النصوص المشتملة على الغسل كصحيح ابن أبي محمود قال:

«سمعت الرضا عليه السلام يقول في الاستنجاء: يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الأنملة (1)».

و خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام- في حديث- «قال: إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها- يعني المقعدة- و ليس عليه أن يغسل باطنها» (2).

و أما كفاية غير الماء في إذهاب أثر الغائط، فهو أيضا من الضروريات بين المسلمين، و تدل عليه نصوص كثيرة تأتي إن شاء الله تعالى.

و أما التخيير بينهما، فلإطلاق قول أبي عبد الله عليه السلام فيما تقدم من خبر يونس: «و يذهب الغائط» (3) فإنّ إذهاب الغائط كما يكون بالماء يكون بالخرق أيضا، فيثبت التخيير لا محالة.

و مثله ما عن ابن المغيرة: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: للاستنجاء

______________________________

ص: 194


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 188.

..........

______________________________

حدّ؟ قال: لا، ينقي ما ثمة- الحديث-» (1).

فإنّ ظهور إطلاق مثل هذه التعبيرات في التخيير مما لا ينكر. و الانصراف إلى الماء بدويّ.

مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» (2)، و قوله عليه السلام أيضا: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار» (3)، و قوله عليه السلام أيضا: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف، و لا يغسل» (4).

و تقدم في صحيح زرارة: «كان يستنجي من البول، ثلاث مرّات، و من الغائط بالخرق و المدر» (5).

و هناك روايات أخرى مشتملة على لفظ الغسل مثل قوله عليه السلام:

«يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما ملئت (بلت) يمينك» (6).

و أمر النبيّ لنساء النبيّ و المؤمنين بالاستنجاء بالماء (7)و غيرهما كما تقدم (8) و لا ريب في ظهور الطائفتين في التخيير.

و أما موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: «في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى، إلا أنّه قد تمسح بثلاثة أحجار. قال: إن كان في وقت تلك الصلاة، فليعد الصلاة و ليعد الوضوء، و إن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته، و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة» (9).

______________________________

ص: 195


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
5- سبق في صفحة: 190.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
7- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
8- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1 و 2.
9- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

و إلا تعيّن الماء (10)، و إذا تعدّى على وجه الانفصال، كما إذا وقعت

______________________________

فلا بد من حمله على صورة التعدّي، و حمل الوضوء على الاستنجاء، أو يحمل على الندب.

(10) لأنّه مع عدم صدق الاستنجاء كيف يجزي الاستجمار، إذ الحكم تابع لتحقق موضوعه، و مع عدم الموضوع لا وجه للحكم، مضافا إلى الإجماع على عدم إجزاء الاستجمار حينئذ.

ثمَّ إنّ للتعدّي مراتب متفاوتة، بعض مراتبه مستلزم لكون المدفوع رطبا أو مائعا، و لم يرد دليل على تعيين حدّ التعدّي، فالمرجع إطلاقات صحة الاستجمار إلا مع عدم صدق الاستنجاء عرفا، و لا وجه لاستصحاب بقاء النجاسة مع وجود الإطلاقات الواردة في مقام البيان و التسهيل.

إن قلت: الدليل على تحديد التعدّي قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«كنتم تبعرون بعرا و أنتم اليوم تثلطون ثلطا (1) فأتبعوا الماء الأحجار» (2)، فالمناط في التعدّي صدق الثلط عرفا، و عن أبي جعفر عليه السلام: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة» (3) و الثلط ملازم لتجاوز محلّ العادة غالبا.

قلت: للثلط مراتب متفاوتة أيضا فأيّ مرتبة يراد منها؟ مع أنّ اتباع الماء للأحجار مندوب، فلا وجه للاستدلال به في المقام. نعم، إن كان التلوّث بالثلط بنحو لا يصدق عليه الاستنجاء عرفا يرجع ذلك إلى ما في المتن. و منه يعلم الوجه في قوله عليه السلام: «إذا لم يتجاوز محلّ العادة»، فإنّ المراد بتجاوز محل العادة عدم الصدق العرفي للاستنجاء، فالمناط كله صدق الاستنجاء عرفا و عدمه، و هذا هو المتبادر من كلمات الفقهاء رحمهم اللّه أيضا. ثمَّ إنّه ليس حدّ

______________________________

ص: 196


1- الثلط: بالفتح الرقيق من الرجيع.
2- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
3- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج، يتخيّر في المخرج بين الأمرين (11) و يتعيّن الماء فيما وقع على الفخذ (12)، و الغسل أفضل من المسح بالأحجار، و الجمع بينهما أكمل (13) و لا يعتبر في الغسل تعدد، بل الحدّ النقاء و إن حصل بغسلة (14)، و في المسح

______________________________

معيّن لمحل العادة، لاختلافه باختلاف أفراد الناس صغرا و كبرا، و هزالا و سمنا، و كيفية الجلوس، و كذا سائر الجهات الموجبة للاختلاف.

(11) لعموم دليل التخيير الشامل لهذه الصورة أيضا.

(12) لعدم كونه حينئذ من الاستنجاء، فلا بد من التطهير بالماء.

(13) أما أفضلية الغسل بالماء، فللإجماع، و نصوص كثيرة:

منها: قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا معشر الأنصار إنّ اللّه قد أحسن إليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا:

نستنجي بالماء» (1).

و عنه عليه السلام أيضا: «في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قال: كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثمَّ أحدث الوضوء و هو خلق كريم، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صنعه، فأنزل اللّه في كتابه إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (2).

و أما أكملية الجمع فواضح لا ريب فيه و عن الصادق عليه السلام: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» (3).

(14) إجماعا، و نصوصا:

منها: قول الصادق عليه السلام في موثق يونس: «يغسل ذكره و يذهب الغائط» (4)، و قول أبي الحسن عليه السلام بعد أن سئل للاستنجاء حدّ؟ قال:

______________________________

ص: 197


1- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
4- تقدم في صفحة: 188.

لا بد من ثلاث، و إن حصل النقاء بالأقلّ، و إن لم يحصل بالثلاث، فإلى النّقاء، فالواجب في المسح أكثر الأمرين (15) من النقاء و العدد،

______________________________

«لا، ينقي ما ثمة»(1) و يدل عليه الإطلاقات المشتملة على الغسل.

(15) أما اعتبار الثلاث، و إن حصل النقاء بدونه، فهو المشهور بين الفقهاء، لجملة من الأخبار:

منها: قول سلمان: «نهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار» (2) و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» (3)، و في صحيح زرارة: «يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4)، و في موثقة عن أبي جعفر عليه السلام: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار» (5)، و عنه عليه السلام أيضا: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول الا الماء (6).

بناء على ما هو المعروف من أنّ أقل الجمع ثلاثة، فيقيّد بهذه الأخبار ما دل على إذهاب الغائط، و إنقاء ما ثمة، و الاستنجاء بالخرق و المدر (7)، مع أنّ في ذلك زيادة الاستظهار، و المبالغة في إذهاب الأجزاء الصغار، و يدفع به منشأ الوسواس عن الناس في هذه المسألة العامة البلوى.

إن قلت: إثبات الوجوب بما ذكر من الأخبار مشكل، لقصور الأولين سندا. و الثاني و الثالث لا يدلان على أزيد من الندب، لظهور قوله عليه السلام:

______________________________

ص: 198


1- تقدم في صفحة: 188.
2- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3 و 2.
5- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3 و 2.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
7- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2 و 3.

و يجزئ ذو الجهات الثلاث من الحجر، و بثلاثة أجزاء من الخرقة الواحدة (16).

______________________________

«جرت السنة في أثر الغائط». و الأخير يمكن أن يراد به الجنس فيكفي المسمّى، فلا وجه لتقييد المطلقات بها.

قلت: أما النبويان فمنجبران بالعمل. و أما السنة فتطلق على التشريع النبويّ أعمّ من الوجوب و غيره، و هذا الإطلاق شائع كثير. و في الحديث:

«التشهد سنة و لا تنقص السنة الفريضة» (1). كما يطلق على التشريع الذي ورد في الكتاب الكريم الفريضة، و ليس المراد بالسنة في المقام الندب، بل المراد الوجوب، للتأكيد به، و ملازمة الإمام عليه. و إرادة الجنس من الأخير ممكنة، لكن جنس الجمع لا جنس الفرد، فما ذهب إليه المشهور هو المتعيّن.

هذا إذا حصل النقاء بما دون الثلاثة أو بها. و إن لم يحصل إلا بالأزيد، فيجب قولا واحدا، و يدل عليه أيضا ما مرّ من خبر ابن المغيرة و نحوه.

(16) استدل على الإجزاء بإطلاق الأدلة (2) و بأنّ المقصود إزالة القذارة و تحصل تلك بها أيضا، و بأنّها لو انفصلت لأجزأت، و كذا مع الاتصال. و فيه:

أنّ ظاهر الأدلة التحديد بالثلاثة المنفصلة، و هو مقدم على جميع ما استدل به على الإجزاء. نعم، لو كان الحجر كبيرا و الخرقة وسيعة، فالظاهر الإجزاء، و قطع به في المدارك، تمسكا بالإطلاقات بلا مانع، لأنّ المقيّد إن كان مرددا بين الأقلّ و الأكثر من حيث السعة و الكمية يؤخذ بدليل القيد بالنسبة إلى الأقل، و يرجع إلى الإطلاق بالنسبة إلى الأكثر، للشك في أصل التقييد بالنسبة إليه حينئذ.

و يمكن أن يجمع بذلك بين الكلمات، فمن قال بالإجزاء- أي بالنسبة إلى الكثير- مثل الآجر و المنديل و نحوهما و من قال بعدمه- أي بالنسبة إلى ما يوجب تكرّر الاستنجاء به تلوث اليد و المحلّ و نحوهما.

______________________________

ص: 199


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 192.

و إن كان الأحوط ثلاثة منفصلات (17)، و يكفي كلّ قالع و لو من الأصابع (18)، و يعتبر فيه الطهارة (19)، و لا يشترط البكارة (20)، فلا يجزي النجس، و يجزي المتنجس بعد غسله (21)، و لم مسح بالنجس أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك الا بالماء (22) إلا إذا لم يكن لاقى البشرة، بل لاقى عين النجاسة (23)، و يجب في الغسل بالماء إزالة

______________________________

(17) خروجا عن خلاف من أوجب كونها منفصلة، بناء على شمول كلامه لمثل الحجر الكبير أيضا.

(18) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و لا ريب في اعتبار القلع، و الا لما حصل النقاء. و أما الاكتفاء بالأصابع فإن كانت من غير المستنجي فيشملها الإطلاق. و إن كانت من نفسه ينصرف عنها الدليل، و مقتضى الأصل حينئذ بقاء النجاسة بعد الشك في شمول الدليل لها.

(19) لظهور عدم الخلاف، و ما ارتكز في الأذهان من أنّ المتنجس لا يطهر، و يمكن الاستشهاد للمقام بما مرّ من اعتبار الطهارة في مطهّرية الأرض (1).

(20) للأصل، و الإطلاق، و حصول المقصود بغير البكر أيضا.

و أما المرسل: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» (2) فقاصر عن إفادة الوجوب سندا، مع أنّ الاتباع بالماء مندوب إجماعا، فيوهن دلالته بالنسبة إلى البكارة أيضا، فليحمل على مجرد الأفضلية.

(21) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع، فيشمله ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(22) لاستصحاب بقاء النجاسة بعد الشك في شمول أدلة الاستجمار له، بل الظاهر عدم الشمول، لاختصاصها بالنجاسة الحاصلة من الغائط فقط.

(23) بناء على تأثر النجس من نجس آخر، فيجب التطهير بالماء حينئذ،

______________________________

ص: 200


1- راجع صفحة: 64.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

العين و الأثر (24) بمعنى: الأجزاء الصغار التي لا ترى (25)، لا بمعنى اللون و الرائحة (26) و في المسح يكفي إزالة العين، و لا يضرّ بقاء الأثر بالمعنى الأول أيضا.

______________________________

لخروجه عن نجاسة الغائط فقط. و أما إن قلنا بعدم تأثر النجس عن نجس آخر، فيجزي الاستجمار، لتمحض النجاسة في الغائط حينئذ.

(24) باتفاق الفقهاء، و ظهور النصوص (1)، كما هو المتعارف المأنوس.

(25) فسّرها بذلك جمع من الفقهاء، و يمكن الاستشهاد بسيرة المتشرعة فإنّهم يبالغون في إذهاب تلك الأجزاء في النجاسات العينية.

(26) للأثر مراتب متفاوتة:

منها: الرائحة، و اللون، و لا تجب إزالتهما في التطهير مطلقا، كما تقدم، و قد ورد في المقام: «إنّ الريح لا ينظر إليها» (2). نعم، لو كانا كاشفين عن بقاء العين، فتجب الإزالة حينئذ. و لا فرق فيه بين الاستنجاء بالماء و بغيره.

و منها: الأجزاء الصغار التي لا تذهب الا بالماء، و لا يعتبر زوالها في الاستنجاء بالأحجار، و الا لكان تشريع الاستنجاء بغير الماء لغوا، لفرض عدم زوال تلك الأجزاء الا بالماء. مع أنّ إزالتها بغير الماء حرج كما لا يخفى، و حينئذ فالعرق الحاصل في المحلّ لا يكون متنجسا، و كذا إن مسّ المحل باليد المرطوبة لا تتنجس اليد بمسه.

و منها: الرطوبة الباقية في المحلّ، و لا أثر لها في الاستنجاء بالماء قطعا.

و أما في غيره فيأتي حكمها في [مسألة 2].

فروع- (الأول): مقتضى إطلاق الأدلة كفاية المرّة في الاستنجاء بالماء، بلا فرق بين سبق الماء على المحلّ قبل اليد، أو العكس، و لا حدّ لماء

______________________________

ص: 201


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

مسألة 1: لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات

(مسألة 1): لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات، و لا بالعظم و الرّوث (27) و لو استنجى بها عصى، لكن يطهر المحلّ على الأقوى (28).

______________________________

الاستنجاء قلة و كثرة، و تقدم حديث: «يجزيك من الاستنجاء ما ملئت (بلت) يمينك»(1).

(الثاني): هل يعتبر في الاستنجاء بغير الماء المسح، جمودا على الروايات و الكلمات، أو يكفي الوضع و الرفع مع حصول النقاء بذلك أيضا؟

الظاهر هو الأخير، لإطلاق قوله عليه السلام: «ينقي ما ثمة» (2)، و ذكر المسح إنّما هو من باب الغالب، كما لا فرق بين أن يكون الجسم الذي يستنجي به متماسكا- كالحجر و المدر- أم لا كالتراب الناعم، للإطلاق.

(الثالث): لو تغوط مرّات عديدة، و لم يستنج، يجزي الاستنجاء بالماء في المرة الأخيرة. و هل يجري ذلك في الاستجمار أيضا أم لا؟ مقتضى الإطلاق هو الإجزاء.

(الرابع): لا يعتبر وحدة ما يستنجى به، فيصح أن يستنجى المرّة الأولى بالقطن، و الثانية بالحجر، و الثالثة بالخرقة- مثلا- للإطلاق. و هل يعتبر اتحاد الزمان عرفا في المسحات الثلاث، أو يجزي و لو بتخلل ساعة- مثلا- بين كل واحد منها؟ مقتضى الإطلاق هو الثاني، و إن كان المتعارف هو الأول.

(الخامس): هل تعتبر رطوبة المحلّ بحيث يتأثر ما يستنجي به لو كان يابسا أم لا؟ مقتضى الإطلاق هو الثاني، و لا يبعد القول بعدم وجوب الاستنجاء مع عدم الرطوبة أصلا.

(27) أما المحترمات فلأنّه هتك، و أى هتك أعظم منه؟ بل قد يوجب الكفر. و أما الأخيران، فللإجماع و النص، كخبر ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم، أو البعر، أو

______________________________

ص: 202


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

مسألة 2: في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحلّ يشكل الحكم بالطهارة

(مسألة 2): في الاستنجاء بالمسحات إذا بقيت الرطوبة في المحلّ يشكل الحكم بالطهارة (29)، فليس حالها حال الأجزاء الصغار.

______________________________

العود. قال: أما العظم و الروث فطعام الجنّ و ذلك مما اشترطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال: لا يصلح بشي ء من ذلك» (1).

و في النبوي: «نهى أن يستنجي الرجل بالروث و الرمة» (2) أي العظم البالي.

و العمدة ظهور التسالم على الحرمة، و إلا فالأخبار قاصرة سندا و دلالة عن إثباتها.

(28) لأنّ المتفاهم عرفا من مثل هذه النواهي الحكم التكليفي دون الوضعي، مع أنّ عمدة الدليل هو الإجماع، و المتيقن منه الحرمة التكليفية، لاختلافهم في الحكم الوضعيّ. و العرف أصدق شاهد، فإنّه إذا قيل لا تستنج بمنديلي فإنّي أمسح به وجهي، أو لا تستنج بثوبي فإنّي ألبسه، لا يتوهم منه عدم قلع نجاسة المحلّ به لو استنجى، و الأخبار- على فرض الاعتبار سندا و دلالة- لا تدل على أزيد من ذلك، فإطلاق قوله عليه السلام: «ينقي ما ثمة» (3) هو المعوّل بعد تحقق النقاء وجدانا.

نعم، لو ثبت أنّ الشارع حكم بعدم النقاء نتعبّد به، و لكنّه لا وجه له، و كذا الاستنجاء بالمغصوب فإنّه حرام مع ظهور التسالم على حصول الطهارة به.

(29) للرطوبة مراتب مختلفة، و لم يبينوا أنّ بقاء أيّ مرتبة منها يوجب الإشكال في الطهارة، و حيث إنّ الدليل على عدم الطهارة مع بقاء الرطوبة دعوى الإجماع عن الشيخ الأنصاري رحمه اللّه، فالمتيقن منه ما إذا كانت الرطوبة كاشفة عن بقاء العين في الجملة. و أما مع عدم ذلك، فالمرجع إطلاق ما دل على حصول الطهر بالنقاء، مع أنّ بقاء بعض مراتب الرطوبة غالبيّ.

______________________________

ص: 203


1- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث 1 و 5.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الخلوة حديث 1 و 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

مسألة 3: في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون فيما يمسح به رطوبة مسرية

(مسألة 3): في الاستنجاء بالمسحات يعتبر أن لا يكون فيما يمسح به رطوبة مسرية (30)، فلا يجزئ مثل الطين، و الوصلة المرطوبة. نعم، لا تضرّ النّداوة التي لا تسري.

مسألة 4: إذا خرجت مع الغائط نجاسة أخرى كالدم، أو وصلت إلى المحلّ نجاسة من الخارج يتعيّن الماء

(مسألة 4): إذا خرجت مع الغائط نجاسة أخرى كالدم، أو وصلت إلى المحلّ نجاسة من الخارج يتعيّن الماء (31) و لو شك في ذلك يبني على العدم (32)، فيتخيّر.

______________________________

(30) لتنجس المستنجي به حينئذ بمجرد الملاقاة، و لا دليل هنا على الاغتفار، كما دل الدليل عليه في التطهير بالماء القليل (1)، و في بعض أخبار الاستنجاء لفظ التنشيف (2)، و هو ظاهر في الجاف و لا يصح التمسك بالإطلاقات، للشك في شمولها لمثل المقام، و المرجع حينئذ استصحاب النجاسة.

(31) لاختصاص الطهارة الحاصلة بالتمسح بالأحجار بخصوص نجاسة الغائط فقط.

(32) احتمال حدوث نجاسة أخرى (تارة): يكون بعد تمام الغائط، (و أخرى): معها. (و ثالثة): قبل خروجها. و لا يخفى أنّ استصحاب النجاسة في الأولى من القسم الثالث من استصحاب الكلّي الذي ثبت بطلانه في محله، فلا يجري الاستصحاب، بل تجري أصالة عدم حدوثها. و في الأخيرين من القسم الثاني، و جريان الاستصحاب فيه، و إن كان صحيحا، و لكنه لا وجه له في خصوص المقام الذي علم تفصيلا بحدوث فرد و زواله، فإن حدوث نجاسة الغائط و زوالها بالاستجمار معلوم تفصيلا، و الشك ممحض في حدوث نجاسة أخرى، فالمرجع أصالة عدم حدوثها، و لا يقين بنجاسة أخرى غير الأولى حتّى

______________________________

ص: 204


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4، 3.

مسألة 5: إذا خرج من بيت الخلاء، ثمَّ شك في أنّه استنجى أم لا؟

(مسألة 5): إذا خرج من بيت الخلاء، ثمَّ شك في أنّه استنجى أم لا؟ بنى على عدمه على الأحوط (33)، و إن كان من عادته، بل و كذا لو دخل في الصلاة ثمَّ شك (34). نعم، لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة صحت، و لكن عليه الاستنجاء للصلوات الآتية (35)، لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد (36).

______________________________

يجري استصحاب بقائها. و لا فرق في ذلك بين القول بأنّ النجس يتأثر من نجس آخر، و بين القول بعدمه.

(33) لأصالة عدم الإتيان به من غير دليل حاكم عليه الا احتمال جريان قاعدة التجاوز. بدعوى: أنّها امتنانية تشمل التجاوز عن مطلق المحلّ الذي جعل الشارع فيه سننا و آدابا، فكأنّ بيت الخلاء محلّ شرعيّ للسنن و الآداب الشرعية التي منها الاستنجاء، فالتجاوز عنها تجاوز عن المحلّ، فتجري القاعدة حينئذ، كما إذا خرج أحد من المسجد و شك بعد ذلك في إتيان السنن المسجدية أم لا؟ فيبني على الإتيان، للقاعدة. و ليس المراد بالمحل الشرعيّ ما لا يصح التعدّي عنه، بل المراد ما ذكرناه، و هذا احتمال حسن خصوصا على ما يأتي عند التعرض للقاعدة من أنّها من صغريات أصالة عدم الغفلة و السهو. و على هذا لا فرق بين الاعتياد و غيره، و إن كان خلاف ما نسب إلى المشهور من عدم جريان القاعدة في نظائر المقام. و لعل تردده (قدّس سرّه) من هذه الجهة، و على هذا الاحتمال لا فرق بين الاعتياد و عدمه.

(34) لأصالة بقاء النجاسة و عدم التطهير منها، الا إذا قلنا: بجريان قاعدة التجاوز بالتقريب الذي ذكرناه، فتصح صلاته حينئذ، لإحراز الطهارة بالقاعدة.

(35) أما صحة صلاته الماضية، فلقاعدة الفراغ. و أما وجوب التطهير للصلاة الآتية، فلقاعدة الاشتغال لو لم نقل بجريان قاعدة التجاوز في الاستنجاء و الا فتصح الصلاة الآتية أيضا و لو لم يستنج ثانيا.

(36) بناء على ما قلنا لا فرق بين الاعتياد و غيره بعد كون المحلّ محلا

ص: 205

مسألة 6: لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء

(مسألة 6): لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء و إن شك في خروج مثل المذي بنى على عدمه (37) لكن الأحوط الدلك في هذه الصورة.

مسألة 7: إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرّات كفى

(مسألة 7): إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرّات كفى مع فرض زوال العين بها (38).

مسألة 8: يجوز الاستنجاء 39 بما يشك في كونه عظما أو روثا أو من المحترمات

(مسألة 8): يجوز الاستنجاء (39) بما يشك في كونه عظما أو روثا أو من المحترمات، و يطهر المحلّ. و أما إذا شك في كون مائع ماء

______________________________

شرعيا بالنسبة إلى هذه السنن و الآداب، و إن كان الجريان حينئذ في صورة الاعتياد أقرب إلى الأذهان، و أنسب بأصالة عدم السهو و النسيان.

(37) لأصالة عدم وجوب الدلك، و أصالة عدم خروج المذي مع ظهور السيرة على عدم الدلك. نعم، لو علم بخروج المذي، و شك في المانعية عن الطهارة، فمقتضى استصحاب بقاء النجاسة وجوب الدلك إن لم تجر أصالة عدم المانع، حتّى في الشك في مانعية الموجود. و لكن يمكن أن يستظهر ممّا ورد في تحريك الخاتم في الوضوء (1)جريان أصالة عدم المانعية حتّى في هذه الصورة أيضا. و لكنّه مشكل و يأتي تفصيله.

(38) لإطلاق قوله: «ينقي ما ثمة» من غير تقييد في البين، و انصراف أدلة الاستجمار إلى مسح الأحجار على المحل دون العكس. بدوي غالبيّ، فلا يصلح للتقييد.

(39) لأصالة البراءة التي هي المرجع في جميع الشبهات التحريمية حكمية كانت أو موضوعية. و أما طهارة المحل فإن قلنا بها في معلومها فتكون في المشكوك بالأولى، و الا فمقتضى الأصل بقاء النجاسة.

______________________________

ص: 206


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء.

مطلقا أو مضافا لم يكف في الطهارة (40)، بل لا بد من العلم بكونه ماء.

______________________________

(40) لأصالة بقاء النجاسة في استعمال المائع المردد بين الماء و غيره.

فروع- (الأول): لو تردد الماء بين كونه مغصوبا أو مباحا، فمع إحراز عدم غصبيته يصح الاستنجاء به، بل و مع إحراز الغصبية أيضا لو استنجى به يطهر المحل و إن أثم و ضمن، و كذا آلات الاستجمار.

(الثاني): لا تجب المباشرة في الاستنجاء، و يحصل بفعل الغير، لظهور الإطلاق و الاتفاق. نعم، لو كان بمباشرة يد الأجنبيّ أو الأجنبية يحصل الإثم، و إن طهر المحلّ.

(الثالث): لا تجب الفورية فيه، للأصل و الإطلاق، إلا في ضيق الوقت للصلاة.

(الرابع): لو رأى في ثوبه عذرة، و شك في أنّها مما استنجى منها أو خرجت بعد الاستنجاء، لا يجب عليه الاستنجاء، للأصل و إن كان أحوط.

(الخامس): لو خرج منه شي ء و شك في أنّه عذرة أو لا؟ لا يجب عليه الاستنجاء، و الأحوط الفحص.

(السادس): لو رأى في ثوبه عذرة، و علم بأنّه منه و لم يستنج منها وجب عليه الاستنجاء، و لكن لا يجب عليه قضاء ما صلّى معها، لما تقدم (1) من عدم وجوب قضائها مع الجهل بالنجاسة.

(السابع): لو رأى في ثوبه لون العذرة، و علم بأنّه منه لا يجب عليه الاستنجاء و لا غسل ثوبه. إلا إذا علم بوجود العين، فيجبان معا.

(الثامن): لو خرج منه مثل حبّ القرع غير مصحوب بشي ء، لا يجب عليه الاستنجاء، و لا غسل الحب و اليد، و نحوهما، و لا ينقض الوضوء.

(التاسع): لو شك في أثناء الصلاة في أنّه استنجى أو لا؟- و قلنا بعدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى أصل الاستنجاء- فإن لم يكن الاستنجاء مستلزما للإتيان بالمنافي يستنجي و تصح الصلاة، لجريان القاعدة بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، و حصول الطهارة بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة. و إن استلزم الإتيان بالمنافي، فلا وجه لصحة الصلاة.

______________________________

ص: 207


1- ج: 1 صفحة: 492.

فصل في الاستبراء

اشارة

(فصل في الاستبراء) (1) و الأولى في كيفياته أن يصبر حتّى تنقطع دريرة البول (2)، ثمَّ يبدأ بمخرج الغائط، فيطهّره (3)، ثمَّ يضع إصبعه الوسطى (4) من اليد اليسرى (فصل في الاستبراء)

______________________________

(1) المشهور استحبابه و عدم وجوبه، لا نفسا و لا شرطا، و تحصل الطهارة في الاستنجاء بدونه أيضا، للأصل و إطلاقات الأدلة الدالة على حصول الطهارة بالاستنجاء، و يظهر ذلك مما ورد في الاستبراء أيضا حيث إنّ مفاد مجموعها وجوب الطهارة عن البلل المشتبه، و هو اتفاقيّ و لا وجه لاستفادة وجوب الاستبراء من الأخبار، فما نسب إلى الشيخ و ابن حمزة و غيرهما (قدّس سرّهم) من وجوبه، لا وجه له. و يمكن إرادتهم الوجوب الطريقيّ للتطهير عن البلل المشتبه، فلا نزاع حينئذ.

ثمَّ إنّه من الطرق المتعارفة لتنقية المجرى من بقايا ما فيه بعد خروج معظمه و قد قرره الشارع أيضا، و يتحقق بأيّ نحو يترتب عليه هذا الأثر، فلا بد و أن يكون بعد انقطاعه. و لا يعتبر فيه شي ء، للأصل، و لأنّ المناط كله إنّما هو فعل ما يحصل به نقاء المجرى من بقايا البول، و جملة ما يأتي إنّما هو من الآداب الخاصة، لا المقوّمات الداخلية.

(2) لأنّه مع جريان البول يكون الاستبراء لغوا، و من تحصيل الحاصل.

(3) لما يأتي في الفصل التالي من استحباب الابتداء في الاستنجاء بمخرج الغائط، و لأن لا تتلوث اليد، و لا تسري النجاسة إلى تمام القضيب و لكن لو خالف و استبرأ قبل تطهير مخرج الغائط يترتب عليه الأثر، للإطلاقات الواردة في

ص: 208

على مخرج الغائط، و يمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرّات (5) ثمَّ يضع

______________________________

الاستبراء، و إطلاق ما يأتي في حسنة عبد الملك.

(4) كما عن جمع، لما يأتي في النبوي.

(5) لورود لفظ الثلاث في الأخبار- كما يأتي- و لكن الظاهر، بل المقطوع به أنّ المسح ثلاث مرّات من جهة كونه غالبا للنقاء، فلو أحرز أنّ النقاء حصل بدونه، كفى، و لو علم عدم كفاية التثليث لا تجزي الثلاث. كما أنّه لو فرض وجود حالة لا ينقطع معها البول لا موضوع للاستبراء حينئذ، كما لا خصوصية لوضع السبابة فوق الذكر و الإبهام تحته، أو العكس. نعم، المتعارف هو العكس، كما أنّ ما ورد في الروايات لا موضوعية له، بل هو من إحدى الطرق، ففي النبويّ المرويّ عن عليّ عليه السلام قال:

«قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من بال، فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمَّ يسلتها (1) ثلاثا»(2).

و في حسنة عبد الملك عن الصادق عليه السلام «في الرجل يبول ثمَّ يستنجي ثمَّ يجد بعد ذلك بللا. قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات، و غمز ما بينهما، ثمَّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق فلا يبالي» (3).

و في صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال و لم يكن معه ماء؟ قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنّه من الحبائل» (4).

و في صحيح البختري عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يبول، قال:

______________________________

ص: 209


1- السلت: هي الإزالة.
2- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

سبابته فوق الذكر و إبهامه تحته و يمسح بقوة إلى رأسه ثلاث مرّات، ثمَّ يعصر رأسه ثلاث مرّات، و يكفي سائر الكيفيات (6) مع مراعاة ثلاث مرّات، و فائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة و عدم ناقضيتها (7)،

______________________________

ينتره ثلاثا، ثمَّ إن سال حتّى يبلغ السوق فلا يبالي» (1).

و الظاهر أنّ المراد بالنتر و الخرط هو المسح بشدة، و المتعارف من المسح في المقام هو ذلك أيضا، لا مطلق المسح، فيكون مفاد جميع الأخبار شيئا واحدا.

ثمَّ إنّه لا بد من رد هذه الأخبار بعضها إلى بعض، ثمَّ استفادة الحكم من مجموعها، و المستفاد من المجموع أنّ الاستبراء عبارة عن تسع عصرات كما هو المشهور بين الفقهاء، ثلاث من المقعدة إلى أصل القضيب، و ثلاث من أصل القضيب إلى الحشفة، و ثلاث تختص بها. هذا إذا لوحظت الأجزاء مستقلة و في حدّ نفسها. و يصح جعل الست الأخيرة ثلاثا بأن يمسح من أصل القضيب إلى رأس الحشفة ثلاث مرّات، فيكون مجموع المسحات ستا. كما يصح التعبير بأنّه ثلاث مسحات من المقعدة إلى رأس الحشفة، فيكون البحث من هذه الجهة لفظيا.

(6) لأنّ المناط حصول النتر، و الخرط، و الغمز، و المسح بأيّ وجه حصل، و لا موضوعية لكيفية خاصة بعد حصول المذكورات، و يأتي إلحاق طول المدة بالاستبراء.

(7) إجماعا و نصوصا تقدم بعضها. و ما يظهر من بعض النصوص من الناقضية محمول على صورة عدم الاستبراء جمعا و إجماعا، كصحيح ابن مسلم قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثمَّ يجد بللا فقد انتقض غسله، و إن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا، فليس ينقض غسله،

______________________________

ص: 210


1- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

و يلحق به في الفائدة المذكورة طول المدة على وجه يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى، بأن احتمل أنّ الخارج نزل من الأعلى (8)، و لا يكفي الظنّ بعدم البقاء (9)، و مع الاستبراء لا يضرّ احتماله (10)، و ليس

______________________________

و لكن عليه الوضوء، لأنّ البول لم يدع شيئا» (1).

و عن سماعة قال: «سألته عن الرجل يجنب ثمَّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل؟ قال: يعيد الغسل، فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن يتوضأ و يستنجي» (2).

و أما مكاتبة ابن عيسى: «كتب إليه رجل: هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم» (3).

فمحمول على الندب، أو على صورة العلم بأنّه بول.

(8) مقتضى الظاهر أنّ بعد البول و قبل الاستبراء منه تبقى بقايا من البول في المجرى فما يخرج قبله يكون من بقاياه، و الاستبراء أمارة على خروج تلك البقايا. و أما ما يخرج بعده فمحكوم بالطهارة و عدم النقض، للأصل، و تقدم أنّه لا موضوعية للاستبراء، بل هو طريق لإحراز انقطاع بقايا البول، فكل ما أفاد هذه الفائدة يكون مثل الاستبراء من هذه الجهة و يكون مقدّما على مقتضى الظاهر.

و إحراز عدم بقاء شي ء من البول في المجرى يختلف بحسب اختلاف الأشخاص و الأمزجة و الحالات، بل الفصول و ليس محدودا بحدّ خاص.

(9) لأصالة عدم اعتبار الظنّ مطلقا الا مع الدليل على اعتباره، و لا دليل في المقام كذلك.

(10) إذ لا وجه لاعتبار الامارة الا عدم الاعتناء باحتمال الخلاف، و الاستبراء أمارة معتبرة على عدم البولية، فلا يعتنى باحتمال الخلاف.

______________________________

ص: 211


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.

على المرأة استبراء (11). نعم، الأولى أن تصبر قليلا و تتنحنح و تعصر فرجها عرضا (12)، و على أيّ حال الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة و عدم الناقضية (13) ما لم تعلم كونها بولا.

مسألة 1: من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي

(مسألة 1): من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي (14).

مسألة 2: مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة

(مسألة 2): مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة

______________________________

(11) إذ لا قضيب لها فلا موضوع للاستبراء بالنسبة إليها، فتخرج عن قاعدة الاشتراك تخصّصا. و على فرض وجود القضيب لها في الداخل لا أثر لعصر الخارج و يكون لغوا، فتكون رطوباتها الخارجة مطلقا محكومة بالطهارة، و عدم النقض، للأصل إلا مع العلم بالنجاسة و الناقضية.

(12) ذكر الأول في ذخيرة العباد، و حكى الثاني عن ابن الجنيد، و الثالث عن بعض آخر، و الكلّ خال عن الدليل. و لا ريب في حسن الاحتياط.

(13) لما تقدم من الأصل فيهما.

تلخيص: الرطوبة الخارجة إما أن يعلم بأنّها و ذي، أو مذي، أو ودي و هي طاهرة، و ليست بناقضة، للأصل و ما يأتي من الدليل. أو يعلم بأنّها بول، أو منيّ، فتلحقها حكمهما، و لا فرق في ذلك كلّه بين الرجل و المرأة. و إما أن تكون مرددة بين البول و غيره، فإن كانت قبل الاستبراء فهي محكومة بالبول في الرجل، دون المرأة. و إن كانت بعده يحكم عليها بالطهارة و عدم الناقضية، فالرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة محكومة بالطهارة و عدم الناقضية مطلقا، بخلاف الرجل فإنّها منه محكومة بالنجاسة و الناقضية إن كانت قبل الاستبراء.

(14) لإطلاق الأدلة (1) الشاملة للجميع و البعض، و تقتضيه قاعدة الميسور أيضا.

______________________________

ص: 212


1- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء.

بالنجاسة و الناقضية (15)، و إن كان تركه من الاضطرار و عدم التمكن منه.

مسألة 3: لا تلزم المباشرة في الاستبراء

(مسألة 3): لا تلزم المباشرة في الاستبراء، فيكفي في ترتب الفائدة أن باشره غيره، كزوجته أو مملوكته (16).

مسألة 4: إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره

(مسألة 4): إذا خرجت رطوبة من شخص و شك شخص آخر في كونها بولا أو غيره، فالظاهر لحوق الحكم أيضا من الطهارة إن كان بعد استبرائه و النجاسة إن كان قبله، و إن كان نفسه غافلا بأن كان نائما- مثلا- فلا يلزم أن يكون من خرجت منه هو الشاك، و كذا إذا خرجت من الطفل، و شك وليّه في كونها بولا، فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة (17).

مسألة 5: إذا شك في الاستبراء يبني على عدمه و لو مضت مدة

(مسألة 5): إذا شك في الاستبراء يبني على عدمه (18) و لو مضت مدة، بل و لو كان من عادته. نعم، لو علم أنّه استبرأ و شك بعد

______________________________

(15) إجماعا و نصوصا، منطوقا و مفهوما، و قد تقدم بعضها (1). و حيث إنّ النجاسة و الناقضية من الوضعيات غير المتوقفة على الاختيار، فتعمّ حالة الاضطرار أيضا، و لا حكومة لحديث نفي الاضطرار بالنسبة إليها.

(16) لأنّه من التوصليات المقصود منه نقاء المحلّ، فلا تعتبر فيه المباشرة و يحصل بفعل الغير، بل و لو كان أجنبيا، و إن حرم حينئذ.

(17) كل ذلك لتعلق الحكم بذات الرطوبة المشتبهة من حيث هي، مع قطع النظر عن إضافتها إلى شخص خاص. كتعلق حكم النجاسة بذات البول من حيث هو بول، من دون اعتبار إضافته إلى شخص خاص.

(18) لأصالة عدم الإتيان به، بناء على عدم جريان قاعدة التجاوز، و الا

______________________________

ص: 213


1- صفحة: 208.

ذلك في أنّه كان على الوجه الصحيح أم لا؟ بنى على الصحة (19).

مسألة 6: إذا شك من لم يستبرئ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه

(مسألة 6): إذا شك من لم يستبرئ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه، و لو كان ظانّا بالخروج، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة و شك في أنّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج (20).

مسألة 7: إذا علم أنّ الخارج منه مذيّ، و لكن شك في أنّه هل خرج معه بول أم لا؟

(مسألة 7): إذا علم أنّ الخارج منه مذيّ، و لكن شك في أنّه هل خرج معه بول أم لا؟ لا يحكم عليه بالنجاسة (21) الا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة، بأن يكون الشك في أنّ هذا الموجود هل هو بتمامه مذيّ، أو مركب منه و من البول؟ (22).

مسألة 8: إذا بال و لم يستبرئ، ثمَّ خرجت منه رطوبة مشتبهة

(مسألة 8): إذا بال و لم يستبرئ، ثمَّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنيّ، يحكم عليها بأنّها بول، فلا يجب عليه الغسل (23)، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء، فإنّه يجب عليه

______________________________

فيبنى على الوجود، و تقدم الوجه في [مسألة 5] من الفصل السابق، هذا إذا لم تطل المدة بحيث تفيد فائدة الاستبراء. و الا فطول المدة كالاستبراء، كما تقدم.

(19) لقاعدة الصحة.

(20) للأصول التي هي عبارة عن أصالة عدم الخروج، و أصالة عدم اعتبار الظنّ، و أصالة الطهارة، و أصالة عدم نقض الوضوء إن كان متوضئا ما لم تكن أمارة حاكمة عليها أو على بعضها.

(21) لأصالة عدم خروج البول، و أصالة الطهارة و عدم الناقضية، و ظهور الأخبار في أنّ المناط تردد ذات الخارج بين كونه بولا أو غيره، لا أنّه هل خرج معه بول أو لا؟ إذ هذا موضوع آخر لا ربط له بالمقام.

(22) لتردد ذات الخارج حينئذ بين وجود البول فيه و عدمه، فيشمله إطلاق الأدلة، كما إذا تردد في أنّه بتمامه بول أو من غير البول بتمامه.

(23) لأصالة بقاء بقية أجزاء البول، و أصالة عدم خروج المنيّ عن محله.

ص: 214

الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل، عملا بالعلم الإجمالي (24) هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ، و أما إذا خرجت منه قبل أن يتوضّأ، فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لأنّ الحدث الأصغر معلوم، و وجود موجب الغسل غير معلوم (25)، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء، و عدم وجوب الغسل.

______________________________

و يقتضي الحكم بالبولية ظاهر الحال أيضا، فينحل العلم الإجمالي بالأصل غير المعارض، و يأتي في [مسألة 3] من مستحبات غسل الجنابة ما يناسب المقام.

(24) غير المنحل بالأصل، لأنّ الاستبراء أمارة على زوال بقايا البول عن المجرى و انقطاعها، فلا تجري أصالة بقاء بقية أجزاء البول. نعم، تجري أصالة عدم خروج البول، و هي معارضة بأصالة عدم خروج المنيّ، فتسقط بالمعارضة، و يؤثر العلم الإجمالي أثره، فيجب الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء، إلا إذا كانت الحالة السابقة على البول الجنابة، فيجب عليه الغسل فقط.

(25) لأنّه بعد جريان استصحاب وجوب الوضوء، و أصالة عدم موجب الغسل. ينحل بهما العلم الإجمالي بلا فرق في ذلك بين كون الحالة السابقة على البول الطهارة، أو الحدث الأصغر، أو كونها مجهولة. و إن كانت الحالة السابقة عليه الجنابة، يجب الغسل فقط، كما مرّ. و ما قلناه مطرد في العلم الإجمالي في جميع موارده، و يمكن أن يجعل قاعدة: و هي أنّ كل علم إجماليّ جرى في أحد طرفيه الأصل النافي و في الطرف الآخر الأصل المثبت، لا تنجز له كما في المقام، فيجري استصحاب وجوب الوضوء، و أصالة عدم موجب الغسل.

و لنا أن ندخل المقام في الأقل و الأكثر بأن يقال: إنّ الطهارة الوضوئية واجبة قطعا، و إنّما الشك في الزائد عليها، فينفى بالأصل، بلا فرق في ذلك كله بين كون الطهارة الحاصلة من الوضوء و الغسل من الضدين، أو المثلين، أو مختلفين شدة و ضعفا، مع كونهما من مراتب حقيقة واحدة.

و يدل على المقام صحيح ابن مسلم: «قال: سألته عن رجل لم ير في

ص: 215

.....

______________________________

منامه شيئا، فاستيقظ، فإذا هو بلل. قال: ليس عليه غسل» (1).

و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصيب بثوبه منيا، و لم يعلم أنّه احتلم؟ قال: ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضأ» (2).

المحمول على الثوب المشترك، أو على ما إذا كان مختصا به، و لكن احتمل أنّه كان من جنابة سابقة اغتسل منها.

فروع- (الأول): لا فرق في استحباب الاستبراء بعد البول بين ما إذا كان كثيرا، أو قليلا و لو بقدر قطرة، للإطلاق.

(الثاني): لا موضوع للاستبراء بالنسبة إلى من لا تنقطع قطرات بوله لمرض كان أو غيره.

(الثالث): لا فرق في نفس الاستبراء بين كونه في حال القعود، أو القيام، أو الاضطجاع، أو نحوها. نعم، الأولى أن يكون في حال القعود، كما يقعد للغائط. و يمكن أن يستفاد ذلك مما ورد في الاستنجاء (3).

(الرابع): لا فرق فيه بين الكبير، و الصغير، و المميّز و غيره إن استبرأه شخص آخر، للإطلاق. و تطهر الثمرة في البلل المشتبه على ما يأتي.

______________________________

ص: 216


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب أحكام الخلوة.

فصل في مستحبات التخلّي و مكروهاته

اشاره

(فصل في مستحبات التخلّي و مكروهاته) (1)

أما الأول

أما الأول فإن يطلب خلوة أو يبعد حتّى لا يرى شخصه (2)، و أن يطلب مكانا مرتفعا للبول. أو موضعا رخوا (3) و أن يقدّم رجله اليسرى (فصل في مستحبات التخلّي و مكروهاته)

______________________________

(1) يؤتى بالمندوبات مما لم يذكر فيه نص رجاء، و يترك المكروهات ما لم يكن فيه النص رجاء أيضا، بل الأولى قصد الرجاء فيهما مطلقا، الا إذا ثبت الاستحباب أو الكراهة بدليل معتبر، كما سيأتي عن قريب.

(2) تأسيا بالنبيّ صلّى الله عليه و آله فإنّه لم ير على بول، و لا غائط (1).

و في المرسل: «من أتى الغائط فليستتر» (2).

و عن الصادق عليه السلام في وصف لقمان الحكيم: «و لم يره أحد من الناس على بول، و لا غائط قط، و لا اغتسال لشدة تستره» (3).

(3) لقول الصادق عليه السلام: «إنّ من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله» (4)، و عنه عليه السلام أيضا: «كان رسول الله صلّى الله عليه و آله أشدّ الناس توقيا للبول، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير، كراهية أن ينضح عليه البول» (5).

و المراد بالمرتفع ما اجتمع فيه التراب فارتفع، لا مطلق المرتفع و لو كان حجرا، و يصح التعميم إن كان الارتفاع تسريحيا بحيث لا ينضح البول إلى الشخص.

______________________________

ص: 217


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

عند الدخول في بيت الخلاء، و رجله اليمنى عند الخروج (4). و أن يستر رأسه (5)، و أن يتقنّع (6) و يجزئ عن ستر الرأس (7)، و أن يسمّي

______________________________

(4) على المشهور، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و لم أظفر على نص في المسألة، و علل بأنّه خلاف المسجد المنصوص فيه العكس (1).

(5) أما استحباب ستر الرأس، فللاتفاق عليه، و لم يرد نص مشتمل على الستر.

نعم، ورد التغطية في خبر الدعائم: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله كان إذا دخل الخلاء تقنع، و غطّى رأسه، و لم يره أحد» (2).

و عن المقنعة قال: «إنّ تغطية الرأس إن كان مكشوفا عند التخلّي سنة من سنن النبيّ صلّى الله عليه و آله» (3).

و في خبر أبي ذر عن رسول الله صلّى الله عليه و آله: «في وصيته له قال: يا أبا ذر أستحيي من الله فإنّي و الذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي، استحياء من الملكين اللذين معي- الحديث» (4).

و كذا ورد التقنع في خبر عليّ بن أسباط عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنّه إذا دخل الكنيف يقنع رأسه- الحديث» (5).

و يظهر من خبر أبي ذر أنّ حكمة التقنع الاستحياء من الله تعالى، و من الملكين.

(6) لما تقدم من خبر ابن أسباط و النبوي.

(7) لظهور الاتفاق عليه، لأنّ القناع أخص من مطلق الستر، فمع تحققه يتحقق الستر أيضا.

______________________________

ص: 218


1- الوسائل باب: 40 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
3- باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
5- باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

عند كشف العورة (8)، و أن يتكئ في حال الجلوس على رجله اليسرى (9)، و يفرج رجله اليمنى (10)، و أن يستبرئ بالكيفية التي مرّت (11)، و أن يتنحنح قبل الاستبراء (12)، و أن يقرأ الأدعية المأثورة، بأن يقول عند الدخول:

«اللهم إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم».

أو يقول: «الحمد للّه الحافظ المؤدّي». و الأولى الجمع بينهما (13).

______________________________

(8) روي عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا انكشف أحدكم لبول، أو لغير ذلك، فليقل: بسم الله، فإنّ الشيطان يغض بصره عنه حتّى يفرغ»(1).

(9) على المشهور، و ادعي عليه الإجماع، و قال في الحدائق: «ذكره جملة من الأصحاب و لم أقف فيه على نص» و أسنده في الذكرى إلى رواية عن النبيّ صلّى الله عليه و آله. و قال العلامة في النهاية «لأنّه صلّى الله عليه و آله علّم أصحابه الاتكاء على اليسار». وهما أعلم بما قالا.

(10) كما عن جمع و لعله يكفي ذلك في الاستحباب، بناء على التسامح.

(11) على المشهور، لنصوص تقدم بعضها.

(12) لم يعرف في أحاديث المعصومين عليهم السلام خبر، و لا في كلمات القدماء له أثر- كما في الحدائق- نعم في مفتاح الفلاح، و الدروس، من آداب الاستبراء التنحنح ثلاثا، و لعله نحو فعل لجمع البول في المجرى، ثمَّ إخراجه بالاستبراء.

(13) الأول مذكور في خبر أبي بصير (2). و الثاني في مرسل الصدوق(3)، و أولوية الجمع، لأنّ: «ذكر الله حسن على كل حال فلا تسأم من ذكر الله» (4)،

______________________________

ص: 219


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

و عند خروج الغائط: «الحمد للّه الذي أطعمنيه طيبا في عافية، و أخرجه خبيثا في عافية» (14).

و عند النظر إلى الغائط: «اللهم ارزقني الحلال، و جنّبني الحرام» (15) و عند رؤية الماء: «الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا» (16).

و عند الاستنجاء: «اللهم حصّن فرجي، و أعفّه و استر عورتي

______________________________

و لأنّه عمل بكل من الخبرين «و المؤدى» بمعنى المعين، و في مرسل آخر للصدوق دعاء آخر أطول مما مر (1).

(14) في الفقيه- في حديث-: «و إذا تزحر (انزحر) قال: اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه منّي خبيثا في عافية» (2)-، و الزحر استطلاق البطن- و لم أر بالكيفية المذكورة في المتن، لا في الوسائل و لا في المستدرك.

(15) لما في الفقيه عن عليّ عليه السلام قال: «كان عليّ عليه السلام يقول: ما من عبد الا و به ملك موكل يلوي عنقه حتّى ينظر إلى حدثه، ثمَّ يقول له الملك: يا ابن آدم هذا رزقك، فانظر من أين أخذته و إلى ما صار. و ينبغي للعبد عند ذلك أن يقول: «اللهم ارزقني الحلال و جنّبني الحرام» (3).

(16) لما عن الصادق عليه السلام قال: «: بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالسا مع ابن الحنفيّة، إذ قال: يا محمد ائتني بإناء فيه ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه محمد بالماء، فأكفى بيده اليمنى على يده اليسرى، ثمَّ قال:

باسم الله، و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا، و لم يجعله نجسا- الحديث-» (4).

______________________________

ص: 220


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- ثواب الأعمال صفحة 16، و أوردها صاحب الوسائل في كتابه باب: 16 من أبواب، الوضوء و لكن مع اختلاف في الألفاظ.

و حرمني على النار، و وفقني لما يقرّبني منك، يا ذا الجلال و الإكرام» (17).

و عند الفراغ من الاستنجاء: «الحمد للّه الذي عافاني من البلاء، و أماط عنّي الأذى» (18). و عند القيام عن محلّ الاستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه، و يقول: «الحمد للّه الذي أماط عنّي الأذى، و هنّأني طعامي و شرابي، و عافاني من البلوى».

و عند الخروج أو بعده: «الحمد للّه الذي عرّفني لذته، و أبقى في جسدي قوّته، و أخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمة، لا يقدّر القادرون قدرها» (19) و يستحب أن يقدّم الاستنجاء من الغائط على

______________________________

و ليس فيه ذكر النظر إلى الماء، فلعله استفيد ذلك من أكفاء الماء بيده اليمنى على يده اليسرى. و ينبغي أن يعد هذا من المندوبات أيضا، تأسيا بفعل عليّ عليه السلام.

(17) و هو مروي عن عليّ عليه السلام كما عن الصادق عليه السلام قال:

«ثمَّ استنجى، اللّهمّ حصّن فرجي، و أعفّه، و استر عورتي، و حرّمني على النّار» (1)، و ليس جملة: «وفقني- إلى آخره-» في الخبر نعم هي مذكورة في مصباح المتهجد.

(18) لخبر أبي بصير: «و إذا فرغت فقل: الحمد للّه الذي عافاني من البلاء و أماط عنّي الأذى» (2).

(19) ما ذكره من الدعاء عند القيام عن محل الاستنجاء، مرويّ عن عليّ عليه السلام- في حديث:

«فإذا خرج مسح بطنه، و قال: الحمد للّه الذي أخرج عنّي أذاه، و أبقى

______________________________

ص: 221


1- ثواب الأعمال صفحة 16، و أوردها صاحب الوسائل في كتابه باب: 16 من أبواب الوضوء و لكن مع اختلاف في الألفاظ.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

الاستنجاء من البول (20) و أن يجعل المسحات- إن استنجى بها- وترا (21)، فلو لم ينق بالثلاثة و أتى برابع، يستحب أن يأتي بخامس ليكون وترا و إن حصل النقاء بالرابع. و أن يكون الاستنجاء و الاستبراء باليد اليسرى (22).

______________________________

فيّ قوّته، فيا لها من نعمة لا يقدّر القادرون قدرها» (1).

و في خبر آخر عنه عليه السلام أيضا: «كان إذا خرج من الخلاء قال:

الحمد للّه الذي رزقني لذته، و أبقى قوّته في جسدي، و أخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، ثلاثا» (2).

و لا يخفى أنّ كل ذلك لا يوافق المتن.

(20) لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: بالمقعدة، ثمَّ بالإحليل» (3).

و يشهد له الاعتبار أيضا إن أراد الاستبراء، فإنّ العكس ربما يوجب زيادة التلوث. هذا إذا لم يكن رجحان في العكس من جهة أخرى، و الا يقدم الاستنجاء من البول.

(21) لخبر الهاشميّ عن عليّ عليه السلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله إذا استنجى أحدكم، فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء»(4).

و إطلاقه يشمل الخامس، و السابع و هكذا، و قد ورد استحباب الوتر في الاكتحال أيضا (5)، كما ورد: «إنّ الله وتر يحب الوتر» (6).

(22) على المشهور، لما ورد عنه صلّى الله عليه و آله: «أنّه كانت يمناه

______________________________

ص: 222


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام الخلوة.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
6- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 1.

و يستحب أن يعتبر و يتفكر في أنّ ما سعى و اجتهد في تحصيله و تحسينه كيف صار أذيّة عليه، و يلاحظ قدرة الله تعالى في دفع هذه الأذية عنه، و إراحته منها (23).

و أما المكروهات

اشارة

و أما المكروهات: فهي استقبال الشمس

______________________________

لطهوره و طعامه، و يسراه لخلائه و ما كان من أذى و نحوه» (1).

و عن الصادق عليه السلام قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يستنجي الرجل بيمينه» (2).

و في الدروس: استحباب الاستنجاء باليسرى، هذا في الاستنجاء.

و أما الاستبراء فقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه» (3).

و يمكن استفادته مما تقدم من الأخبار أيضا.

(23) لجملة من الأخبار:

منها: مرسلة الفقيه- في حديث-: «ثمَّ يقول له الملك: يا ابن آدم هذا رزقك، فانظر من أين أخذته، و إلى ما صار- الحديث-» (4).

و في خبر السكوني: «سألته عن الغائط. فقال عليه السلام: تصغير لابن آدم لكي لا يتكبّر و هو يحمل غائطه معه» (5).

و عن الصادق عليه السلام: «أنّه ليس في الأرض آدميّ الا و معه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا رقبته، ثمَّ قالا: يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر»(6).

ثمَّ إنّه قد أنهى مندوبات التخلي في (ذخيرة العباد) إلى سبعة و أربعين.

فراجع.

______________________________

ص: 223


1- سنن البيهقي ج: 1 ص: 113.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

و القمر بالبول و الغائط (24). و ترتفع بستر فرجه و لو بيده، أو دخوله في بناء، أو وراء حائط (25). و استقبال الريح بالبول، بل الغائط

______________________________

(24) على المشهور، لقول الصادق عليه السلام: «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» (1).

و عن عليّ عليه السلام: «نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس و القمر» (2).

و مرسل الفقيه: «لا تستقبل الهلال، و لا تستدبره يعني في التخلّي» (3).

و في مرسل الكافي: «لا تستقبل الشمس و لا القمر» (4).

و ظاهرها و إن كان الحرمة و لكن السند قاصر عن إثباتها، مع أنّها خلاف المشهور، فما نسب إلى المفيد و الصدوق من الحرمة مخدوش.

و الظاهر أنّ التعبير بالفرج في بعض الأخبار إنّما هو باعتبار حال التخلّي، و الا فلا كراهة في استقبالها به في غير تلك الحال، فلا مخالفة لتعبير الماتن مع ما عبّر به في الأخبار، كما أنّ دعوى الإجماع على عدم كراهة الاستدبار لا يضرّ بالاستدلال بما مرّ من مرسل الفقيه، لجواز التفكيك في الأخبار في العمل ببعضها، و طرح العمل ببعضها الآخر، للدليل.

و اشتمال الأخبار على خصوص البول، لا يدل على التخصيص به بعد عدم القول بالفصل، و إطلاق بعض الأخبار (5)، و البناء على عدم التقييد في المكروهات.

(25) لأنّ المتفاهم من الأدلة عرفا صورة عدم الستر، و لا فرق في ذلك كله بين الرجل و المرأة، لقاعدة الاشتراك، و ظهور الاتفاق.

______________________________

ص: 224


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الخلوة.
5- و هما مرسلا الفقيه و الكافي.

أيضا (26). و الجلوس في الشوارع (27)، أو المشارع (28). أو منزل

______________________________

(26) فعن عليّ عليه السلام: «و لا يستقبل ببوله الريح»(1). و سئل الحسن بن عليّ عليهما السلام: «ما حدّ الغائط؟ قال: و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها» (2).

و قريب منه غيره. و ظاهرها و إن كان الحرمة، الا أنّها لا تصلح لإثباتها، لقصور السند، كما أنّ ظاهرها كراهة الاستدبار أيضا.

(27) الشوارع: جمع الشارع و هي الطريق النافذة، و يدل عليه مضافا إلى تنزه العقلاء عن ذلك كله، جملة من الأخبار مثل معتبر عاصم بن حميد عن السجاد عليه السلام:

«تتقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن، فقيل له: و أين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور» (3).

و في حديث الأربعمائة قال: «لا تبل على المحجة، و لا تتغوط عليها» (4)، و في حديث المناهي قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة، أو على قارعة الطريق» (5).

(28) و هو جمع مشرعة، و هي مورد الماء، لخبر السكوني:

«نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها» (6).

و في الخبر: «خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه السلام و أبو الحسن موسى عليه السلام قائم و هو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و منازل

______________________________

ص: 225


1- الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 12 و 10 و 3.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 12 و 10 و 3.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 12 و 10 و 3.

القافلة (29). أو دروب المساجد (30) أو الدور. أو تحت الأشجار المثمرة، و لو في غير أوان الثمر (31) و البول قائما (32)، و في

______________________________

النزّال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت» (1).

(29) لما عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ثلاث (ثلثة) من فعلهنّ ملعون: المتغوط في ظلّ النزال، و المانع الماء المنتاب، و ساد الطريق المسلوك» (2).

(30) لما تقدم في قول السجاد عليه السلام: «أبواب الدور»، و قول أبي الحسن عليه السلام: «اجتنب أفنية المساجد».

(31) لما تقدم في قول عليّ بن الحسين عليه السلام: «و تحت الأشجار المثمرة»، و حديث المناهي: «نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يتغوط الرجل على شفير بئر يستعذب منها، أو على شفير نهر يستعذب منه، أو تحت شجرة فيها ثمرها» (3).

و أما التعميم في الأشجار المثمرة بالنسبة إلى أوان الثمر، فلإمكان استفادته من الأخبار بدعوى: أنّ ذكر الثمر، و الأثمار، و مساقط الثمار و نحو ذلك من التعبيرات ليس في مقام وجود الثمر فعلا، بل المراد بهذه التعبيرات كون الشجرة من ذات الثمار في مقابل الأشجار التي لا تثمر أصلا. نعم، تشتد الكراهة حين وجود الثمر لحضور الملائكة حينئذ، كما في مرسلة الصدوق (4)، و لظهور بعض الأخبار في فعلية الثمر، كقوله عليه السلام: «أو تحت شجرة فيها ثمرتها» (5)، فتكون الكراهة فيما لا ثمرة فيه فعلا أخف، لبعض الإطلاقات. و أما إدخال المقام في مسألة المشتق فهو من تبعيد المسافة بعد إمكان استفادة لحكم من نفس الأخبار.

(32) فعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلّى الله عليه و آله:

______________________________

ص: 226


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8 و 3 و 11.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8 و 3 و 11.

الحمام (33)، و على الأرض الصلبة (34)، و في ثقوب الحشرات (35)،

______________________________

«و كره البول على شط نهر جار- إلى أن قال:- و كره أن يحدث الرجل و هو قائم» (1)، و غيره من الأخبار.

و في صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: «من تخلّى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء قائما، أو مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، و بات على غمر، فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات» (2).

نعم، لا كراهة للمتنور، لأنّه إن بال جالسا خيف عليه الفتق، كما في الخبر (3).

(33) عدّ ذلك من موجبات الفقر، كما في الخبر (4)، هذا مع رضاء صاحب الحمام، و الا فيحرم قطعا.

(34) ليس عليه دليل ظاهر، الا أن يستفاد مما تقدم في الثاني من المندوبات، و لكن عنون في الوسائل: «باب كراهة البول في الصلبة»(5) و ذكر فيه ما تقدم من الأخبار (6).

(35) يدل عليه مضافا إلى ظهور الإجماع، ما في الخبر عن النبي صلّى الله عليه و آله قال: «لا يبولنّ أحدكم في جحر» (7) بتقديم الجيم على الحاء الساكنة

______________________________

ص: 227


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7. و في الخصال قال أمير المؤمنين «البول في الحمام يورث الفقر».
5- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الخلوة.
6- راجع صفحة: 217.
7- كنز العمال ج: 5 صفحة: 87.

و في الماء خصوصا الراكد (36)، و خصوصا في الليل (37)، و التطميح بالبول أي: البول في الهواء (38)، و الأكل و الشرب حال التخلّي (39)،

______________________________

و هي ثقبة الحشرات.

(36) لصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الماء الراكد» (1).

المحمول على شدة الكراهة، و في بعض الأخبار: «إنّ البول في الماء الراكد يورث النسيان» (2).

و في الحديث: «نهى النبي صلّى الله عليه و آله و سلم أن يبول الرجل في الماء الا من ضرورة» (3)، و مثله عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إنّ للماء أهلا» (4)، و في حديث المناهي: «إنّ منه ذهاب العقل» (5).

و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «لا تشرب و أنت قائم، و لا تطف بقبر، و لا تبل في ماء نقيع؟ فإنّه من فعل ذلك، فأصابه شي ء فلا يلومنّ الا نفسه، و من فعل شيئا من ذلك لم يكد يفارقه الا ما شاء الله» (6).

و مقتضى الجمع بين الأخبار أنّ البول مطلقا في الماء مكروه و لكنه في الراكد أشدّ كراهة.

(37) لما قيل من أنّ الماء للجنّ في الليل، هذا كلّه في البول. و أما التغوط في الماء، فلا دليل على كراهته بالخصوص في الماء، إلا أن يستفاد بالأولوية من كراهة البول، أو من عموم كراهته في موضع اللعن.

(38) لخبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «نهى النبي صلّى الله

______________________________

ص: 228


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

بل في بيت الخلاء مطلقا (40)، و الاستنجاء باليمين (41)، و باليسار إذا

______________________________

عليه و آله أن يطمح الرجل ببوله من السطح، و من الشي ء المرتفع في الهواء» (1).

فروع- (الأول): لا فرق في ذلك كله بين الكر و الجاري في الأنهار الكبار، كالفرات و دجلة، و الأنهار الصغار، للإطلاق.

(الثاني): لو بال في ماء المطر المجتمع يشمله الحكم أيضا، و لو وقف في المطر و بال على الأرض و جرى المطر على إحليله أيضا، ففي شمول الحكم له إشكال. و كذا لو وقف تحت (الدوش) و جرى ماء الدوش على إحليله و بال.

(الثالث): لا فرق في البول بين الكثير و القليل حتى القطرة منه، فيشمل الاستبراء داخل الماء مع خروج قطرة من البول به.

(39) يظهر من صاحب المستند دعوى الإجماع على كراهتهما حينئذ، و يمكن أن يستشهد للأكل بما أرسل عن الصدوق:

«دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها، و غسلها، و دفعها إلى مملوك معه، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للمملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: إنّها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب فأنت حر، فإنّي أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة» (2).

و أما الشرب، فلم يرد دليل بالخصوص بالنسبة إليه، و يمكن استفادته مما ورد في الأكل، لمناسبة الحكم و الموضوع، و لأنّهما في مثل تلك الحالة نوع من المهانة، كما في المستند.

(40) لإمكان استفادته من إطلاق ما مر من الخبر، و لتأبّي نفوس المتشرعة عن ذلك أيضا.

______________________________

ص: 229


1- الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

كان عليه خاتم فيه اسم الله (42)، و طول المكث في بيت الخلاء (43)،

______________________________

(41) لأنّه من الجفاء، كما في الأخبار (1)، بل و كذا مس الذكر به أيضا مكروه، كما في مرسلة الصدوق (2). و الظاهر أنّ المراد بالاستنجاء باليمين مس المحل به، فلا يشمل صب الماء.

(42) لما عن عليّ عليه السلام: «من نقش على خاتمه اسم الله، فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضإ» (3)، مع أنّه من سوء الأدب عند المتشرعة.

و أما خبر وهب عن الصادق عليه السلام قال: «كان نقش خاتم أبي: العزة للّه جميعا، و كان في يساره يستنجي بها، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام الملك للّه، و كان في يده اليسرى يستنجي بها» (4)، مطروح، لأنّ وهب من أكذب البرية مع أنّهم عليهم السلام لا يتختمون في يسارهم.

و في خبر أبي أيوب: «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدخل الخلاء و في يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله تعالى؟ قال: لا، و لا تجامع فيه» (5).

و ظاهره الكراهة مع اللبس، كما أنّ ظاهره عدم الاختصاص باسم الجلالة. و أما إن كان غير ملبوس بأن كان في الجيب أو نحوه فلا كراهة، بل ظاهر الخبر الأول عدم الكراهة في اللبس في غير اليد التي يستنجي بها، و يأتي في كراهة استصحاب ما فيه اسم الله مطلقا. ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاق ثبوت الكراهة و لو أمن من تلوث الخاتم، و أما مع التلوث فلا إشكال في الحرمة.

(43) لجملة من الأخبار:

منها: رواية محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر يقول: قال لقمان

______________________________

ص: 230


1- الوسائل: باب 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
2- الوسائل: باب 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 8.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

و التخلّي على قبر المؤمنين (44) إذا لم يكن هتكا، و الا كان حراما، و استصحاب الدراهم البيض (45)، بل مطلقا إذا كان عليه اسم الله أو

______________________________

لابنه: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور. قال: فكتب هذا على باب الحشّ» (1).

و الظاهر عدم الاختصاص ببيت الخلاء، بل يشمل مطلق قضاء الحاجة، لما رواه الطبرسي في (مجمع البيان) عند ذكر حكم لقمان، قال: «و قيل: إنّ مولاه دخل المخرج فأطال فيه الجلوس، فناداه لقمان: طول الجلوس على الحاجة يضجع منه الكبد، و يورث منه الباسور، و يصعد الحرارة إلى الرأس، فاجلس هونا، و قم هونا»(2).

(44) لما في الحديث من أنّه يتخوف منه الجنون (3)، و ليس في الأخبار، و لا في كلمات الفقهاء التقييد بالمؤمن. نعم، إنّه المتيقن من الأدلة و أما الحرمة في صورة الهتك، فلأنّ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا(4).

(45) لقول الصادق عن أبيه عليهما السلام: «إنّه كره أن يدخل الخلاء و معه درهم أبيض، إلا أن يكون مصرورا» (5).

و عن بعض أنّه كان اسما لدرهم خاص نقش عليه اسم الله تعالى. و لكنّه من مجرد الدعوى. و عن بعض آخر: إنّه عبارة عن الدرهم الأملس الذي يخرج عن الجيب بأدنى حركة، فالخبر إرشاد إلى التحفظ عليه لئلا يضيع، فلا يكون له ربط بالمقام، و يشهد له قوله عليه السلام: «الا أن يكون مصرورا» و لكنه من مجرد الدعوى أيضا، و خلاف ظاهر كلمات الفقهاء. و الظاهر أنّ جميع الدراهم القديمة كان منقوشا عليها اسم الله تعالى، أو آية من القرآن، كما لا يخفى على

______________________________

ص: 231


1- الوسائل أبواب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل أبواب: 20 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
4- تقدم في صفحة: 184.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.

محترم آخر (46) الا أن يكون مستورا (47)، و الكلام في غير الضرورة (48) الا بذكر الله (49)، أو آية الكرسيّ (50)، أو حكاية الأذان (51)، أو

______________________________

من راجعها في المتاحف الفعلية. و لعل وجه التخصيص بالأبيض، لشيوعه و غلبة استعماله.

(46) لأنّ الظاهر أنّ المناط في الكراهة التحفظ على الاحترام، فيصح التعدي إلى كل محترم لا بد من احترامه، و هو الموافق لمرتكزات المتدينين أيضا.

(47) هذا استثناء من استصحاب الدرهم لما تقدم في قول الصادق عليه السلام: «الا أن يكون مصرورا»، و لكنه أخصّ من مطلق المستورية.

(48) لخبر صفوان عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط، أو يكلمه حتّى يفرغ» (1)، و مثله غيره. و أما مع عدم الكراهة مع الضرورة، فلظهور الاتفاق عليه، و إمكان دعوى انصراف الأخبار عنه.

(49) لأنّه «حسن على كلّ حال» (2).

(50) لخبر عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في المخرج، و قراءة القرآن. قال: لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسيّ، و يحمد الله، و آية الحمد للّه ربّ العالمين» (3). و يمكن حمله على الأفضلية من سائر الأذكار.

(51) للإطلاقات الدالة على استحباب حكايته مطلقا (4)، و صحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال له:

______________________________

ص: 232


1- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة و راجع حديث: 7.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة و راجع حديث: 7.
4- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة.

تسميت العاطس (52).

______________________________

«يا محمد بن مسلم: لا تدعنّ ذكر الله على كلّ حال. و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر الله عزّ و جلّ، و قل كما يقول المؤذن» (1).

و عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إن سمعت الأذان و أنت على الخلاء، فقل مثل ما يقول المؤذن، و لا تدع ذكر الله عزّ و جل في تلك الحال- الحديث-» (2).

(52) للإطلاقات المرغبة إليه، كقول النبي صلّى الله عليه و آله: «إذا عطس الرجل فسمّتوه و لو كان من وراء جزيرة» (3).

و قول أبي عبد الله عليه السلام: «للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، و يعوده إذا مرض، و ينصح له إذا غاب، و يسمّته إذا عطس»(4).

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «و إذا عطس الرجل، فليقل: الحمد للّه لا شريك له، و إذا سميت «سمت» الرجل فليقل يرحمك الله، و إذا رد فليقل: يغفر الله لك و لنا، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله سئل عن آية أو شي ء فيه ذكر الله؟ فقال: كلما ذكر الله عزّ و جل فيه فهو حسن» (5).

و يشمله ما ورد في استحباب ذكر الله في الخلاء. و لم أظفر عاجلا على خبر يدل على التسميت فيه. و أما خبر مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام قال:

«كان أبي يقول: إذا عطس أحدكم و هو على خلاء فليحمد الله في نفسه» (6).

______________________________

ص: 233


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.

.....

______________________________

فهو لا يدل على تسميت الغير إذا عطس، كما هو المعروف من معنى التسميت.

فروع- (الأول): يجب على المتخلّي رد السلام إن سلّم عليه أحد، لإطلاق دليل وجوبه.

(الثاني): الظاهر استحباب السلام الابتدائي عليه، للعمومات و الإطلاقات بعد انصراف كلام المكروه عنه.

(الثالث): الأولى أن يقرأ الأذكار و الدعوات سرّا، لما يمكن أن يستفاد من قوله عليه السلام: «فليحمد الله في نفسه» (1).

(الرابع): لا فرق في الكلام المكروه بين القليل و الكثير، للإطلاق.

(الخامس): الظاهر شمول الحكم بالكراهة للخاتم المنقوش فيه القرآن، لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يجامع، و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر الله، أو الشي ء من القرآن، أ يصلح ذلك؟ قال: لا» (2).

(السادس): عن جمع من الفقهاء إلحاق أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام باسم الله تعالى، للمنافاة للتعظيم. و ما في خبر معاوية من نفي البأس في اسم محمد صلّى الله عليه و آله. (3)محمول على إدخال الخلاء، لا الاستنجاء به. و عن جامع المقاصد: إلحاق اسم فاطمة الزهراء عليها السلام أيضا.

(السابع): صرّح في ذخيرة العباد بكراهة استصحاب المحترمات الإيمانية و الإسلامية في بيت الخلاء، و لعله استفاد المثالية مما ورد في الخاتم فيشمل جميع المحترمات حينئذ. و يمكن أن يستفاد ذلك من خبر ابن عبد الحميد أيضا(4)، لأنّ الملك مما يحترم، و استظهر في الحدائق عن بعض الفقهاء حرمة

______________________________

ص: 234


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الخلوة، و سيأتي في صفحة: 236.
مسألة 1: يكره حبس البول، أو الغائط

(مسألة 1): يكره حبس البول (53)، أو الغائط (54). و قد يكون حراما إذا كان مضرّا (55) و قد يكون واجبا، كما إذا كان متوضئا و لم يسع الوقت للتوضؤ بعدهما و الصلاة، و قد يكون مستحبا، كما إذا توقف مستحب أهمّ عليه (56).

______________________________

استصحاب المصحف، و لعله استفاد ذلك من صحيحة ابن جعفر بالأولوية بعد حمله على الحرمة.

(الثامن): لا فرق في كراهة الاستنجاء باليد اليسرى إذا كان فيها خاتم فيه اسم الله بين الاستنجاء للغائط أو البول.

(التاسع): يستحب تقديم الاستنجاء على الطهارة الحدثية، للتأسي و ظاهر بعض الأخبار (1).

(العاشر): يستحب مبالغة النساء في الاستنجاء من البول و الغائط لما تقدم من قوله صلّى الله عليه و آله: «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن» (2).

(53) لما ورد: «و من أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابة» (3).

و في الفقه الرضوي: «إذا هاج بك البول فبل»(4).

(54) لم أظفر على دليل لكراهة حبس الغائط، و يمكن أن يستفاد مما ورد في حبس البول.

(55) لحرمة الإضرار بالنفس شرعا، و عقلا.

(56) أما وجوب الحبس فيما إذا كان متوضئا و ضاق الوقت عن التخلّي ثمَّ التوضي، لحرمة تفويت المقدمة مع القدرة عليها، و يأتي التفصيل في [مسألة 13] من فصل التيمم إن شاء الله تعالى. و لا بد من التقييد بصورة عدم

______________________________

ص: 235


1- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
4- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
مسألة 2: يستحب البول حين إرادة الصّلاة

(مسألة 2): يستحب البول حين إرادة الصّلاة (57)، و عند النوم (58)، و قبل الجماع (59) و بعد خروج المنيّ (60)، و قبل الركوب على الدابة، إذا كان النزول و الركوب صعبا عليه، و قبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعبا (61).

مسألة 3: إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحب أخذها

(مسألة 3): إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحب أخذها

______________________________

الضرر. و أما استحباب الحبس إن توقف مستحب أهم عليه، فلأنّ تقديم الأهمّ على المهمّ من الفطريات، كما لا يخفى، وجوبا في الواجب، و ندبا في المندوب.

(57) لئلا يقع حين الصلاة في مدافعة الأخبثين، كما يأتي في كتاب الصلاة (فصل ينبغي للمصلّي) و كان ينبغي له رحمه الله ذكر الغائط هنا، كما ذكره هناك.

(58) لقول أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: «ألا أعلّمك أربع خصال تستغني بها عن الطب؟ قال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام الا و أنت جائع، و لا تقم من الطعام الا و أنت تشتهيه، و جوّد المضغ، و إذا نمت فأعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب» (1).

(59) ذكره في ذخيرة المعاد، و يمكن أن يستفاد ذلك مما دل على استحباب الوضوء قبل الجماع (2)، و لكنه مشكل. و لم أظفر على دليل في المقام بالخصوص.

(60) يأتي وجهه في (فصل مستحبات غسل الجنابة).

(61) ذكرهما في ذخيرة المعاد، و قد جرت عليهما سيرة المتشرعة، و لعل ذلك يكفي في الاستحباب الشرعي. و لم أظفر على خبر يدل عليه بالخصوص.

______________________________

ص: 236


1- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب المائدة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء، و باب: 155 من أبواب النكاح.

و إخراجها، و غسلها ثمَّ أكلها (62).

______________________________

(62) للرواية المنسوبة إلى أبي جعفر- كما تقدمت- و إلى السجاد، و إلى الحسين بن عليّ، و إلى الحسن بن عليّ عليهم السلام(1).

فوائد- (الأولى): نقلنا عن حديث الأربعمائة، و هو ما رواه ابن مسلم عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن آبائه عليهم السلام: أنّ أمير المؤمنين علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه و دنياه.

و نقله الصدوق في الخصال مسندا، و نقل عنه في البحار في كتاب الاحتجاج.

و سنده معتبر فيه قاسم بن يحيى، و هو في جميع الرواة واحد و معتبر. و حسن بن راشد، و هو مشترك بين أربعة، كلهم معتبرون، و قد اعتمد على حديث الأربعمائة المشهور في أبواب متفرقة، و قد نقله صاحب الوسائل في كتابه في أبواب متفرقة.

و أيضا نقلنا عن وصية النبي صلّى الله عليه و آله و هي مذكورة في الفقيه بتمامها، و نقلها في الوافي في أبواب المواعظ، و نقلها الفقهاء، كما نقلها صاحب الوسائل في أبواب متفرقة. و هذه الوصية قاصرة سندا، لأنّ في سندها أنس بن محمد، و هو مهمل، بل المسمّى بأنس في الرواة ثلاثة و ثلاثون و كلهم بين مجاهيل و ضعفاء، الا أنس بن حرث، و أنس بن عيّاض. و في سنده أيضا حماد بن عمرو، و هو مشترك بين ثلاثة، كلّهم مجاهيل.

ثمَّ إنّ وصية النبيّ صلّى الله عليه و آله اثنتان إحداهما: هذه المشتملة على أحكام متفرقة شتّى. الثانية: ما ورد في خصوص النكاح فقط، ذكرها في الفقيه عن أبي سعيد الخدري، و قال في المسالك: «تفوح من هذه الوصية رائحة الوضع»، و قريب منه في الوافي. و ليكن ما قلناه على ذكر منك لتنتفع به في غير مقام.

______________________________

ص: 237


1- راجع الوسائل باب: 39 من أبواب أحكام الخلوة و مستدرك الوسائل باب: 27 من أحكام الخلوة.

.....

______________________________

(الثانية): روي في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تستحقرنّ بالبول، و لا تتهاوننّ به»(1)، و عن الصادق عليه السلام: «إنّ جل عذاب القبر من البول» (2)، و عن عليّ عليه السلام قال: «عذاب القبر يكون من النميمة، و البول، و عزب الرجل من أهله» (3).

و في معتبرة حفص بن غياث عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله: «أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى- إلى أن قال-: كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده» (4).

فإن كان الاستخفاف بالبول لفقد الطهارة فيما يشترط فيها كالصلاة، و الطواف، فيصح العقاب حينئذ، لأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، فيكون كما إذا ترك الصلاة أو الطواف الواجب، و إن لم يكن كذلك، فالأخذ بإطلاق مثل هذه الأحاديث مشكل، خصوصا حديث حفص بن غياث.

(الثالثة): تقدم في وصية النبيّ صلّى الله عليه و آله لأبي ذر: «يا أبا ذر أستحيي من الله، فإنّي و الذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي، استحياء من الملكين اللذين معي» (5).

و في خبر ابن عبد الحميد قال: «سمعت الصادق: يقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد قضاء الحاجة وقف على باب المذهب، ثمَّ التفت يمينا و شمالا إلى ملكيه، فيقول: أميطا عنّي، فلكما الله عليّ أن لا أحدث حدثا حتّى أخرج إليكما» (6).

فما وجه الجمع بينهما؟ و لعله نحو تشريف له صلّى الله عليه و آله من ملازمة الملكين له في تمام حالاته.

ثمَّ: إنّ بعض المندوبات و المكروهات في المقام و فيما يأتي مبنيّ على قاعدة التسامح، فلا بأس بالإشارة إليها إجمالا فنقول: و قد جرت السيرة على

______________________________

ص: 238


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام الخلوة.

.....

______________________________

أنّ الناس لا يهتمون بغير الإلزاميات في معاشهم و معادهم، فلو أخبرهم أحد بما كان فعله أو تركه لازما عليهم يتفحصون عن مدركه، و يتأملون في صدقه و عدمه.

و لكن لو أخبرهم شخص بما كان فعله أو تركه راجحا و لا يبلغ حد الإلزام، لا يهتمون في صدق مدركه و عدمه ذلك الاهتمام الذي يبذلونه فيما كان لازما عليهم، بل إن شاءوا يفعلون ما أخبروا برجحان فعله، و إن شاءوا تركوا ما أخبروا برجحان تركه، تسامحا بينهم في صدق الخبر و عدمه، و قد فضل الله تعالى بهذا الذي جبل في نفوسهم، فقال الصادق عليه السلام في الصحيح:

«من بلغه شي ء من الثواب من الخير فعمل به كان له أجر ذلك، و إن كان رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يقله» (1)، و قال عليه السلام: «من بلغه عن النبي صلّى الله عليه و آله شي ء من الثواب، فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يقله» (2)، و عنه عليه السلام أيضا «من سمع شيئا من الثواب على شي ء، فصنعه كان له و إن لم يكن على ما بلغه» (3).

فجعل لمطلق الانقياد ثوابا، كما جعل الثواب للإطاعة الواقعية، و قد عبّر الفقهاء عما استفادوا من هذه الأخبار: بقاعدة التسامح، فجرت سيرتهم على عدم التدقيق في سند أخبار المندوبات، فيعملون بها حتّى لو لم يكن السند موثوقا به، بل ظاهرهم الفتوى بالاستحباب الشرعي في موردها و لو لم يعمل المكلف بعنوان الرجاء، مع أنّ في بعض تلك الأخبار: «فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه، و إن لم يكن الحديث كما بلغه» (4).

و لعلّهم أطلقوا القول بالاستحباب من دون التقييد بالرجاء، لأجل أنّ نوع الناس يعملون المندوبات برجاء الثواب، فاستغنوا عن عمل الناس بالفتوى بذلك. ثمَّ إنّ غالب أخبار الباب يشتمل على الثواب، فيظهر منها الاختصاص بالعبادات، و لكن الظاهر أنّه من باب ذكر الفرد الغالب و الأفضل، فيشمل التوصليات أيضا، بل يمكن شمولها لها بالفحوى كما لا يخفى. هذا بعض ما يتعلق بهذه القاعدة و التفصيل يطلب من محله.

______________________________

ص: 239


1- الوسائل باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7.

فصل في موجبات الوضوء و نواقضه

اشارة

(فصل في موجبات الوضوء و نواقضه) و هي أمور:

الأول و الثاني: البول و الغائط

(الأول و الثاني): البول و الغائط (1) من الموضع الأصليّ، و لو غير (فصل في موجبات الوضوء و نواقضه)

______________________________

يطلق على ما يأتي السبب تارة، و الموجب أخرى، و الناقض ثالثة.

و الحقيقة واحدة، و الفرق بالاعتبار. فذات البول- مثلا- من حيث هو سبب، و من حيث إيجابه للوضوء لما يشترط فيه الطهارة موجب، و من حيث وقوعه بعد الطهارة ناقض، و الأول أعمّ من الأخيرين.

(1) بضرورة المذهب، بل الدّين، و الأخبار المتواترة، و هي على قسمين:

(الأول): ما اشتمل على العناوين المعهودة، كقول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «لا يوجب الوضوء الا من غائط، أو بول، أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها» (1) و قول الرضا عليه السلام: «إنّما ينقض الوضوء ثلاث: البول، و الغائط، و الريح» (2) و الحصر في مثل هذه الأخبار إضافيّ، حقيقيّ، لما يأتي من أدلة سائر النواقض.

(الثاني): ما علق فيه الحكم على ما يخرج من الطرفين، كقول أحدهما عليه السلام: «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك». و مثله غيره (3).

______________________________

ص: 240


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

معتاد (2)، أو من غيره مع انسداده، أو بدونه بشرط الاعتياد (3)، أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصليّ مع عدم الاعتياد،

______________________________

و لا ريب في أنّ إطلاقه مقيد بما مرّ في القسم الأول، بل يمكن منع الإطلاق فيه، لأنّ المتفاهم العرفيّ منه خصوص البول و الغائط، فيكون ذكر الطرفين من باب الغالب و الغلبة، و القيود التي تكون كذلك لا تصلح للتقييد في المحاورات العرفية، فالمناط كلّه على خروج ما يسمّى بالبول و الغائط، و هما من المفاهيم المبيّنة العرفية عند كل أحد، فمهما تحقق يتعلق به الحكم سواء خرج من المخرج المتعارف، أم من غيره مع الاعتياد، سواء انسد المتعارف أم لا، و ذلك كلّه لإطلاق الدليل الثابت للناقضية لذات العنوانين المعهودين.

أما إذا خرجا من غير المخرج المتعارف مع عدم الاعتياد، فنسب إلى المشهور عدم النقض. فإن كان نظرهم إلى أنّهما حينئذ لا يسميان بالبول و الغائط، فهو خلاف الفرض، إذ لم يقل أحد بالنقض مع عدم التسمية بأحدهما. و إن كان نظرهم إلى أنّه لا ينقض حتّى مع التسمية العرفية، فهو خلاف ظاهر الإطلاقات بعد حمل ذكر الطرفين في القسم الثاني من الأخبار على الغالب. و كذا التفصيل الذي نسب إلى الشيخ رحمه الله بين ما يخرج مما دون المعدة، فينقض مطلقا، و بين ما يخرج من فوقها فيعتبر الاعتياد، فإنّه خلاف ظاهر الإطلاق مع فرض التسمية و صدق العنوان على ما خرج. نعم، مع الشك في الصدق، كما هو الغالب مما يخرج من فوق المعدة، لا يصح التمسك بالإطلاقات حينئذ، فيرجع إلى الأصل. و الظاهر: أنّ نظر الشيخ رحمه الله إلى هذه الصورة، بل ما نسب إلى المشهور إنّما هو في صورة الشك أيضا، فتتفق الكلمة حينئذ على ما ذكره.

(2) لصدق الموضوع عرفا، فيشمله الإطلاق لا محالة.

(3) على المشهور، للإطلاقات الدالة على ناقضيّتهما الشاملة لهذه الصورة أيضا.

ص: 241

و عدم كون الخروج على حسب المتعارف (4) إشكال (5)، و الأحوط النقض مطلقا خصوصا إذا كان دون المعدة. و لا فرق فيهما بين القليل و الكثير، حتّى مثل القطرة، و مثل تلوّث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة (6). نعم، الرطوبات الأخر غير البول و الغائط، الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، و كذا الدود، أو نوى التمر، و نحوهما إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة (7).

______________________________

(4) لعلّ ذكره لأجل أنّه مع كونه متعارفا، يكون الصدق العرفيّ أظهر و أبين: و الا فلا وجه لذكره في مقابل الاعتياد.

(5) منشأه دعوى الانصراف عنه، و تقدمت الخدشة فيها، لأنّ ذكر الطرفين من باب الغالب، و المناط صدق البول و الغائط.

(6) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملّة.

(7) للحصر المستفاد من الأدلة، مضافا إلى ما ورد في خصوص الدود و حبّ القرع من النص (1)، فيستفاد من الأخبار حصر الناقض مما يخرج من الطرفين في البول و الغائط، و المنيّ، و الدماء الثلاثة للنساء على تفصيل يأتي، و لا يستفاد منها أنّ كلّ ما يخرج منهما يكون ناقضا، كما هو معلوم لمن راجعها.

هذا مضافا إلى الأصل لو كان مسبوقا بالطهارة.

فروع- (الأول): ما نسب إلى الشيخ من عدم الناقضية لما خرج من فوق المعدة، هل يلتزم رحمه الله بعدم النجاسة حتّى مع صدق عنوان الغائط أو لا؟.

(الثاني): هل تدور الناقضية مدار نجاسة البدن بخروجهما، فلو خرج البول من المثانة و الغائط من الداخل بآلات لا ينجس بها المحلّ أبدا تثبت الناقضية أم لا؟ و أولى من ذلك ما إذا أرسلت آلة إلى الداخل و جذبت الغائط و هي في الداخل ثمَّ أخرجت تلك الآلة دفعة؟ وجهان: يظهر من خبر العلل و العيون:

______________________________

ص: 242


1- الوسائل باب: 5 من أبواب نواقض الوضوء.

الثالث: الريح

(الثالث): الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة (8)، صاحب صوتا أم لا (9)، دون ما خرج من القبل (10) أو لم

______________________________

الثاني، فعن الرضا عليه السلام:

«إنّما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة، و من النوم، دون سائر الأشياء لأنّ الطرفين هما طريقا النجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الا منهما، فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم» (1).

و ظاهر الإطلاقات النقض مطلقا. و المسألة غير مذكورة في الكلمات.

(الثالث): لو فرض استحالة الغائط في الداخل بواسطة الأدوية و الآلات العصرية إلى ما يسلب عنه الاسم عرفا، فمقتضى الأصل الطهارة و عدم النقض مع سبق الطهارة.

(الرابع): لو نزل الغائط من محلّه، و بقي في المجرى مدّة لسبب، ثمَّ خرج، أو اخرج، فظاهر الكلمات هو النقض، و لكن الإطلاق مشكل، لاحتمال الانصراف إلى المتعارف، و ظاهر نصوص الاستبراء النقض في بول يكون كذلك أيضا.

(الخامس): لو خرج من الدبر شي ء تردد بين كونه غائطا أو شيئا آخر، فمقتضى الأصل عدم النقض، و عدم النجاسة.

(السادس): لو كان لشخص مخرج صناعي لبوله أو غائطه أو هما معا، فخرج البول أو الغائط عن محلّه الطبيعي و دخل في الانبوب المتصل به، و لم يخرج من الانبوب إلى الخارج. فهل المناط في النقض و الحدثية، الخروج عن المحلّ الطبيعي إلى داخل الأنبوب، أو أنّ المناط الخروج منه إلى الخارج؟

وجهان: الظاهر هو الأول، و كذا الكلام في الريح.

(8) بضرورة المذهب، و نصوص مستفيضة تقدم بعضها (2).

(9) نصّا و إجماعا، ففي خبر عليّ بن جعفر:

______________________________

ص: 243


1- الوسائل باب: 2 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.
2- صفحة: 238.

يكن من المعدة كنفخ الشيطان- أو إذا دخل من الخارج ثمَّ خرج (11).

______________________________

«عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها، و لا يسمع صوتها. قال: عليه السلام: يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتد بشي ء مما صلّى إذا علم ذلك يقينا»(1).

و أما ما تقدم من قول أبي عبد الله في الصحيح: «أو فسوة تجد ريحها» (2)، فليس في مقام بيان اعتبار أنّ لوجدان الريح دخلا في الحكم، بل في مقام بيان إحراز كون الريح من المعدة، فهو كقوله عليه السلام في خبر عليّ ابن جعفر: «إذا علم ذلك يقينا» ثمَّ إنّه لا اختصاص للناقضية بكون الريح من المعدة، بل المتولد منها في الأمعاء أيضا كذلك، لظهور الإطلاق.

(10) على المشهور، للأصل و ظهور الأدلة في الريح المتعارف. نعم، لو صدق عليه ما هو المتعارف تشمله الأدلة، كما إذا خرج ما هو المتعارف من محل آخر على تفصيل تقدم في خروج الغائط.

(11) كلّ ذلك للأصل، و ظهور الأدلة فيما هو المتعارف، سواء صدق عليها الاسم المعهود أم لا، إذ لا موضوعية لصدق اسم (الضرطة و الفسوة) بل المناط كلّه الخروج عن المعدة، أو الأمعاء، و لا ناقضية لغيره كذلك، صدق عليه الاسم أم لا.

ثمَّ إنّ الريح الخارجة من الدبر على أقسام:

(الأول): ما ينزل من المعدة أو الأمعاء. و لا ريب في كونه ناقضا، نصّا و إجماعا.

(الثاني): ما يتكوّن في ما بعد الأمعاء و قبيل الدبر.

(الثالث): ما يتكوّن فيما بعد الدبر.

(الرابع): ما يدخل من الخارج إلى الدبر ثمَّ يخرج. و مقتضى الأصل عدم ناقضية ما عدا القسم الأول، و عن الصادق عليه السلام في الصحيح:

______________________________

ص: 244


1- الوسائل: باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.
2- الوسائل: باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

الرابع: النوم مطلقا

(الرابع): النوم مطلقا، و إن كان في حال المشي (12) إذا غلب

______________________________

«إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه قد خرج منه ريح، فلا ينقض الوضوء إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها»(1).

و المراد بقوله عليه السلام: «إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها» هو المتعارف الخارج من المعدة أو الأمعاء. و القول بأنّ مقتضى الأصل أنّ كلّ ريح تكون ناقضة إلا ما خرج بالدليل. مخدوش: بأنّه لا دليل على هذا الأصل من عقل أو نقل.

فرع: لو شك في ريح أنّها من أيّ الأقسام المذكورة، فمقتضى الأصل عدم النقض.

(12) إجماعا و نصوصا كثيرة، فعن الصادق عليه السلام في خبر عبد الحميد بن عواض: «من نام و هو راكع أو ساجد، أو ماش، أو على أيّ الحالات فعليه الوضوء» (2).

و في صحيح ابن الحجاج عنه عليه السلام أيضا: «عن الخفقة و الخفقتين. فقال عليه السلام: ما أدري ما الخفقة و الخفقتين، إنّ الله يقول:

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، فإنّ عليا عليه السلام كان يقول: من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» (3).

و منها يظهر وجه الإطلاق الذي ذكره رحمه الله. و أما خبر الفقيه «سئل موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرقد و هو قاعد، هل عليه وضوء؟ فقال:

لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج- الحديث-» (4). و مثله صحيح أبي الصباح الكناني، فموهونان بإعراض الأصحاب، و موافقة العامة، فما نسب إلى الصدوق من القول بمفاده. مخدوش.

______________________________

ص: 245


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 11.

على القلب، و السمع و البصر (13)، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى

______________________________

و أما خبر ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام و هو جالس؟ قال: إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك أنّه في حال ضرورة»(1).

فلا بد من طرحه، لعدم عامل به منّا، أو حمله على سقوط الوضوء، و وجوب التيمم لأجل الضرورة، و هو أيضا ممنوع.

(13) النوم كسائر الصفات العارضة على النفس من الجوع و الشبع و نحوهما، من الوجدانيات لكلّ أحد، و من المبيّنات العرفية، و ليس من التعبديات، و لا يحتاج إلى ورود تفسير من الشارع، و لا من الموضوعات المستنبطة حتّى يحتاج إلى نظر الفقيه، و إنّما وظيفته بيان حكم صورة الشك فقط، و مقتضى الأصل عدم تحققه الا مع إحرازه بالوجدان، و ليس مجرد استرخاء الأعضاء و نحوه من النوم في شي ء، بل هو خمود عارض على النفس مصاحب لنقص الإدراك و الشعور، و يكون نحو راحة للجسم، و ما ورد في الأخبار من تعريف النوم ليس الا بيانا للمعنى العرفي المعلوم لكلّ أحد. و حيث إنّه قد يتوهم ترتب النقض على مقدماته أيضا وقع السؤال عنه لذلك، لا لأجل أنّ النوم غير معلوم عرفا، و من الأمور المجملة لدى الناس.

و عن ابن بكير عن الصادق عليه السلام: «قلت: ينقض النوم الوضوء؟

فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت» (2) و عن الرضا عليه السلام: «إذا ذهب النوم بالعقل، فليعد الوضوء» (3)، و عن الصادق عليه السلام في صحيح زرارة: «قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، فإذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء. قلت: فإن حرك على جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا، حتّى يجي ء من ذلك أمر بيّن و الا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا

______________________________

ص: 246


1- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 16.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

الحدّ المذكور (14).

الخامس: كلّ ما أزال العقل

(الخامس): كلّ ما أزال العقل مثل الإغماء، و السكر،

______________________________

تنقض اليقين أبدا بالشك، و إنّما تنقضه بيقين آخر» (1).

و كل ذلك إرشاد إلى المعنى المتعارف المعهود، لا أن يكون من التعبد في شي ء.

و أما قول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «لا ينقض الوضوء الا حدث، و النوم حدث» (2)، فهو لا ينطبق على شي ء من الإشكال الأربعة المنطقية المعروفة، كما اعترف به في الجواهر، فلعله اصطلاح خاص بهم عليهم السلام.

(14) لما تقدم من صحيح زرارة، و لموثق سماعة: «عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا. فقال عليه السلام: ليس عليه وضوء»(3).

فروع- (الأول): إذا غلب النوم على بصره، و لكن يسمع الصوت لا يكون ناقضا، لجعل الناقضية دائرة مدار الغلبة على السمع، و يقتضيه الأصل أيضا.

(الثاني): إذا غلب على بصره بحيث لم ير شيئا، و غلب على سمعه أيضا بحيث لا يميّز المسموع، و لكن يسمع الهمهمة، فمقتضى الأصل عدم النقض، لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت» عدم سماع أصل الصوت. و لكن الأحوط خلافه.

(الثالث): لو عرضت له حالة غفلة بحيث غفل عن الرؤية و السمع،

______________________________

ص: 247


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 12 و 2.

و الجنون، دون مثل البهت (15)

السادس: الاستحاضة القليلة

اشارة

(السادس): الاستحاضة القليلة، بل الكثيرة و المتوسطة و إن أوجبتا الغسل أيضا. و أما الجنابة فهي تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط (16).

______________________________

فشك أنّه من النوم أو لا؟ مقتضى الأصل عدم النقض.

(15) أما عدم النقض بالأخير، فللأصل. و أما النقض بكل ما أزال العقل، فلإجماع الإمامية، بل المسلمين، و يشهد له ما ورد في النوم: «من أنّه إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» (1)، و ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام: «إنّ الوضوء لا يجب الا من حدث، و إنّ المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث، أو ينم، أو يجامع، أو يغمى عليه، أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء» (2).

و أما خبر ابن خلاد قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، و الوضوء يشتد عليه، و هو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال؟ قال: يتوضأ. قلت له: إنّ الوضوء يشتد عليه لحال علته؟ فقال: إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» (3).

فلا دلالة له على المقام، لأنّ المجنون و السكران لا يخفى عليهما الصوت، مع أنّ الإغفاء هو النوم لا الإغماء، كما في مجمع البحرين و غيره، فيكون دليلا لناقضية النوم دون غيره.

(16) كل حدث أكبر ينقض الوضوء، سواء أغنى غسله عن الوضوء أم لا، و يأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى.

______________________________

ص: 248


1- الوسائل باب: 3 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 12 و 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب نواقض الوضوء.
مسألة 1: إذا شك في طروء أحد النواقض بنى على العدم

(مسألة 1): إذا شك في طروء أحد النواقض بنى على العدم (17)، و كذا إذا شك في أنّ الخارج بول أو مذي- مثلا- (18) الا أن يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنّه بول، فإن كان متوضئا انتقض وضوؤه كما مرّ.

مسألة 2: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء

(مسألة 2): إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من

______________________________

فرع: مس الميت ينقض الوضوء، لما عن صاحب الجواهر من اتفاق القائلين بوجوب الغسل به على كونه ناقضا. و هل هو حدث أصغر أو أكبر؟

وجهان: لا يخلو أولهما عن رجحان، و إن توقف رفعه على الغسل أيضا.

و المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ ترتب آثار الحدث الأصغر عليه معلوم بالاتفاق، و الشك في ترتب آثار الحدث الأكبر و المرجع فيها البراءة في غير ما دل عليه الدليل بالخصوص و هو الغسل، مع أنّ وجوب الغسل أعمّ من أن يكون الحدث أكبر.

(17) إجماعا و نصوصا كثيرة.

منها: ما تقدم من صحيح زرارة (1).

و منها: قول أبي عبد الله عليه السلام أيضا: «و إيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت» (2). و لعلّ تعبيره عليه السلام ب «إيّاك» الظاهر في المرجوحية، إنّما هو لأجل دفع الوسوسة التي تكون من إطاعة الشيطان، كما تقدم.

(18) لإطلاق الأدلة الشامل للشك في أصل وجود الناقض، أو ناقضية الموجود. مضافا إلى ظهور الاتفاق أيضا، و تقدم الوجه فيما يتعلق ببقية المسألة.

______________________________

ص: 249


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

الغائط لم ينتقض الوضوء، و كذا لو شك في خروج شي ء من الغائط معه (19).

مسألة 3: القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض

(مسألة 3): القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض (20)، و كذا الدم الخارج منهما، إلا إذا علم أنّ بوله أو غائطه صار دما، و كذا المذي، و الوذي، و الودي. و الأول: هو ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني: ما يخرج بعد خروج المنيّ، و الثالث: ما يخرج بعد خروج البول (21).

______________________________

(19) كل ذلك لإطلاق ما تقدم من صحيح زرارة و غيره، مضافا إلى استصحاب الطهارة المرتكز في النفوس.

(20) للأصل بعد حصر ناقضية ما يخرج من الطرفين في أشياء مخصوصة ليس الدم و القيح منها. و كذا إذا علم أنّ بوله استحال دما، لأنّ تبدل الموضوع يوجب تبدل الحكم قهرا. نعم، لو علم بخروج بقايا البول مع الدم يكون ناقضا حينئذ.

و تلخيص القول: إنّه إما أن يصدق عليه الدم فقط، أو يشك في أنّه دم أو بول. و الحكم فيهما عدم النقض، للأصل و حصر النواقض في غيرهما. و ثالثة:

يصدق عليه البول. و رابعة: يكون دما و بولا. و الحكم فيهما هو النقض، لصدق خروج البول.

(21) على المشهور، و تدل عليه جملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «إن سال من ذكرك من مذي، أو ودي و أنت في الصلاة، فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء، و إن بلغ عقبيك- الحديث-» (1).

و عنه عليه السلام في مرسل ابن رباط: «يخرج من الإحليل المني، و الوذي، و المذي، و الودي. فأما المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام، و يفتر منه

______________________________

ص: 250


1- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

.....

______________________________

الجسد، و فيه الغسل. و أما المذي فهو الذي يخرج من شهوة، و لا شي ء فيه.

و أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول. و أما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء، و لا شي ء فيه» (1) و الأدواء هو المرض، كما في مجمع البحرين.

و أما قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان: «و الودي فمنه الوضوء، لأنّه يخرج من دريرة البول» (2). فمحمول على الندب جمعا و إجماعا، أو على ما إذا علم بخروج البول معه.

و ذهب ابن الجنيد إلى أنّ المذي الخارج بشهوة ناقض، لخبر ابي بصير:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المذي يخرج من الرجل. قال عليه السلام:

احدّ لك فيه حدّا؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال عليه السلام: إن خرج منك بشهوة فتوضأ، و إن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء» (3).

و فيه: مضافا إلى إعراض الأصحاب عن ظاهره، و موافقته للعامة، أنّه معارض بخبر ابن أبي عمير: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء» (4).

و يشهد للندب صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام في المذي:

«إنّ عليا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه و آله و استحى أن يسأله. فقال: فيه الوضوء. قلت: و إن لم أتوضأ؟ قال: لا بأس» (5).

و لو كان الحكم إلزاميا في هذا الأمر العام البلوى لاشتهر و بان.

ثمَّ إنّ المشهور عند الفقهاء و أهل العرف: أنّ المذي ما كان بعد الملاعبة، و تساعده اللغة و جملة من الأخبار أيضا:

منها: صحيح عمر بن يزيد «اغتسلت يوم الجمعة- إلى أن قال-: فمرت بي وصيفة، ففخذت لها فأمذيت أنا، و أمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء» (6).

______________________________

ص: 251


1- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 14.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 10.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.
5- الوسائل: باب 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.
6- الوسائل: باب 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 13.
مسألة 4: ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي، و الوذي

(مسألة 4): ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي، و الوذي (22) و الكذب، و الظلم، و الإكثار من الشعر الباطل (23)، و القي ء، و الرعاف، و التقبيل بشهوة (24)، و مس

______________________________

و أما الوذي فاعترف في مجمع البحرين بأنّه لا ذكر له في كتب اللغة، و تقدم تفسيره في مرسل ابن رباط بأنّه ما يخرج من الأدواء.

(22) قد استقر المذهب على عدم وجوب الوضوء في الموارد التي يأتي التعرض لها، و الأخبار الواردة و إن كان ظاهرها الوجوب «1»، لكنّها موهونة بإعراض الأصحاب، و الابتلاء بالمعارض، و الحصر الذي تقدم في النواقض، فلا وجه لاستفادة الوجوب منها، بل بعضها موافق للعامة، فيشكل استفادة الندب منها، فكيف بالوجوب؟ و قد تقدم ما يصلح لاستحباب الوضوء في المذي و الوذي.

(23) لموثق سماعة قال: «سألته عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء، أو ظلم الرجل صاحبه، أو الكذب؟ فقال: نعم، الا أن يكون شعرا يصدق فيه، أو يكون يسيرا من الشعر، الأبيات الثلاثة و الأربعة، فأما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء» «2».

المحمول على الندب إجماعا، و عن صاحب الوسائل: «إنّ المراد بالظلم الغيبة، كما يفهم من حديث آخر» «3».

(24) لقول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير: «إذا قبّل الرجل

______________________________

(1) تقدم في صحيح ابن سنان، و صحيح ابن يقطين، و خبر أبي بصير و غيرها من الأخبار التي وردت في باب: 12 من النواقض.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب النواقض حديث: 3.

(3) راجع حاشية صاحب الوسائل على فهرست الوسائل باب: 5 من أبواب النواقض- الطبعة الحجرية.

ص: 252

الكلب (25)، و مس الفرج، و لو فرج نفسه (26)، و مس باطن الدبر، و الإحليل (27)، و نسيان الاستنجاء قبل الوضوء (28)، و الضحك في

______________________________

امرأة بشهوة، أو مس فرجها أعاد الوضوء» (1).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع، و خبر عبد الرحمن: «عن رجل مس فرج امرأته. قال عليه السلام: ليس عليه شي ء، و إن شاء غسل يده، و القبلة لا تتوضأ منها (2).

و في صحيح الحذاء: «الرعاف، و القي، و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء و إن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء»(3).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع و غيره.

(25) لقول الصادق عليه السلام: «من مس كلبا فليتوضأ» (4) بناء على أنّ المراد به الوضوء المعروف، دون مطلق الغسل.

(26) أما مس فرج المرأة فقد تقدم في صحيح أبي بصير. و أما التعميم لفرج نفسه، فقد ذكره في ذخيرة المعاد أيضا، و لم أظفر على دليله عاجلا. و لا يبعد أن يستفاد مما يأتي في مس باطن الإحليل، إذ يمكن أن يراد به مسه مباشرة، لا من وراء الثوب، و الا فمس باطن الإحليل نادر جدّا.

(27) لموثق عمار: «عن الرجل يتوضأ ثمَّ يمس باطن دبره. قال عليه السلام: نقض وضوؤه، و إن مس باطن إحليله، فعليه أن يعيد الوضوء» (5).

المحمول على الندب لأدلة حصر النواقض، و إعراض المشهور عن ظاهره، مع موافقته للعامة.

(28) لصحيح ابن خالد: «في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره؟ قال:

______________________________

(5)

ص: 253


1- الوسائل باب: 9 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 12.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 10.

الصلاة (29)، و التخليل إذا أدمى (30). لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم (31). و الأولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية، و لو تبيّن بعد هذا الوضوء كونه محدثا بأحد النواقض المعلومة كفى، و لا يجب عليه ثانيا (32)، كما أنّه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث، ثمَّ تبيّن كونه محدثا كفى، و لا يجب ثانيا.

______________________________

يغسل ذكره، ثمَّ يعيد الوضوء» (1).

المحمول على الندب، لإعراض المشهور عنه، و معارضته بصحيح ابن يقطين فيه أيضا، قال عليه السلام: «يغسل ذكره، و لا يعيد الوضوء»(2).

(29) لموثق سماعة: «عما ينقض الوضوء؟ قال عليه السلام: الحدث تسمع صوته، أو تجد ريحه، و القرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه، و الضحك في الصلاة»(3).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع و غيره.

(30) لما تقدم في صحيح الحذاء (4).

(31) لأنّ بعضها صدرت تقية، فلا رجحان فيه في الواقع حتّى يؤتى به بقصد الأمر، بل مقتضى قوله عليه السلام: «الرشد في خلافهم» (5) مرجوحيته.

(32) كلّ ذلك لأنّ الوضوء- سواء كان واجبا أم مندوبا، تجديديا كان أم لا، احتياطيا كان أو غيره- حقيقة واحدة و من التوليديات لرفع الحدث مطلقا، بلا فرق بين توجه المكلّف إليه و عدمه، و سواء قصده أم لا فمجرد قصد الوضوء للمحدث الواقعيّ يجزي في رفع حدثه، و يأتي بعض الكلام في الثاني عشر من شرائط الوضوء.

______________________________

ص: 254


1- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 11.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 12.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 19.

فصل في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة

اشارة

(فصل في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة) فإنّ الوضوء إما شرط في صحة فعل، كالصلاة (1)، و الطواف (2)، و إما شرط في كماله كقراءة القرآن (3)، و إما شرط في (فصل في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة)

______________________________

حيث إنّ الوضوء راجح ذاتا، و له رجحان غيريّ و مقدميّ أيضا، وجوبا أو ندبا بالنص و الإجماع. و كل مقدمة لا بد لها من ذي المقدمة تعرضوا في المقام لما هو من ذي المقدمة للوضوء.

(1) بضرورة من الدّين و نصوص متواترة، منها صحيح زرارة: «لا صلاة إلا بطهور» (1).

(2) إجماعا و نصوصا كثيرة، منها: صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته عن رجل طاف ثمَّ ذكر أنّه على غير وضوء؟ قال: يقطع طوافه و لا يعتد به» (2).

و قد يستدل بقوله صلّى الله عليه و آله: «الطواف بالبيت صلاة» (3). و لكنّه قاصر سندا و دلالة، كما يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، هذا في طواف الفريضة. و أما طواف النافلة، فيأتي حكمه.

(3) إجماعا و نصّا، ففي خبر ابن فهد: «لقارئ القرآن متطهّرا في غير

______________________________

ص: 255


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 4.
3- كنز العمال ج: 3 حديث 206.

جوازه، كمس كتابة القرآن (4). أو رافع لكراهته، كالأكل (5). أو شرط

______________________________

صلاة خمس و عشرون حسنة، و غير متطهّر عشر حسنات» (1).

و في حديث الأربعمائة: «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتّى يتطهّر»(2).

و عن ابن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول، فأقوم فأبول، و أستنجي، و أغسل يدي و أعود إلى المصحف فأقرأ فيه؟ قال: لا، حتّى تتوضأ للصلاة» (3).

أي تتوضأ كوضوئك للصلاة، و لا بد من حمل ذلك كلّه على أنّه شرط للكمال، للإجماع على عدم الوجوب، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة من رجحان قراءة القرآن مطلقا حتّى بلا وضوء.

فروع- (الأول): الطهارة شرط لكمال الدعاء أيضا لا لصحته، للأصل، و إطلاق أدلة مطلوبية الدعاء. ثمَّ إنّه لو دار الأمر بين ترك القراءة أصلا، أو القراءة بغير الطهارة، يقدم الثاني، لما مرّ من رجحان قراءة القرآن مطلقا.

(الثاني): لو دار الأمر بين قراءة جزءين- مثلا- من القرآن بلا طهارة أو جزء معها، يقدّم الثاني، لأنّه كامل، بخلاف الأول. الا أن يقال: إنّ عدم كمال الأول يتدارك بزيادة القراءة، فيتخيّر حينئذ.

(الثالث): مع تعذر الطهارة المائية تقوم الترابية مقامها على ما يأتي في التيمم، و لا فرق في ذلك كله بين كون القراءة في: المصحف، أو عن ظهر القلب.

(4) يأتي التفصيل عند قوله رحمه الله: (و يجب أيضا لمس كتابة القرآن).

(5) إن كان المراد الأكل حال الجنابة، فيأتي دليلها في (فصل ما يكره على الجنب) و إن كان المراد مطلقا، و لو لم يكن جنبا، فلا دليل لها إلا جملة

______________________________

ص: 256


1- الوسائل باب: 13 من أبواب قراءة القرآن حديث 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

في تحقق أمره، كالوضوء للكون على الطهارة (6). أو ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر (7)، و الوضوء المستحب نفسا إن قلنا به كما لا يبعد (8).

______________________________

من الأخبار الواردة. و مجموعها أقسام ثلاثة:

(الأول): ما يشتمل على الوضوء، كقول أبي عبد الله عليه السلام:

«الوضوء قبل الطعام و بعده يزيدان في الرزق» (1).

(الثاني) ما يشتمل على الغسل، كقوله عليه السلام أيضا: «اغسلوا أيديكم قبل الطعام و بعده فإنّه ينفي الفقر و يزيد في العمر» (2).

(الثالث): خبر جعفر بن محمد العلوي الموسويّ عن هشام: «قال لي الصادق عليه السلام: و الوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام و بعده» (3).

و المتأمل في مجموع هذه الأخبار يطمئنّ بأنّه ليس المراد بالوضوء في هذه الأخبار الوضوء الاصطلاحي، بل مطلق غسل اليد، و تقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع أيضا.

(6) لأنّ الوضوء المستجمع للشرائط سبب توليديّ لحصول الطهارة و لذا تعلق الأمر في الأدلة تارة: بالوضوء. و اخرى: بالطهارة، كما هو شأن الأسباب التوليدية. و في المقام لا فرق بين أن يقال: إنّ الوضوء ينقسم إلى هذه الأقسام، أو يقال: الطهارة الحاصلة منه تنقسم إليها.

(7) الوضوء الواجب بالنذر أيضا له غاية، و لو كانت الكون على الطهارة، و الظاهر أنّ مراده من عدم الغاية سائر الغايات الخارجية، لا ذات الكون على الطهارة، فإنّها الغاية الذاتية التوليدية، كما مرّ.

(8) كون الطهارة الحدثية مطلوبة للشارع نفسا مما لا ريب فيه، و عن العلامة الطباطبائي دعوى الإجماع عليه، و يدل عليه قوله تعالى:

______________________________

ص: 257


1- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة حديث: 10.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة حديث: 16.

أما الغايات للوضوء الواجب، فيجب للصلاة الواجبة، أداء أو قضاء عن النفس أو عن الغير، و لأجزائها المنسية، بل و سجدتي السهو على الأحوط (9). و يجب أيضا للطواف الواجب و هو ما كان جزءا للحج

______________________________

إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1) كما ذكرنا في التفسير (2).

و عن النبيّ صلّى الله عليه و آله: «يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك، و إن استطعت أن تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا»(3).

و عنه صلّى الله عليه و آله: «يقول الله تعالى: من أحدث و لم يتوضأ فقد جفاني» (4).

و تقدم أنّ الوضوء الجامع للشرائط سبب توليديّ للطهارة، و لا فرق في التوليديات بين إضافة الطلب إلى السبب أو إلى المسبّب، فلا فرق بين أن يقال:

القه في النار، أو يقال أحرقه بها، و قد ورد الأمر بهما معا في الكتاب و السنة.

قال الله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (5). و قد ورد الأمر بنفس الطهارة من حيث هي في السنة بما لا يحصى، كقولهم عليهم السّلام «لا صلاة إلا بطهور»، و لا فرق في حصول الطهارة بين قصد السبب فقط، أو المسبب كذلك، أو هما معا، بل الظاهر حصولها لو قصد السبب و قصد عدم حصول المسبب، ما لم يرجع إلى الإخلال بقصد القربة، لأنّ قصد عدم حصول المسبب في التوليديات لغو باطل، و يكفي قصد السبب فقط، إلا إذا رجع قصد عدم حصول المسبب إلى عدم قصده أيضا، أو أوجب الإخلال بالقربة.

(9) أما الأول فبالضرورة، و نصوص كثيرة في أبواب متفرقة و منها: قوله

______________________________

ص: 258


1- البقرة الآية: 222.
2- راجع مواهب الرحمن في تفسير القرآن المجلد الرابع سورة البقرة الآية: 224.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الوضوء حديث: 3.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الوضوء حديث 2.
5- المائدة الآية: 6.

أو العمرة، و إن كانا مندوبين (10)، فالطواف المستحب ما لم يكن جزءا من أحدهما لا يجب الوضوء له.

نعم، هو شرط في صحة صلاته (11). و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين (12). و يجب أيضا لمسّ كتابة القرآن (13)، إن وجب

______________________________

عليه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور» (1).

و أما الثاني فقد تقدم في (فصل يشترط في صحة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة)، و يأتي في [مسألة 3] من فصل قضاء الأجزاء المنسية، كما تقدم الثالث في الفصل المزبور، و يأتي في [مسألة 7] من (فصل موجبات سجود السهو).

(10) لأنّهما بالشروع فيهما يجب إتمامهما، كما يأتي في محله، فيصير الطواف الذي يكون جزء منهما واجبا و فريضة، فيشمله ما دل على وجوب الطهارة في طواف الفريضة.

(11) على المشهور، لنصوص كثيرة منها قول الصادق عليه السلام:

«لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء، ثمَّ يتوضأ و يصلّي، و إن طاف متعمدا على غير وضوء، فليتوضأ و ليصلّ، و من طاف متطوعا و صلّى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين، و لا يعيد الطواف» (2)، و يأتي التفصيل في محله.

(12) للأدلة الدالة على وجوب الوفاء بها(3) بعد انعقادها جامعة للشرائط.

(13) المشهور حرمة مسّ كتابة القرآن بلا طهارة، للإجماع المنقول عن الخلاف، و البيان، و التبيان، و لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (4)

______________________________

ص: 259


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 35 من أبواب النذر و العهد و أبواب الأيمان.
4- الواقعة 56: الآية 79.

بالنذر (14)، أو لوقوعه في موضع يجب إخراجه منه، أو لتطهيره إذا صار

______________________________

المحمول على الأعم من درك دقائقه الا بالعصمة التي هي الطهارة الواقعية عن كل رجس، و من مس كتابته إلا بالطهارة الظاهرية عن كل حدث، و لجملة من الأخبار:

منها: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: «عمن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمس الكتاب» (1).

و في خبر حريز: «كان إسماعيل بن أبي عبد الله عنده، فقال عليه السلام: يا بني اقرأ المصحف، فقال: إنّي لست على وضوء. فقال عليه السلام: لا تمس الكتاب- الحديث-» (2).

و خبر إبراهيم بن عبد الحميد: «المصحف لا تمسه على غير طهر، و لا جنبا، و لا تمس خطه، و لا تعلقه إنّ الله تعالى يقول: لا يمسّه الا المطهّرون» (3).

المنجبر ضعف سند الجميع بالعمل، و لا بأس بالتفكيك في الأخير بجواز التعليق، و مس الجلد و الورق بدليل خارجي. فما نسب إلى الشيخ في المبسوط، و الحلي، و الأردبيلي: من عدم حرمة مس الكتابة ضعيف.

(إن قلت): نعم، المس بدون الطهارة حرام، و الجواز متوقف عليها، و هو حكم الشارع و ليس فعل المكلف، فتكون الطهارة مقدمة لحكم الشارع لا لفعل المكلف.

(قلت): الطهارة مقدمة لفعل المكلف الجائز، فالجواز من حيث إنّه عنوان فعل المكلف يكون ذا المقدمة، لا من حيث الإضافة إلى جعل الشارع أولا بالذات، فلا وجه لتوهم الإشكال في المقام.

(14) لا ريب في اعتبار الرجحان في متعلق النذر، فإن كان المس راجحا يصح النذر و الا فلا، و لا يبعد الرجحان عند المتشرعة للتبرك، كمس ثياب

______________________________

ص: 260


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.

متنجسا و توقف الإخراج، أو التطهير على مسّ كتابته (15)، و لم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجبا لهتك حرمته، و الا وجبت المبادرة من دون الوضوء (16)، و يلحق به أسماء الله، و صفاته الخاصة (17) دون أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام، و إن كان أحوط.

و وجوب الوضوء في المذكورات- ما عدا النذر و أخويه- إنّما هو على تقدير كونه محدثا و الا فلا يجب، و أما في النذر و أخويه فتابع للنذر، فإن نذر كونه على الطهارة لا يجب إلا إذا كان محدثا، و إن نذر الوضوء التجديدي وجب و إن كان على وضوء.

مسألة 1: إذا نذر أن يتوضأ لكلّ صلاة وضوءا رافعا للحدث

(مسألة 1): إذا نذر أن يتوضأ لكلّ صلاة وضوءا رافعا للحدث و كان متوضئا يجب عليه نقضه، ثمَّ الوضوء لكن في صحة مثل هذا

______________________________

الكعبة، و الضرائح المقدسة، و سائر المقدسات الإيمانية أو الإسلامية و قد جرت السيرة على مسح المقدسات بأيديهم ثمَّ تقبيل اليد، و لو لا أنّه جبلت فطرتهم على رجحانه لما فعلوا ذلك.

(15) و يجب الوضوء في كل ذلك مقدمة للمسّ الواجب.

(16) لقاعدة تقديم الأهمّ على المهمّ، لأنّ الإخراج حينئذ أهمّ من الوضوء للمس، هذا إذا لم يمكن التيمم، و الا وجب.

________________________________________

(17) وجه الإلحاق دعوى: أنّ المناط في حرمة مس كتابة القرآن كونها من المقدسات الدينية، و يجري هذا المناط في كل مقدس ديني، بل مذهبي حتّى في أسماء الأنبياء، و لا دليل على الخلاف إلا الأصل، و دعوى الشهرة، و توهم أنّه لا يجب الوضوء في مس أجساد المعصومين عليهم السلام فكيف بأسمائهم.

و الكل مخدوش: إذ الأصل محكوم بما ذكرناه من المناط لأنّه كالأمارة المقدمة عليه. و أما الشهرة فغير ثابتة. و أما الأخير، فهو لوجود المانع لا لعدم المقتضي، كما لا يخفى. و لكن العمدة في قطعية المناط الذي ذكرناه، لقوة احتمال اختصاصه بأسماء الله المختصة.

ص: 261

النذر على إطلاقه تأمل (18).

مسألة 2: وجوب الوضوء لسبب النذر أقسام

(مسألة 2): وجوب الوضوء لسبب النذر أقسام:

(أحدها) (19): أن ينذر أن يأتي بعمل يشترط في صحته الوضوء كالصلاة.

(الثاني): أن ينذر أن يتوضأ إذا أتى بالعمل الفلاني غير

______________________________

(18) لا ريب في رجحانه إن كان مدافعا للأخبثين، و كذا في موارد استحباب البول مما تقدم (1) و لو لم يكن رجحان أصلا، فإن قلنا بلزوم رجحان متعلق النذر بجميع جهاته و خصوصياته، فلا وجه لصحته. و إن قلنا بكفاية الرجحان فيه في الجملة، و من بعض الجهات دون تمامها، يصح النذر حينئذ.

و يأتي التفصيل في كتاب النذر إن شاء الله تعالى. و أما تنظير المقام بنذر التوبة و الكفار عن الذنب، فنذرها تارة: يكون لذنب واقع، أو لذات الذنب، و لو وقع بعد ذلك اتفاقا، فلا ريب في صحته، لأنّه من نذر الواجب، و تأتي صحته في محله، و إن كان مقصود الناذر من نذره أن يعصي فعلا و يتوب بعده، فهو خلاف المرتكز، فلا ينعقد النذر في مثله، للأصل بعد الشك في شمول الإطلاق له.

و لكن يمكن التفكيك بين المقام و بينه بدعوى: أنّ المرجوحية في المقام ضعيفة يمكن تغليب رجحان الطهارة عليها بخلاف نذر المعصية ثمَّ التوبة.

ثمَّ إنّه قد يجب النقض كما إذا تضرّر بحبس الحدث، و قد يحرم كما إذا كان بعد الوقت و لم يتضرّر و لم يكن عنده طهور، و قد يستحب كما إذا كان مدافعا للأخبثين في الجملة، و قد يكون مكروها، كما يأتي في بحث التيمم و الظاهر عدم اتصافه بالإباحة لرجحان الكون على الطهارة مطلقا، فيكون النقض إما راجحا بعنوان خارجي، أو مرجوحا كذلك، إما بنحو الحرمة، أو الكراهة.

(19) لا إشكال في صحته، لكونه من نذر الواجب، و فائدته ثبوت الكفارة مع التخلف، فيتصف الوضوء حينئذ بالوجوب النفسي من جهة النذر. و المقدميّ

______________________________

ص: 262


1- تقدم في صفحة: 236.

المشروط بالوضوء (20)- مثل أن ينذر أن لا يقرأ القرآن الا مع الوضوء- (21)، فحينئذ لا يجب عليه القراءة. لكن لو أراد أن يقرأ يجب عليه أن يتوضأ.

(الثالث): أن ينذر أن يأتي بالعمل الكذائي مع الوضوء، كأن ينذر أن يقرأ القرآن مع الوضوء، فحينئذ يجب الوضوء و القراءة (22).

(الرابع): أن ينذر الكون على الطهارة.

(الخامس): أن ينذر (23) أن يتوضّأ من غير نظر إلى الكون على الطهارة. و جميع هذه الأقسام صحيح. لكن ربما يستشكل في

______________________________

من جهة كونه شرطا لما يعتبر في صحته.

(20) لا ريب في رجحانه، لفرض أنّه شرط لكماله، فيصح تعلق النذر به و تجب عليه الكفارة لو قرأ بلا وضوء، و تحرم عليه القراءة بلا وضوء، لمكان النذر. و لو تعذر عليه الوضوء يسقط، و يجوز له القراءة بلا وضوء.

(21) لا يخفى أنّ هذا لا يوافق عنوان الثاني، فإنّه ظاهر في الواجب المشروط، و المثال ظاهر في النذر المنجز من كلّ جهة. و صحته مبنية على ما تقدم في المسألة السابقة من اعتبار الرجحان في المتعلق من كل جهة، فلا ينعقد هذا النذر، أو يكفي الرجحان من جهة واحدة. مع أنّ المثال مخالف للعنوان من حيث الثمرة أيضا، فإنّه في المثال لو تعذر الوضوء لا تجوز القراءة أخذا بظاهر نذره، و يمكن أن يقال: إنّ المراد من المثال عين ما ذكر في أصل العنوان، لكن مع المسامحة في التعبير، و لعله لذلك سكت عن التعليق عليه جمع من أعلام المعلقين رحمهم الله تعالى.

(22) بلا إشكال فيه، لكون متعلق النذر راجحا، و الوضوء شرطا للكمال فهو من القسم الأول. الا أنّ الوضوء في الأول شرط لصحته، و هنا لكماله.

(23) لا إشكال في صحته، و صحته الرابع أيضا، لما تقدم من أنّ الغسلات و المسحات مع الشرائط سبب توليديّ للطهارة، و كلّ من السبب

ص: 263

الخامس من حيث إن صحته موقوفة على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء، و هو محلّ إشكال. لكن الأقوى ذلك.

مسألة 3: لا فرق في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث بين أن يكون باليد، أو بسائر أجزاء البدن

(مسألة 3): لا فرق في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث بين أن يكون باليد، أو بسائر أجزاء البدن، و لو بالباطن كمسّها باللسان (24) أو بالأسنان. و الأحوط ترك المسّ بالشعر أيضا. و إن كان لا يبعد عدم حرمته (25).

مسألة 4: لا فرق بين المسّ ابتداء أو استدامة

(مسألة 4): لا فرق بين المسّ (26) ابتداء أو استدامة، فلو كان يده على الخطّ، فأحدث يجب عليه رفعها فورا، و كذا لو مسّ غفلة ثمَّ التفت أنّه محدث.

مسألة 5: المسّ الماحي للخطّ أيضا حرام

(مسألة 5): المسّ الماحي للخطّ أيضا حرام (27)، فلا يجوز له أن يمحوه باللسان، أو باليد الرطبة.

مسألة 6: لا فرق بين أنواع الخطوط

(مسألة 6): لا فرق بين أنواع الخطوط (28) حتّى المهجور منها كالكوفي، و كذا لا فرق بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو بالطبع،

______________________________

و المسبب راجح، و يصح تعلق الطلب بكلّ منهما، كما يصح تعلق النذر كذلك.

(24) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

(25) لأصالة البراءة بعد الشك في شمول الإطلاق بالنسبة إليه، فيكون التمسك به تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و الاحتياط إنّما هو لأجل الجمود على المس.

(26) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(27) لصدق المسّ عليه، فيشمله الدليل. و احتمال أنّه مزيل للخط لا أن يكون مسّا له. لا وجه له، لأنّ بالمس تتحقق الإزالة.

(28) حتّى الخطوط الأجنبية لو كتب لفظ القرآن بها، لشمول الإطلاق لها أيضا، و من ذلك يعلم الوجه في قوله رحمه الله: حتّى المهجور منها.

ص: 264

أو القصّ، أو الحفر، أو العكس (29).

مسألة 7: لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة

(مسألة 7): لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة، بل و الحروف و إن كان يكتب و لا يقرأ، كالألف في قالوا و آمنوا بل الحرف الذي يقرأ و لا يكتب إذا كتب، كما في الواو الثاني من داود إذا كتب بواوين، و كالألف في رحمن و لقمن إذا كتب رحمان و لقمان (30).

مسألة 8: لا فرق بين ما كان في القرآن أو في الكتاب

(مسألة 8): لا فرق بين ما كان في القرآن أو في الكتاب بل لو

______________________________

(29) لشمول إطلاق الدليل لذلك كله عرفا. و المناقشة في الحفر و التخريم تنافي صدق المس عرفا.

(30) كل ذلك لصدق القرآن عليه، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة.

و ذكر المصحف في بعض الأخبار (1) لا موضوعية فيه، بل لأجل اشتماله على تلك الكلمات الخاصة، و هي دائرة مدار كيفية الكتابة، كما تقدم في [مسألة 6].

و أما خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض و هو جنب؟ فقال: إي، إنّي و الله لأوتى بالدرهم فآخذه و إنّي لجنب، و ما سمعت أحدا يكره ذلك شيئا إلا أنّ عبد الله بن محمد كان يعيبهم عيبا شديدا، يقول جعلوا سورة من القرآن في الدرهم فيعطى الزانية، و في الخمر فيوضع على لحم الخنزير».

ففيه أولا: أنّ الأخذ أعم من مس موضع القرآن. و ثانيا: أنّه لم يعلم أنّ ذيل الحديث من الإمام عليه السلام. و ثالثا: أنّه مخالف للإجماع- على فرض الصحة- و تحقق مسّ القرآن (2).

______________________________

ص: 265


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- صدر الحديث مذكور في الوسائل باب: 18 من أبواب الجنابة حديث: 3. أما ذيله فقد ذكر في الجواهر ج 3 صفحة: 46 الطبعة السادسة.

وجدت كلمة من القرآن في كاغذ، بل أو نصف كلمة كما إذا قصّ من ورق القرآن أو الكتاب يحرم مسّها أيضا (31).

مسألة 9: في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره المناط قصد الكاتب

(مسألة 9): في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره المناط قصد الكاتب (32).

مسألة 10: لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الأرض و الجدار و الثوب

(مسألة 10): لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الأرض و الجدار و الثوب، بل و بدن الإنسان (33)، فإذا كتب على يده لا يجوز مسّه عند الوضوء، بل يجب محوه أولا ثمَّ الوضوء (34).

مسألة 11: إذا كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم المنع من مسّه

(مسألة 11): إذا كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم المنع من مسّه، لأنّه ليس خطا. نعم، لو كتب بما يظهر أثره بعد ذلك، فالظاهر حرمته (35) كماء البصل، فإنّه لا أثر له الا إذا احمي على النار.

______________________________

(31) لصدق القرآن على ذلك كله، فتشمله إطلاقات الأدلة.

(32) إذ لا تميز في المشتركات الا بالقصد في جميع الموارد، قرآنا كان أو غيره، و من ذلك حروف الطباعة المشتركة. نعم، لو كان الصدق انطباقيّا قهريّا، فلا يعتبر القصد حينئذ، بل الظاهر أنّه لا يضرّ قصد العدم، لفرض أنّ الصدق قهريّ.

(33) لإطلاق النصوص و الفتاوى الشاملة لجميع أنحاء المكتوب عليه.

(34) بل عند إرادة إحداث الحدث، كما يأتي في [مسألة 14] هنا، و [مسألة 37] من آخر فصل التيمم.

(35) لوجود الخطّ فيه واقعا و إن كان غير مرئيّ ظاهرا، و لا دخل للرؤية و عدمها في الحرمة. و لو سجل القرآن في شريط المسجلة، فإن كان ذلك من انطباع الصوت في الشريط، فلا يجوز المسّ، لوجود الكلمات فيه. و الا فمقتضى الأصل الجواز.

ص: 266

مسألة 12: لا يحرم المسّ من وراء الشيشة

(مسألة 12): لا يحرم المسّ من وراء الشيشة، و إن كان الخطّ مرئيا، و كذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى تحته الخطّ و كذا المنطبع في المرآة (36). نعم، لو نفذ المداد في الكاغذ حتّى ظهر الخطّ من الطرف الآخر لا يجوز مسه خصوصا إذا كتب بالعكس، فظهر من الطرف الآخر طردا (37).

مسألة 13: في مسّ المسافة الخالية التي يحيطها الحرف كالحاء و العين- مثلا- إشكال

(مسألة 13): في مسّ المسافة الخالية التي يحيطها الحرف كالحاء و العين- مثلا- إشكال أحوطه الترك (38).

مسألة 14: في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها إشكال

(مسألة 14): في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها إشكال، و لا يبعد عدم الحرمة، فإنّ الخطّ يوجد بعد المسّ (39). و أما الكتب على بدن المحدث و إن كان الكاتب على

______________________________

(36) كل ذلك، للأصل بعد ظهور الأدلة في كون المس بلا واسطة.

(37) لصدق المس فيهما، فتشمله أدلة الحرمة.

(38) مقتضى عدم صدق مس الخط عليه هو الجواز، و وجه الاحتياط احتمال التبعية العرفية للخط.

(39) فيه منع، لأنّ تأخر المعلول عن العلة رتبيّ لا أن يكون زمانيا فالخط يوجد مع المس زمانا، و إن كان بينهما التقدم و التأخر رتبة، فيصدق المس و يحرم، الا أن يدعى انصراف الدليل عن مثله، و هو مشكل، فالظاهر حرمته، لأنّ مناط الحرمة تحقق المصاحبة و المعيّة بين بدن المحدث و خط القرآن بلا واسطة، و ذكر المس في الأدلة الظاهر في التغاير بين الماس و الممسوس من باب الغالب لا التقييد.

و بعبارة أخرى: المحرّم إنّما هو اسم المصدر لا المصدر و إنّما ذكر المصدر طريقا إليه، فتكون الكتابة على بدن المحدث حينئذ من التسبيب إلى الحرام، فتحرم. نعم، يصح دعوى الانصراف عما لا يبقى أثره، كما إذا كتب بإصبعه من غير مداد، و أما ما يبقى أثره، فلا قصور في شمول الدليل له.

ص: 267

الوضوء، فالظاهر حرمته خصوصا إذا كان بما يبقى أثره.

مسألة 15: لا يجب منع الأطفال و المجانين من المسّ

(مسألة 15): لا يجب منع الأطفال و المجانين من المسّ (40) إلا إذا كان مما يعد هتكا (41). نعم، الأحوط عدم التسبيب (42) لمسّهم، و لو توضّأ الصبيّ المميّز، فلا إشكال في مسّه، بناء على الأقوى من صحة وضوئه و سائر عباداته (43).

مسألة 16: لا يحرم على المحدث مسّ غير الخطّ

(مسألة 16): لا يحرم على المحدث مسّ غير الخطّ من ورق

______________________________

(40) أما الأول، فللأصل و السيرة في الجملة، و ظهور الأدلة في كونه من التكليفيات المختصة بخصوص المكلفين. نعم، لو كان من الوضعيات لعم الأطفال أيضا، و الشك فيه يكفي في جريان البراءة، مع أنّ وجوب منعهم يحتاج إلى الدليل في هذا الأمر العام البلوى خصوصا في الأزمنة القديمة التي كان تعلم الصبيان للقرآن شائعا فيها. و هو مفقود. و ما يقال: في وجوبه من أنّ مسّهم له مناف للتعظيم. مخدوش صغرى و كبرى.

(41) فيجب المنع إجماعا، بل ضرورة.

(42) لجريان سيرة المتشرعة على التحفظ عن مسهم، و قد كانت العادة جارية في المكاتب القديمة على المنع فيما أدركناها.

(43) للإطلاقات و العمومات الشاملة للمميزين أيضا، و المنساق من حديث رفع القلم (1) الذي سبق مساق الامتنان هو رفع الإلزام، دون أصل المشروعية كما أنّ ظاهر حديث: «عمد الصبيّ خطأ» (2) الجنايات دون غيرها، فالمقتضي للصحة موجود- و هو إطلاق الأدلة- و المانع عنها مفقود، فتكون عباداته كسائر أعماله الحسنة حيث يستحسن منه عرفا و عقلا و شرعا.

______________________________

ص: 268


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 110.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 3.

القرآن حتّى ما بين السطور و الجلد و الغلاف (44). نعم، يكره ذلك، كما أنّه يكره تعليقه و حمله (45).

مسألة 17: ترجمة القرآن ليست منه بأيّ لغة كانت

(مسألة 17): ترجمة القرآن ليست منه بأيّ لغة كانت (46) فلا بأس بمسّها على المحدث. نعم، لا فرق في اسم الله تعالى بين اللغات (47).

مسألة 18: لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن و إن كان يابسا

(مسألة 18): لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن و إن كان يابسا، لأنّه هتك، و أما المتنجس، فالظاهر عدم البأس به مع عدم الرطوبة، فيجوز للمتوضئ أن يمسّ القرآن باليد المتنجسة، و إن كان الأولى تركه (48).

مسألة 19: إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكلها

(مسألة 19): إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكلها (49)، و أما للمتطهّر فلا بأس، خصوصا إذا كان بنيّة الشفاء أو التبرك.

______________________________

(44) للأصل و عدم الخلاف.

(45) لما مر من خبر إبراهيم بن عبد الحميد (1) المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا.

(46) لأنّ لنفس الألفاظ الخاصة المنزلة على النبيّ صلّى الله عليه و آله موضوعية خاصة في ذلك، و الترجمة ليست منها، مضافا إلى أصالة البراءة.

(47) لأنّ المناط ما كان علما للذات الأقدس الرّبوبيّ، و هو موجود في كلّ ما كان علما له تعالى من أيّة لغة كانت.

(48) إن لم يتحقق الهتك و التوهين عند المتشرعة، و الا يجب الترك.

(49) مع استلزام المسّ و لو بباطن الفم قبل المحو. و أما مع عدمه أو الشك

______________________________

ص: 269


1- تقدم في صفحة: 260.

.....

______________________________

فيه، فمقتضى الأصل هو الجواز.

فروع- (الأول): إذا كتب القرآن غلطا، فمقتضى الأصل جواز مسّه بلا وضوء، لأنّه ليس بقرآن، و إن كان الأحوط تركه.

(الثاني): لو شك في شي ء أنّه قرآن أم لا، فمقتضى الأصل جواز مسّه.

(الثالث): لو علم إجمالا في صفحة كتاب- مثلا- شي ء من القرآن، و لم يعلم ذلك تفصيلا، لا يجوز مس بعض الخطوط منها بلا طهارة لتنجز العلم الإجمالي.

ص: 270

فصل في الوضوءات المستحبة

اشارة

(فصل في الوضوءات المستحبة)

مسألة 1: الأقوى- كما أشير إليه سابقا- كونه مستحبا في نفسه

(مسألة 1): الأقوى- كما أشير إليه سابقا- كونه مستحبا في نفسه (1)، و إن لم يقصد غاية من الغايات، حتّى الكون على الطهارة (2) و إن كان الأحوط قصد إحداها (3).

(فصل في الوضوءات المستحبة)

______________________________

(1) لأنّه نظافة ظاهرية و طهارة حدثية، و هما مطلوبان بالذات شرعا و عقلا، و عرفا.

(2) لكن تقدم أنّ رافعية الوضوء الجامع للشرائط للحدث توليديّ لا أن يكون قصديّا، فلا ينفك قصد الغسلات الخاصة مع تحقق الشرائط و فقد الموانع عن رفع الحدث، فهو مقصود بعين قصد السبب، بل يكون رافعا حتّى مع قصد العدم إن لم يخل ذلك بالقربة.

(3) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الفاضلين و الشهيد من أنّ رجحانه غيريّ فقط، لا أن يكون ذاتيّا.

و خلاصة ما استدل لهم: بعد قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1)، و قول أبى جعفر عليه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة» (2) و غيره مما هو كثير، الظاهر كل ذلك في أنّ مطلوبيته إنّما تكون للغير

______________________________

ص: 271


1- المائدة 5: آية: 6.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.

مسألة 2: الوضوء المستحب أقسام

اشارة

(مسألة 2): الوضوء المستحب أقسام:

(أحدها): ما يستحب في حال الحدث الأصغر، فيفيد الطهارة منه.

(الثاني): ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء التجديدي (4).

(الثالث): ما هو مستحب في حال الحدث الأكبر، و هو لا يفيد الطهارة (5) و إنّما هو لرفع الكراهة، أو لحدوث كمال في الفعل الذي يأتي به، كوضوء الجنب للنوم و وضوء الحائض للذكر في مصلّاها.

______________________________

و بالغير، فليس معنى المقدمية إلّا أن تكون كذلك.

(و فيه): أنّ الآية و الروايات في مقام بيان الشرطية، و يتبعها الوجوب الغيري لا محالة، و ذلك لا ينافي الرجحان الذاتي، و ليست في مقام بيان هذه الجهة حتّى يستدل بها للنفي أو الإثبات. و أما أنّ المقدمية متقوّمة بالوجوب الغيريّ، فهو مسلّم لا ريب فيه، و لكن لم يثبت بدليل من عقل أو نقل: أنّه لا بد و أن لا يكون راجحا ذاتيا، و كم من راجح ذاتيّ وقع مقدمة لغيره، داخلية كانت أو خارجية. هذا و تفصيل الكلام في علم الأصول.

(4) إجماعا و نصوصا، منها: قوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور» (1).

و ظاهرها كون التجديدي عين الوضوء الرافع للحدث فعلى هذا لو توضأ بقصد التجديد فبان كونه محدثا يرتفع حدثه.

(5) بدعوى: أنّه مع وجود الحدث الأكبر لا وجه لزوال الحدث الأصغر.

و فيه: أنّه لا مانع من عقل أو شرع من زوال الحدث الأصغر بالوضوء مع بقاء الحدث الأكبر بعد إمكان اعتبار التفكيك بينهما ذاتا و أثرا فلو توضأت الحائض ثمَّ

______________________________

ص: 272


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 8.
أما القسم الأول، فلأمور

أما القسم الأول، فلأمور:

(الأول): الصلاة المندوبة و هي شرط في صحتها أيضا (6).

(الثاني): الطواف المندوب (7)، و هو ما لا يكون جزءا من حج

______________________________

انقطع الحيض و اغتسلت لا يجب عليها الوضوء بناء على عدم كفاية غسل الحيض عن الوضوء، كما أنّها لو كانت جنبا و اغتسلت للجنابة يرتفع حدث الجنابة، و إن بقي حدث الحيض، و لا تحتاج بعد انقطاع الحيض إلى تجديد غسل الجنابة.

و يأتي في [مسألة 43] من فصل أحكام الحائض ما ينفع المقام. و كذا وضوء من مس ميتا بناء على كونه من الحدث الأكبر كما يظهر من الماتن رحمه الله فيما يأتي من القسم الثالث، و لكنّه يصرح بعدم كونه من الحدث الأكبر في (فصل غسل مس الميت) [مسألة 17].

إن قلت: مع وجود المرتبة الأشدّ من الحدث كيف يعقل رفع المرتبة الأخفّ منه؟

(قلت): بناء على كون الحدث الأكبر و الأصغر حقيقتين مختلفتين لا مانع منه. و كذا بناء على كونهما حقيقة واحدة ذات مراتب متفاوتة قابلة للاشتداد و التضعيف، لأنّ ما حصل بالحدث الأصغر يرتفع بالوضوء، و يبقى ما حصل من الحدث الأكبر.

(6) بضرورة المذهب، بل الدّين، و قولهم عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور» (1).

(7) قال الصادق عليه السلام في الصحيح: «لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل» (2).

المحمول بالنسبة إلى الطواف المندوب على الندب، بقرينة قوله عليه السلام: «لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثمَّ يتوضأ و يصلّي- الحديث-» (3) و يأتي التفصيل في محله.

______________________________

ص: 273


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 2.

أو عمرة و لو مندوبين (8)، و ليس شرطا في صحته. نعم، هو شرط في صحة صلاته (9).

(الثالث): التهيّؤ للصلاة في أول وقتها (10) أو أول زمان إمكانها

______________________________

و من ذلك يظهر أنّ قول أبي الحسن عليه السلام: «إذا طاف الرجل بالبيت و هو على غير وضوء، فلا يعتد بذلك الطواف و هو كمن لم يطف»(1) محمول على الفريضة دون النافلة، و من ذلك كله يظهر عدم الاعتبار في صحته.

(8) إذ لو كان جزءا لهما لصار واجبا نصا (2) و إجماعا، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

(9) نصوصا و إجماعا قال الصادق عليه السلام: «و من طاف تطوعا و صلّى ركعتين على غير وضوء، فليعد الركعتين، و لا يعد الطواف» (3).

(10) كما عن جمع منهم العلامة و الشهيد رحمهم الله، للمرسل: «ما وقّر الصلاة من أخر الطهارة لها حتّى يدخل وقتها» (4)، و للمستفيضة المرغبة على إتيان الصلاة في أول وقتها (5)، و لا يتم الا بذلك، و لأنّه من المسارعة إلى الخيرات المطلوبة كتابا و سنة، و لسيرة الأسلاف الصالحين الذين يقتدى بأفعالهم، بل الظاهر جريان السيرة مطلقا على أنّ الاهتمام بشي ء يقتضي تحصيل مقدماته قبل دخول وقته.

إن قلت: إنّ ذلك كله لا يثبت الاستحباب الشرعيّ قبل الوقت، لقصور المرسل سندا، و عدم كون المراد بأول الوقت في الأخبار المرغبة لإتيان الصلاة في أول الوقت الأول الدقيّ الحقيقيّ، بل العرفيّ منه الذي لا ينافي تحصيل المقدمات بعد دخول الوقت، و كذا الكلام فيما دل على المسارعة إلى الخيرات، و إمكان أن يكون فعل الصالحين بداعي الكون على الطهارة لا التهيؤ.

______________________________

ص: 274


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 11.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 5.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 5.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت (كتاب الصلاة).

إذا لم يمكن إتيانها في أول الوقت (11)، و يعتبر أن يكون قريبا من الوقت أو زمان الإمكان، بحيث يصدق عليه التهيّؤ (12).

(الرابع): دخول المساجد (13).

______________________________

قلت: يكفي في الاستحباب تسامحا إرسال مثل الشهيدين للخبر، و هذا المرسل لا يقصر عن سائر المراسيل الواردة في موارد مختلفة التي تسالموا على الاستحباب الشرعي لأجلها.

إن قلت: لا ريب في اشتراط وجوب الصلاة و صحتها بدخول الوقت فإذا كان الوضوء الذي يكون مقدمة لها غير مشروط به يلزم التفكيك بين المقدمة و ذيها من هذه الجهة، و هو باطل كما ثبت في محله.

قلت: ما هو الباطل إنّما هو التفكيك بين وجوب المقدمة و وجوب ذيها.

و أما التفكيك بين رجحان المقدمة لعروض عنوان راجح عليها و بين وجوب ذي المقدمة فلا محذور فيه، بل هو واقع كثيرا.

ثمَّ إنّ الوضوء للكون على الطهارة، و للتهيؤ للفريضة قبل أن يدخل وقتها، و لإيقاع الصلاة في أول الوقت عناوين مختلفة لا ربط لأحدها بالآخر، لأنّ الأول يصح مطلقا، و الثاني يدور مدار صدق التهيؤ عرفا و الثالث أعمّ من الثاني، فيصح الوضوء بعد طلوع الشمس- مثلا- لإيقاع صلاة الظهر في أول الوقت، و مقتضى إطلاق المرسل صحة الثالث و لكن المتيقن منه و من كلمات القوم هو الثاني.

(11) لشمول إطلاق المرسل(1) له أيضا إذ يمكن أن يراد بقوله عليه السلام: «حتّى يدخل وقتها» إمكان أدائها.

(12) جمودا على هذا التعبير الواقع في كلمات الفقهاء، و اقتصارا على المتيقن من المرسل، كما تقدم.

(13) لظهور الإجماع و قول أبي عبد الله عليه السلام: «عليكم بإتيان

______________________________

ص: 275


1- المتقدم في صفحة: 274.

(الخامس): دخول المشاهد المشرفة (14).

(السادس): مناسك الحج (15) مما عدا الصلاة و الطواف.

(السابع): صلاة الأموات (16).

(الثامن): زيارة أهل القبور (17).

(التاسع): قراءة القرآن، أو كتبه، أو لمس حواشيه، أو حمله (18).

______________________________

المساجد، فإنّها بيوت الله تعالى في الأرض، من أتاها متطهّرا طهّره الله من ذنوبه و كتب من زوّاره» (1).

(14) لسيرة الفقهاء و المؤمنين خلفا عن سلف و قد أرسل صاحب الجواهر في كتاب الديات: «إنّ بيوتنا مساجد» و عن ابن حمزة: إلحاق كل مكان شريف بالمساجد، و يشهد له الاعتبار و سيرة الصالحين الأخيار.

(15) قال أبو عبد الله عليه السلام: «لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء- إلى أن قال- و الوضوء أفضل» (2)، و قال عليه السلام: «و لو أتمّ مناسكه بوضوء كان أحبّ إليّ» (3).

(16) راجع فصل آداب الصلاة على الميت.

(17) عن الشهيد ورود خبر به، و عن الدلائل: التقييد بالمؤمنين، و لعلّه المنساق من كلمات الفقهاء أيضا، و يمكن انطباق ما يأتي في قراءة القرآن و الدعاء على ذلك أيضا، لعدم انفكاك الزيارة عن قراءة القرآن و الدعاء غالبا.

(18) تقدم ما يدل على الأول. و يدل على الثاني: خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل أ يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح و الصحيفة و هو

______________________________

ص: 276


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب السعي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب السعي حديث: 6.

(العاشر): الدعاء و طلب الحاجة من الله تعالى (19).

(الحادي عشر): زيارة الأئمة و لو من بعيد (20).

(الثاني عشر): سجدة الشكر، أو التلاوة (21).

______________________________

على غير الوضوء؟ قال عليه السلام: لا» (1).

المحمول على استحباب الوضوء إجماعا، و جمعا بينه و بين ما يدل على كتابة الحائض للتعويذ الشامل بإطلاقه لما إذا اشتمل على القرآن، فعن ابن فرقد عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن التعويذ يعلق على الحائض. قال عليه السلام: نعم، لا بأس. و قال عليه السلام: تقرأه و تكتبه و لا تصبه يدها» (2).

و تقدم ما يدل على الأخيرين من خبر إبراهيم بن عبد الحميد في أول الفصل، و المتيقن منه ما إذا كان الحمل و المس راجحين في الجملة.

(19) أما الأول: فعلى المعروف بين الفقهاء، بل الداعين مطلقا مع أنّ الدعاء لا ينفك عن طلب الحاجة، فيشمله الصحيح الآتي.

و أما الثاني: فلقول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «من طلب حاجة و هو على غير وضوء، فلم تقض فلا يلومنّ الا نفسه» (3) الظاهر في الترغيب إلى الوضوء الذي هو عبارة أخرى عن الاستحباب.

(20) يأتي في كتاب المزار إن شاء الله تعالى، و في الجواهر: «إنّ النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم، بل الغسل أكثر من أن تحصى».

(21) أما الأول فلقول الصادق عليه السلام: «من سجد سجدة الشكر و هو متوضئ كتب الله له بها عشر صلوات، و محي عنه عشر خطايا عظام» (4).

______________________________

ص: 277


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 4.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الوضوء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 1.

(الثالث عشر): الأذان و الإقامة، و الأظهر شرطيته في الإقامة (22).

(الرابع عشر): دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة إلى كلّ منهما (23).

(الخامس عشر): ورود المسافر على أهله، فيستحب قبله (24).

(السادس عشر): النوم (25).

______________________________

و أما الأخير فيشهد له قوله عليه السلام: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها، فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي» (1).

فإنّ مثل هذا التعبير ظاهر في مفروغية رجحان الطهارة فيها، و إنّما ذكر ذلك لأجل دفع توهم اشتراط الطهارة في أصل الصحة.

(22) راجع الأمر الثالث من فصل مستحبات الأذان و الإقامة.

(23) لصحيح أبي بصير: «سمعت رجلا يقول لأبي جعفر عليه السلام:

إنّي قد أسننت و قد تزوجت امرأة بكرا صغيرة، و لم أدخل بها، و إنّي أخاف إذا دخلت عليّ فرأتني أن تكرهني لخضابي و كبري، فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا دخلت، فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة. ثمَّ أنت لا تصل إليها حتّى تتوضأ و صلّ ركعتين» (2).

بناء على أنّ ما ذكر في صدر الحديث من حكمة تشريع أصل الحكم، لا العلّة حتى يدور الحكم مدارها وجودا و عدما.

(24) قال أبو عبد الله عليه السلام: «من قدم من سفره، فدخل على أهله، و هو على غير وضوء، و رأى ما يكره، فلا يلومنّ الا نفسه» (3) و قد تقدم أنّ

______________________________

ص: 278


1- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
3- لم نعثر على مصدر هذه الرواية الا أنّ صاحب الحدائق ذكرها في الحدائق ج: 1 الطبعة الحجرية ص: 143.

(السابع عشر): مقاربة الحامل (26).

(الثامن عشر): جلوس القاضي في مجلس القضاء (27).

(التاسع عشر): الكون على الطهارة.

(العشرون): مسّ كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه، و هو شرط في جوازه كما مرّ، و قد عرفت: أنّ الأقوى استحبابه نفسيّا أيضا.

و أما القسم الثاني فهو الوضوء للتجديد

و أما القسم الثاني فهو الوضوء للتجديد، و الظاهر جوازه ثالثا و رابعا، فصاعدا أيضا (28)، و أما الغسل فلا يستحب فيه التجديد، بل

______________________________

هذا النحو من التعبير ظاهر في مفروغية رجحان أصل الوضوء في مورده.

(25) قال أبو عبد الله عليه السلام: «من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده» (1). و الإشكال فيه: بأنّه مستلزم لكون غاية الوضوء الحدث، شبهة في مقابل النص، مع أنّ الغاية حصول الطهارة عند التعرض للنوم، لا أن يكون نفس النوم من حيث هو غاية، فلا إشكال أصلا.

(26) لوصية النبيّ صلّى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «إذا حملت امرأتك. فلا تجامعها الا و أنت على وضوء» (2).

(27) كما عن جمع من الفقهاء، و يشهد له الاعتبار، لأنّه من أهم مصائد الشيطان، فلا بد من المدافعة معه بكل ما أمكن، و اعترف جمع منهم صاحب الجواهر بعدم العثور فيه على النص، و تقدم الوجه في الأخيرين.

فائدة: لا يعتبر في قصد الغاية المطلوبة القصد التفصيلي، بل يكفي الارتكازي الإجمالي أيضا، للأصل كسائر الدواعي و الغايات. و الظاهر أنّ قصد الكون على الطهارة مرتكز في أذهان المتشرعة، ففي الموارد التي لم يثبت استحباب الوضوء لها يصح الاستحباب بهذا القصد الارتكازي و لا محذور فيه.

(28) لإطلاق قول أبي عبد الله عليه السلام: «من جدّد وضوءه لغير حدث

______________________________

ص: 279


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء حديث: 1.

و لا الوضوء بعد غسل الجنابة و إن طالت المدّة (29).

و أما القسم الثالث فلأمور

و أما القسم الثالث فلأمور:

(الأول): لذكر الحائض في مصلّاها مقدار الصلاة (30).

______________________________

جدّد الله توبته من غير استغفار» (1)، و إطلاق قوله عليه السلام أيضا: «الوضوء بعد الطهور عشر حسنات» (2). و الانصراف إلى المرة الأولى بدويّ لا يعتنى به، و لكن الاولى فيما إذا لم يتخلل في البين زمان معتد به، و فيما إذا لم يكن التجديد للغايات المتعددة- كما إذا توضأ لصلاة الظهر، ثمَّ توضأ لصلاة العصر، ثمَّ توضأ لصلاة القضاء- مثلا- أن يقصد الرجاء.

(29) نسب ذلك إلى المشهور، للأصل. و لكنه خلاف إطلاق قوله عليه السلام: «الطهر على الطهر عشر حسنات» (3)، الا أن يدعى الانصراف إلى الوضوء بقرينة قوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور» (4).

فروع- (الأول): كما يكون التجديد قصديا يكون انطباقيا قهريا أيضا، فمن اعتقد أنّه محدث و توضأ، ثمَّ بان أنّه كان متطهرا، ينطبق على وضوئه التجديد، و يثاب بثوابه، لإطلاق قوله عليه السلام: «الطهر على الطهر عشر حسنات»، و لسعة تفضل الله تعالى بحيث لا نهاية له، و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في [مسألة 3].

(الثاني): مقتضى الإطلاق صحة التجديد بعد الفراغ من الوضوء الأول بلا فصل، و لكن الأولى التأخير في الجملة، و أولى منه التجديد عند إرادة إتيان العمل المشروط بالطهارة.

(الثالث): قد يجب التجديد بالنذر و نحوه.

(30) على المشهور، لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا

______________________________

ص: 280


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 10.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 8.

(و الثاني): لنوم الجنب، و أكله، و شربه، و جماعه (31)،

______________________________

كانت المرأة طامثا لا تحل لها الصلاة، و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثمَّ تقعد في موضع طاهر، فتذكر الله عزّ و جل، و تسبّحه، و تهلّله، و تحمده كمقدار الصلاة، ثمَّ تفرغ لحاجتها» (1).

و نسب إلى الصدوقين وجوب ذلك عليها، لتعبيرهما به. و لكنه أعم، لأنّ الوجوب في اصطلاح الأخبار و القدماء أعم من مطلق الثبوت، و قد مر إمكان أن يكون هذا الوضوء كسائر الوضوءات الرافعة للحدث الأصغر، فلو انقطع حيضها بعده، مع عدم تخلل الحدث الأصغر تكتفي بالغسل فقط و إن كان خلاف الاحتياط، بناء على عدم كفاية غسل الحيض عن الوضوء. ثمَّ إنّه لو تخلل الفصل أو الحدث بين وقت الصلاتين، فلا إشكال في استحباب الوضوء في وقت كلّ منهما، و أما مع عدم تخلل الفصل، أو الحدث، فالأولى الإتيان به في وقت الثانية رجاء، و يأتي في [مسألة 41] من فصل أحكام الحائض ما ينفع المقام.

(31) أما الأول: فلصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال عليه السلام: يكره ذلك حتّى يتوضّأ» (2)، و في خبر سماعة: «و إن هو نام، و لم يتوضّأ، و لم يغتسل، فليس عليه شي ء إن شاء الله» (3).

أما الثاني: فلقول الصادق عليه السلام في الصحيح عن أبيه عليه السلام:

«إذا كان الرجل جنبا لم يأكل، و لم يشرب حتّى يتوضأ» (4).

المحمول على الكراهة بقرينة صحيح عبد الرحمن عنه عليه السلام أيضا:

«أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: عليه السلام إنا لنكسل، و لكن ليغسل يده، و الوضوء أفضل» (5).

______________________________

ص: 281


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 7.

و تغسيله الميت (32).

(الثالث): لجماع من مسّ الميت و لم يغتسل بعد.

(الرابع): لتكفين الميت أو دفنه بالنسبة إلى من غسّله و لم يغتسل غسل المسّ (33).

______________________________

و أما الثالث: فلقول أبي الحسن الثاني عليه السلام: «كان أبو عبد الله عليه السلام إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة» (1).

(32) لخبر شهاب بن عبد ربه: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب أ يغسل الميت، أو من غسل ميتا إله أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال: هما سواء و لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه، و توضأ، و غسل الميت و هو جنب و إن غسل ميتا توضأ، ثمَّ أتى أهله، و يجزيه غسل واحد لهما» (2).

و من ذلك يعلم وجه الثالث أيضا.

(33) أما الأول: فنسبه في الحدائق إلى الأصحاب، و اعترف كصاحبي المدارك و الجواهر: بعدم الظفر بدليله، بل ظاهر الأخبار خلافه لاشتمالها على غسل اليدين من العاتق، أو المنكب، أو المرفق (3) على ما يأتي في محله، و لا تعرض فيها للوضوء. نعم، علّل ذلك بوجوه اعتبارية قاصرة عن إثبات الحكم الشرعي.

و أما الثاني: فنسب إلى المشهور. فإن كان مستندهم قول أبي عبد الله عليه السلام: «توضّأ إذا أدخلت الميت القبر» (4)، فظاهره الوضوء بعد الإدخال لا لأجله، مع أنّه مطلق لا يختص بمن ذكر في المتن. و إن كان المستند غيره،

______________________________

ص: 282


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3 و 7 و 10.
4- الوسائل باب: 53 من أبواب الدفن حديث: 1.

مسألة 3: لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التي توضأ لأجلها

(مسألة 3): لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التي توضأ لأجلها (34)، بل يباح به جميع الغايات ..

______________________________

فلم نظفر عليه.

و خلاصة الكلام: أنّ الوضوء مندوب نفسا، لأنّه نحو نورانية للنفس و هي راجحة و مطلوبة. و يعرض له الاستحباب باعتبار السبب- كما تقدم في [مسألة 13] من [فصل موجبات الوضوء]- أو باعتبار الغايات المندوبة كما يعرض له الوجوب باعتبار السبب كالنذر، أو باعتبار الغاية كالصلاة و الطواف، و لا يتصف الوضوء في ذاته بالإباحة، لأنّه عبادة لا بد فيه من الرجحان، كما لا تتصور الحرمة الذاتية بالنسبة إليه، فيمكن أن تجتمع في وضوء واحد جهات من الندب، أو الوجوب، كما يأتي.

فروع- (الأول): يستحب الوضوء قبل كل غسل غير غسل الجنابة، لقوله عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة»(1).

(الثاني): بناء على استحبابه في نفسه، يستحب للمحدث بالحدث الأكبر أيضا، و لو مع بقاء حدثه و عدم حصول الاستباحة به.

(الثالث): قد أنهى موارد استحباب الوضوء في (الذخيرة) إلى أربعة و خمسين موردا. و ألحق بجلوس القاضي في مجلس القضاء الجلوس لكل مجلس محترم شرعا، كالتدريس و نحوه و قرّره جميع المعلقين عليه (رحمهم الله تعالى).

(34) بضرورة المذهب فيما قارب هذه الأزمنة، لأنّ الحدث الأصغر طبيعة واحدة بسيطة لا اختلاف فيها ذاتا و لا مرتبة، و منشؤها أمور تستند تلك الطبيعة إلى أولها مع تعاقب تلك الأمور، و إلى الجامع منها مع الحصول دفعة. و الطبيعة البسيطة لا تبعض فيها لا بحسب الذات و لا بحسب المرتبة، لفرض البساطة، و الطهارة أيضا طبيعة بسيطة و لا تبعض فيها، لفرض البساطة. نعم، يصح

______________________________

ص: 283


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 1.

.....

______________________________

اتصافها بالشدة مع التجديد، لقوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور» (1)فإن حصلت تلك الطبيعة تحصل بالنسبة إلى تمام الغايات، و إلا فلا تحصل بالنسبة إلى الجميع أيضا، إذ لا وجه للتبعيض فيها، فالوضوء بموجبة و أثره لا تبعيض فيه، بل يتصف بالوجود تارة، و بالعدم أخرى، و لا يتصف بالتبعيض موجبا و أثرا، و قد تطابقت الأدلة على أنّ المعتبر في الغايات، واجبة كانت أو مندوبة، صحة أو كمالا، إنّما هو الطهارة، فراجع أخبار الباب (2) تجد أكثر من ثلاثين خبرا تعلق الحكم فيها على الطهارة و ما يتفرع منها من مشتقاتها.

نعم، تعلق الحكم بالوضوء في جملة منها (3) أيضا، و لكن تقدم أنّ الوضوء مع تحقق الشرائط و فقد الموانع من التوليديات لحصول الطهارة و لا فرق فيها بين تعلق الحكم بالسبب أو بالمسبب. و حينئذ إذا توضأ المحدث لغاية من الغايات تحصل الطهارة لجميعها قهرا، قصدها أم لا، بل و لو قصد عدم حصولها لسائر الغايات، ما لم يخل بالقربة، و لم يرجع إلى التشريع المبطل.

و يمكن الاستدلال بالشكل الأول البديهيّ الإنتاج. بأن يقال: الطهارة حاصلة و صحيحة بهذا الوضوء فعلا، و كل ما حصلت الطهارة و صحت فعلا يصح بها جميع الغايات المشروطة بها، فيصح جميع الغايات بهذا الوضوء. هذا بناء على كون كل واحد من الحدث الأصغر و الطهارة منه بسيطا، و كذا بناء على عدم البساطة فيهما، لأنّ الوضوءات البيانية و الإطلاقات الواردة في هذا الأمر العام البلوى لجميع المكلفين في كل يوم و ليلة مرّات عديدة، و عدم الإشارة فيها إلى اختصاص الطهارة بخصوص رفع الحدث الذي توضأ منه تدل على أنّ الطهارة الحاصلة من كل حدث طهارة لجميع الغايات المطلوبة فيها الطهارة مطلقا.

هذا مع أنّ اختصاص الطهارة بخصوص الغاية المقصودة تضييق مناف لسهولة الشريعة التي دلت عليها الأدلة الكثيرة. و يمكن الرجوع فيه إلى البراءة،

______________________________

ص: 284


1- تقدم في صفحة: 280.
2- راجع الوسائل باب: 1 و 4 و 9 و 10 من أبواب الوضوء و هناك أخبار كثيرة علق الحكم فيها على الطهارة.
3- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 2 و 5 و غيرهما.

المشروطة به (35)، بخلاف الثاني و الثالث، فإنّهما إن وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثّرا إلا فيما قصدا لأجله (36). نعم، لو انكشف الخطأ بأن كان محدثا بالأصغر- فلم يكن وضوؤه تجديديا، و لا مجامعا للأكبر- رجعا إلى الأول (37).

______________________________

لأنّه قيد زائد مشكوك فيه، فتطابقت أصالتا الإطلاق و البراءة على أنّ الطهارة إذا حصلت لغاية تحصل لجميع الغايات.

(35) لأنّه إما أن تحصل به الطهارة أو لا، و الثاني خلف، و على الأول، إما أن تجب معها طهارة أخرى، أو لا، و الأول تحصيل للحاصل، و الثاني هو المطلوب، فيستباح بها جميع الغايات المشروطة به.

(36) أما في الوضوء التجديدي، فلأنّه لا غاية له وراء ذاته، فلا يتصور فيه البحث عن الوقوع لبعض الغايات دون البعض. نعم، لو انكشف أنّه كان محدثا يجري فيه ما تقدم. و أما المجامع للحدث الأكبر، فالظاهر أنّه كسائر الوضوءات يكتفى به لسائر الغايات المطلوبة منه ما لم ينقض، لأنّ المتفاهم من دليله أنّه من طبيعة الوضوء المعهودة في الشريعة، إلا كونه مجامعا للحدث الأكبر، فيجري فيه جميع ما تقدم، و كونه مجامعا للحدث الأكبر لا يوجب كونه مغايرا لطبيعة الوضوء، فيكتفى بوضوء الجنب لأكله، و نومه، و شربه، و جماعه، و بوضوء غاسل الميت لتكفينه و تدفينه.

(37) لأنّ الظاهر من الأدلة أنّ الوضوء مطلقا حقيقة واحدة، و أنّه في رفعه للحدث مع تحقق الشرائط و فقد الموانع من الوضعيات غير المنوطة بالقصد و الاختيار، بل يكفي القصد بالنسبة إلى ذات الغسلات و المسحات فقط، و لا يعتبر قصد رفع الحدث، و لا الالتفات إليه، فإن صادف الحدث رفعه، و الا يكون تجديديا. و كذا من كان معتقدا بأنّه محدث بالحدث الأكبر و توضأ لا يكون اعتقاده مغيّرا لحقيقة الوضوء، و الظاهر من الأدلة أنّ هذا الوضوء أيضا ليس إلا الوضوء المعهود في الشريعة، فيترتب عليه أثره الوضعي من أنّه لو صادف الحدث الأصغر رفعه مع وجود الشرائط و فقد الموانع.

ص: 285

و قوي القول بالصحة و إباحة جميع الغايات به إذا كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعيّ المتوجه إليه في ذلك الحال بالوضوء، و إن اعتقد أنّه الأمر بالتجديدي منه- مثلا- فيكون من باب الخطإ في التطبيق، و تكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي لا التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعيّ على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ، أما لو كان على نحو التقييد كذلك، ففي صحته حينئذ إشكال (38).

مسألة 4: لا يجب في الوضوء قصد موجبه

(مسألة 4): لا يجب في الوضوء قصد موجبه (39) بأن يقصد

______________________________

(38) لا وجه للإشكال إن حصل قصد أصل الوضوء في الجملة، كما مرّ مكررا من أنّ حصول الطهارة بالنسبة إلى الوضوء الجامع للشرائط من الأمور التوليدية غير المنوطة بالقصد. نعم، لو كان التقييد مخلا بقصد الامتثال يبطل من هذه الجهة، و بذلك يمكن أن يرجع النزاع لفظيا، فمن يحكم بالبطلان في صورة التقييد- أي فيما إذا أخلّ ذلك بشرط من الشروط. و من حكم بالصحة أي فيما إذا لم يخل به- و لا فرق في ذلك بين كون نفس الغسلات و المسحات مورد الأمر، أو كون المأمور به الطهارة الحاصلة منها، أما على الأول فواضح لتعلق القصد إليها. و كذا على الثاني، فلما تقدم من أنّ القصد إلى السبب في التوليديات قصد إلى المسبب إجمالا و ارتكازا، و إن لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد الإجمالي الارتكازي. و لا ريب في أنّ قصد التجديد و نحوه طريق إلى قصد المطلوب الواقعي النفس الأمري، فهو المقصود بالذات دون غيره، فلا أثر للتقييد فيما هو متقوّم بالقصد مطلقا، الا إذا رجع إلى قصد عدم الامتثال.

(39) للإجماع، و إطلاق الأدلة، و أصالة البراءة- و على فرض الاعتبار- يكون قصد الوضوء قصدا إجماليا له، لأنّ كلّ مسلم يتوضأ لرفع الحدث و حصول الطهارة، فلا انفكاك بين قصد الوضوء و قصد رفع الحدث و حصول الطهارة، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد الإجمالي الارتكازي، بل مقتضى الأصل عدمه، و قد تقدم ما يتعلق بالتقييد في المسألة السابقة، و أنّه لا يضر التقييد أيضا

ص: 286

الوضوء لأجل خروج البول، أو لأجل النوم، بل لو قصد أحد الموجبات و تبيّن أنّ الواقع غيره صح، الا أن يكون على وجه التقييد.

مسألة 5: يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث

(مسألة 5): يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث، بل لو قصد رفع أحدها، صح و ارتفع الجميع، إلا إذا قصد رفع البعض دون البعض، فإنّه يبطل، لأنّه يرجع إلى قصد عدم الرفع (40).

مسألة 6: إذا كان للوضوء غايات متعدّدة

(مسألة 6): إذا كان للوضوء غايات متعدّدة، فقصد الجميع حصل امتثال الجميع، و أثيب عليها كلّها (41)، و إن قصد البعض حصل

______________________________

ما لم يخل بشرط من الشروط.

(40) تارة: يقصد ذات الوضوء من حيث هو من دون قصد الرفع أبدا.

و اخرى: يقصد رفع طبيعة الحدث. و ثالثة: يقصد رفع الجميع عند الاجتماع و رابعة: يقصد رفع أحد الأحداث مع الغفلة عن البقية أو الالتفات إليها و عدم قصدها. و خامسة: يقصد رفع الحدث المتقدم دون المتأخر. و سادسة: يكون بعكس ذلك.

و الوجه في جميع ذلك الصحة. أما بناء على عدم اعتبار قصد الموجب و إن قصده، و عدم قصده بل قصد عدمه لا يضر ما لم يخل بشرط من شروط الوضوء، فواضح.

و أما بناء على اعتباره فكذلك أيضا، لما تقدم من أنّ قصد الوضوء قصد إجمالي ارتكازي إلى أثره الذي هو رفع الحدث و الانفكاك بينهما في الجملة، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار أزيد من هذا القصد. نعم، في القسمين الأخيرين إن رجع إلى عدم قصد الامتثال يكون باطلا من هذه الجهة، فظهر من ذلك كله: أنّ إطلاق قوله رحمه الله: «لأنّه يرجع إلى قصد عدم الرفع»، مخدوش. و حق التعليل أن يقال: إن رجع إلى عدم قصد الامتثال، و لعل مراده رحمه الله ذلك.

(41) أما اجتماع الغايات المتعددة الواجبة للوضوء فهو مما لا ريب فيه كمن

ص: 287

الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه لكن يصح بالنسبة إلى الجميع، و يكون أداء بالنسبة إلى ما لم يقصد (42)، و كذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة (43).

______________________________

دخل بعد الظهر- مثلا- في المسجد الحرام، و أراد إتيان صلاة الظهرين و طواف الفريضة و صلاة الطواف. و أما أنّه مع قصد امتثال الجميع يثاب على الكل، فلوجود المقتضي- و هو قصد الامتثال بالنسبة إلى الكل- و فقد المانع، و لا فرق في قصد الجميع بين القصد التفصيلي و الإجمالي عرضيا أو طوليا، كما إذا قصد الوضوء لصلاة الفريضة- مثلا- ثمَّ قصد بالوضوء لصلاة الفريضة إتيان طواف الفريضة و صلاته أيضا، فيحصل الامتثال بالنسبة إلى الجميع و يثاب مطلقا، لما دل على تحقق الامتثال و الإثابة بإتيان المكلف به، هذا إذا قلنا بأنّ الثواب إنّما يترتب على قصد الأمر. و أما لو قلنا بترتبه و لو مع عدم قصده، فتترتب حينئذ الثوابات المتعددة على الوضوء الواحد، لفرض تعدد جهاته في الواقع، و لعلنا نتعرّض لهذه الجهة فيما يناسبها إن شاء الله تعالى.

(42) أما حصول الامتثال و الإثابة على المقصود، فلما تقدم من وجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة. و أما الصحة و الأداء بالنسبة إلى الجميع فلحصول الطهارة التي هي شرط لصحة الجميع و أدائه.

هذا- بناء على أنّ الامتثال و الثواب في الأوامر الغيرية يدوران مدار قصد نفس الأمر الغيريّ من حيث هو. و أما بناء على أنّ امتثالها و ثوابها من شؤون قصد أمر ذي المقدمة، و حين الإتيان به يثاب على المقدمة أيضا، لأنّ الأمر المقدميّ يتبع ذا المقدمة في تمام الجهات، فيصح الامتثال و يثاب بالنسبة إلى الجميع في هذه الصورة أيضا، و ليس ذلك من فضل الله تعالى ببعيد، بل هو المرجوّ منه و المأنوس من عاداته تعالى.

(43) لعين ما تقدم في غايات الوضوء الواجبة، كما يفرض فيها الإجمال و التفصيل، و الطولية و العرضية بنحو ما مرّ فيها بلا فرق بينها أصلا.

فائدة: لا ريب في تعدد أوامر الغايات عند اجتماعها، واجبة كانت أو

ص: 288

و إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة أيضا (44) يجوز قصد

______________________________

مندوبة، لتعدد متعلقاتها، فلا يتوهم محذور اجتماع المثلين على فرض لزومه.

و الحق أنّ الطهارة عند وقوعها مقدمة لغايات متعددة تكون موردا لأوامر متعددة أيضا و لا محذور فيه، لأنّ التكاليف مطلقا، واجبة كانت أو مندوبة، نفسية كانت أو غيرية، اعتباريات عقلائية قررها الشارع. و لا موضوع لاجتماع المثلين في الاعتباريات أصلا، لأنّ موضوعه الأعراض الخارجية، كالسواد و البياض لا الاعتباريات، كما ثبت في محله.

إن قلت: بناء على ذلك يصح كونها موردا لأوامر متعددة أيضا و لا يلزم المحذور لتعدد الجهة.

قلت: تعدد الجهة تدفع المحذور إذا كانت تقييدية لا تعليلية، و المقام من الثاني دون الأول، كما هو واضح.

(44) اجتماع الغايات الواجبة و المندوبة من ضروريات الفقه، بل من مرتكزات المتشرعة، بل جميع الناس كما إذا كان بعد دخول الوقت و أريد إتيان الفريضة و قضاء ما فات و إتيان النافلة، و قراءة القرآن و نحو ذلك، و لا يستنكر ذلك متعارف الناس.

نعم، أشكل عليه: بأنّه بعد فعلية الوجوب للطهارة يكون اتصافها بالاستحباب من اجتماع الضدين الباطل، لأنّ الوجوب ينافي الترخيص في الترك، و الاستحباب يلائمه و لا ينافيه، فكيف يصح اجتماعهما في شي ء واحد.

و أجيب عنه بوجوه:

منها: أنّ اختلاف الجهة تدفع الغائلة، لأنّ حيثية كون الطهارة مقدمة للواجب غير حيثية كونها مقدمة للمندوب.

(و فيه): أنّه مسلّم إن كانت تقيدية، بمعنى أن تكون نفس الحيثية متعلقة الوجوب و الندب. و أما إن كانت تعليلية بمعنى أن يعبر الحكم منها إلى ذات المقدمة، فلا أثر للاختلاف حينئذ، لكون معروض الوجوب و الندب ذات المقدمة فيعود المحذور. الا أن يقال: إنّه كذلك بالدقة العقلية، و ليست

ص: 289

.....

______________________________

الأحكام مبنية عليها. و أما بنظر العرف المبتني عليه الأحكام، فيعتبر التعدد في ظرف تعدد الجهة، و هذا المقدار يكفي في رفع المحذور.

و منها: أنّ الاختلاف في الوجوب و الندب بحسب الكيفية، فيكون الوجوب وصفا لذات المقدمة فعلا، و الندب غاية من غاياتها المترتبة عليها و لا تنافي بينهما، فيقصد المكلف بطهارته الوجوب الوصفيّ، و الندب الغائيّ و لا محذور فيه.

و يرد عليه أولا: أنّه كما يمكن فرض الوجوب وصفا و الندب غاية يمكن فرض العكس أيضا و لا تعين للأول، و ثانيا: المشهور أنّ ذات المقدمة من حيث هي تتصف بحكم ذيها وجوبا أو ندبا، لا أنّه من الغايات المترتبة عليها، فيبقى المحذور بحاله. الا أن يقال: إنّه لا دليل على مقالة المشهور، و حيثية الوصفية و حيثية الغائية حيثيتان مختلفتان يعتبر العرف بها تعدد المقدمة تعددا اعتباريا، و هذا المقدار يكفي في رفع المحذور.

(و منها): أنّ الاجتماع ملاكيّ لا فعليّ خارجيّ. و لا تنافي بين الملاكين لكونهما من مجرد الاقتضاء فقط. (و فيه): أنّه خلاف الفرض، لأنّ الإشكال إنّما يرد على فرض لحاظ الوجوب و الندب الفعليين.

(و منها): أنّ الندب إنّما ينافي الوجوب إذا لوحظ بحدّه الخاص الذي هو الترخيص في الترك. و أما إذا لوحظ ذات الطلب الموجود فيه من حيث هو مع قطع النظر عن حدّه الخاص، فلا تنافي بينه و بين الوجوب، كما أنّ الخمسة إنّما تباين العشرة إن لوحظت بقيد الخمسة، و أما إن لوحظت بذاتها فتلائم العشرة حينئذ، فكذا المقام.

و الظاهر أنّ الإيكال إلى مرتكزات عوام المتشرعة أولى من هذه التكلفات، إذ ربّ مبيّن عرفي يصير متشابها إذا أريد تطبيقه على المغالطات و المتشابهات، و قد جرت السيرة من المسلمين قديما و حديثا على التوضي لغايات مختلفة واجبة و مندوبة وضوءا واحدا، و أدل الدليل على إمكان الشي ء وقوعه خارجا و دعوى:

أنّهم يقصدون خصوص الغاية الواجبة. بلا شاهد، بل يعترفون بخلافه.

ص: 290

الكل، و يثاب عليها، و قصد البعض دون البعض (45) و لو كان ما قصده هو الغاية المندوبة، و يصح معه إتيان جميع الغايات (46)، و لا يضرّ في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب و الاستحباب معا.

و مع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلا واجبا، لأنّه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي و إن كان متصفا بالوجوب، فالوجوب الوصفيّ لا ينافي الندب الغائيّ، لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب و الاستحباب من جهتين (47).

______________________________

(45) أما جواز قصد الكل فلوجود المقتضي و فقد المانع. و أما الإثابة على الكل فيما إذا قصد الجميع، فلتحقق الامتثال الاختياري بالنسبة إلى الجميع، و أما صحة قصد البعض دون البعض، فللأصل و إطلاق الأدلة، و سيرة المتشرّعة في الجملة. و أما الإثابة على البعض، فلتحقق الامتثال بالنسبة إليه، و قد تقدم إمكان الإثابة على الكلّ مع قصد البعض أيضا، فراجع.

(46) أما التعميم بالنسبة إلى ما لو كان المقصود الغاية المندوبة أيضا، فلوجود الأمر بالنسبة إليها فيصح قصده. و أما صحة إتيان جميع الغايات المشروطة بالطهارة، فلفرض حصول الطهارة التي هي شرط صحة تلك الغايات. ثمَّ إنّه يكفي في قصد الغايات القصد الإجمالي الارتكازي، فمن يلتفت إلى الغايات في الجملة و يعلم أنّه يباح بالوضوء جميع تلك الغايات و كان بانيا على إتيانها لو لم يمنعه مانع، تكون مقصودة و يثاب عليها.

(47) إن كانت الجهتان تقييديتين فيصح ذلك، و لا إشكال فيه. و أما إذا كانتا تعليليتين، كما في المقام، فلا يدفع بهما محذور اجتماع الضدين في شي ء واحد. الا أن يقال: إنّ اعتبار التعدد عرفيّ و هو حاصل في المقام و قد تقدم بعض الكلام فراجع.

ثمَّ إنّه قد يستشكل بأنّ الاستحباب و ملاكه لا اقتضائيّ بالنسبة إلى الوجوب الذي فيه الاقتضاء، و مع وجود ما فيه الاقتضاء لا موضوع لما لا اقتضاء فيه

ص: 291

.....

______________________________

أصلا، فلا مورد للبحث حتّى يبحث عن ثبوت الاستحباب فعلا أو ملاكا.

(و فيه): أنّه من مجرد الدعوى، لأنّ كل حكم من الأحكام التكليفية يكون فيه الاقتضاء الا أنّه يختلف شدة و ضعفا، و لا يوجب ذلك أن يكون الضعيف مما لا اقتضاء فيه.

ثمَّ إنّ الإشكال من ناحية قصد الوجوب و الندب مبنيّ على اعتبار قصد الوجه، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتباره، فلا يبقى موضوع للإشكال من هذه الجهة، و قد تقدم إمكان تصحيح قصدهما على فرض الاعتبار أيضا، و يأتي نظير المقام في [مسألة 28 و 31] من (فصل شرائط الوضوء).

فرعان- (الأول): لو قصد الغايات المتعددة و لم يوفق لإتيانها يثاب على قصده لها، للمستفيضة الدالة على ترتب الثواب على قصد الحسنة (1).

(الثاني): لو لم يعلم بأنّه يوفق لإتيان الغايات المتعددة يجوز قصدها رجاء، فيثاب حينئذ. نعم، لو علم بأنّه لا يوفق لإتيانها يشكل القصد حينئذ.

______________________________

ص: 292


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب مقدمة العبادات.

فصل في بعض مستحبّات الوضوء

اشارة

(فصل في بعض مستحبّات الوضوء)

الأول: أن يكون بمدّ

(الأول): أن يكون بمدّ (1)، و هو ربع الصّاع و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال، فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمصة و نصف.

(فصل في بعض مستحبّات الوضوء)

______________________________

(1) نصّا و إجماعا، قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «كان رسول الله صلّى الله عليه و آله يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع» (1).

المحمول على الاستحباب، للاتفاق و استفاضة الروايات بكفاية مثل الدهن، و كف واحد (2)- كما في المستند- و عن الشهيد (قدّس سرّه) استظهار كون المد لماء الاستنجاء و الوضوء، و يظهر ذلك من خبر عبد الرحمن بن كثير (3) و لا يبعد ذلك بالنسبة إلى قلة المياه في الأزمنة القديمة خصوصا في الحجاز و سهولة الشريعة، و تشريع التكاليف بالنسبة إلى أقلّ الناس تحمّلا، كما في الأخبار (4). و المدّ ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا. و الصاع أربعة أمداد فيصير ثلاثة كيلوات تقريبا.

(2) نصّا و إجماعا، قال النبيّ صلّى الله عليه و آله لعليّ: «عليك بالسواك

______________________________

ص: 293


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب المضاف حديث: 1 و باب: 31 من أبواب الجنابة و باب 52 من أبواب الوضوء.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الوضوء حديث: 1.
4- راجع علل الشرائع و الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 13.

الثاني: الاستياك بأيّ شي ء كان

(الثاني): الاستياك (2) بأيّ شي ء كان، و لو بالإصبع (3)، و الأفضل عود الأراك (4).

الثالث: وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين

(الثالث): وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين (5).

______________________________

عند كل وضوء» (1) المحمول على الندب إجماعا.

(3) أما التعميم بالنسبة إلى أيّ شي ء فللإطلاق و الاتفاق. و أما بالإصبع، فللنبوي: «التسوك بالإبهام و المسبحة عند الوضوء سواك»(2)، و عن عليّ عليه السلام: «أدنى التسوك أن تدلكه بإصبعك» (3).

(4) تأسّيا بالنبيّ صلّى الهّي عليه و آله، «فإنّه كان يستاك به، أمره بذلك جبرئيل»- كما في مكارم الأخلاق- و في الرسالة الذهبية: «و اعلم يا أمير المؤمنين أنّ أجود ما استكت به ليف الأراك» (4).

فروع- (الأول): الظاهر كفاية ما يسمّى في هذه الأزمنة (بالفرشاة)، للإطلاق الشامل لها أيضا.

(الثاني): مقتضى الإطلاق شمول الأدلة للأسنان الصناعية أيضا، و لو أخرج أسنانه المصنوعة عند الوضوء و غسلها ثمَّ وضعها في فمه، فالظاهر كفاية ذلك عن الاستياك.

(الثالث): مقتضى الجمود على الإطلاقات عدم سقوط الاستياك حتّى مع نظافة الأسنان أيضا طبيعية كانت أو صناعية.

(الرابع): مقتضى الإطلاقات حصول الاستحباب بالاستعانة بالغير أيضا.

(5) على المشهور، بل ادعي الإجماع عليه، و اعترف في الحدائق بعدم

______________________________

ص: 294


1- الوسائل باب: 3 من أبواب السواك حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب السواك حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب السواك حديث: 4.
4- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب السواك حديث: 6.

الرابع: غسل اليدين قبل الاغتراف

(الرابع): غسل اليدين قبل الاغتراف مرّة في حدث النوم و البول، و مرّتين في الغائط (6).

______________________________

الظفر بنص فيه بالخصوص. و استدل عليه بالنبويين:

أحدهما: «إنّ الله يحب التيامن في كلّ شي ء» (1)، و الآخر في- حديث- «إنّه صلّى الله عليه و آله كان يعجبه التيامن في طهوره و فعله و شأنه كله» (2).

و يمكن أن يراد بالتيامن، التيمن أي التبرك و البركة، فلا ربط لهما حينئذ بالمقام. و أما الاستدلال بأنّه أمكن في الاستعمال. فمخدوش كبرى و صغرى.

و أما صحيح زرارة الدال على وضع أبي جعفر عليه السلام الماء بين يديه (3) فهو أعم من كونه في طرف يمينه أو غيرها.

(6) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال عليه السلام: واحدة من حدث البول، و اثنتان من حدث الغائط، و ثلاث من الجنابة» (4).

و في مرسل الفقيه: «اغسل يدك من النوم مرّة» (5) المحمول على الندب إجماعا.

و أما خبر حريز «يغسل الرجل يده من النوم مرّة و من الغائط و البول مرّتين»(6). فيمكن أن يكون المرّتين للأخبثين معا.

فروع- (الأول): لا فرق فيه بين التوضي من الماء القليل، أو المعتصم و لا فرق أيضا بين أن يفرغ من الإناء على يده، أو يدخل يده في الإناء، كما لا فرق بين الرجل و المرأة.

______________________________

ص: 295


1- مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- صحيح البخاري ج: 1 باب: 1 التيمن في الوضوء و الغسل.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 5.
6- الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 2.

الخامس: المضمضة و الاستنشاق

(الخامس): المضمضة و الاستنشاق، كلّ منهما ثلاث مرّات بثلاث أكفّ. و يكفي الكفّ الواحدة أيضا لكلّ من الثلاث (7).

______________________________

(الثاني): لا فرق فيه بين توهم النجاسة و عدمه كل ذلك، لأنّ غسل اليد قبل الوضوء نحو توقير بالنسبة إليه.

(الثالث): لا يعتبر فيه قصد القربة، للأصل و الإطلاق. و لكن الأولى، بل الأحوط قصد القربة في جميع مقدمات الوضوء.

(الرابع): المذكور في الكلمات أنّه يغسل من الزندين، و هو المتيقن من النصوص (1)أيضا.

(الخامس): الظاهر التداخل عند اجتماع الأسباب، كما في أصل الوضوء، و يشهد له ما تقدم من خبر حريز.

(السادس): لا موضوع للاستحباب في الوضوء التجديدي.

(7) أما أصل تشريعهما، فلنصوص مستفيضة، بل متواترة:

منها: قول الصادق عليه السلام: «هما من الوضوء و إن نسيتهما فلا تعد» (2). فيحمل قوله الآخر: «المضمضة و الاستنشاق ليسا من الوضوء» (3)على عدم كونهما من الأجزاء الواجبة.

و أما استحبابهما في الوضوء، فلا خلاف أجده فيه بين أصحابنا المتقدمين و المتأخرين- كما في الجواهر- و لا يبعد كونهما مندوبان نفسيّا، كما يشهد له قوله عليه السلام: «المضمضة و الاستنشاق سنة و طهور للفم و الأنف»(4)، فيكونان في الوضوء آكد.

و أما التثليث، فلقول عليّ عليه السلام: «و انظر إلى وضوئك فإنّه من تمام

______________________________

ص: 296


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 5.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 13.

.....

______________________________

الصلاة، تمضمض ثلاث مرّات، و استنشق ثلاثا» (1).

و أما كونها بثلاث أكف، فاعترف في الجواهر بعدم الوقوف على مدركه بالخصوص. و أما كفاية الكف الواحدة، فلإطلاق الأدلة الظاهر في كفاية المسمّى مطلقا.

فروع- (الأول): المشهور تقديم المضمضة على الاستنشاق، و لكنه مندوب في مندوب، فلو عكس ترك مستحبا آخر.

(الثاني): لا يعتبر فيهما قصد القربة، للأصل و الإطلاق، و إن كان أفضل، بل أحوط.

(الثالث): لا يلزم إخراج الماء، فلو ابتلعه يتحقق الاستحباب أيضا.

(الرابع): الأفضل أن يكونا باليمنى، لما تقدم من: «أنّه تعالى يحب التيامن في كلّ شي ء»(2)، و لا فرق في استحبابهما بين كون الفم و الأنف نظيفان و عدمه.

(الخامس): لو وضع فمه أو أنفه في الماء و أخذ الماء بهما، و تمضمض و استنشق يحصل الاستحباب أيضا، و لو وضع فمه أو أنفه على فوارة الماء، فدخل الماء فيهما، فالظاهر كفاية ذلك للمضمضة و الاستنشاق.

(السادس): لا فرق فيهما بين الصائم و غيره، و إن كره عليه التمضمض عبثا.

(السابع): عن بعض استحباب الاستنثار، و يمكن أن يستشهد له بقوله عليه السلام في الاستنشاق: «إنّه طهور» (3)، فتأمل.

(الثامن): عن جمع استحباب المبالغة في المضمضة و الاستنشاق، للنبوي «و ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق، فإنّه غفران و منفرة للشيطان» (4).

______________________________

ص: 297


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 19.
2- تقدم في صفحة: 295.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 13.
4- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 11.

السادس: التسمية عند وضع اليد في الماء

(السادس): التسمية عند وضع اليد في الماء، أو صبّه على اليد و أقلّها: «بسم الله»، و الأفضل: «بسم الله الرّحمن الرّحيم»، و أفضل منهما: «بسم الله و باللّه اللهم اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهرين» (8).

______________________________

(8) أما أصل استحباب التسمية في الجملة، فتدل عليه مضافا إلى الإجماع، المعتبرة المستفيضة التي منها قول الصادق عليه السلام: «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنّما اغتسل» (1)، و منها قوله عليه السلام: «من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده، و من لم يسم لم يطهر من جسده الا ما أصابه الماء» (2)، و عنه عليه السلام أيضا: «إذا توضأ أحدكم و لم يسم كان للشيطان في وضوئه شرك» (3).

و أما كونها قبل وضع اليد في الماء، فلحديث الأربعمائة: «لا يتوضأ الرجل حتّى يسمّي، يقول قبل أن يمس الماء: باسم الله و باللّه اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهّرين» (4).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا وضعت يدك في الماء، فقل: باسم الله و باللّه اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهّرين- الحديث» (5).

و أما كون أقلّها (باسم الله)، فللإطلاقات الشاملة للأقل أيضا، بل لا يبعد شمولها لمطلق ذكر الله تعالى، و لو كان بلفظ الجلالة فقط، جمودا على الإطلاق لو لم نقل بالانصراف إلى جملة «بسم الله». و أما كون الأفضل (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، فللتأسي بما ورد من التسمية في القرآن الكريم، و لانصراف الإطلاقات إليه عند المتشرعة، و لما في تفسير العسكريّ عليه السلام:

______________________________

ص: 298


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 8.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 12.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 10.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 10.

.....

______________________________

«إن قال في أول وضوئه: بسم الله الرّحمن الرّحيم طهرت أعضاؤه كلها من الذنوب» (1).

و لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث-:

«فاعلم أنّك إذا ضربت يدك في الماء، و قلت: بسم الله الرّحمن الرّحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبتها» (2).

و أما أنّ الأفضل منهما (باسم الله و باللّه- إلخ-)، فلاشتماله على الدعاء و صحيح زرارة و حديث الأربعمائة و غيرهما الوارد في خصوص ذلك.

(فروع): الأول: الظاهر أنّ توقيتها بقبل مس الماء، أو وضع اليد في الماء من باب تعدد المطلوب، لأنّ مقتضى الإطلاقات استحباب التسمية حال الوضوء مطلقا. قال في المستند: «و المتحصل أنّ المذكور في أخبار التسمية في الوضوء ثمان حالات قبل مس الماء و عنده، و عند وضع الماء على الجبين و الابتداء، و بعد الوضوء، و عليه، و فيه، و إذا توضأ.

(الثاني): يكره ترك التسمية، لما تقدم من قوله عليه السلام: «إذا توضأ أحدكم و لم يسم كان للشيطان في وضوئه شرك» (3).

(الثالث): إذا تركها عمدا أو نسيانا، فمقتضى الإطلاقات بقاء الاستحباب ما دام يشتغل بوضوئه، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب.

(الرابع): مقتضى الإطلاقات جوازها بكل لغة لو لم نقل بالانصراف إلى العربية.

(الخامس): قال أبو عبد الله عليه السلام في خبر ابن أبي عمير: «إنّ رجلا توضأ و صلّى، فقال له رسول الله صلّى الله عليه و آله: أعد وضوءك و صلاتك، فتوضأ و صلّى، فقال له النبيّ صلّى الله عليه و آله أعد وضوءك و صلاتك ففعل، فتوضأ و صلّى، فقال له النبي صلّى الله عليه و آله أعد صلاتك و وضوءك، فأتى أمير المؤمنين عليه السلام فشكى ذلك إليه، فقال عليه السلام فهل سمّيت حين

______________________________

ص: 299


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 21.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 12.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 12 و 6.

السابع: الاغتراف باليمنى و لو لليمنى

(السابع): الاغتراف باليمنى و لو لليمنى (9) بأن يصبّه في اليسرى ثمَّ يغسل اليمنى.

الثامن: قراءة الأدعية المأثورة

(الثامن): قراءة الأدعية المأثورة عند كلّ من المضمضة، و الاستنشاق، و غسل الوجه، و اليدين، و مسح الرأس، و الرجلين (10).

______________________________

توضأت؟ قال: لا. قال عليه السلام: فسمّ على وضوئك، فسمّى و صلّى، فأتى النبيّ صلّى الله عليه و آله و لم يأمره أن يعيد» (1).

و ظاهره وجوب الإعادة مع ترك التسمية و هو مخالف للإجماع، و حمل على ترك النية أو تأكد الاستحباب. و عن الحدائق استظهار استحباب إعادة العبادة بترك بعض سننها من هذا الخبر، و له وجه، و لكن الأولى الإعادة بعنوان الرجاء.

(9) أما الأول: فنصّا و إجماعا، و في الصحيح الوارد لوصف وضوء النبيّ صلّى الله عليه و آله في المعراج: «فتلقى رسول الله صلّى الله عليه و آله الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين» (2).

و أما الثاني: فللإطلاقات، و لصحيح زرارة الوارد في الوضوءات البيانية:

«ثمَّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء، فأفرغه على يده اليسرى، فغسل يده اليمنى» (3) و نحوه غيره (4).

و ما في بعض الوضوءات البيانية: «ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى» (5)فإنّما هو لأصل الجواز لا الرجحان، فلا ينافي غيره.

(10) نصّا و إجماعا، و حيث إنّ أجمع الأخبار للأدعية خبر عبد الله بن كثير الهاشمي عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيه: «ثمَّ تمضمض، فقال: اللهم لقّنّي حجتي يوم ألقاك و أطلق لساني بذكرك ثمَّ

______________________________

ص: 300


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 12 و 6.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 611.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 6.

.....

______________________________

استنشق، فقال لا تحرم عليّ ريح الجنة، و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها».

و الظاهر: أنّ دعاءهما بعد وقوعهما لا حينهما، لعدم الإمكان حينئذ عادة.

قال: «ثمَّ غسل وجهه، فقال: اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه، و لا تسوّد وجهي يوم تبيضّ فيه الوجوه. ثمَّ غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني، و الخلد في الجنان بيساري، و حاسبني حسابا يسيرا. ثمَّ غسل يده اليسرى فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي، و أعوذ بك من مقطعات النيران. ثمَّ مسح رأسه فقال: اللهم غشّني برحمتك و بركاتك و عفوك. ثمَّ مسح رجليه، فقال: اللهم ثبت قدميّ على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام، و اجعل سعيي فيما يرضيك عنّي» (1).

و قد ورد الدعاء في آخر الوضوء أيضا (2).

فأيده: بياض الوجه كناية عن ظهور الفرح و السرور و النعمة، فهو كقوله تعالى تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (3). و سواد الوجه كناية عن الخوف و الخجل و الحزن و الكآبة، و يصح أن يراد بهما حقيقة البياض و السواد الكاشفتان عما ذكرناه و إعطاء الكتاب باليمين كناية عن سهولة الحساب و يسره، قال تعالى:

فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (4).

و قوله عليه السلام: «و الخلد في الجنان بيساري» هذه الجملة دعاء للتسهيل و التيسير لموجبات الخلود في الجنة، لأنّ اليسار من اليسر و الإضافة إليها كناية عن السهولة و اليسر.

و قوله عليه السلام: «و لا تعطني كتابي بشمالي، و لا من وراء ظهري» كناية عن الهلاك و دخول النار، لقوله تعالى وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَ يَصْلى سَعِيراً (5)، و قوله تعالى:

______________________________

ص: 301


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب آداب الوضوء حديث: 21.
3- المطففين: الآية 24.
4- الانشقاق: 8.
5- الانشقاق: 10.

التاسع: غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين

(التاسع): غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين (11).

______________________________

وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ(1)، و قوله عزّ من قائل وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (2).

و قوله عليه السلام: «و أعوذ بك من مقطعات النيران» إشارة إلى قوله تعالى فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ (3)، و المقطعات كلمة جمع لا واحد لها من لفظها- أي الثياب التي تصنع من قطع مختلفة، كالقميص و الجبة و نحوهما و البحث عن هذه الأمور مفصلة و نافعة جدّا. وفقنا الله تعالى لبيانه في تفسيرنا.

(11) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل. و اخرى: بحسب الأقوال. و ثالثة: بحسب الأخبار.

أما الأول فمقتضى الأصل عدم المشروعية فيما زاد على الواحدة إن كان بقصد الأمر، لأنّ الشك في التشريع يكفي في الحرمة التشريعية، و يشكل الحكم بالنسبة إلى المسح أيضا من حيث احتمال كونه بماء غير الوضوء، فمقتضى قاعدة الاشتغال أيضا الاكتفاء بالمرّة.

و أما الثانية: فالأقوال ثلاثة:

(الأول) ما عن المشهور، بل عن غير واحد من قدماء الأصحاب دعوى الإجماع على أنّ الثانية سنة.

(الثاني): أنّها جائزة و ليست بمندوبة، نسب إلى الكليني و الصدوق و البزنطي و جمع من متأخري المتأخرين.

(الثالث): أنّها بدعة محرّمة ذهب إليها صاحب الحدائق، و منشأها اختلاف الأخبار كما يأتي.

و أما الثالثة: فهي كثيرة و هي على أقسام أربعة:

______________________________

ص: 302


1- الواقعة: الآية 42.
2- الحاقة: الآية 25.
3- الحج: الآية 19.

.....

______________________________

منها: قول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يؤجر عليه» (1)، و قوله عليه السلام أيضا: «ثمَّ يتوضأ مرّتين مرّتين» (2)، و قوله عليه السلام: «فرض الله الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول الله صلّى الله عليه و آله للناس اثنتين اثنتين(3)، و قوله عليه السلام لداود الرقي: «توضأ مثنى مثنى» (4)و قوله عليه السلام: «إنّي لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين، و قد توضأ رسول الله صلّى الله عليه و آله اثنتين اثنتين» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على مثل هذه التعبيرات، و هي ظاهرة، بل صريحة في تشريع الغسلة الثانية، بل وجوبها، و إنما تحمل على الندب لقرائن خارجية و داخلية. و حملها على التقية، كما عن المنتقى، أو على أنّ المراد «بمثنى مثنى» استحباب التجديد، كما عن الصدوق، أو على أنّ المراد بها الغرفتان، كما عن المحدّث الكاشاني. أو على أنّ المراد بها الغسلتان و المسحتان. أو أنّ المراد بهذه الأخبار إسباغ الوضوء، كما عن بعض كل ذلك خلاف الظاهر.

و منها: المستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلّى الله عليه و آله (6) الظاهرة في كون وضوئه مرّة مرّة، بل بكفّ كفّ بكل من الأعضاء المغسولة، و مرسل الفقيه: «و الله ما كان وضوء رسول الله الا مرّة مرّة- الحديث-» (7). و عن الصادق عليه السلام: «ما كان وضوء عليّ عليه السلام الا مرّة مرّة» (8).

إلى غير ذلك من الأخبار. (و فيه) أما الحاكية لفعل النبيّ صلّى الله عليه و آله و الوصيّ فالاكتفاء في مقام العمل بالواحدة لا ينافي استحباب الثانية، و لعل

______________________________

ص: 303


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 15.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 2.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 16.
6- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.
7- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 10.
8- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 7.

.....

______________________________

الاكتفاء بها كان لأجل تعليم الأمة سهولة الشريعة، و لدفع منشإ الوسواس عن الناس، فإنّهم عليهم السلام كثيرا ما كانوا يتركون بعض المندوبات لمصالح شتّى. مضافا إلى أنّ إعراض المشهور عنها أوهنها.

و منها: المستفيضة بل المتواترة المشتملة على الإسباغ، و هي على قسمين:

(الأول): مثل قوله عليه السلام: «من أسبغ وضوءه- إلى أن قال- فقد استكمل حقيقة الإيمان، و أبواب الجنة مفتحة لهم»(1)، و هي لا تنافي المرتين بلا إشكال، لشمول إطلاقه لكلّ منهما.

(الثاني): مثل قوله عليه السلام: «الوضوء مرّة فريضة و اثنتان إسباغ» (2)، و هو أيضا لا ينافيها، لكونه شارحا لبيان الحكمة في تشريع المرة الثانية، و أنّه تترتب فائدة الإسباغ عليها مع وجود مصالح أخرى في تشريعها.

و منها: قوله عليه السلام: «من توضأ مرّتين لم يوجر» (3)، و قوله عليه السلام: «إنّ الوضوء مرّة فريضة و اثنتان لا يوجر، و الثالثة بدعة» (4) إلى غير ذلك مما سيق مساقها.

(و فيه): مضافا إلى قصور سندها، و إعراض المشهور عنها أنّها محمولة على ما إذا لم يستيقن بأنّ الواحدة تجزيه بقرينة قوله عليه السلام في خبر ابن بكير: «من لم يستيقن أنّ واحدة من الوضوء تجزيه لم يوجر على الثنتين» (5)، فيكون مفسرا لما دل على أنّ الثانية لا توجر.

كما أنّ قوله عليه السلام: «و الثالثة بدعة» مفسّر لقوله عليه السلام: «من تعدّى في وضوئه كان كناقصه» (6)، فيكون المراد بالتعدّي المرة الثالثة لا الثانية، فيكون المتحصل من مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض: أنّ الواحدة تجزي في حصول الطهارة و لا يجوز الاكتفاء بها في ذلك و بعد ذلك، الثانية

______________________________

ص: 304


1- الوسائل باب: 54 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 23.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 14.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 3.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 4.
6- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 13.

.....

______________________________

مندوبة لمصالح. منها: الإسباغ، و منها: زيادة نظافة ظاهر الجسد، و لا ينافي ذلك استحباب الإسباغ في الأولى أيضا، لأنّ للإسباغ مراتب متفاوتة.

فما نسب إلى البزنطي و الكليني و من تبعهما: من جواز الثانية و عدم استحبابها تمسكا بما دل على اكتفاء النبيّ صلّى الله عليه و آله و الوصيّ بالمرّة مخدوش، لما تقدم من أنّ الاكتفاء في مقام العمل أعم من عدم الاستحباب، مع أنّ في خبر عمرو بن أبي المقدام «قد توضأ رسول الله صلّى الله عليه و آله اثنتين اثنتين» (1).

و أما ما دل على أنّ عليّا عليه السلام «كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة للّه تعالى أخذ بأحوطهما و أشدّهما على بدنه» (2) فمضافا إلى قصور سنده، و عدم الكلية فيه، كما لا يخفى على من راجع حالاته المباركة، إنّما هو فيما إذا لم تكن مصلحة في الأخذ بالأسهل الأيسر لمصالح كثيرة. منها: كيفية تعليم رفع الوسواس عن الناس، و غير ذلك من المصالح.

و أما ما عن صاحب الحدائق: من حرمة الثانية، فعمدة مستنده قوله عليه السلام فيما تقدم: «الثانية لم توجر» بدعوى: أنّ عدم الأجر كاشف عن عدم الأمر، فيكون الإتيان بقصد الأمر تشريعا محرّما، فقد تقدم الجواب عنه، و أنّه ترغيب إلى الأخذ بالأسهل الأيسر، خصوصا مع قلة الماء في تلك الأزمنة لا سيّما في الحجاز.

فروع- (الأول): الأحوط و الأولى قصد التجديد أو الإسباغ في المرة الثانية. خروجا عن خلاف مثل صاحب الحدائق.

(الثاني): مقتضى الإطلاقات صحة التبعيض بأن يغسل وجهه- مثلا- مرّة، و يده مرّتين. أو بالعكس. و لكن الأحوط حينئذ قصد الإسباغ.

(الثالث): لا يستحب التكرار في المسح إجماعا بقسميه.

(الرابع): تعدد صب الماء على الوجه أو اليد لا يعد من المرّة الثانية و لو صب عشر مرّات.

______________________________

ص: 305


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 16.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 26.

العاشر: أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى

(العاشر): أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى و في الثانية بباطنهما، و المرأة بالعكس (12).

______________________________

(الخامس): لا فرق في استحباب المرّة الثانية بين الوضوء الترتيبي و الارتماسي، لظهور الإطلاق.

(السادس): تحرم الغسلة الثالثة إذا كانت بعنوان الوضوء، لظهور النص (1) و دعوى الإجماع، و إن لم تكن كذلك فلا تحرم، و لكن يبطل الوضوء من جهة المسح بنداوتها، لأنّها ليست من نداوة الوضوء. هذا إذا غسل تمام الأعضاء ثلاث مرّات. و أما إذا غسل الوجه فقط، أو الوجه و اليمنى، فإن كان من قصده حين نية الوضوء ذلك يبطل الوضوء من حيث التشريع. و إن لم يكن كذلك و قصدها بعد غسلهما مرّتين، ففي البطلان إشكال، لعدم لزوم المسح بالماء الجديد، فتقع الثالثة لغوا لا محالة و لكن يظهر من إطلاق بعض الكلمات البطلان حتّى في هذه الصورة.

(السابع): لو غسل الأعضاء بزعم أنّها ثانية، فبانت ثالثة يبطل الوضوء و يصح في العكس.

(12) إجماعا، كما عن الغنية و التذكرة، و هو يكفي في الندب مسامحة.

و نسب إلى المشهور استحباب ابتداء الرجل بالظاهر، و المرأة بالباطن مطلقا، بلا فرق بين الغسلتين، لقول مولانا الرضا عليه السلام:

«فرض الله تعالى على النساء في الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهنّ، و في الرجل بظاهر الذراع» (2).

المحمول على الندب إجماعا، و يمكن أن يكون إجماع الغنية و التذكرة مقيدا لإطلاقه.

______________________________

ص: 306


1- تقدم في صفحة: 304.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الوضوء حديث: 1.

الحادي عشر: أن يصبّ الماء على أعلى كلّ عضو

(الحادي عشر): أن يصبّ الماء على أعلى كلّ عضو (13) و أما الغسل من الأعلى فواجب (14).

الثاني عشر: أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصبّ الماء عليه

(الثاني عشر): أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصبّ الماء عليه، لا بغمسه فيه (15).

الثالث عشر: أن يكون ذلك مع إمرار اليد

(الثالث عشر): أن يكون ذلك مع إمرار اليدعلى تلك

______________________________

(13) للوضوءات البيانية، كقوله عليه السلام: «غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته- إلى أن قال:- ثمَّ وضعه على مرفقه اليمنى» (1).

و عن الصادق عليه السلام: «كان رسول الله صلّى الله عليه و آله يسكب الماء على موضع سجوده» (2).

مع قصور الفعل عن إفادة الوجوب، بل عن الندب أيضا، لأنّه أعم منهما و من الإباحة، بل يمكن أن يكون في المقام من باب العادة، فلا يفيد الاستحباب.

(14) لما يأتي في أفعال الوضوء إن شاء الله تعالى.

فرع: يمكن أن يكون صب الماء من الأعلى إلى الأسفل من الأمور الإضافية، فالمرتبة الكاملة من الاستحباب تحصل بالصب من أعلى الجبهة و المرفق، و يحصل سائر مراتبه بالصب على ما دونهما.

(15) على المشهور تأسيا بالمعصومين عليهم السلام، كما تدل عليه الوضوءات البيانية، و يظهر ذلك من وضوء النبيّ صلّى الله عليه و آله في المعراج أيضا، و في خبر قرب الإسناد:

«لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك» (3).

______________________________

ص: 307


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 47 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 13.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 22.

المواضع، و إن تحقّق الغسل بدونه (16).

الرابع عشر: أن يكون حاضر القلب

(الرابع عشر): أن يكون حاضر القلب في جميع أفعاله (17).

الخامس عشر: أن يقرأ القدر حال الوضوء

(الخامس عشر): أن يقرأ القدر حال الوضوء (18).

السادس عشر: أن يقرأ آية الكرسيّ بعده

(السادس عشر): أن يقرأ آية الكرسيّ بعده (19).

السابع عشر: أن يفتح عينيه حال غسل الوجه

(السابع عشر): أن يفتح عينيه حال غسل الوجه (20).

______________________________

المحمول جميع ذلك على الندب إجماعا.

(16) لما تقدم في خبر قرب الإسناد، و ادعي عليه الإجماع أيضا.

(17) تأسيا بالأئمة خصوصا الإمام المجتبى و السجاد عليهما السلام فقد ورد أنّه ترتعد مفاصلهما، و يتغيّر لونهما، و يميل إلى الصفرة عند إرادة الوضوء. و إذا سئل عنه يقول: «أ تدرون عند من أقوم، و أيّ عظيم الشأن أريد أن اناجي» (1)، و لأنّ حضور القلب روح العبادة التي لا بد و أن يهتم بها الناس، و لا يكتفوا بمجرد الظاهر و الصورة.

(18) لما في الفقه الرضوي: «أيّما مؤمن قرأ في وضوئه إنّا أنزلناه في ليلة القدر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»(2).

و يستحب بعده أيضا، لما رواه في البلد الأمين: «إنّ من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنّا أنزلناه في ليلة القدر، و قال: اللهم إنّي أسألك تمام الوضوء، و تمام الصلاة، و تمام رضوانك، و تمام مغفرتك، لم يمر بذنب أذنبه الا محته» (3).

(19) لما روي عن أبي جعفر عليه السلام: «من قرأ على أثر الوضوء آية الكرسي مرّة أعطاه الله ثواب أربعين عاما- الحديث-» (4).

(20) لمرسل الفقيه: «افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار

______________________________

ص: 308


1- راجع مستدرك الوسائل باب: 47 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 8.
2- مستدرك الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 5.
4- مستدرك الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 8.

.....

______________________________

جهنم» (1)، و في خبر آخر: «أشربوا أعينكم الماء عند الوضوء لعلها لا ترى نارا حامية» (2). هذا مع الأمن من الضرر، و الا فيحرم. قال في المستند: «ذكر والدي أنّ المراد بالفتح و الإشراب ما يحصل به غسل نواحيها دون ما يوجب إيصال الماء إليها، لنص الشيخ رحمه الله عدم استحبابه بالإجماع و إيجابه الضرر غالبا و قد روي: أنّ أبا عمير كان يفعله فعمي بذلك».

ثمَّ إنّه لم يذكر الماتن رحمه الله هنا من المندوبات إسباغ الوضوء، مع أنّه ذكره في صفحة 400 و هو ثابت بالإجماعين، و المستفيضة من الأخبار.

منها: قول رسول الله صلّى الله عليه و آله: «إلا أدلكم على شي ء يكفّر الله به الخطايا، و يزيد في الحسنات؟ قيل: بلى يا رسول الله. قال إسباغ الوضوء على المكاره، و كثرة الخطى إلى هذه المساجد، و انتظار الصلاة بعد الصلاة» (3).

و قد أنهى جمع من الفقهاء مندوبات الوضوء إلى تسعة و أربعين، و عدّوا منها استقبال القبلة، و يأتي التعرض لبعضها في ضمن المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

______________________________

ص: 309


1- الوسائل باب: 53 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب الوضوء حديث: 3.

فصل في مكروهات الوضوء

اشارة

(فصل في مكروهات الوضوء)

الأول: الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة

(الأول): الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة كأن يصبّ الماء في يده (1)، و أما في نفس الغسل فلا يجوز (2).

(فصل في مكروهات الوضوء)

______________________________

(1) على المشهور، لخبر الوشاء: «دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبّ عليه، فأبى ذلك. و قال عليه السلام: مه يا حسن، فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يديك تكره أن أوجر؟ قال عليه السلام: تؤجر أنت و أوزر أنا، قلت: و كيف ذلك؟ فقال عليه السلام: أما سمعت الله عزّ و جل يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد» (1).

و في الإرشاد: «دخل الرضا عليه السلام يوما و المأمون يتوضأ للصلاة، و الغلام يصب على يديه الماء، فقال عليه السلام: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا» (2).

و عن النبيّ صلّى الله عليه و آله: «خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فإنّه من صلاتي، و صدقتي فإنّها من يدي إلى يد السائل فإنّها تقع في يد الرحمن» (3).

المحمول جميعا على الكراهة إجماعا، و جمعا بينها و بين خبر الحذاء،

______________________________

ص: 310


1- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 3.

الثاني: التمندل

(الثاني): التمندل (3)، بل مطلق مسح البلل (4).

______________________________

فإنّه صب على يد أبي جعفر عليه السلام: «فغسل عليه السلام وجهه، و كفّا غسل به ذراعه الأيمن، و كفّا غسل به ذراعه الأيسر» (1).

فلا وجه لتوقف صاحب المدارك، لضعف السند مع وجود المعارض، لما تقدم من جريان قاعدة التسامح في المندوبات و المكروهات عند الفقهاء.

و المعارض محمول على بيان أصل الجواز، فلا محذور في الكراهة.

(2) يأتي التفصيل في التاسع من فصل شرائط الوضوء.

فروع- (الأول): الاستعانة تارة في المقدمات التي تكون قبل الشروع في الوضوء. و اخرى: في صب الماء. و ثالثة: في التوابع اللاحقة من رفع الإبريق و نحوه. و رابعة: في مثل رفع الثوب عن العضو و رفع العمامة، و إخراج الجوارب للمسح و نحو ذلك، و مقتضى الأصل عدم الكراهة في الجميع إلا في الثانية.

(الثاني) لا فرق في كراهة الصب بين أن يكون باليد مباشرة، أو بآلة من إبريق و نحوه.

(الثالث): ليس من الاستعانة الوضوء تحت المطر أو الميزاب أو نحوهما.

(3) على المشهور، و في خبر محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام:

«من توضأ و تمندل كتبت له حسنة، و من توضأ و لم يتمندل حتّى يجف وضوؤه كتب له ثلاثون حسنة» (2).

بناء على أنّ مطلق نقص الثواب يطلق عليه الكراهة، و الا فيدل على استحباب إبقاء ماء الوضوء بحاله، و ليس ترك كل مندوب مكروها، فلا يصلح الخبر لمدرك المشهور. نعم، هو ظاهر في استحباب إبقاء أثر الوضوء، فلا بد و أن يعد في مستحباته.

______________________________

ص: 311


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الوضوء حديث: 5.

.....

______________________________

مع أنه معارض بجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف. قال عليه السلام: «لا بأس به»(1) و عنه عليه السلام أيضا: «لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ، إذا كان الثوب نظيفا» (2)، و عن ابن حازم: رأيت أبا عبد الله عليه السلام و قد توضأ و هو محرم، ثمَّ أخذ منديلا فمسح به وجهه» (3).

بل يظهر من بعض الأخبار مداواتهم عليهم السلام عليه، فعن إسماعيل بن فضل: «رأيت أبا عبد الله عليه السلام توضأ للصلاة ثمَّ مسح وجهه بأسفل قميصه. ثمَّ قال: يا إسماعيل افعل هكذا فإنّي هكذا أفعل» (4)، و عنه عليه السلام: «كان لعليّ عليه السلام خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه إذا توضأ تمندل بها» (5)، و عنه عليه السلام أيضا «كانت لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ للصلاة ثمَّ يعلقها على وتد و لا يمسها غيره» (6).

إلى غير ذلك من الأخبار التي هي أكثر عددا، و أصح سندا، و أشهر رواية عما استدل به للمشهور و قد عمل بها المرتضى رحمه الله و الشيخ في أحد قوليه، و لكن موافقتها للعامة و مخالفتها للمشهور أسقطها عن الاعتبار، مع إمكان حمل بعضها على التمندل لماء غير الوضوء فيمكن حمل الوضوء في بعضها على مطلق غسل الوجه، لا الوضوء الاصطلاحي. كما أنّه يمكن حملها على نفي الحرمة فلا تنافي الكراهة، أو تحمل على صورة العذر، أو تحمل على أخذ الماء الباقي في المحاسن و مواضع الشعر، إذ قد يتأذّى الإنسان بذلك خصوصا في الشتاء أو لجهة أخرى.

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون التمندل بعد الفراغ من الوضوء، أو في أثنائه، كما إذا تمندل وجهه قبل الشروع في غسل يده، و إن كان ذلك خلاف منصرفها.

______________________________

ص: 312


1- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب الوضوء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 45 من أبواب الوضوء حديث: 3.
5- الوسائل باب: 45 من أبواب الوضوء حديث: 8.
6- الوسائل باب: 45 من أبواب الوضوء حديث: 9.

الثالث: الوضوء في مكان الاستنجاء

(الثالث): الوضوء في مكان الاستنجاء (5).

الرابع: الوضوء من الآنية المفضضة

(الرابع): الوضوء من الآنية المفضضة، أو المذهبة، أو

______________________________

(الثاني): لو نقل ماء الوضوء من وجهه إلى يده- مثلا- أو بالعكس، فالظاهر عدم شمول الدليل له.

(الثالث): لو كان في البين غرض صحيح في التمندل، فالظاهر قصور الدليل عن شموله، فكيف بمورد الضرورة؟

(الرابع): الظاهر اعتبار المباشرة، فلو مندل المتوضي غيره من خادمه أو زوجته- مثلا- بلا تسبيب منه، فلا كراهة، للأصل. نعم، يرشده إلى أصل الحكم إن كان جاهلا به. و هل يرجح دفعه من باب دفع المنكر، بناء على ثبوته في المكروهات أيضا؟ يأتي التفصيل في محله.

(4) كما عبّر به في الشرائع، و لا دليل له من نص أو إجماع إلا دعوى أنّه لا خصوصية في التمندل، و المناط كله إذهاب أثر الوضوء، لمرسل الجواهر: «إنّه يكتب للإنسان الثواب ما دام الوضوء باقيا» (1). و على هذا يشمل مطلق التجفيف، و لو بالشمس أو النار أو نحوهما.

(5) لما في جامع الأخبار من أنّه: «عشرون خصلة تورث الفقر منها غسل الأعضاء في محل الاستنجاء» (2)، و لكن يظهر من خبر الهاشمي (3) المشتمل على بيان وضوء أمير المؤمنين عليه السلام، و خبر الحذاء (4) المشتمل على بيان وضوء أبي جعفر عليه السلام أنّهما توضئا في محل الاستنجاء، و يمكن أن يحملا على بيان أصل الجواز.

ثمَّ إنّ المعروف التنزه عن الوضوء بما فضل عن ماء الاستنجاء، و لم أظفر فيه على نص فيما تفحصت عاجلا.

______________________________

ص: 313


1- الجواهر ج: 2 صفحة: 347 الطبعة السابعة.
2- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الوضوء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8.

المنقوشة بالصّور (6).

الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة

(الخامس): الوضوء بالمياه المكروهة: كالمشمس (7)، و ماء الغسالة من الحدث الأكبر (8)، و الماء الآجن (9)، و ماء البئر قبل نزح

______________________________

(6) تقدم في أحكام الأواني ما يدل على الأول (1)، و ظاهرهم إلحاق الثاني به، و يكفي ذلك في الكراهة تسامحا. و يدل على الثالث الموثق:

«عن الطست يكون فيه التماثيل، أو الكوز أو التّور يكون فيه التماثيل أو فضة؟ قال عليه السلام: لا تتوضأ منه، و لا فيه» (2).

المحمول على الكراهة إجماعا.

و التور- بالفتح فالسكون-: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه و يتوضأ فيه.

(7) لما عن الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله:

الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضأوا به، و لا تغسلوا به، و لا تعجنوا به، فإنّه يورث البرص» (3).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بينما إذا كان في الآنية، أو مثل الغدير. و عن العلامة دعوى الإجماع على عدم الكراهة في الأخير، و الظاهر انصراف الخبر عن الماء المعتصم كالكرّ و الجاري، فلا كراهة بما يسخن في الأنابيب عند إشراق الشمس عليها، لكونه من الكر أو الجاري.

(8) لما تقدم في المياه، فصل الماء المستعمل في الوضوء فراجع.

فروع- (الأول): لا فرق فيه بين ما إذا وضع في الشمس بقصد الإسخان و عدمه، لظهور الإطلاق.

______________________________

ص: 314


1- راجع صفحة: 148.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

المقدّرات (10)، و الماء القليل الذي ماتت فيه الحية أو العقرب أو

______________________________

(الثاني): المكروه هو الاستعمالات البدنية و الأكلية و الشربية. و أما سائر الاستعمالات مثل غسل الثياب ورش الأرض و نحو ذلك فلا كراهة فيها، للأصل.

(الثالث): لا فرق في مورد الكراهة بين البلاد الحارة و غيرها و لا بين كون الماء في الظروف المعدنية و غيرها، للإطلاق.

(الرابع): تبقى الكراهة بعد البرودة و زوال السخونة أيضا، للأصل و الإطلاق.

(الخامس): لو انحصر الماء فيما أسخن بالشمس يجب الوضوء و إن كان مكروها، لعدم المنافاة بين تعلق الكراهة من جهة الخصوصية و رجحان ذات الطبيعة، بل وجوبها، و قد تقدم وجه الكراهة في البقية في المياه فراجع.

(9) لما عن الصادق عليه السلام: «في الماء الآجن يتوضأ منه، الا أن تجد ماء غيره فتنزّه عنه» (1).

و المراد به ما تغيّر لونه أو طعمه، كما في المجمع، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المعتصم و غيره.

(10) لخبر إسماعيل بن بزيع (2)المحمول على الكراهة جمعا بينه و بين نصوص كثيرة (3).

فروع- (الأول): ذكر في المستند و الذخيرة من المكروهات نفض المتوضي يده، للنبوي: «إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم»(4).

و من المكروهات الوضوء في المسجد عن البول و الغائط، للخبر: «عن

______________________________

ص: 315


1- الوسائل: باب 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
2- الوسائل: باب 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 21.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق و فيه أخبار مستفيضة دالة على الصحة.
4- المستند ج: 1 صفحة 101 الطبعة الحجرية.

.....

______________________________

الوضوء في المسجد، فكرهه عن البول و الغائط» (1).

و أما إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء منه فيه، لما في الحديث عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» (2).

(الثاني): ذكر في (ذخيرة المعاد) من مكروهات الوضوء. الدقة في أفعال الوضوء بحيث يوجب الوسواس. و تخليل كثيف اللحية. و الإسراف في ماء الوضوء. و يكفي ذكره لذلك و تقرير معلقيه في الكراهة تسامحا.

(الثالث): يكره صبّ ماء الوضوء في الكنيف، للحديث: «الرجل يتوضأ وضوء الصلاة ينصب ماء وضوئه في كنيف؟ فوقع عليه السلام يكون ذلك في بلاليع» (3).

(الرابع): لا اختصاص لاستحباب السواك بحال الوضوء، بل هو مستحب نفسيّ مطلقا، للأخبار المستفيضة، بل المتواترة (4).

(الخامس): لو نسي بعض أدعية الوضوء في محله، فالظاهر بقاء الاستحباب ما دام على وضوئه، لما ثبت من أنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب، مع أنّ الدعاء حسن على كلّ حال، كما تقدم.

(السادس): لو دار الأمر بين قراءة الدعوات الواردة في أثناء الوضوء، أو قراءة سورة القدر، يقرأ الدّعوات و يؤخر قراءة السورة إلى ما بعد الفراغ منه، لصحيحة معاوية بن عمار. قال:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن، فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا أكثر، فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثمَّ انصرفا في ساعة واحدة، أيّهما أفضل؟ قال: كلّ فيه فضل كل حسن. فقلت: إنّي قد علمت أنّ كلا حسن، و أنّ كلا فيه فضل. فقال: الدعاء

______________________________

ص: 316


1- الوسائل باب: 57 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 56 من أبواب الوضوء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب السواك.

الوزغ (11)، و سؤر الحائض، و الفار، و الفرس، و البغل، و الحمار،

______________________________

أفضل، أما سمعت قول الله عزّ و جلّ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ هي و الله العبادة، هي و الله أفضل، هي و الله أفضل أ ليست هي العبادة؟ هي و الله العبادة، هي و الله العبادة، أ ليست هي أشدهنّ؟ هي و الله أشدهنّ، هي و الله أشدهنّ، هي و الله أشدهنّ» (1).

و لما رواه ابن فهد قال الباقر عليه السلام لبريد بن معاوية، و قد سأله كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء؟ فقال: «كثرة الدعاء أفضل ثمَّ قرأ: «قل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعاؤكم» (2).

(السابع): يتخيّر في قراءة الدّعوات، و سورة القدر، و آية الكرسي بين الجهر و الإخفات، و إن كانت تبعيتها للصلاة الجهرية و الإخفاتية لها وجه.

(الثامن): يعتبر قصد القربة في التسمية و الدّعوات، فلو قصد الرياء أثم و فسد الدعاء، بل الوضوء أيضا على الأحوط.

(التاسع): الكراهة في الموارد المذكورة جهتية، لا مطلقا و من كلّ جهة، فلا تنافي الرجحان الذاتي الذي يكون للوضوء و هو عبادة، و لا تكون العبادة إلا راجحة.

(11) لما عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام عن حية دخلت حبّا فيه ماء و خرجت منه قال عليه السلام: «إذا وجد ماء غيره فليهرق» (3) و يدل على صورة موته فيه بالأولى. و عن سماعة عنه عليه السلام أيضا عن جرة وجد فيها خنفساء قد ماتت قال عليه السلام: «القه و توضأ منه، و إن كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره» (4). و عنه عليه السلام في الوزغ: «إنه لا ينتفع بما يقع فيه» (5) و من

______________________________

ص: 317


1- الوسائل باب: 6 من أبواب التعقيب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 3.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 6.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 4.

و الحيوان الجلّال، و آكل الميتة، بل كلّ حيوان لا يؤكل لحمه (12).

______________________________

يظهر أن التقييد بالموت في الحية و الوزغ لا وجه له.

(12) راجع فصل الأسئار.

ص: 318

فصل في أفعال الوضوء

اشارة

(فصل في أفعال الوضوء)

الأول: غسل الوجه

اشارة

(الأول): غسل الوجه (1). و حدّه: من قصاص الشعر إلى الذّقن طولا، و ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضا (2).

(فصل في أفعال الوضوء)

______________________________

(1) لظاهر الكتاب المبين (1)، و المتواترة من نصوص المعصومين و الضرورة من الدّين.

(2) الظاهر أنّ الوجه من المبينات العرفية، لأنّ كل أحد من أفراد الناس في أيّ مذهب و ملة يغسل وجهه في كل يوم و ليلة مرّة أو مرّات فما هو المراد بالوجه لدى الناس، هو المراد به لدى المسلمين أيضا، و في الوضوء المعراجي لم يبين حدّ الوجه، بل أطلق كما في الكتاب و السنة المتواترة، و الوضوءات البيانية المشتملة على الوجه فقط. و لا بد و أن يتأمل في قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح الوارد لتحديد الوجه: «ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا» (2) فهل هو عليه السلام في مقام بيان إيضاح المعنى العرفي، أو يبيّن معنى تعبديا للوجه غير معهود لدى العرف، أو تفسير الوجه بالمعنى الدقي العقلي؟ لا سبيل إلى الأخيرين قطعا، فيتعيّن الأول. ثمَّ لا بد و أن يتأمل في أنّ زرارة الذي هو راوي هذا الحديث، و سائر المسلمين ما كانوا يعملون بغسل وجوههم في الوضوء قبل صدور

______________________________

ص: 319


1- المائدة 5: الآية 6.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الوضوء حديث: 1.

.....

______________________________

هذا الحديث. و هل تغير معنى غسل الوجه عندهم في الوضوء عما كان عليه قبل صدور هذا الحديث، أو لم يتغير؟ و لا ريب في عدم التغير و أنّ غسل الوجه منه و من غيره كان قبل صدور الحديث و بعده على حدّ سواء.

و المراد بقوله عليه السلام: «ما دارت عليه الإبهام و الوسطى» ليس الدائرة الحقيقية و كذا قوله عليه السلام: «ما جرت عليه الإصبعان مستديرا»، إذ لا معنى للدائرة الحقيقية، و لا الفرضية في المقام، بل المراد الإحاطة و الاستيلاء، و الاحتواء و الاشتمال، فيكون حدّ الوجه لغة و عرفا و شرعا من قصاص شعر الرأس إلى الذقن بحسب الطول، و بما يشتمل عليه الإصبعان بحسب العرض، و هذا تحديد عرفيّ واضح ليس مبنيا على الدقة، و لا الإشكال الهندسية، لبراءة ساحة الإمام المبيّن للأحكام بما تقتضيه أفهام متعارف الأنام عن ذلك.

نعم، حيث كان ذهن شيخنا البهائي مأنوسا بتلك الاشكال طبّق الحديث على ما في ذهنه الشريف مع عدم كونه مراد المعصوم عليه السلام قطعا.

و قال صاحب الجواهر في كتاب العتق بالمناسبة:- و نعم ما قال-: «و لعل المقام أشبه شي ء بما التزمه البهائي رحمه الله في الوجه بالدائرة البركانية في رواية ما دارت عليه الإبهام و الوسطى، و من كان له انس بعلم الهيئة انساق إلى ذهنه ذلك، و لا يفسر دارت بما حوت الذي هو المراد».

مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الإمام عليه السلام ليس في مقام تحديد الوجه أصلا و إنّما هو عليه السلام في مقام بيان فساد وضوء العامة حيث يدخلون في الوجه ما هو خارج عنه عرفا و لغة من غسل الاذن و غيرها.

ثمَّ إنّ حدود الوجه سبعة:

(الأول): الذقن و هو معروف لكل أحد و يكون مقابلا للقصاص.

(الثاني): قصاص شعر الرأس، و هو منتهى شعر الرأس في أعلى الجبهة المقابل للذقن، و منتهى استدارة الرأس و ابتداء تسطيح الجبهة.

(الثالث): النزعتان، و هما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبينين، و يتفق لكثير من الناس و من لم يكن له النزعة يسمّى الأغم.

ص: 320

.....

______________________________

(الرابع): العذار، و هو ما حاذى الاذن، و يطلق على شعر ذلك المحل أيضا.

(الخامس): الصدغ، يطلق على ما بين الاذن و العين، و على الشعر المتدلّي عليه المسمّى بالفارسية ب (زلف).

(السادس): العارض و هو ما بين العذار و الذقن، و يطلق على الشعر النابت عليه أيضا.

(السابع): مواضع التحذيف و هو ما بين النزعة و الصدغ.

ثمَّ إنّ للوجه حدّا معلوما عرفا، فلا ريب في وجوب غسله، و حدّا معلوما خروجه، و لا إشكال في عدم وجوب غسله، و ما يشك فيه أهل الوسواس دون غيرهم، و الحديث ورد لدفع الوسوسة عن القسم الأخير، إذ الأولان لا يحتاجان إلى البيان، و لا يخفيان على أحد، خصوصا لمثل زرارة الذي هو الراوي للحديث، فدفع الإمام عليه السلام عذر أهل الوسواس ببيان هذا الحديث.

و قد أشكل في المقام بوجوه:

منها: أنّه لا دائرة في الوجه حتّى يصدق قوله عليه السلام: «ما دارت عليه الإبهام و الوسطى»، مع أنّ قوله عليه السلام: «مستديرا» لا بد و أن يكون بصيغة التثنية، لكونه حالا من الإصبعين.

(و فيه): أنّه ليس الوجه مستديرا حقيقة، و لا عرفا، و لا لغة، و المراد بالدوران في قوله عليه السلام: «ما دارت عليه» الإحاطة و الاحتواء و الاشتمال.

قال في المجمع: «دوائر الزمان ما تحيط بالإنسان تارة بخير، و اخرى بشرّ»، و قوله: «مستديرا» صفة لمحذوف، لا أن يكون حالا، و المعنى ما جرت عليه الإصبعان جريا مستديرا، أي محيطا بالوجه.

و منها: أنّ الناصيتين خارجتان عن الوجه شرعا، و لغة، و عرفا، و ظاهر الحديث وجوب غسلهما، لكونهما بعد قصاص الشعر. (و فيه): أنّ المراد بقصاص الشعر ما كان في مقدم الرأس و مقابل الجبهة، كما مر لا مطلق القصاص أينما كان.

و منها: خروج العارض عن الحد مع دعوى الإجماع على وجوب غسله.

ص: 321

و الأنزع و الأغمّ، و من خرج وجهه أو يده عن المتعارف يرجع كلّ منهم إلى المتعارف (3)، فيلاحظ أنّ اليد المتعارفة في الوجه المتعارف

______________________________

(و فيه): أنّ البحث في العارض و مواضع التحذيف و نحوهما صغروي، لا أن يكون كبرويا، لأنّ شمول الإصبعتين لها يدخلها قطعا فيما يجب غسله، و مع عدم الشمول لا يجب بلا إشكال، فمن قال بالوجوب قال بالشمول، و من لم يقل به استظهر عدم الشمول. و هذا لا ينبغي أن يكون نزاعا بين العلماء. نعم، لا إشكال في وجوب غسل ما زاد على الحد مقدمة.

ثمَّ إنّ ما أفاده شيخنا البهائي من تشكيل الدائرة الحقيقية بأن يوضع منتهى الوسطى على قصاص الناصية و منتهى الإبهام على الذقن فيدار بالدائرة الحقيقية حتّى يصل أحدهما إلى موضع الآخر (مخدوش) من وجوه:

منها: كونه خلاف المتعارف في هذا الحكم العام البلوى.

و منها: أنّه مستلزم لخروج بعض الجبين مع كونه داخلا في الحد اتفاقا، و إمكان تطبيق النص عليه أيضا، كما فهمه المشهور.

و منها: أنّ مساحة ما بين منتهى الوسطى و منتهى الإبهام أزيد مما بين قصاص الشعر و الذقن، فلا تتحقق الدائرة الحقيقية التي أرادها (قدّس سرّه) إلى غير ذلك مما أشكل عليها فراجع المطولات. مع أنّه لا داعي أصلا إلى هذه التكلفات البعيدة عن مذاق الشرع.

(3) يعني أنّه يجب على كل أحد غسل وجهه في الوضوء، لعموم الأدلة الشامل لكل فرد فرد على اختلاف الوجوه و الأيدي على ما هو المتعارف في غسل الوجه. و المتعارف فيه، سواء كان في الوضوء أم في غيره غسل الجبهة و الجبينين و العينين و الخدين و الأنف و الفم، فلا بد له من غسل ذلك كله، و لا يغسل في المتعارف النزعتان، و العارضان، و العذار و الصدغ، فلا يجب غسلها لأنّها ليست من حدود الوجه في كل أحد، لا أن تكون داخلة في المحدود، بلا فرق فيه بين كبير الوجه و اليد، أو صغيرهما، أو بالاختلاف. فمن صغر وجهه و كبرت يده لا يجب عليه غسل عارضيه و صدغيه و عذاره، لأجل كبر يده، و من كبر وجهه

ص: 322

إلى أيّ موضع تصل؟ و أنّ الوجه المتعارف أين قصاصه؟ فيغسل ذلك المقدار (4).

و يجب إجراء الماء، فلا يكفي المسح به. و حدّه: أن يجري من جزء إلى جزء آخر، و لو بإعانة اليد. و يجزي استيلاء الماء عليه و إن لم يجر إذا صدق الغسل (5).

______________________________

و صغرت يده وجب عليه غسل تمام وجهه بما يسمى وجها، لا أن يكتفي بقدر ما وصلت يده إليه، و هذا معنى الرجوع إلى المتعارف، لا أنّ صغير اليد يدع من غسل وجهه شيئا، أو أنّ صغير الوجه و كبير اليد يغسل حدود الوجه أيضا.

(4) للأغم مراتب يمكن أن يقال: بإجزاء غسل ما ظهر من جبهته و جبينيه في بعض مراتبه.

فرعان- (الأول): ظهر مما مرّ أنّه لا يجب على الأنزع غسل ما زاد على الجبهة و الجبين.

(الثاني): لا يجب على الأغم بعد الرجوع إلى المتعارف تخليل الشعر، لما يأتي في شعر الحاجب.

(5) على المشهور، بل ظاهرهم الاتفاق عليه، لأنّ الغسل هو استيلاء الماء على المغسول لغة و عرفا و شرعا. و مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين أن يكون ذلك بلا واسطة أو معها. و إنّما ذكر الجريان في الأدلة (1) و الكلمات لحصول الاستيلاء به، لا من جهة أنّ له موضوعية خاصة، لكفاية الارتماس، للإطلاق و الاتفاق و لو لم يكن جريان في البين و المناط كله تحقق الغسل في الوجه و اليدين دون المسح، لأنّ المسح عبارة عن إمرار الماسح على الممسوح، سواء تحقق استيلاء الماء أم لا. و الغسل عبارة عن استيلاء الماء على المحل، سواء حصل بإمرار اليد أم لا. و هذا هو الظاهر من قول أبي جعفر في صحيح زرارة:

______________________________

ص: 323


1- راجع الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3 و باب 26 و 31 من أبواب الجنابة حديث: 1 و 3.

.....

______________________________

«يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين- الحديث-»(1).

لحصول استيلاء الماء على الوجه بغرفة واحدة بإعانة اليد، و كذا في اليدين و مثله إطلاق صحيح ابن مسلم: «ما جرى عليه الماء فقد طهر» (2)، و صحيح زرارة: «كل ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه، و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء»(3)، و صحيح حماد دال على ذلك أيضا قال: «كنت قاعدا عند أبي عبد الله عليه السلام فدعا بماء فملأ به كفه، فعم به وجهه، ثمَّ ملأ كفه فعم به يده اليمنى، ثمَّ ملأ كفه فعم به يده اليسرى- الحديث-» (4).

لأنّ المراد بالتعميم: هو إجراء الماء و إسالته على المحل بمعونة اليد، و هو عبارة أخرى عن استيلاء الماء عليه، لأنّ للإجراء و الإسالة و الاستيلاء مراتب متفاوتة تكفي أولى مراتبها لظهور الإطلاق و الاتفاق، و يمكن أن يكون قول أبي جعفر عليه السلام:

«إذا مس جلدك الماء فحسبك» (5)، و قوله عليه السلام أيضا: «إنّما يكفيه مثل الدهن» (6)، و قوله عليه السلام: «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، و الماء أوسع» (7).

إشارة إلى كفاية أولى مراتب الاستيلاء و الجريان، لا أن يكون لبيان كفاية مجرد مسح البلة في الوجه و اليدين حتّى يكون مخالفا لما دل على اعتبار الغسل من الكتاب و السنة و الإجماع.

______________________________

ص: 324


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 8.
5- الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1.
7- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 7.

و يجب الابتداء بالأعلى (6)، و الغسل من الأعلى إلى الأسفل

______________________________

(6) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و استدل عليه تارة: بالوضوءات البيانية مثل الصحيح: «ثمَّ غرف ملأها الماء فوضعها على جبهته» (1)، و قوله عليه السلام: «فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه» (2). و في المنتهى و الذكرى أنّه عليه السلام قال بعد ما توضأ: «إنّ هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» (3).

إلى غير ذلك مما هو ظاهر في ذلك. (و فيه): أنّ الفعل مجمل مع اشتمال الوضوءات البيانية على الواجب و المندوب، و قوله عليه السلام: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» في مقابل الوضوءات غير المشروعة، لا أنّ جميع ما فعله عليه السلام من مقوّمات الوضوء و واجباته. و لكن يمكن أن يقال: إنّه عليه السلام في مقام بيان تعليم الواجبات من الوضوء و المستحبات دل عليها الدليل من الخارج، فتأمل. كما يمكن المناقشة: بأنّ وضع الماء على الجبهة و نحوها كان من باب الغالب و جري العادة، إذ الغالب في غسل الوجه وضع الماء على الجبهة، و ليس ذلك مختصّا بخصوص الوضوء.

و استدل للمشهور أيضا بخبر الرقاش عن قرب الإسناد: «لا تعمق في الوضوء، و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدميك» (4).

و أشكل عليه أولا: بقصور السند، و دفع بالانجبار بالعمل.

و ثانيا: بالإجماع على استحباب المسح، فيكون الحكم ندبيا. و فيه: أنّ قيام الإجماع على استحباب المسح لا ينافي ظهور اللفظ في الوجوب، فيكون الغسل من الأعلى واجبا، و كونه بالمسح، و الدلك مندوبا.

______________________________

ص: 325


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 10.
3- الذكرى صفحة: 82 الطبعة القديمة و رواه في الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 11.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 22.

.....

______________________________

و ثالثا: بأن لفظ (من) و (إلى) في قوله عليه السلام: «من أعلى وجهك إلى أسفله» لبيان حد المغسول، لا لبيان كيفية الغسل. و فيه: أنّه خلاف الظاهر.

و رابعا: بأنّ ذلك من باب جري العادة و ما هو الغالب- كما تقدم-، لا الوجوب التعبدي. مع أنّه في مقام بيان كراهة اللطم و التعمق، لا رجحان الابتداء من الأعلى. و فيه: أنّه خلاف الظاهر، بل يكون في مقام بيانهما معا، و استفيد كراهة الأول بالقرينة الخارجية.

و خامسا: بأنّ قوله عليه السلام: «مسحا» مفعول مطلق، لقوله عليه السلام: «اغسله»، و هو خلاف المعروف من أنّ المفعول المطلق لا بد و أن يكون من لفظ الفعل. و فيه: أنّه كذلك غالبا لا أن يكون من مقوّمات المفعول المطلق مطلقا مع صحة كونه حالا من ضمير «اغسله»، و قيام الإجماع على استحبابه لا ينافي أصل وجوب الغسل من الأعلى، فإن تمَّ هذا الحديث فهو الدليل. و الا فالخدشة في الإجماع المنقول ظاهرة، كما أنّ الوضوءات البيانية عن إفادة الوجوب قاصرة و لذا اختار السيد و ابنا إدريس، و سعيد، و جمع من متأخري المتأخرين جواز النكس أيضا.

فروع- (الأول): صب الماء على الوجه إن كان بعنوان الغسل وجب فيه الابتداء من الأعلى، و إن كان مقدمة له، أو بعنوان آخر، فلا يجب- كما يأتي في [مسألة 44]- أيضا.

(الثاني): لا فرق فيما ذكر بين الوضوء الترتيبي و الارتماسي.

(الثالث): الظاهر أنّ هذا الشرط واقعيّ، فيبطل الوضوء مع تركه جهلا أو نسيانا.

(الرابع): لو مسح يده من الذقن إلى الجبهة ثمَّ من الجبهة إلى الذقن و قصد الوضوء في الثاني، دون الأول صح وضوؤه، و كذا لو قصد الوضوء بما هو تكليفه الواقعي.

(الخامس): لو شك في الابتداء من الأعلى، فإن كان بعد الفراغ لا يعتنى به. و إن كان في الأثناء يتدارك.

ص: 326

عرفا (7) و لا يجوز النكس (8).

و لا يجب غسل ما تحت الشعر، بل يجب غسل ظاهره (9)، سواء شعر اللحية، و الشارب، و الحاجب (10) بشرط صدق إحاطة الشعر على المحلّ (11)، و الا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله (12).

______________________________

(7) يعني لا تعتبر الدقة العقلية في الابتداء من الأعلى و الختم إلى الأسفل، بل يكفي العرفي منه، لتنزل أدلة التكاليف على ما هو المتعارف و أما احتمال أن يكون المراد بالابتداء بالأعلى بنحو صرف الوجود، ثمَّ عدم وجوب مراعاته بعد ذلك، أو أن يكون المراد غسل الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط العرضيّة بحيث لا يجوز غسل الأدنى قبل الأعلى، و لو لم يكن مسامتا لما غسل أولا، أو أن يكون المراد غسل الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط الطولية الدقية العقلية، فكلّ ذلك احتمالات في مقام الثبوت لا دليل عليها في مقام الإثبات، و ظواهر الأدلة الواردة على طبق العرفيات تنفي ذلك كلّه، خصوصا في هذا الأمر العام البلوى لكلّ أحد في كلّ يوم مرّات، و بناء الشرع على التسهيل في مثل ذلك. نعم، لصحة الاحتمال الأول وجه إن ساعده العرف.

(8) لأنّه خلاف المأمور به، بناء على المشهور، فلا يجزي.

(9) إجماعا و نصّا. قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «كلّ ما أحاط به من الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء» (1)، و عنه عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (2)، و عن أحدهما عليهما السلام: «عن الرجل يتوضّأ أ يبطن لحيته؟ قال عليه السلام: لا» (3).

(10) لإطلاق الدليل الشامل للتمام، و إطلاق معقد إجماع الأعلام.

(11) لأنّ ذلك هو مورد الأدلة.

______________________________

ص: 327


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 1.
مسألة 1: يجب إدخال شي ء من أطراف الحدّ من باب المقدّمة

(مسألة 1): يجب إدخال شي ء من أطراف الحدّ من باب المقدّمة و كذا جزء من باطن الأنف و نحوه (13). و ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله (14).

مسألة 2: الشعر الخارج عن الحدّ كمسترسل اللحية في الطول

(مسألة 2): الشعر الخارج عن الحدّ كمسترسل اللحية في الطول، و ما هو خارج عن ما بين الإبهام و الوسطى في العرض لا يجب غسله (15).

مسألة 3: إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل

(مسألة 3): إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل (16).

مسألة 4: لا يجب غسل باطن العين و الأنف و الفم

(مسألة 4): لا يجب غسل باطن العين و الأنف و الفم إلا شي ء

______________________________

(12) لقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث، بل و إطلاق أدلة غسل الوجه و اليدين (1) إن كان الشك في مفهوم الإحاطة، لصحة التمسك بالمطلق حينئذ، إذ القيد المنفصل المجمل لا يسري إجماله إلى المطلق على ما بيّن في محله.

(13) لقاعدة الاشتغال إن توقف حصول العلم بالفراغ عليه، و الا فلا يجب.

(14) لقول أبي جعفر عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (2).

مع أنّه لم يشر إلى غسله في شي ء من النصوص مطلقا.

(15) لظهور الإجماع، و خروجه عن حد المغسول الوارد في الأدلة، و مقتضى أصالة البراءة أيضا ذلك بعد كونه خارجا عن المحدود.

(16) لما تقدم من قاعدة الاشتراك، و إطلاق قول أبي جعفر المتقدم:

«كل ما أحاط به الشعر، فليس على العباد أن يطلبوه».

______________________________

ص: 328


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 6.

منها من باب المقدّمة (17).

مسألة 5: في ما أحاط به الشعر لا يجزئ غسل المحاط عن المحيط

(مسألة 5): في ما أحاط به الشعر لا يجزئ غسل المحاط عن المحيط (18).

مسألة 6: الشعور الرّقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها

(مسألة 6): الشعور الرّقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها (19).

مسألة 7: إذا شك في أنّ الشعر محيط أم لا، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة

(مسألة 7): إذا شك في أنّ الشعر محيط أم لا، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة (20).

مسألة 8: إذا بقي مما في الحدّ ما لم يغسل و لو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء

(مسألة 8): إذا بقي مما في الحدّ ما لم يغسل و لو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء (21)، فيجب أن يلاحظ آماقه (1)و أطراف عينه لا يكون عليها شي ء من القيح أو الكحل المانع، و كذا يلاحظ حاجبه لا

______________________________

(17) أما الأول، فلقوله عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر».

و أما الثاني، فلما تقدم في [مسألة 1].

(18) لقاعدة الاشتغال و قوله عليه السلام: «كل ما أحاط به الشعر، فليس على العباد أن يطلبوه و لكن يجري عليه الماء» (2).

(19) لكونها من تبعات المغسول عرفا، فيشملها إطلاق الدليل قهرا.

(20) لأصالة بقاء الحدث، و قاعدة الاشتغال بعد كون الشك في أصل الإتيان بالمأمور به، و يأتي بعض ما يرتبط بالمقام.

(21) لعدم الإتيان بالمأمور به، و فوات المركب بفوت بعض أجزائه و يأتي حكم بقية المسألة في المسألة التالية.

______________________________

ص: 329


1- مؤق العين مؤخرها من طرف الأنف، و الجمع أمواق.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.

يكون عليه شي ء من الوسخ، و أن لا يكون على حاجب المرأة و سمة أو خطاط له جرم مانع.

مسألة 9: إذا تيقّن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله

(مسألة 9): إذا تيقّن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله، أو وصول الماء إلى البشرة (22)، و لو شك في أصل

______________________________

(22) لقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث، و أصالة عدم الحجب مثبتة بالنسبة إلى إحراز وصول الماء إلى البشرة، و لكن يمكن تقريب عدم الإثبات بأن يراد بما هو مترتب على الأصل عدم وجوب التدقيق، و هذا حكم شرعيّ لا يكون الأصل مثبتا بالنسبة إليه، و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن المرأة عليها أسوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال عليه السلام تحركه حتّى يدخل الماء تحته أو تنزعه، و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع؟ قال عليه السلام: إن علم أنّ الماء لا يدخله، فليخرجه إذا توضأ» (1).

و توهم: التناقض بين صدر الحديث و ذيله، لظهور الصدر في وجوب التحريك أو النزع عند عدم العلم بدخول الماء تحته، فلا يصح الوضوء مع الشك فيه، و ظهور الذيل في أنّ المناط العلم بعدم وصول الماء فيصح الوضوء مع الشك.

مدفوع: بأنّ مورد الصدر ما إذا علم أنّ التحريك ينفع في وصول الماء.

و مورد الثاني ما إذا علم أنّه لا ينفع فيه. فتأمل. و على فرض الإجمال، فقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث جارية. و يمكن حمل الصدر على الشك العادي، و الذيل على ما إذا كان الاعتناء به موجبا للوسواس، فعلق الحكم عليه السلام على العلم دفعا للوسوسة، كما يمكن حمل الصدر على الندب بقرينة الذيل، فأصالة عدم المانعية بالتقرير الذي ذكرناه لا محذور فيها، و هي مقدمة

______________________________

ص: 330


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 1.

وجوده يجب الفحص أو المبالغة حتّى يحصل الاطمئنان بعدمه، أو زواله، أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده (23).

______________________________

على أصالتي الاشتغال و بقاء الحدث بعد قصور الصحيح عن إفادة الوجوب على ما مر.

(23) موضوع هذه المسألة فيما إذا كان للاحتمال منشأ صحيح، و الا فلا يجب الفحص و لا المبالغة، لكونهما حينئذ من الوسواس المنهي عنه.

و استدل على الفحص أو إيصال الماء بأصالة بقاء الحدث، و قاعدة الاشتغال، و فيه ما يأتي.

و استدل على عدم وجوبهما في هذه الصورة أيضا بالسيرة، و الإجماع، و لزوم الحرج، و عدم ذكر له في الوضوءات البيانية مع بيان المندوبات، و التعرض لذلك أولى منها كما لا يخفى. مضافا إلى أصالة عدم وجوب الحاجب، و خبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام:

«أنّه بلغه أنّ نساء كانت إحداهنّ تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر إلى الطهر، و كان عليه السلام يعيب ذلك، و قال عليه السلام: متى كانت النساء يصنعن هذا؟!» (1).

و نوقش في الإجماع بعدم تعرض القدماء له. و في الأصل بأنّه مثبت و في الخبر أنّه أجنبيّ عن المقام.

و يرد الأول: بأنّه لو كان واجبا لوجب عليهم التعرض له مع تعرضهم لجميع المندوبات و المكروهات، فيستفاد من ذلك تسالمهم على عدم الوجوب.

و يرد الثاني: بما تقدم من تقرير عدم الإثبات. و الثالث: بأنّ المقصود الاستشهاد بالخبر، لا الاستدلال به.

و يمكن الجمع بين الكلمات بأنّ من يقول بوجوب الفحص أي فيما إذا كان

______________________________

ص: 331


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض حديث: 1.
مسألة 10: الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها

(مسألة 10): الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها (24)، بل يكفي ظاهرها، سواء كانت الحلقة فيها أم لا.

______________________________

للشك منشأ صحيح يوجب التوقف عن الإقدام على الوضوء معه. و من يقول بالعدم أي فيما إذا لم يكن كذلك.

ثمَّ إنّ كفاية الاطمئنان، لأجل أنّه من العلم العادي الشرعي، فيشمله جميع ما دل على اعتبار العلم، و يأتي في [مسألة 15] و ما بعدها ما ينفع المقام.

(24) لما تقدم من عدم وجوب غسل الباطن.

فروع- (الأول): لا يجب أن يغسل الوجه باليمنى، فيصح الغسل باليدين و باليسرى، للإطلاقات الواردة في مقام البيان، و في موثق ابن بكير و زرارة:

: ثمَّ «غمس كفه اليمنى في التور، فغسل وجهه بها، و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه» (1).

و لكن الغسل باليمنى أولى، لما تقدم من أنّه تعالى: «يحب التيامن في كل شي ء» (2).

(الثاني): يصح غسل نصف الوجه ترتيبا و نصفه الآخر ارتماسا.

(الثالث): لو أدار وجهه تحت الماء الجاري من فوق- مثلا- بقصد الوضوء و وصل الماء إلى تمام وجهه يصح و يجزي، و يأتي في [مسألة 22] ما يرتبط بالمقام.

(الرابع): يظهر من صحيح عليّ بن يقطين (3) أنّ تخليل شعر اللحية كان من دأب المخالفين إذا كان كثيف اللحية. و أما الخفيفة فتقدم حكمه.

______________________________

ص: 332


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11.
2- تقدم في صفحة: 295.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.

الثاني: غسل اليدين

اشارة

(الثاني): غسل اليدين (25) من المرفقين إلى أطراف الأصابع (26) مقدّما لليمنى على اليسرى (27).

و يجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه إلى الأسفل عرفا، فلا

______________________________

(الخامس): لو جعل قطنا- مثلا- في الماء و أداره على وجهه بحيث جرى الماء على تمام الوجه بقصد الوضوء يصح و يجزي، للإطلاق.

(السادس): لو رمس وجهه في الماء لا بقصد الوضوء، فأخرجه ثمَّ مسح بالماء الباقي على وجهه بقصد الوضوء يصح أيضا، و لو لم يمسح و قصد الوضوء بمجرد بقاء الماء، ففي الصحة إشكال.

(السابع): إذا توضأ و فرغ من وضوئه و كان الماء باقيا على مواضع وضوئه، لبرودة الهوى أو نحو ذلك، ثمَّ مسح بالماء الباقي على وجهه و يديه بقصد الوضوء التجديدي، ففي الصحة وجه مع تحقق سائر الشرائط.

(الثامن): إذا اغتسل للجمعة- مثلا- و كان الماء باقيا على محال وضوئه، فمسحها به، فالظاهر صحة وضوئه إذا تحقق سائر الشرائط.

(التاسع): اعتبار عدم الحاجب إنّما هو في كل عضو عند غسله فقط، فلو لم يكن في الوجه حاجب عند الاشتغال بغسله و كان في اليدين، و لكن يرفعه عند غسلهما يصح وضوؤه.

(25) بضرورة من الدّين، و الكتاب المبين (1)، و المتواترة من نصوص المعصومين (2).

(26) إجماعا، بل بضرورة من المذهب، و سنة مستفيضة، بل و كتابا أيضا في الجملة.

(27) نصّا و إجماعا، و في صحيح ابن حازم عن الصادق عليه السلام:

______________________________

ص: 333


1- المائدة: 5 الآية: 6.
2- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.

يجزي النكس (28). و المرفق مركب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد، و يجب غسله بتمامه و شي ء آخر من العضد من باب

______________________________

«في الرجل يتوضأ و يبدأ بالشمال قبل اليمين. قال عليه السلام: يغسل اليمين و يعيد اليسار» (1).

و يأتي في الشرط العاشر من شرائط الوضوء ما ينفع المقام. و لو غسلهما معا بأن رمسهما في الماء دفعة، فظاهرهم البطلان. و يمكن المناقشة: بأنّ المتيقن من الإجماع غيره، كما أنّ الظاهر من الأدلة عدم جواز تقديم اليسرى على اليمنى. و أما المقارنة فهي ساكتة عنها.

(28) لاستقرار مذهب الشيعة على الغسل من المرفق بحيث صار ذلك من شعارهم يعرفون بذلك في زمان أئمتهم، و اهتمام الأئمة عليهم السلام به كاهتمامهم بواجبات الوضوء. مضافا إلى دعوى الإجماع في التبيان، و خبر التميمي:

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ. فقلت: هذا؟ و مسحت من ظهر كفي إلى المرافق.

فقال عليه السلام: ليس هكذا تنزيلها إنّما هي: فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق ثمَّ أمرّ يده عليه السلام من مرفقه إلى أصابعه» (2).

و الصحيح الحاكي لوضوء رسول الله صلّى الله عليه و آله: «فوضع الماء على مرفقه اليمنى فأمرّ كفه على ساعده» (3)، و في صحيح آخر: «فأفرغ على ذراعه اليمنى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق» (4).

و عن صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: «ثمَّ يمسح إلى الكف- إلى أن قال- قلت له: أ يرد الشعر؟ قال: إن كان عنده آخر فعل، و الا فلا» (5)و ما عن

______________________________

ص: 334


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.
5- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 2.

المقدّمة (29) و كلّ ما هو في الحدّ يجب غسله، و إن كان لحما زائدا،

______________________________

أبي الحسن عليه السلام لعليّ بن يقطين بعد رفع التقية عنه: «و اغسل يديك من المرفقين» (1).

و مجموع الأخبار على أقسام أربعة:

(الأول) المطلقات الدالة على وجوب الوضوء.

(الثاني): الوضوءات البيانية بالسنة شتّى.

(الثالث): ما اشتمل على لفظ: من المرفق (2).

(الرابع): ما اشتمل على عدم رد الماء (3) و لا بد من تقييد المطلقات بالأقسام الأخيرة. و أشكل على الوضوءات البيانية بأنّها قاصرة عن إفادة الوجوب، لاشتمالها على المندوبات أيضا، و على الثالث باشتماله على أنّ تنزيل الآية من المرافق، مع أنّ التنزيل (إِلَى الْمَرافِقِ. و على الأخير بأنّ النهي عن الرد أعم من وجوب الابتداء بالمرافق.

و الكل مردود: لأنّ كثرة اهتمامهم (عليهم السلام) بالابتداء من المرفق قولا و عملا ظاهرة في الوجوب، و اشتمالها على المندوبات لأدلة خارجية لا يضر بظهور الوجوب من غير دليل على الندب فيه، و المراد بتنزيل الآية إنّما هو بحسب المراد، لا اللفظ. كما أنّ المقصود بالنهي عن رد الماء هو الغسل من الأصابع إلى المرافق، فلو لم يحصل للفقيه القطع بالوجوب من هذه الأدلة لما حصل له القطع في جملة من الأحكام لإمكان المناقشة في الجميع، و بعد ذلك لا وجه للتمسك بإطلاق الكتاب و السنة، لكون هذه الأدلة مفسرة لها. كما لا وجه لدعوى أنّ كلمة «إلى» غاية للمغسول لا الغسل، فما نسب إلى ابن إدريس من كراهة النكس، و إلى السيد من استحباب الابتداء بالمرفق. مردودان.

(29) لا بد من البحث في جهات:

______________________________

ص: 335


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11.

.....

______________________________

الأولى: وجوب غسل المرفق، و هو معروف بين العامة فضلا عن الخاصة، و عن المعتبر دعوى الإجماع عليه مما عدا (زفر)، و من لا عبرة بخلافه. مع أنّ (زفر) مردد بين من هو ملعون، أو مجهول، فلا يضرّ خلافه، و عن الشيخ في الخلاف: «إنّه قد ثبت عن الأئمة (عليهم السلام) أنّ- إلى- بمعنى- مع»، و في جامع المقاصد نقل: «أنّ- إلى- بمعنى- مع- في المقام عن المرتضى، و جمع ممن يوثق بهم». و قد تقدم خبر التميمي و الصحيحين الحاكيين لوضوء رسول الله صلّى الله عليه و آله فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة.

الثانية: ظاهر الأدلة أنّ وجوب غسل المرفق أصليّ، لا أن يكون مقدميّا.

و قال في الجواهر: «إنّ التأمل في كلام القوم يشرف الفقيه على القطع بأنّ مرادهم به الوجوب الأصلي»، و ما يظهر من بعض من كونه مقدميا منشأه النزاع في معنى المرفق، لا أن يكون النزاع في أصل وجوب غسله نفسيّا.

الثالثة: المشهور أنّ المرفق مركب من شي ء من الذراع، و شي ء من العضد. و عن بعض: أنّه خصوص رأس عظم الذراع الداخل في العضد. و عن آخر: عكس ذلك- أي رأس عظم العضد الداخل في الذراع. و عن ثالث:

مجمع العظمين المتداخلين. و عن رابع: أنّه الخطّ الموهوم المفروض على محلّ التداخل. و لا ثمرة عملية في هذا النزاع بعد وجوب غسل المرفق بتمامه نصّا و إجماعا. و يمكن جعل النزاع لفظيّا، فلا ثمرة علمية أيضا، لأنّ من يقول إنّه رأس عظم الذراع، أو رأس عظم العضد يريد به رأس العظم من حيث الدخل في عظم آخر، فيرجع إلى المشهور. كما أنّ القول الرابع هو القول المشهور أيضا لكن مع اختلاف التعبير.

الرابعة: وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به مما يحكم به العقل، فيجب غسل شي ء من العضد مقدمة لحصول العلم بالفراغ و قد تقدم في غسل الوجه أيضا.

ص: 336

أو إصبعا زائدة (30).

و يجب غسل الشعر مع البشرة (31)، و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد (32) و إن كان أولى (33).

______________________________

(30) لقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث، و إطلاقات الأدلة، و عدم الريب فيه- كما عن المدارك، و ظهور الإجماع فيه.

(31) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و المنساق من قوله عليه السلام: «كلّ ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه، و لا يبحثوا عنه» (1) إنّما هو اللحية و الحاجب و الشارب، لوروده في الوجه. مع أنّه مقتضى القاعدة أيضا، لأنّ التقييد إذا كان مرددا بين الأقلّ و الأكثر يرجع في غير المتيقن منه إلى الإطلاق، كما في المقام. فما عن كاشف الغطاء من كون شعر اليد، كالوجه مع الكثافة، لا وجه له، كما مر. و لأنّ المنساق عرفا من قوله عليه السلام: «ما أحاط به الشعر» هو الشعر الذي يكون إبقاؤه راجحا لا الشعر الذي تكون إزالته راجحة، و على هذا لو لطخ شعر يده بما يمنع عن وصول الماء إليه يبطل وضوؤه و إن كان كثير الشعر. نعم، لو لم يكن حاجبا، و كان من مجرد اللون، و لم يتبلل بالماء خارجا، و توضأ ارتماسا، يمكن القول بالصحة، لصدق إحاطة الماء بالبشرة و الشعر عرفا، و صدق الغسل كذلك.

(32) لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه قهرا، مع ظهور الإجماع على عدم الوجوب. و أما خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«سألته عن الأقطع اليد و الرجل؟ قال: يغسلهما» (2)، و صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟

قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» (3).

ففيه: مضافا إلى اشتماله على غسل الرجل الظاهر في الصدور تقية. أنّه

______________________________

ص: 337


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 4.

و كذا إن قطع تمام المرفق (34). و إن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي (35)، فإن قطعت من المرفق- بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد- يجب غسل ما كان من العضد جزءا من المرفق (36).

______________________________

يمكن حملها على القطع مما دون المرفق.

(33) لاحتمال البدلية في خبر ابن مسلم، و خروجا عن خلاف المفيد و الكاتب حيث نسب إليهما الوجوب. و أما صحيح ابن جعفر: «عن الرجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده» (1).

فإن أمكن حمله على ما إذا بقي مقدار من مرفقه وجب غسله، كما يأتي.

و إلا فلا بد من حمله على الندب، لما تقدم من الإجماع على عدم وجوب غسل العضد، و قاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع.

(34) يظهر حكمه مما تقدم في القطع مما فوق المرفق، لانتفاء الموضوع في هذه الصورة أيضا.

(35) للأصل و الإجماع، و قاعدة الميسور. و قال في الجواهر: «من تتبع أدلة الباب عرف أنّه لا يسقط الوضوء بتعذر شي ء من الأجزاء». مضافا إلى جملة من الأخبار:

منها: ما تقدم من صحيح رفاعة المحمول على ما إذا كان القطع مما دون المرفق إجماعا.

(36) لجميع ما مرّ في سابقة، و لصحيح ابن جعفر عليه السلام المتقدم:

«عن الرجل قطعت يده من المرفق. قال عليه السلام: يغسل ما بقي من عضده» بناء على أنّ المراد به ما بقي من العضد الذي هو جزء من المرفق.

______________________________

ص: 338


1- الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء حديث: 2.
مسألة 11: إن كانت له يد زائدة دون المرفق

(مسألة 11): إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا (37) كاللحم الزائد. و إن كانت فوقه، فإن علم زيادتها لا يجب غسلها (38) و يكفي غسل الأصلية، و إن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما (39)، و يجب مسح الرأس و الرجل بهما من باب الاحتياط (40)، و إن كانتا أصليتين (41) يجب غسلهما (42) أيضا، و يكفي المسح بأحدهما.

مسألة 12: الوسخ تحت الظّفر إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب إزالته

(مسألة 12): الوسخ تحت الظّفر إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب إزالته (43) إلا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، فإنّ الأحوط

______________________________

(37) للإجماع، و ظهور الأدلة في غسل اليد بما عليها من الزوائد.

(38) لظهور الأدلة في غسل اليد الأصلية، دون الزائدة. و عن جمع وجوب غسلها أيضا، لقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّه لا وجه لها في مقابل الأدلة الظاهرة في وجوب غسل الأصلية.

(39) لقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث، فيجب غسلهما من باب الاحتياط.

(40) للعلم الإجمالي بوجود اليد الأصلية فيهما، فيجب الاحتياط بالمسح بهما.

(41) بأن يعلم كونهما كذلك، لا أن يعلم أنّ إحداهما أصلية، و الأخرى زائدة و اشتبهتا، كما في الصورة السابقة.

(42) أما وجوب غسلهما، فللإطلاقات (1) بعد صدق الأصلية بالنسبة إلى كل منهما. و أما كفاية المسح بإحداهما، فللإطلاق، و الاتفاق بعد كون كل منهما أصلية.

(43) لعدم كونه من الظاهر، و عدم وجوب غسل الباطن.

______________________________

ص: 339


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء.

إزالته (44) و إن كان زائدا على المتعارف وجبت إزالته (45). كما أنّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله (46) بعد إزالة الوسخ عنه.

مسألة 13: ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين

(مسألة 13): ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين، و الاكتفاء عن غسل الكفّين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل (47).

______________________________

(44) نسب الى المشهور وجوب الإزالة، لأنّ ما تحته من الظاهر، فتشمله الإطلاقات. و فيه: أنّ إطلاق كون ما تحت الأظافر من الظاهر مخدوش.

و استدل على عدم الوجوب تارة: بأنّه من الباطن. و فيه: أنّ هذا الإطلاق مخدوش.

و اخرى: بعدم ورود بيان من الشارع فيه مع أنّه عام البلوى، فيكون من الباطن. و فيه: أنّ الإطلاقات تكفي في البيان.

و ثالثة: بما ورد في رجحان إطالة النساء أظافيرهنّ (1). و فيه: أنّها أعمّ من اجتماع الوسخ تحتها، مع أنّ ما ورد في النساء عدم استقصائهنّ لقطع الأظفار، و هو أعمّ من الإطالة كما لا يخفى.

و رابعة: بأنّه بعد الستر بالوسخ يلحق بما أحاط به الشعر. و فيه: أنّه قياس. و الظاهر أنّ النزاع لفظيّ، فإن عدّ من الظاهر وجب غسله، و إن عدّ من الباطن لا يجب، و إن شك فيه يأتي حكمه في [مسألة 23].

(45) إن كان ما تحته من الظاهر تشمله الإطلاقات، فتجب الإزالة. و إلا فلا.

(46) لشمول إطلاقات الأدلة له حينئذ.

(47) لوجوب غسل تمام اليد مع الشرائط من المرفق إلى الأصابع في

______________________________

ص: 340


1- الوسائل باب: 81 من أبواب آداب الحمام.
مسألة 14: إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع

(مسألة 14): إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع، و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل، و إن كان بجلدة رقيقة، و لا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة (48) و إن كان أحوط لو عدّ ذلك اللحم شيئا خارجيا، و لم يحسب جزءا من اليد.

مسألة 15: الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد

(مسألة 15): الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد، إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء فيها (49). و الا فلا (50)، و مع الشك لا يجب، عملا بالاستصحاب (51)، و إن كان

______________________________

الغسل الواجب، و المفروض عدم تحققه، و لقاعدة عدم إجزاء المستحب عن الواجب.

(48) أما وجوب غسل ما ظهر بعد القطع، فلأنّه من الظاهر حينئذ فتشمله إطلاقات الأدلة. و أما وجوب غسل الجلدة أيضا، فلأنّه من توابع المحلّ المغسول عرفا، كاللحم الزائد. و أما عدم وجوب قطعه، فللأصل. نعم، لو عدّ شيئا خارجيا و لم يحسب جزءا من البدن وجب قطعه حينئذ، لكون ما اتصل منه بالمحلّ من الحاجب. الا أن يقال: بانصرافه عن مثله و لعلّه لذلك جعل رحمه الله: «الأحوط الإزالة».

(49) لأنّها من الظاهر حينئذ، فيشملها ما دل على وجوب غسل الظاهر.

هذا مع عدم الضرر، و الا فيأتي في أحكام الجبائر و فصل التيمم تفصيله.

(50) لكونه من الباطن حينئذ، و تقدم عدم وجوب غسله، بل عدم جوازه مع الضرر.

(51) إن كان المراد استصحاب بقاء كونه باطنا، أو استصحاب عدم وجوب غسله، فلا يجريان لأنّ الشك في أصل الموضوع، لفرض أنّ الشك في أنّه باطن أو ظاهر. نعم، لو كان سابقا باطنا يجري الاستصحاب بلا إشكال، و إن كان المراد استصحاب حصول الطهارة بعدم غسله قبل الانشقاق، فهو مثبت، مع أنّه

ص: 341

.....

______________________________

تعليقيّ، و يأتي منه رحمه الله الاحتياط الوجوبي في [مسألة 23].

و يمكن المناقشة في كون الاستصحاب مثبتا، لأنّه إن أريد به إثبات كونه باطنا أولا، ثمَّ إثبات عدم وجوب غسله يكون من المثبت. و لكن يصح استصحاب عدم وجوب غسل الداخل قبل الانشقاق، فلا إثبات حينئذ. كما أنّه يصح الاستصحاب التعليقي أيضا.

و ما أشكل عليه مردود. بيان ذلك: أنّ البحث فيه تارة: من حيث المقتضي. و اخرى: من حيث وجود المانع.

أما الأول: فلا ريب في أنّ المقتضي لاعتبار الاستصحاب التعليقي موجود، و هو عموم الأدلة، و إطلاقها الشامل للتعليقي، و غيره بعد تحقق اليقين السابق و الشك اللاحق.

و أما الأخير: فما يتصور من المانع أمور:

الأول: أنّه من الشك في أصل الموضوع، فلا يجري الاستصحاب من هذه الجهة. و فيه: مضافا إلى عدم اختصاصه بالاستصحاب التعليقي. أنّه لا شك فيه، لأنّ الموضوع بحسب العرف داخل الانشقاق، فإنّه قبل الشق لم يجب غسل داخله، فيستصحب ذلك بلا شك في الموضوع.

الثاني: أنّه ليس في الاستصحابات التعليقية اليقين السابق لأجل التعليق، إذ لا وجود للمعلق الا بعد المعلق عليه، فلا يجري الأصل من حيث عدم المقتضي أيضا. و فيه: أنّ المستصحب إنّما هو الحكم التعليقي، و له نحو اعتبار صحيح عرفا و شرعا، و يكفي هذا النحو من الاعتبار في تحقق المستصحب، بلا فرق في القيد بين أن يكون للحكم أو للموضوع، لصحة الاعتبار و كفاية الوجود الاعتباري في المستصحب مطلقا.

الثالث: أنّه معارض بالاستصحاب المطلق، و قاعدة الاشتغال. و فيه: أنّه لا معنى للمعارضة، لأنّ الاستصحاب التعليقي يبين حد الاستصحاب المطلق، و يكون بمنزلة الشارح له، كما لا وجه لجريان قاعدة الاشتغال بعد صحة جريان الاستصحاب.

ص: 342

الأحوط الإيصال (52).

مسألة 16: ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق- ما دام باقيا يكفي غسل ظاهره

(مسألة 16): ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق- ما دام باقيا يكفي غسل ظاهره و إن انخرق (53)، و لا يجب إيصال الماء تحت الجلدة (54)، بل لو قطع بعض الجلدة و بقي البعض الآخر يكفي

______________________________

و توهم: أنّه لا موضوع للشرح لوحدة منشأ الشك، و الشارح و المشروح لا بد لهما من تعدد الوجود.

مردود: لكفاية الاختلاف الاعتباري في ذلك، لأنّ اعتبار الإطلاق و التنجيز في أحدهما و التعليق في الآخر من الاعتبارات الحسنة المتعارفة، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم لزوم التغاير بأكثر من ذلك، و مع ذلك كله فالعرف أصدق شاهد على عدم الفرق بين الاستصحابات التنجيزية و التعليقية، فإذا القي على الأذهان السليمة المتعارفة قول: أكرم زيدا و قول: أكرم زيدا إن جاءك ثمَّ حصل الشك في بقاء الحكم فيهما لأجل جهة من الجهات، فهم بفطرتهم يجرون استصحاب بقاء الحكم في كلا القولين، بلا فرق بينهما في البين، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة في مقابل البديهة. و الظاهر أنّ بسط القول أكثر من ذلك لا وجه له مع وجود مباحث أهم منه.

ثمَّ إنّه يصح التمسك بأصالة الصحة في المقام بناء على جريانها في فعل نفس الحامل أيضا، كما هو مقتضى كونها من الأصول الامتنانية، و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء الله تعالى، كما يأتي بعض الكلام في [مسألة 23].

(52) هذا الاحتياط واجب بناء على عدم جريان الأصل. و أما مع جريانه، كما مرّ فهو من مجرد حسن الاحتياط.

(53) لفرض كونه ظاهرا فتشمله الأدلة.

(54) لأنّه من الباطن، و إنّما يجب غسل الظاهر فقط دون الباطن، و منه يظهر وجه قوله: «بل لو قطع بعض الجلدة».

ص: 343

غسل ظاهر ذلك البعض (55)، و لا يجب قطعه بتمامه (56). و لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه، لكن الجلدة متصلة قد تلزق، و قد لا تلزق يجب غسل ما تحتها (57)، و إن كانت لازقة يجب رفعها، أو قطعها (58).

مسألة 17: ما ينجمد على الجرح عند البرء

(مسألة 17): ما ينجمد على الجرح عند البرء، و يصير كالجلد لا يجب رفعه، و إن حصل البرء، و يجزي غسل ظاهره، و إن كان رفعه سهلا (59). و أما الدّواء الذي انجمد عليه و صار كالجلد، فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة (60) يكفي غسل ظاهره، و إن أمكن رفعه بسهولة وجب (61).

مسألة 18: الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب إزالته

(مسألة 18): الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب إزالته، و إن كان عند المسح بالكيس في الحمام أو غيره يجتمع و يكون كثيرا، ما دام يصدق عليه غسل البشرة، و كذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ، أو النّورة إذا كان يصل الماء إلى ما تحته،

______________________________

(55) لأنّ انقطاع البعض لا يجعل الظاهر باطنا و لا الباطن ظاهرا فيجب غسل الظاهر ما بقي على ظهوره.

(56) لإطلاق ما دل على كفاية غسل الظاهر.

(57) لصيرورة ما تحتها ظاهرا عرفا حينئذ، فتشمله الأدلة.

(58) لكون الجلدة حينئذ، كالحاجب الموجود، فيجب رفعه.

(59) لأنّه يعدّ جزءا من المحلّ، هذا إذا عدّ جزءا من البشرة، و إلا فحكمه حكم ما يأتي من الدواء، و إن شك في أنّه جزء أو لا، فالأحوط غسل ظاهره و باطنه إن سهل رفعه، و الا يأتي حكمه في الجبائر.

(60) على ما يأتي التفصيل في محلّه إن شاء الله تعالى.

(61) لإطلاق ما دل على وجوب غسل البشرة.

ص: 344

و يصدق معه غسل البشرة (62). نعم، لو شك في كونه حاجبا أم لا وجبت إزالته (63).

مسألة 19: الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف

(مسألة 19): الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف (64).

مسألة 20: إذا نفذت شوكة في اليد، أو غيرها من مواضع الوضوء، أو الغسل، لا يجب إخراجها

(مسألة 20): إذا نفذت شوكة في اليد، أو غيرها من مواضع الوضوء، أو الغسل، لا يجب إخراجها، إلا إذا كان محلّها- على فرض الإخراج- محسوبا من الظاهر (65).

______________________________

(62) كلّ ذلك، لإطلاقات الأدلة و عموماتها مع تعارف الوسخ في محالّ الوضوء خصوصا في الأزمنة القديمة، و ليس المدار على أن لا يكون جرما مرئيا، بل المدار كلّه على صدق غسل البشرة عرفا، كان جرما مرئيا أم لا.

فرع: لا فرق في الوسخ بين ما لو حصل من الأجزاء الدهنية أو غيرها، فمع كونه وسخا يجب إزالته و الا فلا. كما أنّ الألوان التي تستعملها النساء لو لم تكن مانعة عن وصول الماء إلى البشرة لا تجب إزالتها و إلا وجبت.

(63) على المشهور، لقاعدة الاشتغال، كما لو علم بوجود حاجب و شك في أنّه يزول بمجرد صبّ الماء أو يحتاج إلى الدلك، وجب الدلك على الأحوط، و قد تقدم في [مسألة 9] بعض الكلام.

(64) لتنزل الأدلة على المتعارف، مضافا إلى صحيح ابن سنان الدال على أنّ عمل الوسواسي بعلمه من إطاعة الشيطان (1).

(65) نفوذ الشوكة و نحوها في اليد على أقسام:

(الأول): ما إذا دخل في الباطن فقط و لم يحجب شيئا من الظاهر، فلا يجب إخراجه، لفرض عدم حجبها شيئا من الظاهر.

______________________________

ص: 345


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات.
مسألة 21: يصح الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى

(مسألة 21): يصح الوضوء بالارتماس (66) مع مراعاة الأعلى فالأعلى (67). لكن في اليد اليسرى لا بد أن يقصد الغسل حال الإخراج (68) من الماء حتّى لا يلزم المسح بالماء الجديد، بل و كذا في اليد اليمنى، الا أن يبقي شيئا من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى، حتّى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.

______________________________

(الثاني): ما إذا حجب شيئا منه، و لا إشكال في وجوب إخراجه حينئذ مع عدم الحرج، لما دل على وجوب غسل الظاهر (1). و أما مع الحرج فيأتي حكمه في الجبائر.

(الثالث): ما إذا نفذت الشوكة بحيث أدخل بعضا من الظاهر في الباطن، ففي وجوب إخراجه حينئذ إشكال، و إن كان أحوط.

(66) للإطلاق و الاتفاق و تحقق استيلاء الماء على المحلّ الذي هو المناط في الغسل، كما مرّ.

(67) لظهور دليل اعتباره في كونه شرطا في طبيعة الوضوء ارتماسيا كان أم لا. و هل يكتفى فيه بمجرد القصد- كما عن صاحب الجواهر- أو لا بد من تحريك المغسول في الماء بقصد ذلك؟ مقتضى الإطلاقات و سهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى، و إطلاق ما يأتي من صحيح ابن جعفر هو الأول، و إن كان الاحتياط في الثاني.

(68) مع بقاء قصد الوضوء إلى تحقق الخروج، و الا عاد المحذور، فالوضوء الارتماسي يتصوّر على وجوه:

(الأول): ما إذا قصد الوضوء بمجرد الإدخال في الماء.

(الثاني): ما إذا قصده بالإبقاء فيه.

(الثالث): ما إذا قصده بمجرد الإخراج فقط، و يلزم المسح بالماء

______________________________

ص: 346


1- راجع الوسائل: باب 29 من أبواب الوضوء حديث: 6.
مسألة 22: يجوز الوضوء بماء المطر

(مسألة 22): يجوز الوضوء بماء المطر، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى، و كذلك بالنسبة إلى يديه، و كذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه (69)، و لو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع محالّ الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله، و كذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا، و كذا لو ارتمس في الماء ثمَّ خرج و فعل ما ذكر (70).

______________________________

الجديد في جميع ذلك.

(الرابع): ما إذا قصده بالإخراج و بقاء الماء على المحلّ.

(الخامس): أن يبقي من يده اليسرى شيئا، فيغسله باليمنى.

(السادس): أن يقصد الوضوء الصحيح الواقعيّ من غير التفات إلى شي ء، و الثلاثة الأخيرة صحيحة بلا إشكال.

(69) لإطلاق الأدلة الدالة على كفاية استيلاء الماء على المغسول، مضافا إلى صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن الرجل لا يكون على وضوء، فيصيبه المطر حتّى يبتلّ رأسه، و لحيته، و جسده، و يداه، و رجلاه هل يجزيه ذلك عن الوضوء؟ قال عليه السلام: إن غسله، فإنّ ذلك يجزيه» (1).

و لكن لا بد من تحقق سائر الشرائط، لإطلاق أدلة اعتبارها كما يأتي، و الظاهر أنّ ذكر المطر في الرواية من باب المثال، فيشمل الميزاب و الأنابيب و الدوش و نحوها.

(70) كلّ ذلك لأنّ المناط تحقق الغسل، و المفروض تحققه بما ذكر.

و صب الماء على محلّ المغسول من مقدّمات تحقق الغسل، لا أن يكون من

______________________________

ص: 347


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 1.
مسألة 23: إذا شك في شي ء أنّه من الظاهر حتّى يجب غسله

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 2، ص: 348

(مسألة 23): إذا شك في شي ء أنّه من الظاهر حتّى يجب غسله، أو الباطن فلا، فالأحوط غسله (71) الا إذا كان سابقا من الباطن، و شك في أنّه صار ظاهرا أم لا (72)، كما أنّه يتعيّن غسله لو كان سابقا من الظاهر ثمَّ شك في أنّه صار باطنا أم لا (73).

______________________________

الأجزاء أو الشرائط الواجبة و يشهد له إطلاق ما تقدم من صحيح ابن جعفر بعد حمل المطر على المثال.

(71) لقاعدة الاشتغال، و أصالة بقاء الحدث، بلا فرق فيه بين كون المأمور به الطهارة الحاصلة من الغسلات و المسحات، أو نفس الغسلات و المسحات، لأنّها من حيث كونها محصّلة للطهارة تعلق الأمر بها، فيرجع الشك إلى تحقق المأمور به لا محالة، و لا يكون من الأقلّ و الأكثر.

و فيه: أنّه يمكن المناقشة فيه بأنّ المنساق من قوله عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (1) هو اتصاف المغسول بعنوان الظهور عرفا، فما يكون مشكوك الظهور خارج عن مورد الدليل، فيكون الشك في أصل تعلق التكليف به، و المرجع البراءة. و ما هو المشهور من أنّ في الشك في المحصّل يتعين فيه الاحتياط إنّما هو في ما إذا كان التكليف واضحا و مبينا بحسب المتفاهم العرفي من الدليل. و أما لو كان المنساق منه خصوص غسل الظاهر المتصف بذلك، فهو خارج عن الدليل.

(72) فيكون المرجع حينئذ استصحاب عدم وجوب غسله.

(73) لأصالة وجوب غسله، فيكون الأصلان متعاكسين.

فروع- (الأول): المنساق من الأدلة عرفا: أنّه يعتبر عند الغسل إمرار اليد الغاسلة على المغسول، فلو عكس بأن أمسك اليد الغاسلة و أمرّ المغسول عليها لا يجزي. فتأمل، فإنّه يمكن حمل المنساق من الأدلة على الغالب.

______________________________

ص: 348


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الوضوء حديث: 6.

الثالث: مسح الرأس بما بقي من البلّة في اليد

اشارة

(الثالث): مسح الرأس (74) بما بقي من البلّة في اليد (75)

______________________________

(الثاني): لو حصل الغسل بإمرارهما معا لا يبعد الإجزاء.

(الثالث): قد تقدم أنّه يعتبر أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، فلو غسل بإمرار اليد من الأعلى إلى الأسفل و بالعكس أيضا و قصد الغسل الصحيح حين مرور اليد من الأعلى إلى الأسفل، فالظاهر الصحة.

(الرابع): لا يضرّ غسل ما زاد عن الحدّ إن لم يكن بقصد التوظيف الشرعيّ مع مراعاة عدم لزوم المسح بالماء الجديد.

(الخامس): يعتبر أن يكون غسل اليدين بعد غسل الوجه، و اليسرى بعد اليمنى، لما تقدم. فلو غسلها دفعة، فظاهرهم عدم الإجزاء كما لو ألقى نفسه في الماء بقصد الوضوء، ثمَّ خرج و أتى بالمسحات بعد تجفيف محالّها بما لا ينافي الموالاة و كما إذا أدخل يديه في الماء دفعة و توضأ ارتماسا.

و يشهد للصحة إطلاق ما تقدم في صحيح ابن جعفر (1)، و قد تقدم بعض القول فيه، و لعلّه يأتي تمامه في اعتبار الترتيب.

(السادس): لو أتى بالوضوء المأمور به مرتبا بتقديم الوجه على اليدين و اليمنى منهما على اليسرى صح وضوؤه و إن لم يعرف يمينه عن شماله. و بعبارة أخرى: تحقق الترتيب واقعا يكفي و لا يعتبر العلم، بل لو غسل يمينه بزعم أنّها يسار ثمَّ غسل اليسار يصح وضوؤه مع تحقق سائر الشرائط.

(74) كتابا (2) و سنة و إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدّين.

(75) أي ببلة الوضوء. و أما كونه ببلة خصوص اليد، فيأتي في [مسألة 25]، و كون المسح ببلة الوضوء فهو المشهور المدعى عليه الإجماع عن جمع، و لم ينسب الخلاف الا إلى ابن الجنيد، فيجوز المسح بالماء الجديد.

______________________________

ص: 349


1- تقدم في صفحة: 347.
2- و هو قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ المائدة الآية 6.

.....

______________________________

و يدل على المشهور الوضوءات البيانية، و في بعضها:

«لم يجدّد ماء» (1)، و في بعضها الآخر: «لم يعدهما في الإناء» (2)، و في صحيح زرارة: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك» (3)، و في وضوء المعراج:

«ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء» (4)، و عن أبي الحسن عليه السلام في خبر ابن يقطين: «و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك» (5).

و ظهورها في الوجوب مما لا ينكر.

و نوقش في الوضوءات البيانية: بأنّها أعمّ من الوجوب، و في صحيح زرارة باحتمال كونه في مقام الإجزاء، و هو أيضا أعمّ من الوجوب، و في خبر ابن يقطين بقصور السند.

و يرد الأولى: بأنّ التأكيد المذكور فيها بقوله عليه السلام: «لم يجدّد ماء» يجعلها ظاهرة في الوجوب.

و الثانية: بأنّه خلاف الظاهر.

و الأخيرة: بأنّه معتبر، لقرائن خارجية و داخلية، فلا وجه للمناقشة. و أما خبر ابن حماد عن الصادق عليه السلام: «في الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت: فإن لم يكن له لحية؟

قال: يمسح من حاجبية أو أشفار عينيه» (6). فهو قاصر سندا، مع إمكان حمله على جفاف ما في اليدين من البلّة.

و استدل ابن الجنيد بالإطلاقات كتابا و سنة. و يرد بأنّها مقيدة بما مرّ.

و بخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «قلت: أمسح بما على يدي من

______________________________

ص: 350


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 11.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.
5- الوسائل باب: 1؟؟؟ من أبواب الوضوء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1 و 4.

و يجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس (76)، فلا يجزئ غيره، و الأولى و الأحوط الناصية (77)، و هي: ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة.

و يكفي المسمّى و لو بقدر عرض إصبع واحدة أو أقلّ (78).

______________________________

الندى رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» (1).

و قريب منه خبر أبي عمارة (2) و صحيح ابن خلاد (3). و فيه: أنّ إعراض الأصحاب عنها أسقطها عن الاستناد إليها، مع أنّ فيها قرائن دالة على صدور الحكم تقية.

(76) نصّا و إجماعا. قال أبو عبد الله عليه السلام في صحيح ابن مسلم:

«مسح الرأس على مقدمه» (4)، و عن أحدهما في مرسل حماد: «في الرجل يتوضأ و عليه العمامة. قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار المقيدة للإطلاقات.

و أما خبر حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام: «امسح الرأس على مقدمه و مؤخره» (6) فهو شاذ مخالف للإجماع، مضافا إلى قصور السند، فلا يصلح للاستناد.

(77) لذكرها بالخصوص فيما تقدم من صحيح زرارة، و في خبر حسين بن زيد الوارد في مسح المرأة: «تمسح بناصيتها»(7). و حينئذ فالأمر يدور بين تقييد المطلقات بها أو حملها على الأولوية، و الظاهر أنّ غلبة المسح عليها بحسب العادة تمنع عن التقييد، كما في جميع القيود التي وردت كذلك.

(78) للإجماع و الإطلاق و قوله عليه السلام: «إذا مسحت بشي ء من

______________________________

ص: 351


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 6 و 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 6 و 5.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 6 و 5.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب الوضوء حديث: 6.
7- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 5.

و الأفضل، بل الأحوط أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع (79)، بل

______________________________

رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك فقد أجزأك» (1) و في صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: ألا تخبرني من أين علمت. و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك عليه السلام. و قال: يا زرارة قاله رسول الله صلّى الله عليه و آله و نزل به الكتاب من الله عزّ و جل قال تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل- إلى أن قال- ثمَّ فصل تعالى بين الكلام فقال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، فعرفنا حين قال «برؤوسكم» أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء».

و هذا الصحيح من المحكمات المشتمل على التفصيل و البيان، و إطلاقه يشمل الأقل من الإصبع أيضا، و يمكن كفاية المسمّى مطلقا من لفظ المسح الوارد في الأدلة أيضا، فإنّ المسح هو المس مع إمرار الماس على الممسوس و لا ريب في تحققه بمجرد صرف الوجود.

ثمَّ إنّ الصحيح ظاهر، بل نص في أنّ الباء بمعنى التبعيض، و نص على ذلك جمع من أئمة اللغة، و عن جمع من أئمة فقهاء العامة ذلك أيضا، فلا وجه بعد ذلك لإنكار سيبويه مجيئها للتبعيض.

(79) لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر معمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل» (3)، و قوله عليه السلام في الصحيح:

«المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها» (4).

المحمول على مطلق الرجحان جمعا، فما نسب إلى السيد و الشيخ رحمهما الله من وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة لخبر معمر. و إلى أبي عليّ من التفصيل بين الرجل فيجزي إصبع واحدة و المرأة بثلاث أصابع، للصحيح.

______________________________

ص: 352


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 5.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 3.

الأولى أن يكون بالثلاث (80). و من طرف الطول أيضا يكفي المسمّى (81)، و إن كان الأفضل أن يكون بطول إصبع (82) و على هذا فلو أراد إدراك الأفضل ينبغي أن يضع ثلاث أصابع على الناصية و يمسح بمقدار إصبع من الأعلى إلى الأسفل و إن كان لا يجب كونه كذلك، فيجزئ النكس (83)، و إن كان الأحوط خلافه (84).

______________________________

و ما عن جمع من التحديد بالإصبع مطلقا. مردود بالإطلاقات الواردة في مقام البيان غير القابلة للتقييد.

و أما مثل خبر حماد: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه» (1) لا دلالة فيه على تحديد المسح بمقدار الإصبع، لأنّ إدخال الإصبع تحت العمامة أعم من وقوع المسح بتمامها أو ببعضها، كما هو معلوم.

(80) لاحتمال أن يكون هذا هو المراد بقوله عليه السلام في خبر معمر:

«قدر ثلاث أصابع».

(81) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و يدل عليه ما تقدم من صحيح زرارة.

(82) لما يدعى من أنّ المنساق عرفا من المسح بالإصبع طولها. و لكنه مردود بإطلاق ما تقدم من صحيح زرارة.

(83) على المشهور بين المتأخرين، للإطلاقات الواردة في مقام البيان و لقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» (2)، و بصحة النكس في الرجلين بلا كلام، و المقطوع به عدم الفرق بين الرأس و الرجل في المسح.

و نوقش في الأول بأنّها منزلة على المتعارف و هو من الأعلى إلى الأسفل.

(و فيه): أنّ التعارف لا يوجب التقييد، كما ثبت في الأصول. و في الثاني بأنّ الشيخ رحمه الله رواه في موضع آخر: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» (3)، و تعدد الرواية مع وحدة الراوي و المروي عنه بعيد (و فيه): أنّه لا

______________________________

ص: 353


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 2.

و لا يجب كونه على البشرة، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدّم (85)، بشرط أن لا يتجاوز بمدّه عن حدّ الرأس، فلا يجوز

______________________________

بعد فيه، كما هو معلوم على الخبير. مع أنّ في الإطلاقات كفاية. و في الثالث بأنّه قياس. و فيه: أنّ من يقول به يدعي القطع بعدم الفرق، و ليس ذلك من القياس في شي ء.

و أشكل على جواز النكس تارة: بأنّه موافق للعامة و لا بد من مخالفتهم.

و فيه: أنّ مخالفتهم من المرجحات في الجملة في مورد التعارض لا أن تكون دينا يدان به مطلقا في الأحكام، فإنّه ربما يكون مبغوضا. و ما ورد من أنّ: «الرشد في خلافهم»(1) إنّما هو في موارد ثبوت التعارض.

و اخرى: بدعوى الإجماع من الخلاف و الانتصار على عدمه. و فيه: ما ثبت في محله من عدم الاعتبار بمثل هذه الإجماعات، خصوصا مع ظهور الخلاف من الناقل، فالأقوى هو الجواز.

فائدة: الأقسام في مسح الرأس تسعة: لأنّ مقدار ثلاث أصابع بناء على اعتباره ندبا، كما عن المشهور. أو وجوبا، كما عن بعض، أما في عرض الإصبع، أو في طولها، أو فيهما معا. و الجميع: إما بالنسبة إلى عرض مقدم الرأس أو طوله أو هما معا. و المنساق إلى الذهن بالنسبة إلى الرأس الطول، و بالنسبة إلى الأصابع العرض خصوصا في خبر معمر الذي ذكر فيه الرأس مع الرجلين، لأنّ مقدار ثلاث أصابع فيه لا بد و أن يحمل على عرضها، لتحديد طول المسح فيهما بما يأتي إن شاء الهّا. و لكن هذا المنساق خلاف الجمود على الإطلاق.

(84) ظهر وجهه مما تقدم.

(85) للإجماع محققا، و منقولا مستفيضا، بل الظاهر كونه من الضروريات

______________________________

ص: 354


1- تقدم في الصفحة: 254.

المسح على المقدار المتجاوز و إن كان مجتمعا في الناصية (86)، و كذا لا يجوز على النابت في غير المقدّم و إن كان واقعا على المقدّم (87)، و لا يجوز المسح على الحائل من العمامة أو القناع أو غيرهما (88) و إن كان شيئا رقيقا لم يمنع عن وصول الرطوبة إلى البشرة (89).

نعم، في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع كالبرد، و إذا كان شيئا لا يمكن رفعه (90).

______________________________

في الجملة، و تدل عليه الإطلاقات أيضا. و لفظ البشرة و الناصية الواردة في بعض الأخبار (1) أعمّ من فاقد الشعر و واجده إجماعا.

فرع: لا فرق بين كون الشّعر قليلا أو كثيرا بعد صدق كونه من شعر مقدم الرأس.

(86) لقاعدة الاشتغال بعد الشك في شمول الأدلة لمثله، بل الظاهر عدم الشمول.

(87) لما مرّ في سابقة، مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم الإجزاء عن جمع.

(88) نصّا و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم:

«عن أحدهما عليهما السلام عن المسح على الخفين و العمامة قال عليه السلام: لا تمسح عليهما» (2).

و ما يدل على الخلاف، محمول على التقية، كما يأتي.

(89) لظهور الأدلة في اعتبار عدم الحاجب بين الماسح و الممسوح.

(90) يأتي التفصيل في [مسألة 33]، و في أحكام الجبائر.

______________________________

ص: 355


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2 و باب 23 حديث: 5 و باب: 37 حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 8.

و يجب أن يكون المسح بباطن الكف (91)، و الأحوط أن يكون باليمنى (92). و الأولى أن يكون بالأصابع (93).

______________________________

(91) أما اعتبار كونه باليد، فللنص (1) و الإجماع، بل الضرورة و أما اعتبار كونه بالكفّ، فلظهور الأدلة فيه عرفا. و أما كونه بخصوص الباطن، فاستدل عليه بأنّه المنساق من الأدلة، و لكنّه خلاف الجمود على الإطلاق، و لذا قال الشهيد في الذكرى: «إنّ باطن اليد أولى».

(92) المشهور، بل يظهر منهم الاتفاق على أنّ مسح الرأس باليمنى مندوب، للإطلاقات الواردة في مقام البيان في هذا الحكم العام البلوى و عن الإسكافي الوجوب، لقوله عليه السلام: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك» (2).

و في كفايته لتقييد الإطلاقات الكثيرة، مع الوهن بإعراض المشهور عن ظاهره إشكال مع أنّه لو كان الحكم إلزاميّا لكان الاهتمام به كثيرا، بيانا من المعصوم عليه السلام، و سؤالا من الرواة. و وجه الاحتياط الخروج عن خلاف الإسكافي، و ما تقدم من أنّه:

«يعجبه التيامن في طهوره» (3) و: «أنّ الله يحب التيامن في كلّ شي ء» (4).

(93) أما عدم وجوب المسح بالأصابع، فللإطلاق، و ظهور الاتفاق.

و اعترف في الجواهر: «بعدم مصرّح بالوجوب»، و ما ذكر في الأخبار (5) من الإصبع أو الأصابع ليس في مقام بيان اعتبار كون المسح بها، بل في مقام بيان ما يجتزى به وجوبا أو استحبابا، و أما كونه أولى، فللخروج عن خلاف ما نسب في الحدائق إلى جمع من وجوبه بها.

______________________________

ص: 356


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 5.
2- تقدم في صفحة: 350.
3- تقدمتا في صفحة: 295.
4- تقدمتا في صفحة: 295.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء.

.....

______________________________

فروع- (الأول): لو خرج شعر الرأس بمده عن حد الرأس، و لكن مسح على خصوص المقدار الذي على الناصية غير الخارج عن الحد يصح و يجزي، و لو مسح في هذه الصورة من منبت الشعر إلى منتهاه الخارج عن الحد، فالظاهر الإجزاء إن لم يقصد التشريع في أصل المسح.

(الثاني): لو مسح زائدا على المقدار المندوب لا إشكال فيه إن لم تمتزج نداوة يده بماء الجبين، و الا فيأتي تفصيله في [مسألة 25]. و كذا يشكل لو قصد التشريع في أصل المسح.

(الثالث): لو مسح إلى الجبين مدة جاهلا بالحكم أو الموضوع، فإن علم بعدم اختلاط نداوة يده بماء جبينه يصح وضوؤه. و كذا إن شك فيه، لأصالة عدم الاختلاط، و إن علم به فيأتي حكمه في [مسألة 25].

(الرابع): لا فرق في صحة المسح على الشّعر النابت في الناصية بين أن يكون متدليا إلى الأسفل، أو متعاليا إلى الفوق، أو منحرفا إلى أحد الطرفين، للإطلاق.

(الخامس): الشّعر المجتمع على الناصية إن كان بحيث خرج بمدّه عن حدّه و مع ذلك مسح عليه و وصلت النداوة إلى البشرة و لم يكن الشعر من الحائل يصح و يجزي، لصدق المسح على مقدّم الرأس عرفا.

(السادس): لو كانت ناصيته متلطخة بشي ء يكون حائلا، يصح أن يرفع الحائل بقدر إصبع و يمسح و يجزي ذلك، كما لا يلزم رفع مثل العمامة عند المسح، بل يجزي إدخال الإصبع تحتها و المسح على البشرة، لما تقدم.

(السابع): لو شك في المسح، فإن كان في أثناء الوضوء يعيد و إن كان بعد الفراغ يصح وضوؤه.

(الثامن): لو مسح رياء وجب إعادة المسح.

(التاسع): لو نسي مسح رأسه، فمسح رجليه ثمَّ تذكر، فمع بقاء النداوة يمسح رأسه و يعيد مسح رجليه، و مع الجفاف يعيد الوضوء مع عدم بقاء الماء في محال الوضوء. و الا فيأخذ منها فيمسح، و الأحوط إعادة الوضوء.

ص: 357

مسألة 24: في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا، أو منحرفا

(مسألة 24): في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا أو عرضا، أو منحرفا (94).

الرابع: مسح الرجلين 95 من رؤوس الأصابع إلى الكعبين

اشارة

(الرابع): مسح الرجلين (95) من رؤوس الأصابع إلى الكعبين (96) و هما: قبتا القدمين على المشهور (97)، و المفصل بين

______________________________

(94) كلّ ذلك، لإطلاق الأدلة، و تقدم أنّ الطول هو المنساق إلى الذهن بدوا. و لكنّه خلاف ظاهر الإطلاق.

(95) كتابا و سنة متواترة، و ضرورة من المذهب. قال تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)، سواء قرئ «الأرجل» بالجر للعطف على ظاهر «برؤوسكم»، أو بالنصب عطفا على محلّه. و احتمال أنّ الجر للمجاورة. و النصب للعطف على الوجوه خلاف المأنوس بين الفصحاء و البلغاء، فكيف بكلام الله تعالى الذي هو القدوة في الفصاحة و البلاغة.

(96) لظاهر الكتاب، و دعوى الإجماع عن جمع من الأصحاب، و ظواهر النصوص البيانية، بل القولية، كصحيح البزنطي:

«سألت أبا الحسن عليه السلام: عن المسح على القدمين كيف هو؟

فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم» (2).

الوارد في مقام البيان و الإجماع على عدم وجوب كونه بالكف لا يضر بظهوره في وجوب الاستيعاب الطولي من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. و في خبر يونس:

«أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب، و من الكعب إلى أعلى القدم، و يقول: الأمر في مسح

______________________________

ص: 358


1- المائدة: 5 الآية: 6.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.

.....

______________________________

الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا، فإنّه من الأمر الموسع إن شاء الله تعالى» (1).

فلا وجه للاجتزاء بالمسمّى، للإطلاقات، و بما ورد في عدم وجوب استبطان الشراك، و كفاية مسح الرجل بإدخال اليد في الخفّ المخرق (2)، للزوم تقييد ذلك كلّه بما مرّ. كما أنّ خبر الأخوين لا يدل على كفاية المسمّى:

«قال عليه السلام: و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع، فقد أجزأك» (3).

لصحة أن يكون قوله عليه السلام: «ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع» بدلا من قوله: «بشي ء من قدميك» فلا يخالف مع ما تقدم، فيكون المراد بقوله: «بشي ء من قدميك» نفي استيعابهما بالمسح كما يفعله غيرنا، لا عدم التحديد أصلا.

(97) و في المعتبر: «إنّه مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام، و لا خلاف بين الإمامية أنّهما في ظهر القدم». و يدل عليه أخبارهم المتواترة (4)، و مقتضى الأصل العملي كفاية المسح إليهما أيضا، لأنّ المقام من الدوران بين الأقلّ و الأكثر، سواء قلنا بأنّ المأمور به نفس الغسلات و المسحات، أم الطهارة الحاصلة منها. أما على الأول فواضح. و أما على الثاني، فلما تقدم من أنّها من الأسباب التوليدية للطهارة، و لا فرق في التوليديات بين تعلق التكليف بالأسباب أو بالمسببات، فيكون الشك على أيّ تقدير في أصل التكليف المردد بين الأقل و الأكثر.

ثمَّ إنّ الأقوال في الكعب أربعة:

(الأول): أنّه العظمان النابتان عن يمين الساق و شماله، نسب ذلك إلى المعروف بين العامة، و أجمع أصحابنا على خلافه.

______________________________

ص: 359


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 15 و 23 و 24 من أبواب الوضوء.

.....

______________________________

(الثاني): ما عن العلامة رحمه الله من أنّه المفصل بين الساق و القدم.

و استدل عليه تارة: بالوضوءات البيانية من أنّه عليه السلام: «مسح على ظهر قدميه». و فيه: أنّ ذلك أعمّ من مدعاه، كما هو واضح.

و أخرى: بصحيح الأخوين عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الكعبين، فقال عليه السلام: هاهنا- يعني المفصل- دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟

فقال: هذا من عظم الساق، و الكعب أسفل من ذلك» (1).

بدعوى: أنّ كلمة دون بمعنى عند، يعني: أنّ الكعب عند عظم الساق.

و فيه: أنّه مجمل و ليس في القدم مفصل واحد، كما هو واضح. و لم يعلم أنّه أراد أيّ مفصل من مفاصله، و لا ريب أنّ معنى دون و الأسفل من المعاني الإضافية القابلة الصدق على القريب و الأقرب صدقا حقيقيا، فيصدق على قبة القدم أنّها عند عظم الساق أيضا، فلا وجه لتخصيص المفصل بخصوص مفصل الساق.

مع أنّه لا يمكن عادة أن يخفى هذا المعنى على الرواة و الفقهاء في هذا الأمر العام البلوى في تلك القرون، و الأعوام إلى عصر العلامة.

مضافا إلى أنّ حد مسح الرجل، و إن كان تعبديا، و لكن معنى الكعب ليس من التعبديات حتّى يتبع فيه قول المعصوم تعبدا، بل هو من الأمور اللغوية لا بد و أن يرجع إلى أهل اللغة و التشريح. و يمكن إرجاع قول العلامة إلى قول المشهور أيضا، فإنّ قبة القدم عند عظم الساق، و متصل به عرفا.

(الثالث): ما عن الشيخ البهائي من: «أنّه عظم مائل إلى الاستدارة في ملتقى الساق و القدم، و له زائدتان في أعلاه و أسفله» و هو الذي يكون في رجل الغنم و ربما يلعب به الناس، و قد ورد النهي عن اللعب بالكعب (2)، و ادعى رحمه الله إطباق كلمات الفقهاء عليه و فيه: أنّ هذا الأمر المخفيّ الذي لا يعرفه الا الخواص من أهل التشريح كيف يصح أن يكون موضوع الحكم فيما هو عام البلوى للعوام في كلّ يوم و ليلة مرّات ثمَّ إنّه كيف يمكن تطبيق كلمات الفقهاء عليه مع عدم الإشارة في كلماتهم الشريفة إليه؟

______________________________

ص: 360


1- الوسائل: باب 15 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يكتسب به.

.....

______________________________

(الرابع): إنّهما قبتا القدمين، و هو المشهور بين الإمامية، بل و ادعي إجماعهم عليه. و عن المدارك: «إنّ اللغويين من الخاصة متفقون على أنّ الكعب هو الناتئ في ظهر القدم- الى أن قال- بل الظاهر أنّه لا خلاف بين أهل اللغة في إطلاق الكعب عليه، و إن ادعى العامة إطلاقه على غيره أيضا».

و يمكن جعل النزاع لفظيا، لأنّ العظم الناتئ في ظهر القدم مستطيل و لطرفه المتصل بالساق حدود ثلاثة المفصل و العظمان الناتئان في يمين الساق و شماله، و ما ذهب إليه الشيخ البهائي فذكر كلّ واحد حدّا من حدوده من حيث إنّه حدّه الذي ينتهي إليه، لا أنّ له موضوعية خاصة. هذا و لكنه بعيد عن ظاهر جملة من الكلمات، فراجع المطوّلات. و يمكن استظهار ما ذكرناه من بعض اللغويين أيضا، فجعل الكعب أولا كل مفصل و العظم الناشر فوق القدم، و العظمين الناشرين في جانبيه، فإنّ الظاهر منه أنّ الإطلاق من المشترك المعنوي، لا اللفظي، فما هو المشهور هو الكعب يقينا على هذا، الا إذا أثبت من يدعي وجوب زيادة المسح عليه بدليل، و إثباته مشكل، بل ممنوع، كما مر.

ثمَّ إنّه لا ثمرة مهمة لهذا النزاع بناء على دخول الغاية في المغيّى، لوجوب مسح تمام العظم الناتئ في ظهر القدم حينئذ حتّى يصل إلى المفصل فيتحد مع قول العلامة و الشيخ البهائي. الا أن يقول العلامة بدخول الغاية في المغيّى، فيلتزم بمسح الساق أيضا و لا نظنّ التزامه به.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ دخول الغاية في المغيّى إنّما هو بعضها في الجملة، لإتمامها. ثمَّ إنّه قد ادعي دخولها فيه في المقام. إما لأنّ كلمة- إلى- بمعنى (مع)، كما في قوله تعالى إِلَى الْمَرافِقِ، أو لدخولها فيه مطلقا، أو لأجل أنّ الغاية من جنس المغيّى، فلا بد من الدخول، أو لأنّ الكعب وقع غاية، فعن يونس:

«أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب، و من الكعب إلى أعلى القدم» (1).

______________________________

ص: 361


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.

.....

______________________________

و المراد بأعلى القدم رؤوس الأصابع.

و لكن الكلّ مخدوش: إذ الأول لا دليل عليه الا القياس على المرفق، و هو باطل. و الثاني و الثالث لا كلية فيهما، بل يدوران مدار القرائن المعتبرة. و الرابع أيضا أول الدعوى، لأنّ البداية كالنهاية لا وجه لدخولها في الحكم ما لم يدل دليل عليه. و لو شك في دخول الغاية في المغيّى و عدمه، فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، و المشهور فيها البراءة مطلقا.

ثمَّ إنّه قد استدل للمشهور مضافا إلى دعوى الإجماع، و اتفاق أهل اللغة، و أنّه مناسب لمعنى الكعب فإنّ فيه معنى الارتفاع بجملة من الأخبار:

منها: صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام:

«سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم» (1).

فإنّ زيادة الجملة الأخيرة سواء كانت بدلا أم بيانا، إنّما تكون لإيضاح معنى الكعبين، و بما ورد في حكاية وضوء أبي جعفر عليه السلام:

«ثمَّ وضع يده على ظهر القدم، ثمَّ قال: هذا هو الكعب. قال: فأومأ بيده إلى أسفل العرقوب. ثمَّ قال: هذا هو الظنبوب» (2).

و الأول عصب غليظ ممتد من الساق إلى القدم، و الثاني آخر الساق.

و بما ورد في قطع السارق فعن أبي عبد الله عليه السلام: «إنّما يقطع الرجل من الكعب» (3)، و عنه أيضا: «إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم» (4).

و وسط القدم عبارة أخرى عن الكعب، و قد فصل الاستدلال للمشهور في المطولات بغير ما نقلناه، من شاء فليراجعها.

______________________________

ص: 362


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 9.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب حد السرقة حديث 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب حد السرقة حديث 8.

الساق و القدم على قول بعضهم، و هو الأحوط (98).

و يكفي المسمّى عرضا و لو بعرض إصبع أو أقلّ (99)، و الأفضل

______________________________

(98) خروجا عن خلاف العلامة، و الشيخ البهائي، فإنّ المسح الى المفصل مجمع الأقوال الثلاثة. و أما إلى عظمي الساقين، فاتفق الأصحاب على عدم اعتباره.

(99) على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، للأصل و إطلاق الأدلة من الكتاب و السنة، و في صحيح زرارة: «فقال تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما» (1).

و احتمال أن يكون المراد بالبعض الظاهر في مقابل الباطن، خلاف ظاهر الإطلاق.

و في صحيح الأخوين عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا مسحت بشي ء من رأسك، أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (2).

و ظهوره في كفاية المسمى العرضي مما لا ينكر. و احتمال أن تكون كلمة (ما) موصولة و بيانا للشي ء، فيدل على التحديد الطولي فقط، خلاف الظاهر.

مع أنّ إطلاقه و لو على هذا الاحتمال يدل على كفاية المسمّى العرضي أيضا، مضافا إلى أنّه لو كان تحديدا في العرضي لاشتهر و بان هذا الحكم العام البلوى، كيف و قد اشتهر الخلاف و يشهد لإجزاء المسمّى إطلاق ما دل على كفاية إدخال اليد في الخف المخرق (3)، و ما دل على أخذ البلة من الحاجب و أشفار العينين لمسح الرأس و الرجلين (4)، فإنّ بلتهما لا تبلغ المسح الا القليل من ظهر القدمين.

و عن الصدوق و الأردبيلي و غيرهما وجوب كونه بتمام الكف للمطلقات و فيه: أنّ دلالتها على وجوب كونه بتمام الكف أو أقل أو أكثر من الترجيح بلا

______________________________

ص: 363


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء.

.....

______________________________

مرجح، فإما أن تدل على الاستيعاب العرضي، و هو خلاف الإجماع. أو على صرف الوجود و هو المشهور.

و لصحيح البزنطي: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على أصابعه فمسحها إلى الكعبين، فقلت جعلت فداك: لو أنّ رجلا قال: بإصبعين من أصابعه هكذا. قال عليه السلام: لا، الا بكفه كلها» (1).

و فيه: مضافا إلى وهنه بهجر الأصحاب، أنّه محمول على الاستحباب جمعا بين أخبار الباب (2). مع أنّ سؤال أبي نصر البزنطي الذي كان من أصحاب الكاظم عليه السلام عن حد الواجب لمسح الرجلين عن الرضا عليه السلام مع كثرة ابتلائه به بعيد، و لكن لا بعد في السؤال عن القدر المندوب.

و لخبر عبد الأعلى مولى آل سام عن الصادق عليه السلام: «عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عزّ و جل ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه»(3).

فإنّه لو كان الواجب في المسح مجرد المسمّى لقال عليه السلام: امسح على غير هذا الظفر. و فيه مضافا إلى أنّه لو كان ظاهرا في الاستيعاب لوجب حمله على الندب، لكونه خلاف الإجماع حينئذ مع إمكان كون المرارة مستوعبة لتمام الأظفار، مع احتمال حصول الآفة بالنسبة إلى بقية الأظفار أيضا، فوضعت المرارة عليها أيضا، كما أنّه يمكن أن يكون ذكره عليه السلام لقاعدة الحرج لأجل تطبيقها على المندوب أيضا و لا محذور فيه.

و أما التحديد بقدر ثلاث أصابع لخبر معمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل» (4).

______________________________

ص: 364


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 5.

أن يكون بمقدار عرض ثلاث أصابع (100)، و أفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم (101).

______________________________

ففيه: أنّ الخبر قاصر سندا، و مهجور لدى الأصحاب، فلا بد من حمله على الاستحباب جمعا بين أخبار الباب. و أما ما عن الغنية من التحديد بإصبعين، للإجماع. فمخدوش باستقرار الشهرة على الخلاف، فكيف يصح دعوى هذا الإجماع.

و أما ما عن المقنعة من التحديد بالإصبع، فليس له وجه ظاهر الا عدم تحقق المسح بدونه، و لا يخفى ظهور الخدشة فيه، بعد عدم الدليل على التحديد. فيجزي المسمّى، للأصل و الإطلاق، كما في سائر الموارد التي لا تحديد فيها.

فروع- (الأول): لا يجزي المسح على باطن الرجلين و طرفيهما نصّا و إجماعا، و لا يجب مسح الباطن. و ما يظهر منه الخلاف (1)، شاذ مطروح.

(الثاني): يجب إدخال جزء من الكعب، مقدمة لحصول العلم بإتيان المأمور به.

(الثالث): يجب أن يكون مسح الرجلين بخصوص باطن الكف فقط لما مرّ في مسح الرأس، و يجزي بالأصابع فقط أو بهما معا، للإطلاقات و عدم ما يصلح للتقييد. قال في الجواهر: «و الظاهر تساوي جميع أجزاء الكف في المسح بها، لكنّه قال في الحدائق: «إنّهم ذكروا أنّ الواجب كونه بالأصابع» قلت: لم أقف على مصرّح به و لا دليل يقتضيه».

(100) لما تقدم في خبر معمر.

(101) لما مرّ من صحيح البزنطي المحمول على الندب، جمعا بينه و بين غيره، كما تقدم.

______________________________

ص: 365


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الوضوء حديث: 6 و 7.

و يجزئ الابتداء بالأصابع و بالكعبين (102)، و الأحوط الأول (103). كما أنّ الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى (104)،

______________________________

(102) على المشهور، للإطلاقات، و قول أبي الحسن عليه السلام:

«الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا، فإنّه من الأمر الموسع إن شاء الله تعالى» (1)، و عن الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» (2)، و في خبر آخر: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» (3).

و احتمال إرادة الجمع بينهما خلاف المتفاهم العرفي. كما أنّ التبعيض بأن يمسح بعض الرجل الواحدة مقبلا و بعضها مدبرا خلاف المنساق منه. نعم، يصح أن يمسح اليمنى- مثلا- مقبلا، و اليسرى مدبرا، للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(103) نسب الفتوى بتعينه إلى ظاهر جمع من القدماء، منهم: الفقيه و الغنية و الانتصار، و عن السرائر و البيان و الألفية، التصريح به، للوضوءات البيانية و ظهور (إلى) في الانتهاء، و قاعدة الاشتغال، و ما تقدم من صحيح البزنطي.

و الكل مردود، لأنّ الوضوءات البيانية أعم من الوجوب مع معارضتها بصريح قوله عليه السلام: «الأمر في مسح الرجلين موسع» كما أنّ (إلى) في المقام غاية للممسوح، كما في المرفقين. مع أنّه لا وجه للأخذ بهذا الظهور على فرض كونه غاية للمسح في مقابل النص الدال على جواز العكس في مسح الرجلين و أنّه من الأمر الموسع. و لا وجه لقاعدة الاشتغال في المقام، إذ الشك في أصل التكليف، كما مرّ، لا المكلف به. و صحيح البزنطي محمول على الندب جمعا. فقوله عليه السلام: «من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا» حاكم على الجميع. نعم، لا ريب في حسن الاحتياط.

______________________________

ص: 366


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 2.

و إن كان الأقوى جواز مسحهما معا (105).

______________________________

(104) نسب إلى جمع من القدماء و المتأخرين: وجوب تقديم اليمنى على اليسرى، عن الصادق عليه السلام في خبر مسلم: «امسح على القدمين، و أبدأ بالشق الأيمن»(1) و ربما روي عن النبيّ صلّى الله عليه و آله «أنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه» (2)، و عن عليّ عليه السلام: «إذا توضأ أحدكم للصلاة، فليبدأ باليمنى قبل الشمال من جسده» (3).

و الكل مخدوش، أما الإجماع فلذهاب المشهور إلى الخلاف، بل عن ابن إدريس: «لا أظنّ مخالفا منا فيه». و أما الأخبار فلقصورها سندا، مع هجر الأصحاب عنها. و عدم نهوضها لتقييد المطلقات الواردة في مقام البيان في هذا الأمر العام البلوى. و كذا الوضوءات البيانية المشتملة على الخصوصيات مع عدم التعرض للترتيب بين الرجلين و من راجعها يطمئنّ بعدم وجوب الترتيب بينهما.

و لو كان لشاع، كما في الترتيب بين اليدين و الرأس و الرجلين، فلا بد من حملها على الندب. مضافا إلى معارضتها بالتوقيع الرفيع:

«سئل عن المسح على الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين، أو يمسح عليهما جميعا معا. فخرج التوقيع: يمسح عليهما جميعا معا، فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى، فلا يبدأ إلا باليمين»(4).

(105) نسب إلى المشهور، للإطلاقات و العموميات، و الوضوءات البيانية الساكتة عن الترتيب بين الرجلين. و ما ذكر دليلا عليه قاصر عن إثباته، كما تقدم. و كيف يحتمل أن يكون الترتيب بينهما واجبا. و مع ذلك خفي على مثل الحميري حتّى يسأل عن الحجة عليه السلام في زمان الغيبة فيما مر من توقيعه، و يشهد لعدم الترتيب الدعاء (5) الوارد عند المسح عليهما كما لا يخفى.

______________________________

ص: 367


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 5.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الوضوء.

نعم، لا يقدّم اليسرى على اليمنى (106). و الأحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى، و اليسرى باليسرى (107) و إن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكلّ منهما (108).

______________________________

(106) كما عن جمع من متأخري المتأخرين، لما تقدم من التوقيع الرفيع و الإنصاف أنّ في كفايته لتقييد المطلقات القولية و الفعلية الواردة في مقام البيان تأملا و إشكالا. مضافا إلى قصور سند الاحتجاج عن الاعتماد عليه، مع أنّ من عادتهم في نظائر المقام التي تأبى المطلقات عن التقييد جعل مثل هذه الأخبار من السنن و الآداب.

ثمَّ إنّه قد يقال: إنّ خبر ابن مسلم يصح الاعتماد عليه، و يكفي في تقييد المطلقات. و لكنه مخدوش أولا: بأنّ في سنده أبا أيوب، و هو مشترك بين جمع يعسر عدّهم و تمييزهم. و ثانيا: على فرض اعتباره- فالمطلقات آبية عن التقييد، إذ ليس كل مطلق قابلا له. و الشك في القابلية يكفي في عدم التقييد. و ثالثا: أنّ مطلق رجحان التيامن عند الله تعالى، و عند النبيّ صلّى الله عليه و آله و أوصيائه عليهم السلام يمنع عن استفادة الوجوب عنه.

(107) جمودا على ما يأتي من صحيح زرارة.

(108) للأصل، و الإطلاقات. قال في الجواهر: «هل يجب المسح باليدين، أو يكفي بواحدة، و على الأول فهل يجب اليمنى و اليسرى، أو يجزي الاختلاف؟ قد يظهر من جملة من الوضوءات البيانية المسح بهما معا، بل في حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (1).

إلا أنّي لم أعثر على من نص على الوجوب، نعم، قد يظهر من بعض عبارات القدماء، كالحلبي في إشارة السبق. و قد عرفت حمل هذا الأمر بالنسبة إلى الناصية على الاستحباب. و لعله تكون قرينة على ذلك فيما نحن فيه، إذ

______________________________

ص: 368


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2.

و إن كان شعر على ظاهر القدمين، فالأحوط الجمع بينه و بين البشرة في المسح (109)، و تجب إزالة الموانع و الحواجب و اليقين

______________________________

تقييد النصوص و الفتاوى بما يظهر من الوضوءات البيانية لا يخلو من إشكال، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بمسح يد واحدة لهما و بمسح اليمنى باليسرى، و بالعكس.

نعم، قد يقال: باستحباب ذلك، كما نص عليه الشهيد في النفلية، و في التنقيح: «يجب أن يكون المسح باليد في الموضعين أعني الرأس و الرجلين و لو بيد واحدة، و هو مما يؤيد ما ذكرناه».

أقول: يمكن ورود حسنة زرارة مورد المتعارف، لأنّ العادة و التعارف يقضيان بمسح طرف اليمنى باليد اليمنى، و اليسرى باليد اليسرى، فلا يستفاد منها حكم شرعي لا وجوبا و لا ندبا.

(109) المشهور وجوب كون مسح الرجل على البشرة، لأنّه المتفاهم من الأدلة في الرجل الذي لم تجر العادة بنبات الشعر عليه مستوعبا، كالرأس. و عن بعض صحة الاكتفاء بمسح الشعر، لصدق مسح الرجل مع مسحه أيضا، و لما مر من الخبر: «أنّ ما أحاط به الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه»(1). و نسب إلى بعض وجوب ذلك تنزيلا لشعر الرجل منزلة شعر الوجه و اليدين، فكما يجب غسله فيهما، وجب مسحه في القدمين.

و الكل مخدوش، إذ الأخير قياس، و الخبر ظاهر في شعر الوجه و اليدين بقرينة أنّ إحاطة الشعر بظاهر القدم نادرة، مع أنّ في ذيله قرينة ظاهرة في خصوص الغسل، و هو قوله عليه السلام: «و لكن يجري عليه الماء»، فلا يشمل المسح و صدق مسح الرجل على مسح الشعر مبني على المسامحة، فالأقوى كفاية مسح البشرة، و طريق الاحتياط واضح. و لو كان قليلا، فالظاهر صدق المسح على البشرة مع القلة، فتشمله الإطلاقات.

______________________________

ص: 369


1- تقدم في صفحة: 324.

بوصول الرطوبة إلى البشرة، و لا يكفي الظنّ (110). و من قطع بعض قدمه مسح على الباقي، و يسقط مع قطع تمامه (111).

مسألة 25: لا إشكال في أنّه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء

(مسألة 25): لا إشكال في أنّه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء (112)، فلا يجوز المسح بماء جديد. و الأحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكفّ (113)، و لا يضع يده بعد تمامية الغسل على

______________________________

(110) أما وجوب إزالة المانع، فبضرورة المذهب، و النصوص الكثيرة الواردة في المنع عن المسح على الخف و العمامة. و في خبر الكلبي عن الصادق عليه السلام:

«قلت: و ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم عليه السلام ثمَّ قال:

إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شي ء إلى شيئه، ورد الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟!» (1).

و أما وجوب تحصيل اليقين بوصول الرطوبة إلى البشرة، فلقاعدة الاشتغال.

و أما عدم كفاية الظن، فلأصالة عدم الاعتبار.

(111) أما المسح على الباقي، فلقاعدة الميسور التي سنتعرض لها إن شاء الله، و ظهور الاتفاق. و أما السقوط مع قطع التمام، فلقاعدة انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.

(112) على المشهور، بل استقر المذهب عليه. و يدل عليه جملة من النصوص التي تقدم بعضها في مسح الرأس. و خلاف ابن الجنيد كدليله شاذ مطروح.

(113) نسب ذلك إلى الأكثر. و استدل عليه بالوضوءات البيانية، و بما دل على المسح ببلة اليد (2)، و بما دل على أخذ البلة من اللحية إن جف ما في

______________________________

ص: 370


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2 و غيره.

سائر أعضاء الوضوء، لئلا يمتزج ما في الكفّ بما فيها، لكن الأقوى جواز ذلك (114).

______________________________

اليد (1)، و بقاعدة الاشتغال.

و الكل مخدوش، لأنّ الأول أعم من عدم الجواز. و الثاني إنّما هو لأجل أنّ بلة اليد من بلة الوضوء، لا من جهة خصوصية خاصة في بلة اليد، و يشهد لذلك ذكر بلة الوضوء في بعض الأخبار (2)، مضافا إلى أنّ ذكر بلة اليد من جهة الغالب، و القيود الغالبية لا تصلح للقيدية. مع أنّ جل هذه الأخبار في مقام النهي عن المسح بالماء الجديد، كما يفعله العامة و ليس في مقام بيان اعتبار نداوة اليد فقط. و ذكر الجفاف في الثالث من باب الغالب، فلا يدل على الاشتراط. و كذا في كلمات الفقهاء، كما اعترف به صاحب المدارك. و الأخير محكوم بالإطلاقات، مع أنّ الشك في أصل تشريع إيجاب خصوصية بلة اليد من حيث هي، و المرجع فيه البراءة مطلقا، فيشكل الجزم بالوجوب، بل بالاحتياط الوجوبي أيضا، و لا ينبغي ترك الاحتياط. الا أن يقال: إنّ الظاهر من جميع قيود الوضوءات البيانية الوجوب الا ما خرج بالدليل. و هو أول الدعوى، كما لا يخفى.

(114) نسب ذلك إلى جمع. قال في مصباح الفقيه: «فالأقوى جواز الأخذ مطلقا وفاقا لغير واحد من الأساطين المصرّحين بذلك، لإطلاقات الأدلة.

و دعوى أنّ العادة كما منعت المقيدات من ظهورها في التقييد، كذلك تمنع المطلقات من ظهورها في الإطلاق، فالمرجع في مثل المقام هو الاحتياط اللازم من قوله صلّى الله عليه و آله: «لا صلاة إلا بطهور».

مدفوعة: بأنّ العادة و إن اقتضت عدم أخذ البلة من سائر المواضع ما دامت باقية في اليد إلا أنّها غير مقتضية للتحرز عن مباشرة سائر المواضع قبل المسح».

______________________________

ص: 371


1- راجع الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.

و كفاية كونه برطوبة الوضوء، و إن كانت من سائر الأعضاء، فلا يضرّ الامتزاج المزبور. هذا إذا كانت البلّة باقية في اليد و أما لو جفت، فيجوز الأخذ من سائر الأعضاء بلا إشكال (115) من غير ترتيب بينها على الأقوى (116). و إن كان الأحوط تقديم اللحية و الحواجب على

______________________________

أقول: و هو الموافق لسهولة الشريعة في هذا التكليف العام البلوى، و ما ذكره رحمه الله من أنّ المرجع هو الاحتياط، مخدوش بما مر. و قال في الجواهر: «إنّ التأمل في كلمات الأصحاب و الروايات يقضي بجواز الأخذ مع عدم الجفاف، بل فيها أمارات كثيرة على إرادة ذلك، كما لا يخفى على من لاحظها، و لعله الأوفق بسهولة الملة».

(115) نصّا و إجماعا. و في مرسل خلف بن حماد: «قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة. قال: إن كان في لحيته بلل، فليمسح به.

قلت: فإن لم يكن له لحية. قال: يمسح من حاجبيه. أو أشفار عينيه» (1)، و عن الصادق عليه السلام: «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء، فخذ ما بقي منه في لحيتك، و امسح به رأسك، و رجليك و إن لم يكن لك لحية، فخذ من حاجبيك، و أشفار عينيك، و امسح به رأسك، و رجليك. و إن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء» (2) و قريب منه غيره.

(116) لصدق بلة الوضوء و نداوته بالنسبة إلى الجميع، و ذكر اللحية لواجدها و الحاجب و الأشفار لفاقدها، إنّما هو من جهة كونها من مظان بقاء النداوة عادة، لا لأجل الخصوصية، فمثل هذه الأخبار إرشاد إلى تحصيل نداوة الوضوء من مظان وجودها. مع أنّه تكفي المطلقات الدالة على المسح بنداوة الوضوء، لصدقها على الأخذ من سائر المحال مطلقا. و انصرافها إلى اليد بدوي، كما أنّ ذكر اليد و اليمنى في بعضها من باب الغالب. مضافا إلى ما عن بعض من دعوى

______________________________

ص: 372


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.

غيرهما من سائر الأعضاء (117).

نعم، الأحوط عدم أخذها مما خرج من اللحية عن حدّ الوجه كالمسترسل منها (118). و لو كان في الكفّ ما يكفي الرأس فقط مسح به

______________________________

الإجماع على عدم الترتيب، و ما يأتي نقله عن صاحب الجواهر.

(117) جمودا على النص (1). و لكن ظاهرهم التسالم على عدم الترتيب قال في الجواهر: «لم أعثر على من أفتى بالترتيب بين اللحية و بين الحواجب و الأشفار، بل جميع من وقفنا على كلامه، أو نقل إلينا لم يرتب ذلك».

(118) لاحتمال صدق نداوة الوضوء بالنسبة إليه. و لكنه احتمال بدوي مخالف للصدق العرفي، لوضوح الفرق بينها و بين ما ينفصل عن محال الوضوء في إناء أو ثوب أو غيرهما، و صرّح في الجواهر في أول كلامه: بجواز الأخذ من المسترسل طولا و عرضا. و كذا في مصباح الفقيه. و لكنه مع ذلك مشكل، لأنّ المفهوم من بلة الوضوء و نداوته ما حصل بها الوضوء، لا ما زاد عنه بعد صب الماء على المحالّ التي وجب غسلها و لذا أفتى جمع منهم صاحب المستند بعدم الجواز، و يظهر من صاحب الجواهر في ذيل كلامه التردد فيه أيضا.

فروع- (الأول): يشكل أخذ النداوة لو حصل الجفاف بالعمد و الاختيار، لإمكان دعوى انصراف الأدلة عنه.

(الثاني): الأحوط الأولى حفظ نداوة اليد مقدمة للمسح بها، هذا مع بقاء ماء الوضوء في سائر الأعضاء. و الا فيجب مهما أمكن، و يأتي في [مسألة 31] ما ينفع المقام.

(الثالث): بناء على جواز أخذ البلة من محال الوضوء مطلقا يشكل أخذها مما هو خارج عن الحد و وجب غسله مقدمة.

(الرابع): لو تعذر نقل الرطوبة و حفظها، يأتي حكمه في [مسألة 31].

______________________________

ص: 373


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 1 و 8.

الرأس ثمَّ يأخذ للرجلين من سائرها، على الأحوط، و إلا فقد عرفت أنّ الأقوى جواز الأخذ مطلقا.

مسألة 26: يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح

(مسألة 26): يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح (119)، و أن يكون ذلك بواسطة الماسح لا بأمر آخر (120).

و إن كان على الممسوح رطوبة خارجة، فإن كانت قليلة غير مانعة من

______________________________

(الخامس): لو وقعت قطرة من ماء وجهه- مثلا- حين إرادة المسح على الممسوح، فالأحوط تجفيفها، إن لم تكن مستهلكة بالنسبة إلى نداوة اليد، و أولى بالإشكال ما إذا وقعت القطرة من لحيته- مثلا- على محل مسح رجليه.

(السادس): لو شك في أنّ النداوة الباقية في يده من نداوة الوضوء أو من غيرها، فمقتضى الأصل بقاء جواز المسح بها.

(السابع): لو وقعت قطرة من الماء الخارج على كفه حين إرادة المسح فمع استهلاكه في ماء الوضوء يصح المسح، و مع العكس لا يصح. و كذا مع الشك، لقاعدة الاشتغال.

(الثامن): لو علم إجمالا بوقوع ماء عليه إما على يده التي يريد أن يمسح بها، أو على سائر أعضائه يصح المسح بنداوة اليد، لعدم الأثر لهذا العلم الإجمالي.

(التاسع): لو أخذ بلة من وجهه- مثلا- لمسح رأسه يجوز له الأخذ ثانيا لمسح رجليه، للإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا.

(العاشر): لو شك في أنّ البلة المأخوذة يتأثر الممسوح بها أو لا يجب عليه تحصيل العلم به، و مع عدم الإمكان يجدد الوضوء.

(119) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، كما في سائر موارد استعمالات المسح، كمسح الرأس- مثلا- بالدهن أو الطيب و نحوهما.

(120) لتبادر ذلك من المسح في المتعارف، مع ظهور الاتفاق عليه.

ص: 374

تأثير رطوبة الماسح فلا بأس (121). و إلا فلا بد من تجفيفها (122)، و الشك في التأثير كالظنّ لا يكفي، بل لا بد من اليقين (123).

مسألة 27: إذا كان على الماسح حاجب و لو وصلة رقيقة لا بد من رفعه

(مسألة 27): إذا كان على الماسح حاجب و لو وصلة رقيقة لا بد من رفعه، و لو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح (124).

مسألة 28: إذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ يجزي المسح بظاهرها

(مسألة 28): إذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ يجزي المسح بظاهرها (125)، و إن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه (126) ثمَّ يمسح به، و إن تعذّر بالظاهر أيضا مسح بذراعه (127)، و مع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع (128).

______________________________

(121) لصدق تأثر الممسوح بنداوة الماسح حينئذ، فتشمله الإطلاقات لا محالة.

(122) لما تقدم من وجوب تأثر الممسوح بنداوة الماسح، و ظاهر الأدلة أن يكون ذلك التأثر بها مستقلا لا منضما مع شي ء آخر.

(123) أما عدم كفاية الشك و الظن، فلأصالة عدم الاعتبار. و أما تحصيل اليقين، فلقاعدة الاشتغال.

(124) لظهور الأدلة في اعتبار مباشرة الماسح مع الممسوح، و كذا يجب رفع الحاجب عن الممسوح أيضا، و لو لم يكن مانعا عن تأثير الرطوبة إلا في موارد الضرورة، و يأتي في الجبائر ما ينفع المقام.

(125) للإطلاقات و قاعدة الميسور، و ظهور الإجماع حينئذ، و مع إمكان المسح بظاهر الكف لا ينسبق إلى الأذهان الا تعينه، فلا وجه لاحتمال جواز المسح بباقي اليد، إذ الانسباق الذهني كالقرينة المحفوفة بالمقام.

(126) لأنّ ظاهر اليد حينئذ كباطنها فيجري عليه حكم الباطن في نقل الرطوبة إليه و غير ذلك من سائر الأحكام.

(127) لما تقدم في المسح بالظاهر من قاعدة الميسور، و ظهور الإجماع.

(128) لأنّ الذراع الماسح بها حينئذ كنفس الكف يجري عليه حكمها.

ص: 375

و إن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة و عدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء، و كذا بالنسبة إلى ظاهر الكفّ فإنّه إذا كان عدم التمكن من المسح به عدم الرطوبة و عدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع، بل عليه أن يعيد (129).

______________________________

(129) كل ذلك لقاعدة انتفاء المركب بتعذر بعض أجزائه، مضافا إلى ظهور الإجماع، و قاعدة الاشتغال مع إمكان تحصيل المسح الواجب، كما هو المفروض، و قوله عليه السلام في ما رواه الفقيه مرسلا: «و إن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء» (1).

و حيث جرى ذكر قاعدة الميسور فلا بأس بالإشارة إليها إجمالا. فنقول:

هي تارة يعبّر عنها بقاعدة الميسور الكبرى، و هي تجري من أول الفقه إلى آخره.

و اخرى بالصغرى و موردها الوضوء، و الصلاة، و الحج لكثرة ما ورد فيها من الأدلة الخاصة الدالة على الإجزاء عند فقد بعض الأجزاء (2)، و تقدم بعض أخبار المقام في الأقطع (3)، و يأتي بعضها الآخر في الجبائر، فلا نحتاج فيها إلى عموم مثل قوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم» (4)، و قوله عليه السلام: «لا يسقط الميسور بالمعسور» (5)، و قوله عليه السلام: «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (6).

و قال في الجواهر في مباحث الوضوء- و نعم ما قال-: «قد ثبت، من تتبع، كثير من أدلة هذا الباب: أنّه لا يسقط الوضوء بتعذر شي ء من الأجزاء، كما عرفته في الأقطع و غيره، بل ربما يظهر أنّ ذلك قاعدة في كل ما يستفاد وجوبه من الأمر و نحوه، لتقييده بالقدرة قطعا، فتخص بذلك قاعدة سقوط الكل بتعذر الجزء».

______________________________

ص: 376


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الوضوء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء و تقدم في صفحة 337.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب الوضوء و تقدم في صفحة 337.
4- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
5- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
6- غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
مسألة 29: إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها

(مسألة 29): إذا كانت رطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها (130)، بل يقصد المسح

______________________________

و أما الصلاة فقد وردت فيها من الأدلة الثانوية الامتنانية ما لا تعد و لا تحصى، و يكفي ما أرسل إرسال المسلمات: «أنّها لا تسقط بحال»، و قاعدة (لا تعاد) الصغرى و الكبرى و غير ذلك مما تعرضنا لها في كتاب الصلاة. و أما الحج فالأمر فيه أوسع لكثرة ما ورد فيه من اهتمام الشارع بأن لا يضيع سعي أمته في الحج و العمرة مهما أمكنه ذلك، حتّى حكم بالإجزاء في من مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و قد تعرضنا لجميع ذلك في كتاب الحج من شاء فليرجع إليه.

و أما قاعدة الميسور الكبرى، فاستدل عليها أولا: بما تقدم من الأخبار.

و ثانيا: بالإجماع. و ثالثا: بالمرتكزات، فالقاعدة من الفطريات في الجملة و يكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع، و قد ورد التقرير بالأخبار و الإجماع.

و نوقش في الأخبار تارة: بقصور السند. و اخرى: بأنّ المراد بالشي ء في الحديث الأول الكلي لا الكل. و ثالثة: بأنّ كلمة- من- بيانية و لفظ- ما- وقتية، فيكون المعنى وقت استطاعتكم و قدرتكم، و هو عبارة أخرى عن اعتبار القدرة فلا ربط له بالمقام. و رابعة بأنّ المراد بالميسور و بلفظ- ما- في ما لا يدرك كله- الكلي لا الكل، فلا ربط لها بالمقام.

و لكن المناقشات مردودة، لأنّ السند منجبر بالعمل و الاعتماد في جميع الطبقات. و الشي ء من الألفاظ العامة الشاملة للكل و الكلي. و لفظ- من- ظاهر في التبعيض، و لفظ: «ما» ظاهر في الموصول الا مع القرينة على الخلاف كظهور الميسور فيه، و لفظ: «ما» في: «ما لا يدرك كله لا يترك كله» في الأعم من الكل و الكلي. و لكن بعد ذلك كله لا يعمل بالقاعدة إلا في مورد تشخيص الميسور بنظر الأصحاب أو العرف مع تقرير الفقهاء له، فالقاعدة جزء الدليل لإتمامه. هذا بعض ما يتعلق بها و نتعرض لبقية الكلام في مواضع أخرى إن شاء الله تعالى.

(130) لصدق المسح، فتشملها العمومات و الإطلاقات، لأنّ النسبة بين

ص: 377

بإمرار اليد و إن حصل به الغسل، و الأولى تقليلها (131).

مسألة 30: يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح 132 فلو عكس بطل

(مسألة 30): يشترط في المسح إمرار الماسح على الممسوح (132) فلو عكس بطل. نعم، الحركة اليسيرة في الممسوح لا

______________________________

المسح و الغسل عموم من وجه، فمادة الاجتماع يجزي عن كل منهما مع تحقق قصد المسح الفارق بينهما، فمع قصده يكون مسحا و إن جرى الماء، و مع قصد الغسل يكون غسلا و إن لم يجر إذا صدق الغسل عرفا. فتحقق الجريان لا ينافيه مع عدم كون الغسل مقصودا. و يدل عليه صحيح أيوب بن نوح:

«عن المسح على القدمين؟ فقال عليه السلام: الوضوء بالمسح و لا يجب فيه الا ذاك، و من غسل فلا بأس» (1).

يعني أنّ من قصد المسح و حصل الغسل فلا بأس، و يشهد له مفهوم صحيح زرارة: «لو أنّك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء» (2).

و خلاصة القول: أنّ الغسل و المسح من العناوين المتقوّمة بالقصد، فلا يضر تصادقهما خارجا مع قصد أحدهما، و قصد عدم الآخر، أو عدم قصده. مع أنّه لم يشر في حديث من الأحاديث- لا ابتداء من الإمام و لا سؤالا من الأنام- إلى تجفيف النداوة حتّى لا يحصل به الغسل في هذا الأمر العام البلوى، مع كثرة البلة خصوصا في الشتاء، و حصول بعض مراتب الغسل قهرا. و على ذلك ينزل خبر ابن مروان:

«يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة. قلت: و كيف ذاك؟ قال عليه السلام: لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه» (3).

(131) خروجا عن خلاف من قال بعدم الاجتزاء. و لم يأت بدليل يصح الاعتماد عليه.

______________________________

ص: 378


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 13.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 12.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الوضوء حديث: 2.

تضرّ بصدق المسح (133).

مسألة 31: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح، من جهة الحرّ في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك

(مسألة 31): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح، من جهة الحرّ في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك، و لو باستعمال ماء كثير بحيث كلّما أعاد الوضوء لم ينفع، فالأقوى جواز المسح بالماء الجديد (134). و الأحوط المسح باليد اليابسة ثمَّ بالماء الجديد، ثمَّ

______________________________

(132) لتقوّم المسح باليد بذلك في الاستعمالات المتعارفة، إذ المنساق منها إمرار الماسح على الممسوح الثابت في الجملة. و لو أمسك يده و أمرّ عليها رأسه يقال: مسح رأسه على يده، و لا يقال: مسح يده على رأسه. و المسح و إن كان من الأمور الإضافية، إلّا أنّ المسح باليد ظاهر فيما قلنا.

(133) المدار على الصدق العرفي. فالحركة اليسيرة إن كانت بحيث لا تضرّ بالصدق العرفيّ، لا تمنع و مع عدم الصدق تمنع. و كذا مع الشك أيضا لقاعدة الاشتغال و إن أمكن الرجوع إلى أصالة عدم الحركة المانعة عن صحة المسح.

(134) كما عن جمع، منهم الشهيد، و المحقق في المعتبر، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، لاختصاص اعتبار كون المسح ببلة الوضوء بصورة الإمكان فمقتضى قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء عند الفقهاء عدم سقوط المسح، و يدور الأمر حينئذ بين كونه باليد اليابسة أو بالماء الجديد.

و مقتضى المأنوس عند المتشرعة كون الثاني أقرب إلى ميسور المسح من الأول، فيتعيّن. هذا أحد الأقوال في المسألة.

و الثاني: تعين المسح باليد اليابسة، لقاعدة الميسور. و فيه: أنّ الميسور المسح باليد المبتلة بالماء الجديد عرفا، دون اليابسة.

الثالث: تعين التيمم. و فيه: أنّ الناظر في الأدلة ربما يقطع بأنّ الانتقال إليه إنّما يكون بعد عدم التمكن من أصل الوضوء، لا بعض خصوصياته. مع أنّه قال في الجواهر: «لم أعثر على مفت بالتيمم».

ص: 379

التيمم أيضا (135).

مسألة 32: لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع و يمسح إلى الكعبين بالتدريج

(مسألة 32): لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع و يمسح إلى الكعبين بالتدريج، فيجوز أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل و يجرّها قليلا بمقدار صدق المسح (136).

______________________________

الرابع: سقوط المسح أصلا. و فيه: أنّه لا دليل عليه بعد أن كان الرجوع إلى الأخبار يقضي بعدم سقوط الطهارة المائية بمثل هذه الحوادث الخارجية، أو الحاصلة في محالّ الوضوء من قطع أو جرح أو كسر أو نحوها.

الخامس: الجمع بين جميع المحتملات للعلم الإجماليّ بوجوب أحدها.

و فيه: أنّه صحيح إن لم ينحل العلم بما يستظهر من الأدلة، و تقدم ما هو المستظهر.

ثمَّ إنّه لو لم نقل بوجوب أخذ الماء الجديد لا يكون أخذه مانعا عن صحة المسح، فيمسح بيده المبلّلة بالماء الجديد بقصد ما عليه في الواقع.

(135) جمعا بين الأقوال الثلاثة. و فيه: أنّ دليل وجوب المسح باليد اليابسة- و هو القول الثاني- إنما هو قاعدة الميسور فقط، و لم يستدل على حرمة أخذ الماء الجديد بشي ء، فيصح المسح باليد المبتلة بالماء الجديد بقصد التكليف الواقعي، ثمَّ التيمم أيضا، فيكفي في الاحتياط الإتيان بأمرين بنحو ما قلنا.

(136) لإطلاق الأدلة الشامل للقسمين، مضافا إلى ظهور الاتفاق، و عدم ورود شي ء في مثل هذا الأمر العام البلوى على تعيين أحد القسمين. إلا ما ورد في كيفية المسح و جوازه مقبلا و مدبرا (1)، و صحيح البزنطي الوارد في بيان مقدار عرض المسح (2) المحمول على الندب إجماعا، بل يمكن أن يستشهد بذيل خبر

______________________________

ص: 380


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الوضوء حديث: 4.
مسألة 33: يجوز المسح على الحائل

(مسألة 33): يجوز المسح على الحائل كالقناع و الخف و الجورب و نحوها- في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجله، أو لا يمكن معه نزع الخف- مثلا- و كذا لو خاف من سبع، أو عدوّ، أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار (137) من غير فرق بين

______________________________

يونس من قوله عليه السلام: «الأمر في مسح الرجلين موسع» (1) للمقام أيضا.

(137) كتابا و سنة و إجماعا. قال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (2) و في موثق أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام: «هل فيهما- أي المسح على الخفين- رخصة؟ قال عليه السلام: لا، إلا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» (3).

و ذكر الثلج من باب المثال، فيشمل جميع مناشئ حصول الخوف، و لا فرق بين الخف و غيره إجماعا.

و قال الصادق عليه السلام: «ما من شي ء حرّمه الله تعالى إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» (4).

و الحرمة و الحلية فيه أعم من النفسية و الغيرية، و قد ارتكز في النفوس أنّ الضرورات تبيح المحذورات و لم يردع عنه الشارع، بل قرره بالكتاب و السنة (5)، و تقتضيه قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء نصّا و إجماعا، كما تقدم.

إن قلت: نعم، و لكنه مخالف لقاعدة أنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، مع أنّه قد ورد أنّه «لا تقية في ثلاث: شرب المسكر، و المسح على الخفين، و متعة الحج» (6).

______________________________

ص: 381


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الحج 22: الآية 78.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.
5- راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.
6- الوسائل باب: 38 من أبواب الوضوء حديث: 1.

مسح الرأس و الرجلين (138). و لو كان الحائل متعدّدا لا يجب نزع ما يمكن (139) و إن كان أحوط.

و في المسح على الحائل أيضا لا بد من الرطوبة المؤثرة في الماسح، و كذا سائر ما يعتبر في مسح البشرة (140).

مسألة 34: ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه

(مسألة 34): ضيق الوقت عن رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه (141)، لكن لا يترك الاحتياط بضمّ التيمم أيضا (142).

______________________________

قلت: أما الأول فلا يعارض الدليل الخاص الوارد في المقام، لأنّ القواعد العامة بمنزلة العمومات القابلة للتخصيص. و أما الثاني: فلا بد من حمله على ما إذا لم يكن ضرر و حرج في البين. و إلا فهو خلاف الكتاب و السنة و الإجماع، فلا بد من حمله على ما ذكر في المطولات أو طرحه لمخالفته لظاهر الآيات و الروايات.

(138) لإطلاق الدليل الشامل لهما.

(139) لظهور الإطلاق و الاتفاق بعد عدم إمكان المسح على البشرة، و وجوب كونه على الحائل. هذا إذا كان بنحو المتعارف، و أما مع خروجه عنه فالدليل قاصر عن شموله، و المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال. و يأتي نظير المقام في [مسألة 24] من فصل أحكام الجبائر.

(140) لإطلاق أدلة اعتبار تلك الأمور الشامل للمسح على الحائل أيضا، و ما يستفاد من الأدلة(1) من كون الحائل بمنزلة البشرة فيجري عليه حكمها، و يأتي في الجبائر بعض الكلام.

(141) لأنّه من الضرورة أيضا، فيشمله إطلاق ما دل على جواز المسح على الحائل عند الضرورة. و الجزم بالانصراف عنه مشكل، كما أنّ شمول أدلة

______________________________

ص: 382


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الوضوء حديث: 5.
مسألة 35: إنّما يجوز المسح على الحائل في الضرورات

(مسألة 35): إنّما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها، و لم يكن بدّ من المسح على الحائل و لو بالتأخير إلى آخر الوقت (143).

و أما في التقية فالأمر أوسع (144) فلا يجب الذهاب إلى مكان لا تقية فيه، و إن أمكن بلا مشقة، نعم، لو أمكنه- و هو في ذلك المكان-

______________________________

التيمم لمثل المقام مشكل أيضا، و ما يأتي في فصل التيمم من أنّ ضيق الوقت عن الطهارة المائية من مسوغاته إنّما هو الضيق عن تمام الطهارة، لا عن مثل الفرض.

(142) لقاعدة الاشتغال بعد احتمال انصراف أدلة المسح على الحائل عن مثل الفرض.

(143) لأنّ المتفاهم العرفي من التكاليف العذرية في الموقتات المسوغة إنّما هو العذر المستوعب في الوقت. إلا أن يدل دليل على الخلاف، و يأتي في الجبائر و التيمم ما ينفع المقام.

(144) في التقية جهات من البحث نشير إلى بعضها إجمالا:

الأولى: في أصل تشريعها. و يدل عليه الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب قوله تعالى إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (1).

و من السنة، المتواترة التي جمعها صاحب الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (2). و يكفي قوله عليه السلام: «لا دين لمن لا تقية له) (3)، و «تسعة أعشار الدين التقية، و لا إيمان لمن لا تقية له» (4) إلى غير ذلك من التعبيرات.

______________________________

ص: 383


1- آل عمران 3: الآية 28.
2- راجع باب: 24 إلى باب: 36.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 3.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 3.

.....

______________________________

و من الإجماع محصّله و منقوله، بل هي من ضروريات فقهنا.

و من العقل استقرار آراء العقلاء على تقديم الأهم عند الدوران بينه و بين المهم. و التقية من مصاديقه، كما هو معلوم، فهي من الأمور التي تحكم بها الفطرة السليمة، فلا اختصاص لها بمذهب و ملة، بل جارية في جميع المذاهب و الأديان و الأعصار، كما ورد في تقية خليل الرحمن و غيره من الأنبياء عليهم السلام.

الثانية: موردها ما إذا تحقق فيه خوف نفسي أو عرضي، أو مالي، حاليا كان أو استقباليا، أو تودّد، و تجبّب، و ألفه، و لو لم يكن خوف في البين، و الدليل على هذه التوسعة إطلاق الأدلة المرغبة فيها، ففي رسالة أبي عبد الله عليه السلام إلى أصحابه: «و عليكم بمجاملة أهل الباطل» (1) و قوله عليه السلام: «عليكم بالتقية فإنّه ليس منا من لم يجعلها شعاره و دثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره» (2)، و قوله عليه السلام: «صلّوا في عشائرهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم» (3)، و قوله عليه السلام: «إن استطعتم أن تكونوا الأئمة و المؤذنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، و إذا تركتم ذلك قالوا:

هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه» (4)، و قوله عليه السلام: «من صلّى معهم و هو على وضوء إلا كتب الله له خمسا و عشرين درجة» (5)، و قوله عليه السلام: «من صلّى معهم في الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول الله صلّى الله عليه و آله»(6).

إلى غير ذلك مما ظاهره الترغيب فيها الدالة على أنّ تحقق التحبب و التودد

______________________________

ص: 384


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 13.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 28.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.
4- الوسائل باب: 75 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

و زوال المنافرة أيضا من موجباتها، فكيف بمورد الخوف. و لا ريب في أنّ زوال المنافرة و تحقق المودة بين أفراد المسلمين أهم من ترك قيد أو جزء في عمل فرعي، لكثرة اهتمام النبيّ صلّى الله عليه و آله و أوصيائه المعصومين بذلك، كما لا يخفى على من راجع حالاتهم، فهي واجبة إما مع الضرر و الخوف للأدلة العامة و إما مع عدمهما و تحقق المودة و زوال المنافرة، فلما تقدم من الأدلة الظاهرة في الوجوب. و قصور بعضها من حيث السند لا يضر بالاستدلال بعد كون المجموع من المستفيض، و لكن مع ذلك كله ففي سقوط الواقع في التقية المجاملية إشكال، إذ لا يستفاد من أدلتها أزيد من الإرشاد إلى المجاملة معهم.

ثمَّ إنّ التقية تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية: وجوبا، و حرمة و ندبا، و كراهة، و إباحة. فالواجب: ما كان فيه خوف الضرر. و الحرام: ما لم يتحقق فيها شرائطها. و المندوب: ما إذا أتى بالعمل الواقعي ثمَّ أعاد العمل معهم مع عدم ترتب ضرر على عدم الإعادة. و المكروه: ترك ذلك بناء على أنّ ترك المندوب مكروه. و المباح: كالتقية معهم في العبادات غير الشرعية مع عدم ترتب عنوان آخر عليه.

الثالثة: مقتضى إطلاقاتها و عموماتها المرغبة إليها أنّه لا يعتبر عدم المندوحة في التقية لورودها في مقام البيان و لم يشر إليه فيها، و هو الموافق لسهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى بين المسلمين، بل اعتبارها يوجب إلقاء المنافرة خصوصا بالنسبة إلى العوام الذين لا يلتفتون إلى جملة من الأمور، و قد شرّعت التقية لزوال المنافرة.

نعم، في مكاتبة إبراهيم بن شيبة:

«كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: «أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح و هو يمسح؟ فكتب عليه السلام: إن جامعك و إياهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» (1).

______________________________

ص: 385


1- الوسائل باب: 33 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

.....

______________________________

و فيه: مضافا إلى قصور السند، قصور الدلالة أيضا، لأنّ إمام الجماعة غير مبال بدينه، و لا يصح وضوؤه لا عند الشيعة و لا عند العامة، فالحديث أجنبيّ عن المقام. مع أنّه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق فيه موضوع التقية، و لا الموادة، و المجاملة، و تقييد المطلقات الكثيرة بمثله مشكل جدّا. و على فرض صحة سنده و دلالته، لا بد من حمله على الاستحباب كسائر ما جمعه في الوسائل في باب الجماعة (1)، و مثله خبر الدعائم: «فصلّوا في بيوتكم ثمَّ صلّوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا»(2).

فإنّه مضافا إلى قصور سنده، محمول على الندب، كما حملنا عليه المكاتبة.

الرابعة: لم يرد تحديد من الشرع في الضرورة و الخوف الموجبان للتقية، بل هما موكلان إلى المتعارف. قال أبو جعفر عليه السلام: «التقية في كل ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به» (3).

و يدل عليه إطلاق قوله عليه السلام أيضا: «التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له» (4).

و قيد الاضطرار و الضرورة في مثل هذه الأخبار لا ينافي ثبوتها في غير مورد الاضطرار من مورد المجاملة و غيرها، كما مر، لإطلاق تلك الأدلة الواردة مورد الألفة و الموادة التي تأبى سياقها عن التقييد بالاضطرار، لأنّ الائتلاف و الموادة شي ء، و الاضطرار شي ء آخر. و كذا لا تحديد للمجاملة و الموادة الموجبة لها، و هي أيضا عرفية و تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و العادات.

الخامسة: مقتضى الإطلاقات و العمومات عدم الفرق في صحة التقية بين ما ورد فيه نص بالخصوص كالصلاة و المسح على الخفين و نحوهما و ما لم يرد، لكفاية العموم و الإطلاق في صحتها مطلقا، إلا إذا ورد دليل على المنع. كما أنّ

______________________________

ص: 386


1- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة.
2- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1 و 2.

.....

______________________________

مقتضاها عدم الفرق بين ما إذا علم ببطلان عملهم أم لا. كما لا فرق بين الأمور الوجودية و العدمية، كل ذلك للإطلاق و العموم، فلا وجه للتفكيك بين مفادهما من هذه الجهات، مع أنّ مقتضى جملة كثيرة من الأخبار (1) بطلان عباداتهم مطلقا، لفقد الولاية، و هي أيضا دالة على عدم الفرق من هذه الجهة، بل مقتضى قوله عليه السلام: «ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، و مسح الخفين، و متعة الحج» (2). صحة التقية فيما سواها مطلقا حتّى في الوقوف بعرفات و نحوه.

و كذا مقتضى قوله عليه السلام: «إنّما جعل التقية لتحقن بها الدم. فإذا بلغ الدم، فليس تقية»(3).

فإنّه يدل على تعميمها لكل شي ء إلّا في الدم. نعم، لا بد من التفصيل بين موارد الإضرار بالغير، و ليس هنا محل تفصيل ذلك، و يأتي في الجهة التاسعة بعض ما يرتبط بالمقام.

السادسة: مورد التقية التي تكون أوسع من سائر الضروريات ما كان له ربط بالدين، سواء كان بلا واسطة أم معها، لإطلاق قولهم عليهم السلام: «التقية دين الله عزّ و جل» (4) فكل ما صح انتسابه إلى الشارع تأسيسا أو إمضاء تجري فيه التقية، سواء كان حكما، أم موضوعا، أم ما له دخل فيهما فتشمله العمومات و الإطلاقات الواردة في الباب، كما لا يخفى، فتجري في القضاء، و الوقوف بعرفة، و أول الشهر، و العيد، و غير ذلك مما له دخل في الدّين.

السابعة: تشريع التقية إنّما هو لرفع الاختلاف و تحقق الوحدة و الائتلاف و التسهيل و الامتنان على الناس. و ذلك كله يقتضي الصحة و الإجزاء في مورد التقية مطلقا بلا إعادة و لا قضاء، لأنّ إيجابها في موردها من موجبات المنافرة و البغضاء، فهذا ينافي حكمة تشريعها. و يدل على ذلك أيضا إطلاقات أدلة التقية

______________________________

ص: 387


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 5.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 18.

.....

______________________________

و عموماتها، و الأخبار الكثيرة المرغبة إليها بالسنة شتّى، و ما دل على أنّها دين الله. و لا وجه للإعادة أو القضاء بالنسبة إلى ما هو دين الله تعالى، فهي مثل سائر الأدلة الامتنانية التسهيلية المستفادة منها الصحة و الإجزاء، فلا وجه للتمسك بوجوب الإعادة أو القضاء بقاعدة الاشتغال، لكونها محكومة بإطلاقات أدلة التقية و عموماتها.

نعم، قد يتمسك لعدم الإجزاء بما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام في الصوم حين ورد عليه السلام على أبي العباس في الحيرة في يوم كان عنده عيدا و لم يكن عند الإمام عليه السلام عيدا من قوله: «فأكلت معه و أنا أعلم و الله إنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد الله تعالى» (1).

و فيه مضافا إلى قصور السند، معارضته بغيره مما لم يذكر فيه القضاء مع وقوع الاعتراض عليه في ذلك، ففي خبر داود بن الحصين (2) عن رجل عنه عليه السلام: «فدنوت فأكلت قال: و قلت: الصوم معك و الفطر معك، فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام: تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال عليه السلام: إي و الله أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي» فإنّه في مقام البيان و التفصيل و السؤال، و قد جرت عادة الفقهاء على حمل مثل هذه الأخبار على الندب، فليحمل ما فيه القضاء على الندب أيضا جريا على العادة. مع أنّ في الحمل عليه إشكالا، لقوة احتمال أنّه عليه السلام اتقى في قوله عليه السلام: «و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي» بعض جهلة الشيعة. فإنّ اتقاءهم عليهم السلام من جهال شيعتهم كان كاتقائهم من العامة، بل أشد، كما لا يخفى على الخبير.

و قد يتمسك لعدم الإجزاء أيضا بما ورد في صلاة الجماعة من قوله عليه السلام: «ما منكم أحد يصلّي صلاة فريضة في وقتها، ثمَّ يصلّي معهم صلاة تقية، و هو متوضئ الا كتب الله له بها خمسا و عشرين درجة، فارغبوا في

______________________________

ص: 388


1- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

.....

______________________________

ذلك» (1) و نحوه غيره.

و فيه: أنّ هذه الأخبار في مقام الترغيب إلى هذا العمل تحريضا على المعاشرة معهم و الحضور في جماعتهم لئلا يندرس المذهب الجعفري بالكلية، و لا منافاة بين كون العمل مطلوبا و بين الإجزاء مع عدم الإتيان به، لأنّ مثل هذه الأخبار في مقام ترتّب الثواب على هذا العمل، و لا تدل بنحو من الدلالات المعتبرة على عدم الصحة في غير مورده. فيكون هذا نحو عمل مندوب في حد نفسه، لا أن يكون لأجل بطلان العمل الذي يؤتى به تقية، فيكون مثل ما إذا صلّى شخص منفردا. ثمَّ وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعة، فيستحب له إعادتها جماعة، لا أن تكون صلاته الأولى باطلة على ما يأتي في [مسألة 19] من آخر صلاة الجماعة.

الثامنة: مقتضى الإطلاقات و العمومات الواردة في التقية أنّه لا يعتبر فيها عدم القدرة على الحيلة في دفعها. و أما خبر ناصح المؤذن: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «إنّي أصلّي في البيت و أخرج إليهم. قال عليه السلام: اجعلها نافلة، و لا تكبّر معهم فتدخل معهم في الصلاة، فإنّ مفتاح الصلاة التكبير» (2).

ففيه: مضافا إلى قصور السند، ظهور التنافي بين قوله عليه السلام:

«اجعلها نافلة»، و «لا تكبّر معهم»، إذ لا صلاة إلا بالتكبير. الا أن يكون المراد كبّر في نفسك و لا تكبر معهم، أو لا تكبر معهم بعنوان الفريضة، لسقوط أمرها بالإتيان بها. و يشهد له خبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضا قال:

«قلت: إنّي أدخل المسجد، و قد صلّيت، فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة قال: لا بأس. و أما أنا فأصلّي معهم و أريهم، أنّي أسجد و ما أسجد»(3).

و يستفاد من ذيله رجحان إراءة الدخول في صلاتهم حتّى لمن صلّى أيضا.

______________________________

ص: 389


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.

.....

______________________________

هذا إذا كانت التورية موجبة للتحير في الجملة، و تزلزل العامل بها بحيث يعرف أنّه يعمل بالتورية. و أما إن لم يكن كذلك بل أمكن العمل بمذهب الحق بلا محذور فيه أبدا و إراءتهم أنّه يعمل بمذهبهم، ففي سقوط التكليف الواقعي حينئذ إشكال، بل منع، لأنّ التمسك بعمومات التقية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى قاعدة الاشتغال بقاء التكليف الواقعي و يمكن حمل خبر عبيد بن زرارة على ذلك. و يشهد له ما ورد في الإحرام من العقيق (1).

التاسعة: لو شك في صحة عملهم عندهم و عدمها، فمقتضى قاعدة الصحة في فعل المسلم الحمل على الصحة، فيتحقق موضوع التقية و أما لو علم ببطلان عملهم حتّى عندهم، فالظاهر عدم شمول أدلة التقية له حينئذ، لأنّه ليس من دين الله تعالى في شي ء حتّى عند الفاعل، و تقدم أنّ مورد التقية لا بد و أن يكون له تماس بدين الله في الجملة، فلا يجزي و لا تسقط الإعادة أو القضاء.

نعم، يصح الارتكاب للمجاملة، بل يجب مع الخوف و لكن كيف يحصل العلم ببطلان عملهم عندهم.

العاشرة: مقتضى إطلاقات التقية و عموماتها شمولها، لجميع الأقسام الممكنة ثبوتا، فقد ينزل الشارع في موردها فاقد الجزء و الوصف منزلة الواجد، و واجد المانع منزلة الفاقد، بل يصح أن ينزّل المعدوم منزلة الموجود تشريعا، لاستيلاء الشارع و تسلطه على ذلك كله، و القول بالاختصاص بأحد الأقسام مخالف للإطلاق بلا دليل عليه. و ما ذكر في جملة من الأخبار (2) من الأفعال الوجودية كالصلاة و حضور جنائزهم و مساجدهم إنّما هو من باب الغالب، فلا يصلح لتقييد الإطلاقات و العمومات(3).

و يشهد له موثق أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: التقية من دين الله. قلت: من دين الله؟ قال: إي و الله من دين الله لقد قال يوسف:

______________________________

ص: 390


1- الوسائل باب: 2 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 384.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 3 و 4.

.....

______________________________

(أيتها العير إنّكم لسارقون) و الله ما كانوا سرقوا شيئا و لقد قال إبراهيم: (إني سقيم) و الله ما كان سقيما» (1).

فنزّل عليه السلام عدم السرقة منزلة السرقة في تطبيق التقية عليه، و مثله موثقه الآخر (2).

الحادية عشرة: الغرض من التقية إخفاء عمل ما يختص بالمذهب الجعفري و التظاهر بالعمل بمذهب العامة. فإذا انطبق هذا العنوان تشمله عمومات التقية و إطلاقاتها، سواء كان المتقى به موافقا لمذهب من يتقي عنه أم كان مخالفا له و موافقا لسائر مذاهب العامة، مثلا: التكتف في الصلاة لا يجب في بعض المذاهب و يجب في بعضها، فلو كان الشخص عند من لا يوجبه في الصلاة و لكن تحصل التقية بأن يتكتف يجب ذلك و تصح صلاته معه و لا شي ء عليه، للإطلاقات و العمومات إذا انطبقت عليه التقية. و يأتي في [مسألة 42] التعرض له، و لكنه خلاف الاحتياط.

الثانية عشرة: مقتضى الإطلاقات المرغبة إلى التقية، و الأخبار الكثيرة التي تثبت الثواب فيها استحبابها نفسيا، و وجوبها غيريا. و لكن لا بد من اختصاص الاستحباب بما إذا ترتب عليها غرض صحيح شرعي، كالموادة و التألف و نحوهما، و لا وجه للاستحباب مع عدمه. كما أنّه لا وجه لجوازها أصلا فيما إذا لم تكن لمن يتقي عنه شوكة و اقتدار أصلا، لظهور الأخبار في غيره. نعم، قد تجب حينئذ مع الخوف أو الضرر لا من جهة التقية، بل من جهة الضرورة.

الثالثة عشرة: لا فرق في مورد العمل بالتقية بين أن يكون في أرضهم أو في أرضنا إذا تحقق الخوف أو ترتب التآلف و التحبب، لإطلاق الأدلة الشامل للجميع.

الرابعة عشرة: ليست التقية من غير المخالفين كالتقية منهم في كونها أوسع من سائر الضرورات، لانصراف أدلة التقية إلى خصوص التقية من المخالفين و في غيرهم تكون مثل سائر الضرورات، و لا تكون أوسع منها. و لكن ذكر في بعض

______________________________

ص: 391


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 17.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 18.

ترك التقية و إراءتهم المسح على الخفّ- مثلا- فالأحوط، بل الأقوى ذلك (145) و لا يجب بذل المال لرفع التقية (146) بخلاف سائر الضرورات (147)، و الأحوط في التقية أيضا الحيلة في رفعها

______________________________

الأخبار «أهل الباطل» (1)و هو عام شامل لغير المخالفين أيضا. كما لا فرق أيضا فيها بين المذاهب الأربعة المشهورة أو غيرها من سائر مذاهب العامة، للإطلاقات و العمومات الشاملة للجميع و سواء كان مورد التقية ما ثبت في مذهبهم من زمان الخلفاء أم حصل لعلمائهم من الآراء الحاصلة من العمل بالقياس أو الاستحسان مما هو صحيح عندهم و باطل لدينا، للإطلاق و السيرة الشاملين للجميع.

الخامسة عشرة: لو علم أنّه لا يتحقق التودد و الائتلاف و الأمن من الضرر، لا موضوع للتقية حينئذ مطلقا، كما لا يبعد ذلك بالنسبة إلى بعض بلاد الإسلام في هذه الأزمنة.

(145) لإطلاق أدلة التكاليف الأولية، و قاعدة الاشتغال، و عدم تحقق موضوع التقية- كما هو المفروض- هذا و لكن لو توقف ذلك على إعمال حيلة و نحوها تقدم حكمه في الجهة الثامنة.

(146) لإطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان و التسهيل و الامتنان المرغبة إلى التقية و المثبتة للثواب لها، و تنزيلها على صورة القدرة على دفع المال. بعيد جدا و خلاف ظاهرها.

(147) لأنّ ذلك هو المتيقن من أدلتها اللبية و المنصرفة إليه عرفا من أدلتها اللفظية. و لكن في إطلاق وجوب بذل المال في سائر الضرورات إشكال، بل منع. نعم، ورد النص في شراء ماء الوضوء(2) و لو بأضعاف قيمته. و فيه أيضا تفصيل يأتي في [مسألة 16] من فصل التيمم. بل وجوب بذل أصل المال لدفع سائر الضرورات أول الدعوى، لأنّه مخالف لإطلاق أدلتها الواردة في مقام

______________________________

ص: 392


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 13.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم.

مطلقا (148).

مسألة 36: لو ترك التقية في مقام وجوبها

(مسألة 36): لو ترك التقية في مقام وجوبها و مسح على البشرة ففي صحة الوضوء إشكال (149).

______________________________

الامتنان. و دعوى الانصراف و الأخذ بالمتيقن مشكلة جدا. نعم، لو كان بحيث لا تصدق الضرورة بالنسبة إليه يجب البذل حينئذ.

(148) لحسن الاحتياط على كل حال ما لم يزاحم باحتياط أولى منه.

(149) قد جزم بعدم الصحة جمع منهم صاحب الجواهر، و الفقيه الهمداني لأنّ التقية و عدمها موضوعان مختلفان للحكم الواقعيّ الأولي و الثانوي.

و تبدل الحكم بتبدل الموضوع مما لا ريب فيه، كالمسافر و الحاضر، و الصحيح و المريض و نحوهما. مع أنّ العمل المأتيّ به موافقا لمذهبنا و مخالفا للتقية ينطبق عليه عنوان ترك التقية قهرا و هو منهيّ عنه، و النهي في العبادة يوجب الفساد.

و أشكل عليه بأنّ التغير و التبدل إن كان خطابا و ملاكا، فلا ريب حينئذ في تبدل الحكم الواقعيّ، كالمسافر و الحاضر. و أما إن كان خطابا فقط لمصلحة في ذلك، فيبقى الملاك باقيا بحاله. و لو شك في أنّه بالنسبة إلى الخطاب و الملاك معا، أو بالنسبة إلى الأول فقط، فلا ريب في ارتفاع الخطاب حينئذ لا محالة، إذ لا يمكن بقاء الخطاب و سقوط الملاك بخلاف العكس، فيستصحب بقاء الملاك حينئذ. و كذا النهي المتعلق بالعبادة يمكن أن يكون باعتبار فعلية الخطاب فقط، لا باعتبار أصل الملاك، فيصح الإتيان بداعي الملاك و إن عصى من جهة أخرى.

و مورد الشك ملحق بالأول، كما مر.

و يرد عليه أولا: أنّه لا طريق لنا لإحراز الملاكات الا الخطابات غالبا فمع سقوطها و عدم وجود طريق آخر لا طريق لإحرازها، كما في جميع التكاليف الثانوية الاضطرارية بالنسبة إلى إحراز ملاك الواقع. و الاستصحاب من الشك في أصل الموضوع فلا يجري.

و ثانيا: التأمل في أدلة التقية يشهد بانقلاب التكليف الواقعيّ في موردها،

ص: 393

مسألة 37: إذا علم بعد دخول الوقت أنّه لو أخر الوضوء و الصلاة يضطر إلى المسح على الحائل

(مسألة 37): إذا علم بعد دخول الوقت أنّه لو أخر الوضوء و الصلاة يضطر إلى المسح على الحائل، فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقية، و إن كان متوضئا و علم أنّه لو أبطله يضطر إلى المسح على الحائل لا يجوز له الإبطال (150) و إن كان قبل دخول

______________________________

فيسقط الحكم الواقعي، ملاكا و خطابا، كما يظهر من قول أبي عبد الله عليه السلام في صحيح ابن سالم: «وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ. قال عليه السلام:

الحسنة التقية، و السيئة الإذاعة» (1).

و عنه عليه السلام: «لا دين لمن لا تقية له»(2).

فطبق عليه السلام السيئة و عدم الدّين على ترك التقية، و مثلهما قوله عليه السلام: «لا إيمان لمن لا تقيّة له» (3)، و قول أبي جعفر عليه السلام: «لا خير فيمن لا تقية له»(4).

إلى غير ذلك من التعبيرات المقتضية لسقوط الواقع، بل مبغوضية الإتيان به في مورد التقية.

و الشقوق المتصورة في المقام أربعة: بقاء الواقع ملاكا و خطابا، و لا موضوع للتقية، كما تقدم. و سقوطه كذلك. و البقاء ملاكا فقط. و البقاء خطابا كذلك، و مقتضى ظواهر أدلة التقية هو الثاني، و الأخير باطل قطعا، و الثالث لا دليل عليه، بل هو خلاف ظواهر أدلة التقية.

(150) لأنّ تأخير الوضوء في الصورة الأولى، و الإبطال في الثانية تفويت للمصلحة الفعلية الممكنة التحصيل و هو حرام. و لكن لو فعل الحرام و مسح على الحائل يصح وضوؤه، لظهور تسالمهم على صحة التكاليف الاضطرارية و لو حصل الاضطرار بسوء الاختيار، و يأتي في الجبائر ما ينفع المقام.

______________________________

ص: 394


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 6.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 17.

الوقت. فوجوب المبادرة أو حرمة الإبطال غير معلوم (151).

و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية، فالظاهر عدم وجوب المبادرة، و كذا يجوز الإبطال و إن كان بعد دخول الوقت، لما مرّ من الوسعة في أمر التقية. لكن الأولى و الأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الإبطال.

مسألة 38: لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة

(مسألة 38): لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين الوضوء الواجب و المندوب (152).

مسألة 39: إذا اعتقد التقية، أو تحقق أحد الضرورات الأخر فمسح على الحائل

(مسألة 39): إذا اعتقد التقية، أو تحقق أحد الضرورات الأخر فمسح على الحائل، ثمَّ بان أنّه لم يكن موضع تقية أو ضرورة، ففي صحة وضوئه إشكال (153).

______________________________

(151) من احتمال اختصاص حرمة تفويت المصلحة بالمصلحة الفعلية من كل حيثية و جهة، فلا قبح و لا حرمة في البين. و من أنّ تفويت المصلحة التي يعلم عادة بتعلق التكليف المنجز بها، كالمصلحة الفعلية لدى العقلاء، فيقبح عقلا و يحرم لقاعدة الملازمة. و يأتي منه رحمه الله في فصل التيمم [مسألة 13] الاحتياط الوجوبي في نظير المقام، و تقدم ما يعلم منه الوجه في بقية المسألة.

(152) لقاعدة إلحاق المندوب من كل شي ء بواجبه في جميع الجهات الا ما خرج بالدليل. و منشأ اعتبار هذه القاعدة ظهور الإطلاق و الاتفاق، و رواية:

«كل سنة إنّما تؤدى على جهة الفرض» (1). و هذه قاعدة نافعة نتعرض لتفصيلها إن شاء الله تعالى.

(153) وجه الإشكال أنّ الاعتقاد مطلقا له طريقية إلى الواقع، و لا موضوعية له بوجه، فليس موضوع الحكم الا الواقع فقط، و مع التخلف لا موضوع له أصلا، فيبطل قهرا. و لعل وجه الصحة احتمال أن يكون الاعتقاد له

______________________________

ص: 395


1- الوسائل باب: 19 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
مسألة 40: إذا أمكنت التقية بغسل الرجل

(مسألة 40): إذا أمكنت التقية بغسل الرجل، فالأحوط تعينه (154) و إن كان الأقوى جواز المسح على الحائل أيضا (155).

مسألة 41: إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة

(مسألة 41): إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة، فإن كان بعد الوضوء فالأقوى عدم وجوب إعادته (156)

______________________________

موضوعية في مثل هذه الأحكام المبنية على التسهيل، فتشمله الإطلاقات و العمومات(1). و لكن الشك في شمول الإطلاق و العموم يكفي في عدم الشمول، لأنّه من التمسك بالدليل في الشك في الموضوع نعم، إن كان موضوع الحكم هو الخوف، فلا فرق فيه بين الواقع و الاعتقاد لحصوله بالاعتقاد أيضا، و يأتي في [مسألة 19] من فصل التيمم ما ينفع المقام.

(154) على المعروف بين الأصحاب، لتحقق مباشرة الماسح بالممسوح مع أنّ الغسل أقرب إلى المسح عرفا من المسح على الخفين. فيكون المقام من موارد الدوران بين التعيين و التخيير، و المعروف فيه التعيين.

(155) لإطلاق أدلة التقية، و لا موجب لاختصاصها بالغسل إلا الأقربية العرفية و الانصراف البدوي، و شي ء منهما لا ينافي الظهور الإطلاقي و القول بالتعيين عند الدوران بينه و بين التخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن إطلاق في البين، مع أنّ في أصله بحثا محررا في محله (2).

(156) إن كانت أدلة التكاليف الاضطرارية في مقام البيان و مطلقة من كل جهة، سواء كانت أدلة التكاليف الأولية مهملة أم مطلقة، فلا بد من الإجزاء مطلقا و عدم لزوم الإعادة بعد رفع العذر، لأنّه يستفاد منها حينئذ صحة البدار، و أنّ التكليف الاضطراري واجد لمصلحة التكليف الاختياري بمجرد حدوث صرف وجود العذر. و أما إذا كانتا مهملتين من هذه الجهات، أو كانت أدلة التكاليف الأولية مطلقة، و أدلة الاضطراريات مهملة، فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم

______________________________

ص: 396


1- أي عمومات الأدلة الثانوية، كأدلة الاضطرار و غيره.
2- راجع تهذيب الأصول ج: 3 صفحة: 174 الطبعة الثانية بيروت.

و إن كان قبل الصلاة، إلا إذا كانت بلّة اليد باقية فيجب إعادة المسح (157). و إن كان في أثناء الوضوء، فالأقوى الإعادة إذا لم تبق البلة (158).

______________________________

الإجزاء بعد رفع العذر، بل هو مقتضى إطلاق دليل التكليف الأولي أيضا، إن كان له إطلاق.

هذا بحسب مقام الثبوت. و أما مقام الإثبات، فيمكن الإشكال في كون أدلة التكاليف الاضطرارية مطلقا في مقام البيان من هذه الجهات، لأنّها وردت لأصل تشريع التكليف الاضطراري فلا نظر لها إلى العوارض و الطوارئ، كما في نفس أدلة التكاليف الأولية.

و لكن الإشكال مدفوع بوجوه:

(الأول): أنّ التكاليف الاضطرارية تسهيل و امتنان، و التقييد يضادهما و ينافيهما بخلاف الإطلاق فإنّه يناسبهما.

(الثاني): أصالة الإطلاق من كل جهة معتبرة في المحاورات ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف، و المفروض عدمها.

(الثالث): أنّ نواقض الطهارة الحدثية محدودة شرعا، و ليس رفع الاضطرار منها. و دعوى: أنّ أصل الطهارة ما دامية. يحتاج إلى دليل و هو مفقود. هذا في غير التقية. و أما فيها فأوسعيتها من سائر الاضطراريات مما لا يخفى على أحد، كما أنّ هذا كله إنّما هو بعد تنجز التكليف الاضطراري بأن أحرز عدم زوال العذر. و أما مع احتمال الزوال فقد تقدم بعض ما يتعلق به في [مسألتي 35 و 39]، و هذه المسائل من صغريات قاعدة الإجزاء و قد تعرضنا له في الأصول، و سيأتي في الموارد المناسبة بعض الكلام فيها.

(157) لقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّها محكومة بإطلاق أدلة التكاليف الثانوية.

(158) لانقلاب موضوع الاضطرار إلى الاختيار، فينقلب الحكم قهرا و فيه

ص: 397

مسألة 42: إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه

(مسألة 42): إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه، ففي صحة وضوئه إشكال و إن كانت التقية ترتفع به كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما أو بالعكس (159)، كما أنّه لو ترك المسح و الغسل بالمرّة يبطل وضوؤه (160) و إن ارتفعت التقية به أيضا.

مسألة 43: يجوز في كلّ من الغسلات أن يصبّ على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة

(مسألة 43): يجوز في كلّ من الغسلات أن يصبّ على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فالمناط في تعدد الغسل- المستحب ثانية، الحرام ثالثة- ليس تعدد الصبّ، بل تعدد الغسل مع

______________________________

أنّه يمكن أن يكون صرف وجود الاضطرار حين الشروع في العمل موجبا لانقلاب التكليف و لو زال في أثنائه، فلا يتم الاستدلال ما لم يدفع هذا الاحتمال، و يأتي في التيمم بعض الكلام.

(159) تقدم ما يتعلق بهذا الفرع في الجهة الحادية عشرة، و قلنا إنّه إذا صح انطباق عنوان التقية على العمل المأتي به يصح، لإطلاقات أدلتها الشاملة لهذه الصورة أيضا، لما يستظهر من مجموع أدلة التقية تحققها بما إذا توهم المتقى منه أنّ المتقي (بالكسر) ليس بجعفري، بل هو من إحدى فرق العامة، فيأمن حينئذ عن ضررهم. و إن لم ينطبق أو شك في ذلك فلا يجزي، للأصل.

(160) لعدم الإتيان لا بالمأمور به الواقعي و لا بالاضطراري، فلا وجه للصحة.

و ما يتوهم فيه: بأنّه لا أمر بالمأمور به الواقعي، فتركه لا يضر قطعا، و الاضطراري إنّما أمر به لأجل التقية فقط، و الا فهو باطل واقعا، فالمأمور به في الواقع هو العمل الناقص الذي يتحفظ به عن ضرر التقية و هو حاصل فيجزي.

(مردود): بأنّه يعتبر في الإجزاء من حيث التقية كون ما يتقى به مشروعا عند من يتقى عنه و لو عند إحدى فرقهم. و إلا فلا موضوع لها أصلا.

ص: 398

القصد (161).

مسألة 44: يجب الابتداء في الغسل بالأعلى 162، لكن لا يجب الصبّ على الأعلى

(مسألة 44): يجب الابتداء في الغسل بالأعلى (162)، لكن لا يجب الصبّ على الأعلى، فلو صبّ على الأسفل، و غسل من الأعلى بإعانة اليد صح (163).

مسألة 45: الإسراف في ماء الوضوء مكروه

(مسألة 45): الإسراف في ماء الوضوء مكروه (164) لكن

______________________________

(161) أما جواز صب عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فلأصالة عدم تحديد الصب بحد خاص. و أما كون المناط تعدد الغسل مع القصد، فلتقوم الغسل في الطهارة الحدثية مطلقا بالقصد و القربة إجماعا، فلا يكفي مجرد الغسل كيفما تحقق كما يكفي في الطهارة الخبثية. و أما حرمة الثالثة فتقدم بعض ما يتعلق بها في فصل بعض مستحبات الوضوء (1).

فرع: لو حصلت الغسلة الثانية غفلة، أو رياء، أو لأجل إزالة الوسخ، أو زيادة التنظيف و نحو ذلك من الأغراض لا يعد ذلك من الغسلة الثانية المندوبة، لما مر من اعتبار قصد الوضوء و نية القربة فيها.

(162) تقدم وجهه في غسل الوجه و اليدين (2).

(163) لإطلاق الأدلة و أصالة البراءة بعد عدم دليل على الوجوب. نعم، في بعض الوضوءات البيانية أنّه عليه السلام: «غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، أو على مرفقه اليمنى» (3). و لكن الفعل أعم من الوجوب مع أنّ الظاهر عدم الإشكال عن أحد في عدم الوجوب بعد صدق تحقق الغسل من الأعلى عرفا، و قد تقدم في الحادي عشر من مستحبات الوضوء ما ينفع المقام.

(164) على المشهور، لقول أبي عبد الله عليه السلام: «إنّ للّه تعالى

______________________________

ص: 399


1- تقدم في صفحة: 304.
2- راجع صفحة: 325 و 333.
3- الوسائل: باب 15 من أبواب الوضوء حديث: 2.

الإسباغ مستحب، و قد مرّ أنّه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ. و الظاهر أنّ ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعال و مقدّماته من المضمضة، و الاستنشاق، و غسل اليدين (165).

مسألة 46: يجوز الوضوء برمس الأعضاء

(مسألة 46): يجوز الوضوء برمس الأعضاء، كما مرّ. و يجوز برمس أحدها و إتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعاة الشروط المتقدمة من البدأة بالأعلى، و عدم كون

______________________________

ملكا يكتب سرف الوضوء، كما يكتب عداوته» (1).

الظاهر في مجرد الآداب لا الحرمة. هذا إذا لم يكن للماء قيمة، و الا فالظاهر أنّ الإسراف فيه حرام كما في غيره، لعموم ما دل على حرمة الإسراف، و أنّه من الكبائر.

و في الجوامع عن النبي صلّى الله عليه و آله: «أنّه مرّ بسعد و هو يتوضأ.

فقال: ما هذا؟ أسرف يا سعد؟! قال: أ في الوضوء سرف؟ قال صلّى الله عليه و آله: نعم، و لو كنت على عين جار. و يمكن أن تكون الحكمة في ذلك تسهيل الأمر مهما أمكن، و دفع الوسواس بأي طريق ممكن».

(165) راجع أول فصل مندوبات الوضوء، و تقدم أنّه يظهر من بعض الأخبار(2) أنّ مقدار المد للاستنجاء أيضا. مضافا إلى ما يصرف في الوضوء بواجباته و مندوباته، و نسب ذلك إلى الشهيد رحمه الله و تبعه غيره. و المد يبلغ أربعة عشر كفا تقريبا.

و أما استحباب الإسباغ، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع أخبار كثيرة:

منها: قول أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «قال رسول الله صلّى

______________________________

ص: 400


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 8 و تقدم في صفحة: 293.

المسح بماء جديد، و غيرهما (166).

مسألة 47: يشكل صحة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء

(مسألة 47): يشكل صحة وضوء الوسواسي إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء من لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الأوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلّة الكفّ دون رطوبة سائر الأعضاء يجي ء الإشكال في مبالغته في إمرار اليد، لأنّه يوجب مزج رطوبة الكفّ برطوبة الذراع (167).

مسألة 48: غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين

(مسألة 48): غير الوسواسي إذا بالغ في إمرار يده على اليد اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه أنّه غسل واحد (168). نعم، بعد اليقين إذا صبّ عليها ماء خارجيا يشكل و إن

______________________________

الله عليه و آله: من أسبغ وضوءه، و أحسن صلاته، و أدى زكاة ماله، و كف غضبه، و سجن لسانه، و استغفر لذنبه، و أدى النصيحة لأهل بيت نبيه، فقد استكمل حقيقة الإيمان، و أبواب الجنان مفتحة له» (1).

(166) أما جواز الوضوء ارتماسا، فقد تقدم في [مسألة 21]. و أما التفكيك بين الأعضاء، بل أجزاء عضو واحد، فللإطلاق، و ظهور الاتفاق. و أما لزوم مراعاة الشرائط، فلعموم أدلتها الشاملة لجميع أقسام الوضوء من الارتماسي و الترتيبي و المركب منهما.

(167) بل يشكل أصل صحة عبادة الوسواسي من جهة أخرى: و هي أنّها من إطاعة الشيطان و هي مبغوضة لدى الله تعالى.

(168) المناط صدق ماء الوضوء و بلته على ما يمسح به بعد الفراغ عن الغسل الواجب. و مع الشك في الصدق و عدمه يستصحب كونه من ماء الوضوء، فيجوز المسح به، و كذا في الوسواسي، و لكن حيث إنّه خارج عن المتعارف يمكن التشكيك في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه من جهة الشك في أصل الموضوع، مضافا إلى ما تقدم.

______________________________

ص: 401


1- الوسائل باب: 54 من أبواب الوضوء حديث: 2.

كان الغرض منه زيادة اليقين، لعدّه في العرف غسلة اخرى، و إذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق- مثلا- و زاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضرّ (169) ما دام يعدّ غسلة واحدة.

مسألة 49: يكفي في مسح الرجلين بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين

(مسألة 49): يكفي في مسح الرجلين بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين أيّها كانت حتّى الخنصر منها (170).

______________________________

(169) الإشكال المذكور في الوسواسي جار هنا أيضا، لفرض كون غسل كلّ منهما زائدا عن مقدار الحاجة فهما متحدان في جهة الإشكال في المسح.

نعم، يختلفان في الحكم التكليفي، لاحتمال حرمة عمل الوسواسي، لكونه من عمل الشيطان، كما في الرواية (1). دون الصب من الإبريق زائدا على مقدار الحاجة، إذ ليس فيه حرمة تكليفية ما لم يكن من الإسراف المحرّم.

(170) لظهور الإطلاق و الاتفاق، كما تقدم (2). و الله العالم و الحمد للّه ربّ العالمين.

______________________________

ص: 402


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات.
2- تقدم في صفحة: 363.

فصل في شرائط الوضوء

اشارة

(فصل في شرائط الوضوء)

الأول: إطلاق الماء

(الأول): إطلاق الماء، فلا يصح بالمضاف (1) و لو حصلت الإضافة بعد الصبّ على المحلّ، من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه، فاللازم كونه باقيا على الإطلاق إلى تمام الغسل (2).

الثاني: طهارته

اشارة

(الثاني): طهارته (3)، و كذا طهارة مواضع الوضوء (4)، و يكفي (فصل في شرائط الوضوء)

______________________________

(1) لظواهر الأدلة كتابا و سنة، و بالإجماع، بل بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب، و تقدم في الماء المضاف نقل الخلاف (1) و رده.

(2) أي الواجب منه هو المسمّى. و لو حصلت الإضافة بعد حصوله فلا إشكال في الغسل، بل و لا في المسح أيضا إن صدق المسح ببلة الوضوء و الا فيبطل الوضوء من جهة المسح.

(3) إجماعا، بل ضرورة، و نصوصا مستفيضة الواردة في الأبواب المتفرقة:

منها: قول أبي عبد الله عليه السلام في الكلب: «رجس نجس لا تتوضأ بفضله» (2)، و قوله عليه السلام: فإذا تغير الطعم (أي بالنجاسة) فلا تتوضأ منه (3).

______________________________

ص: 403


1- راجع ج: 1 صفحة: 126.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق و يدل على ذلك أحاديث باب: 5 و 13 و 14.

.....

______________________________

و ظاهر مثل هذه النواهي أن تكون إرشادا إلى الفساد و عدم الصحة، فلا تحصل الطهارة الحدثية بالماء المتنجس، أو المضاف فتبطل الغايات المشروطة بها لا محالة، لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ما لم يدل دليل على الخلاف.

و لا دليل كذلك في المقام، فلو توضأ بالمضاف أو النجس و صلّى تجب الإعادة أو القضاء، إذ «لا صلاة إلا بطهور»، مضافا إلى الأدلة الخاصة من حديث لا تعاد و غيره مما يأتي في محله إن شاء الله تعالى، بلا فرق بين صورة العلم و الجهل.

قصورا أو تقصيرا، موضوعا أو حكما، لما يأتي في [مسألة 4] من أنّ الإطلاق و الطهارة من الشرائط الواقعية، لا الإحرازية.

(4) نسب ذلك إلى المشهور و لم يستندوا إلى دليل لفظيّ في المقام، و لا إجماع معتبر بين الأعلام، بل في أصل صحة النسبة إليهم في خصوص الوضوء بحث، لعدم تعرضهم للمسألة فيه، بل تعرضوا لها في غسل الجنابة و فيه أقوال أيضا، كما يأتي.

و استدل عليه تارة: بأنّ ماء غسل الأعضاء في الوضوء لا بد و أن يرد على محل طاهر.

(و فيه): أنّه عين المدعى.

و أخرى: بانفعال الماء بمجرد الوصول إلى المحل.

(و فيه) أولا: أنّه يرجع إلى اعتبار طهارة الماء و ليس شرطا آخر، و ثانيا:

أنّه لا يتم في الارتماسي. و ثالثا: بأنّه لا مانع في أن ينفعل و تحصل به الطهارة، كما في تطهير الخبث، فإنّ الماء ينفعل بمجرد الورود على المحل و مع ذلك يكون مطهرا، مع أنّه لا يتم على القول بعدم انفعال الغسالة أو انفعالها بالانفصال عن المحل.

و عمدة الدليل في اعتبار طهارة مواضع الوضوء مذاق الشرع و مرتكزات الفقهاء، بل المتشرعة أيضا، و يأتي في [مسألة 5] من «فصل غسل الجنابة مستحب نفسي» ما له نفع في المقام، فراجع.

(5) لأنّه المعلوم مما ليس فيه دليل لفظي ظاهر في اعتبار طهارة تمام المواضع قبل الشروع في الوضوء، و المرجع في اعتبار الزائد عليه البراءة لأنّ

ص: 404

طهارة كلّ عضو قبل غسله (5)، و لا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالّه طاهرا، فلو كانت نجسة و يغسل كلّ عضو بعد تطهيره كفى و لا يكفي غسل واحد بقصد الإزالة و الوضوء (6) و إن كان برمسه في الكرّ أو الجاري.

نعم، لو قصد الإزالة بالغمس و الوضوء بإخراجه كفى (7). و لا

______________________________

المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر. و يكفي في الغسل الذي هو الأصل للوضوء في هذا الشرط ذلك أيضا، كما يأتي في [مسألة 5].

(6) لأصالة عدم التداخل، و ظهور الكلمات في ورود الغسل على المحلّ الطاهر و هو صحيح في الماء القليل. و أما الماء المعتصم، فإن استفيد من الدليل تقدم طهارة المحلّ على استيلاء الماء عليه زمانا فهو كذلك أيضا، لعدم التقدم الزماني إلا إذا صبر زمانا بعد الاستيلاء. و أما إن قلنا بكفاية التقدم الرتبي العقلي فلا وجه للبطلان، لصحة فرض حصول الطهارة في الرتبة السابقة على حصول الغسل الوضوئي، و إن حصلا في آن واحد. و لذا قال جمع بالصحة فيما إذا توضأ بالارتماس في المعتصم. ثمَّ إنّ الإزالة ليست من الأمور المتقوّمة بالقصد، فتحصل و لو مع عدم القصد بل قصد العدم أيضا، فلا وجه لاعتبار قصدها.

(7) تقدم أنّ الإزالة ليست قصدية، فيكفي قصد الوضوء بالإبقاء أو الإخراج، و إن لم تقصد الإزالة أصلا، بل و إن قصد عدمها.

فروع- (الأول): لو توضأ بالماء القليل و صبّ على المحلّ المتنجس غرفتين من الماء و بعد ذلك مسح على المحلّ بيده بعنوان الغسل، يصح وضوؤه و لا شي ء عليه، لحصول الطهارة بصب الغرفتين، سواء كان ذلك من قصده أم لا، لما تقدم من أنّ الإزالة ليست قصدية.

(الثاني): لو كان بعض محال وضوئه متنجسا و غفل و توضأ، فإن علم بأنّه صب الماء على المحلّ مرّتين ثمَّ قصد الوضوء بالدلك، كما هو كذلك غالبا يصح وضوؤه و طهر المحلّ أيضا. و إن علم بعدم ذلك أو شك فيه، فمقتضى الأصل

ص: 405

يضرّ تنجس عضو بعد غسله و إن لم يتم الوضوء (8).

مسألة 1: لا بأس بالتوضؤ بماء القليان ما لم يصر مضافا

(مسألة 1): لا بأس بالتوضؤ بماء (القليان) ما لم يصر مضافا (9).

مسألة 2: لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن بعد كون محالّه طاهرة

(مسألة 2): لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن (10) بعد كون محالّه طاهرة. نعم، الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله (11).

مسألة 3: إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضرّه الماء

(مسألة 3): إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضرّه الماء، و لا ينقطع دمه، فليغمسه بالماء، و ليعصره قليلا حتّى ينقطع الدم آنا مّا ثمَّ ليحركه بقصد الوضوء (12) مع ملاحظة الشرائط الأخر، و المحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى، بأن يقصد الوضوء بالإخراج من الماء.

______________________________

بقاء حدثه و نجاسة بدنه إلا إذا قلنا بجريان قاعدة الفراغ في صورة الغفلة أيضا، فيصح وضوؤه.

(الثالث): إذا علم إجمالا بتنجس بعض محالّ وضوئه و تحقق وضوء منه و لم يدر المتقدم منهما و جهل تاريخهما يصح وضوؤه، لقاعدة الفراغ. و يجب عليه تطهير المحلّ المتنجس، لكن الاحتياط في إعادة الوضوء بعد تطهير المحلّ.

(8) لأصالة البراءة عن اشتراط طهارة الأعضاء بعد غسلها، و إطلاقات أدلة الوضوء، و ظهور الاتفاق على عدم الاشتراط.

(9) للأصل و الإطلاق، مع أنّ في صيرورته مضافا إشكال.

(10) لإطلاقات الأدلة و ظهور الإجماع، و أصالة البراءة عن الشرطية.

(11) تقدم في [مسألة 4] من فصل موجبات الوضوء ما يتعلق به.

(12) الظاهر عدم الاحتياج إلى انقطاع الدم آنا مّا، إذ لا حكم للنجاسة في الماء المعتصم و إحاطته عليها. الا أن تكون مانعة عن استيلاء الماء على البشرة،

ص: 406

الثالث: أن لا يكون على المحلّ حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة

(الثالث): أن لا يكون على المحلّ حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة (13) و لو شك في وجوده يجب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه، و مع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله.

الرابع: أن يكون الماء، و ظرفه، و مكان الوضوء، و مصبّ مائه مباحا

اشارة

(الرابع): أن يكون الماء، و ظرفه، و مكان الوضوء، و مصبّ مائه مباحا (14)، فلا يصح لو كان واحد منها غصبا من غير فرق بين

______________________________

فيحتاج إلى الإزالة من هذه الجهة، كما أنّ الظاهر عدم الاحتياج إلى التحريك، بل يكفي الإخراج من الماء بقصد الغسل الوضوئي. و أما قصد الوضوء بالإبقاء في الماء فهو، و إن كان صحيحا من حيث تحقق الغسل الوضوئي، لكنّه يوجب المسح بالماء الخارجي فيبطل الوضوء من هذه الجهة كما ذكره في المتن.

(13) الدليل عليه ما دل على غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين، لظهوره في وقوع الغسل و المسح على البشرة، و لا وجه لعدّ هذا من الشرائط الخارجية، بل هو من المقوّمات الداخلية لحقيقة الوضوء، و تقدم تفصيل الباقي في المسائل السابقة. فراجع، كما تقدم أنّه لا يكفي الظنّ بعدم المانع، بل لا بد من الاطمئنان بالعدم.

(14) لا بد من التعرض لأمور:

الأول: مما تسالمت عليه الشرائع الإلهية، بل تحكم به كلّ فطرة سليمة احترام ما يتعلق بالغير، عينا كان أو منفعة أو حقّا، و هذا من الأصول العقلائية المتسالمة عندهم فيقبح ذلك عقلا و يحرم التصرف فيه بغير إذنه و لا يحلّ إلا بطيب نفسه.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بما هو مبغوض لديه عزّ و جل مما ينكره العقلاء، فإذا كانت العبادة مشتملة على المبغوض تسقط عباديته، فلا وجه للتقرب بها إليه تعالى، لأنّ التقرب بالمبغوض من الجمع بين المتنافيين، هذا مع التفات الشخص إلى المبغوضية. و أما مع العذر، فيأتي تفصيله.

الثالث: لو انحصرت الطهارة المائية في المغصوب فلا أمر بها أصلا، لعدم

ص: 407

.....

______________________________

القدرة الشرعية عليها و تتبدل إلى الطهارة الترابية بلا إشكال و لو لم تنحصر فيه فيصح الأمر بالطهارة المائية، لكونها مقدورة حينئذ. و لا أمر بالطهارة الترابية، لعدم الموضوع لها، مع التمكن من الطهارة المائية.

الرابع: لاشتمال العبادة على المبغوض مراتب متفاوتة:

منها: ما يكون المبغوض من مقوّماتها الداخلية عرفا.

و منها: ما يكون من المقدّمات، أو اللواحق على اختلافها قربا و بعدا. و لا إشكال في بطلان العبادة في الأولى، لصحة استناد المبغوضية إلى العبادة في هذه الصورة، و كذا في المقدمات القريبة، بحيث يصح انتساب المبغوضية إلى العبادة عرفا و عند المتشرعة. و أما إذا كانت المبغوضية بحيث يصح سلبها عن العبادة، فلا وجه للبطلان. و أما مع الشك فالقول بالبطلان مبنيّ على عدم جريان الإطلاقات بدعوى أنّ التمسك بها تمسك بالدليل فيما لم يحرز الموضوع، فمقتضى قاعدة الاشتغال البطلان حينئذ. و لكن يمكن أن يقال: إنّه ليس التمسك بالإطلاقات تمسكا في الشبهة الموضوعية، لأنّ المتشرعة يرون الموضوع عبادة، و مجرد الاحتمال لا يوجب سلب الموضوع أو الشك بما يوجب التردد في الموضوع عرفا فيه، بل تجري أصالة الصحة و عدم المانع، فتشمله العمومات و الإطلاقات لا محالة.

ثمَّ إنّه يعلم مما ذكرنا أنّه إن لم يكن الماء مباحا تبطل الطهارة، لأنّه من مقوّمات الطهارة المائية عرفا، و كذا الفضاء الذي يتطهّر فيه، و كذا ظرف الماء إن كانت الطهارة بمجرد الرمس فيه و عدّ ذلك تصرفا أو بمجرد الصب به. و لو كانت بنحو الاغتراف منه، فيمكن التصحيح و إن أثم، كما تقدم (1).

و أما المكان- بمعنى الموقف- فلا ريب في عدم كونه من مقوماتها الداخلية و لا من مقارناتها. نعم، هو من لوازم الجسم، فيكون من اللوازم الخارجية للوضوء، فمع الانحصار لا أمر في البين لعدم القدرة الشرعية، فيجب التيمم.

و مع عدمه لا إشكال في توجه التكليف بالوضوء، فمع إمكان التفكيك بين اللوازم

______________________________

ص: 408


1- تقدم في صفحة: 161 و ما بعدها.

صورة الانحصار و عدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار و إن لم يكن مأمورا بالتيمم، الا أنّ وضوءه حرام من جهة كونه تصرفا، أو مستلزما للتصرف في مال الغير (15)، فيكون باطلا.

نعم، لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثمَّ توضأ منه لا مانع منه (16)، و إن كان تصرّفه السابق على الوضوء حراما (17). و لا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار و عدمه، إذ مع الانحصار، و إن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمم، الا أنّه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظّرف المباح. و قد لا يكون التفريغ أيضا حراما- كما لو كان الماء مملوكا له، و كان إبقاؤه في ظرف الغير تصرّفا فيه- فيجب تفريغه حينئذ (18)، فيكون من الأول مأمورا بالوضوء و لو مع الانحصار.

______________________________

الخارجية و الداخلية يصح وضوؤه و إن أثم و عصى و الظاهر صحة التفكيك، فيكون المقام نظير من يصلّي في مكان و هو ينظر إلى الأجنبية.

و أما اعتبار إباحة مصبّ ماء الوضوء، فإن كان غسل العضو مستلزما للتصرف فيه عرفا من حيث صبّ الماء، فيبطل. و الا فلا وجه له خصوصا مع عدم الانحصار يصح وضوؤه، و تقدم في الوضوء من أواني الذهب و الفضة ما ينفع المقام.

(15) استلزاما عرفيا عند متعارف الناس.

(16) للتمكن من الوضوء بالماء المباح بعد التفريغ، فتشمله الأدلة من الإطلاقات و العمومات.

(17) لكونه تصرفا في الإناء الغصبيّ و التصرف فيه و لو بالتفريق حرام.

(18) إن لم يكن صبّ الماء في الإناء بسوء اختياره. و إلا فالجزم بالوجوب الشرعيّ مشكل، و إن حكم العقل بالتفريغ اختيارا دفعا لأقلّ المحذورين و أخف القبيحين، و يأتي التفصيل في محلّه.

ص: 409

مسألة 4: لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم و العمد

(مسألة 4): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم و العمد و الجهل و النسيان (19). و أما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم و العمد، سواء كان في الماء، أو المكان، أو المصبّ. فمع الجهل بكونها مغصوبة، أو النسيان لا بطلان (20)، بل و كذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصرا، بل و مقصّرا أيضا (21) إذا حصل منه قصد القربة و إن كان الأحوط مع الجهل بالحكم خصوصا في المقصّر الإعادة (22).

مسألة 5: إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه

(مسألة 5): إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه و يجب تحصيل المباح للباقي. و إذا التفت بعد الغسلات قبل المسح، هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده

______________________________

(19) لأنّ إطلاق الماء و طهارته و عدم الحائل من الشرائط الواقعية إجماعا، و تقتضيه إطلاقات الأدلة.

(20) لأنّ المانعية حاصلة عن تعلق النهي النفسي بالغصب و لا تنجز للنهي النفسي في صورة الجهل و النسيان، فلا مانعية في البين. و لا فرق في النسيان بين ما إذا كان عن تفريط أم لا، لإطلاق حديث الرفع، و إطلاق جملة من الكلمات و إرسال عدم وجوب الفحص في الموضوعات إرسال المسلمات. و أما إن كان بحيث لا يعدّ عذرا عرفا، بل كان من التساهل في الدّين فإنّ الظاهر انصراف أدلة العذرية عنه. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، كما لا يخفى.

(21) لأنّ المناط تحقق قصد القربة و عدم التقرب بالمبغوض و المفروض تحققهما مع الجهل، لأنّه مانع عن التقرب بما هو مبغوض، لفرض عدم الالتفات إلى المبغوضية.

(22) للإجماع المدّعى على أنّ المقصّر بمنزلة العامد إلا ما خرج بالدليل و يشكل الصحة في القاصر الملتفت أيضا.

ص: 410

و يصح الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأول، لأنّ هذه النداوة لا تعد مالا، و ليس مما يمكن رده إلى مالكه (23)، و لكن الأحوط الثاني.

و كذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثمَّ أراد الإعادة هل يجب عليه تخفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب، أو الصبر حتّى تجف، أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني، و أحوطهما الأول. و إذا قال المالك: أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرّف فيها لا يسمع منه- بناء على ما ذكرنا- نعم، لو فرض إمكان انتفاعه بها، فله ذلك و لا يجوز المسح بها حينئذ.

مسألة 6: مع الشك في رضاء المالك لا يجوز التصرف و يجري عليه حكم الغصب

(مسألة 6): مع الشك في رضاء المالك لا يجوز التصرف و يجري عليه حكم الغصب، فلا بد فيما إذا كان ملكا للغير من الإذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعيّ (24).

______________________________

(23) مجرد عدم إمكان الرد لا يوجب سقوط حق الاختصاص، لأنّ الغصب كما يتحقق بالنسبة إلى الأعيان يتحقق بالنسبة إلى المنافع و بعض الحقوق أيضا. إلا أن يقال: إنّ العرف لا يرى لصاحب الماء حقّا في البلة، بل يرون حقّه منحصرا في عوضه فقط، كما في التلف الحقيقيّ، و من ذلك يعلم الوجه في بقية المسألة.

(24) لأصالة عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير عينا أو منفعة، أو حقا إلا مع إحراز رضاه. و الفحوى هي الأولوية القطعية التي جرت السيرة على صحة الاكتفاء بها فيما يتعلق بالغير، كما إذا أذن في غسل الثوب و إزالة الأوساخ، فيدل إذنه هذا على جواز الوضوء بالفحوى و يصح التصرف باستصحاب الإذن و الرضا أيضا.

فروع- (الأول): الظاهر كفاية الرضاء التقديري بحيث لو التفت المالك لكان راضيا و إن كان فعلا غافلا، لصدق الرضا الواقعي و لكنه خلاف الاحتياط.

ص: 411

مسألة 7: يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار

(مسألة 7): يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار، سواء كانت قنوات أم منشقة من شطّ، و إن لم يعلم رضى المالكين، بل و إن كان فيهم الصغار و المجانين (25). نعم، مع نهيهم يشكل ..

______________________________

و لا فرق في الفحوى و شاهد الحال بين صديق المالك و عدوّه إن حصلا للعدو أيضا.

(الثاني): لو توضأ من الماء المغصوب ثمَّ أجاز المالك هل تنفع الإجازة اللاحقة مع حصول قصد القربة حين الوضوء أم لا؟ وجهان.

(الثالث): لو علم بأنّ زيدا- مثلا- راض بالتصرف في مائه و عمرا لا يرضى، و زعم أنّ الماء الخاص لزيد، و توضأ فبان أنّه لعمرو، فهو من الجهل بالموضوع و يصح وضوؤه.

(الرابع): لو أذن المالك، فتوضأ و بعد الفراغ رجع عن إذنه صح وضوؤه.

(الخامس): لو كان مأذونا في الوضوء و في الأثناء شك في أنّ المالك رجع عن إذنه أو لا يصح له الإتمام، للاستصحاب.

(السادس): لو علم أنّ المالك أذن لشخص و لا يدري أنّه هو أو غيره لا يصح له الوضوء.

(السابع): لو أذن المالك و علم بأنّ إذنه صوريّ لا أن يكون عن رضاء قلبي لا يصح له الوضوء.

(الثامن): لو أذن في الوضوء في ملكه لا يجوز التخلّي فيه، للأصل، و لو كان بالعكس، فالظاهر الجواز، للفحوى. و لو أذن في الوضوء، و كان مواضع وضوئه وسخا لا بد من إحراز الإذن لرفع الوساخة أيضا.

(25) للسيرة القطعية من المتشرعة، بل من العقلاء في مثل هذه التصرفات اليسيرة خصوصا إذا كان التصرف عباديا، كالوضوء و الصلاة و نحوهما.

و أما الاستدلال عليه بما دل على أنّ للمسلمين حقّا في الماء و النار

ص: 412

الجواز (26). و إذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا (27).

و أما للغاصب فلا يجوز، و كذا لأتباعه من زوجته، و أولاده، و ضيوفه، و كلّ من يتصرّف فيها بتبعيته (28). و كذلك الأراضي الوسيعة (29) يجوز الوضوء فيها، كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس و النوم و نحوهما ما لم ينه المالك، و لم يعلم كراهته، بل مع الظنّ أيضا الأحوط الترك (30)، و لكن في بعض أقسامها يمكن أن

______________________________

و الكلاء(1)، و بشاهد الحال، و بالحرج. فمخدوش: لأنّ المراد بحقهم في الثلاثة الحق الاقتضائي، لا الفعلي من كل جهة. و شاهد الحال أخصّ من المدّعى. و لا حرج مع ثبوت البدل للوضوء، مع أنّ الحرج من الامتنانيات التي تشمل المالك و المتوضي، فلا وجه لاختصاصه بالأخير. ثمَّ إنّ المرجع في الأنهار الكبار هو العرف. و مع الشك، فمقتضى الأصل عدم الجواز.

(26) للشك في السيرة حينئذ، إلا أن يقال: إنّه ليس لهم النهي عن مثل هذا التصرف الذي لا يضر بهم أصلا، و لو نهى المالك عن مثله لكان ملوما عند الناس. و بالجملة: اللوم و التوبيخ يتوجهان إلى الناهي لا المتوضي.

(27) للأصل و ظهور السيرة فيهما.

(28) يكفي الشك في الجواز في عدمه، لأنّ المتيقن من السيرة غير الغاصب، بل اللوم و التوبيخ من العقلاء يتوجه إلى الغاصب و من تبعه في تصرفهم في المغصوب. فتأمل. مع أنّ الظاهر تحقق عدم الرضا عن المالك بالنسبة إليهم.

(29) الكلام فيها عين الكلام في الأنهار الكبيرة.

(30) لأنّ المتيقن من السيرة التي هي عمدة الدليل على الجواز غير مورد الظن بالكراهة.

______________________________

ص: 413


1- الوسائل باب: 5 من أبواب إحياء الأموات.

يقال: ليس للمالك النّهي أيضا (31).

مسألة 8: الحياض الواقعة في المساجد، و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها- من اختصاصها بمن يصلّي فيها

(مسألة 8): الحياض الواقعة في المساجد، و المدارس (32) إذا لم يعلم كيفية وقفها- من اختصاصها بمن يصلّي فيها، أو الطلّاب الساكنين فيها، أو عدم اختصاصها- لا يجوز لغيرهم الوضوء منها الا مع جريان العادة بوضوء كلّ من يريد مع عدم منع من أحد، فإنّ ذلك يكشف عن عموم الإذن. و كذا الحال في غير المساجد و المدارس، كالخانات و نحوها.

مسألة 9: إذا شقّ نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق

(مسألة 9): إذا شقّ نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق (33)، و إن كان المكان مباحا أو مملوكا

______________________________

(31) بدعوى تحقق السيرة على التصرف مع النهي، و لكنه مشكل. أو دعوى عدم كون مثل هذه الأمور تفويتا للمنفعة، بل نحو انتفاع لا يضر بالمالك بوجه من الوجوه، كالنظر في مرآته، و الاستشمام من عطره و الاستظلال بجداره، و النظر إلى بستانه المشتمل على المناظر الحسنة مع عدم الاستلزام لمحرم آخر و نحوهما انتفاع بمال الغير، و لا دليل على حرمة مثل هذه الانتفاعات. و أصالة الاحترام في مال الغير إنّما هي بالنسبة إلى العين و المنفعة، لا الانتفاع الذي لا يتضرر به المالك أصلا، و كذا وضع اليد على جداره حين المشي في الشارع العام- مثلا- مع عدم تفويت شي ء عليه و لو شك في كون شي ء من التصرف المحرم أم لا، يشكل إثبات حرمته، لأنّ التمسك بالأدلة اللفظية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و التمسك بأصالة حرمة التصرف في مال الغير لا وجه له، لأنّ المتيقن منها غير هذه الصورة و لكنه مخدوش: إذ مع صدق التصرف عرفا يشمله دليل المنع مطلقا إلا ما خرج بالدليل.

(32) تقدم حكم هذه المسألة في [مسألة 22] من فصل التخلّي.

(33) للأصل بعد عدم ثبوت السيرة حينئذ على التوضؤ بمثل هذا الماء مع أنّه من حيازة الماء بغير إذن مالكه، و لا يجري الاستصحاب من جهة الشك في

ص: 414

له، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق و توضأ في مكان آخر (34)، و إن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة (35).

مسألة 10: إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه

(مسألة 10): إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه و إن لم يغصب الماء- ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقا من الوضوء و الشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال (36)، و إن كان لا يبعد بقاء (37) هذا بالنسبة إلى مكان التغير. و أما بعده فلا إشكال (38).

مسألة 11: إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلّين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر

(مسألة 11): إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلّين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (39) و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثمَّ بدا له أن يصلّي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك، فالظاهر عدم بطلان وضوئه (40)، بل هو معلوم في الصورة الثانية (41).

______________________________

الموضوع، بل العلم بعدمه، لأنّ موضوع الجواز ما كان الماء في محلّه لا ما إذا غيّر عنه.

(34) للشك في جريان سيرة المتشرعة في الأخذ منه، و التوضؤ به.

(35) لأصالة بقاء حقّ الاستعمال ما لم تكن سيرة على الاجتناب.

(36) للشك في ثبوت السيرة حينئذ.

(37) بدعوى استصحاب بقاء حق الجواز.

(38) لثبوت السيرة في الموردين.

(39) لأنّ مقتضى التقييد عدم الصحة بدون الشرط فيكون عاصيا.

و الإشكال عليه: بأنّه دور، فإنّ صحة الصلاة تتوقف على الوضوء، فلو توقفت صحة الوضوء على الصلاة يلزم الدور. (مدفوع): بالاختلاف في جهة التوقف، فإنّ توقف صحة الصلاة على الطهارة شرعي، و توقف صحة الوضوء على الصلاة جعليّ من طرف الواقف، فتختلف جهة التوقف، فلا دور.

(40) لوقوعه صحيحا جامعا للشرائط فتستصحب الصحة مع الشك.

(41) لأنّ اشتراط الصلاة إنّما هو في صورة التمكن منها، كسائر الشرائط

ص: 415

كما أنّه يصح لو توضّأ غفلة، أو باعتقاد عدم الاشتراط (42) و لا يجب عليه أن يصلّي فيه (43) و إن كان أحوط (44)، بل لا يترك في صورة

______________________________

المذكورة في الأوقاف، و مع عدم التمكن منها يسقط التكليف به فيصح الوضوء، و لا فرق في عدم التمكن بين كونه شرعيا أو عقليا أو عرفيا. و الفرق بين هذه الصورة و سابقتها، أنّ في الصورة السابقة، تكون صحة الوضوء لأصالة الصحة، و في هذه الصورة، لأجل الاستظهار من الدليل.

(42) لعدم تنجز النهي عن الوضوء في هاتين الصورتين، فيقع صحيحا لا محالة.

(43) للأصل بعد عدم الدليل عليه.

ثمَّ إنّ اشتراط الصلاة في مثل هذا الوضوء يتصور على وجوه:

الأول: أن يكون بعنوان التقييد الحقيقي، بأن تكون الصلاة كعوض التصرف في الماء بالوضوء فيه، و يجب عليه إتيان الصلاة مطلقا في هذه الصورة، لاشتغال ذمته بها.

الثاني: أن يكون بداعي كثرة وقوع الصلاة في المسجد و ترغيب الناس إلى الصلاة فيه و لم يكن بعنوان التقييد الحقيقي، و الظاهر عدم وجوب الصلاة عليه حينئذ فيه، لفرض عدم كونه من التقييد الحقيقي و عدم دليل على وجوب الإتيان بداعي الواقف ما لم يحرز كونه من القيد الاصطلاحي. و يصح الوضوء أيضا، لثبوت الإذن فيه بالفرض. و لكنه بداع خاص لا مقيدا به. و مع ذلك كله فالجزم بعدم وجوب الصلاة و صحة الوضوء مشكل.

الثالث: الشك في أنّه من أيّ القسمين، و مقتضى الأصل عدم صحة الوضوء الا بقصد الصلاة فيه. و أما وجوب الصلاة بعد ذلك ففيه إشكال، لاحتمال كونه من القسم الثاني، و تقدم الاحتياط فيه.

(44) لاحتمال كون الوقف على النحو الأول.

ص: 416

التوضؤ بقصد الصلاة فيه، و التمكن منها (45).

مسألة 12: إذا كان الماء في الحوض و أرضه و أطرافه مباحا

(مسألة 12): إذا كان الماء في الحوض و أرضه و أطرافه مباحا، و لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء منه مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا (46).

مسألة 13: الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيّا مشكل

(مسألة 13): الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيّا مشكل، بل لا يصح، لأنّ حركات يده تصرف في مال الغير (47).

______________________________

(45) إن أحرز أنّ الوقف على النحو الأول يجب، و الا فقد مر الإشكال في الوجوب.

فروع- (الأول): لو توضأ بقصد الصلاة في المسجد فلم يصلّ فيه بعد ذلك عمدا، فمقتضى الأصل بقاء طهارته ما لم يحدث، و إن اشتغلت ذمته بالصلاة على فرض إحراز كون الشرط من القسم الأول.

(الثاني): لو توضأ بقصد عدم الصلاة فيه و حصل منه قصد القربة ثمَّ صلّى فيه، فالصحة مبنية على كفاية الرضاء الواقعي و عدمها، فعلى الأول يصح دون الثاني، و لا يبعد الكفاية.

(الثالث): يكفي في الصلاة أي صلاة كانت، أدائية أو قضائية، حتّى قضاء مفردة الوتر لو لم تكن قرينة على الخلاف.

(الرابع): المتفاهم من شرط الصلاة هي الصحيحة منها، فلا تجزي الفاسدة.

(الخامس): لو توضأ و صلّى و شك بعد الفراغ في صحة صلاته صح وضوؤه و صلاته. و لو علم ببطلان صلاته و اكتفى بها، فالوضوء صحيح، و الذمة مشغولة بالصلاة إن كان من القسم الأول.

(46) المناط في الحرمة و عدمها صدق التصرف و عدمه. و مع الشك فيه، فالمرجع أصالة الإباحة، كما أنّ المرجع في صدق التصرف هو العرف لا الدقة العقلية، لتنزل الأدلة على المتعارف.

(47) يمكن الإشكال فيه، (أولا): بانصراف أدلة الحرمة عن هذا

ص: 417

مسألة 14: إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل

(مسألة 14): إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي ء مغصوب فهو باطل (48).

مسألة 15: الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفا فيها- كما في حال الحرّ و البرد المحتاج إليها- باطل

(مسألة 15): الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفا فيها- كما في حال الحرّ و البرد المحتاج إليها- باطل (49).

مسألة 16: إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب الى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه

(مسألة 16): إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب الى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه (50).

مسألة 17: إذا اجتمع ماء مباح- كالجاري من المطر في ملك الغير

(مسألة 17): إذا اجتمع ماء مباح- كالجاري من المطر في ملك الغير، إن قصد المالك تملكه كان له (51) و الا كان باقيا على

______________________________

التصرف اليسير الذي لا يعتنى به عند متعارف الناس. (و ثانيا): أنّه إنّما يتحقق فيما إذا اتحد متعلق النهي مع ما هو ذات العبادة أو جزئه. أما إذا كان متعلقه خارجا عنها، فلا وجه للبطلان. و حركات اليد في الغسلات خارجة عن حقيقة الوضوء و إن كانت داخلة فيها في المسح، فعلى هذا لو غسل وجهه و يديه في الفضاء المغصوب و مسح في غيره يصح وضوؤه.

(48) إن صدق التصرف فيه عرفا. و الا فلا وجه للبطلان.

(49) إن عد ذلك عن استيفاء المنفعة من المغصوب. و إلا فلا وجه للبطلان، لما تقدم من أنّ مجرد الانتفاع بمال الغير لا يكون حراما مطلقا ما لم يكن من التصرف و استيفاء المنفعة، و ذلك يختلف باختلاف الحالات و الأغراض بمال الغير إن كانت له مالية عرفية يتعلق بها الغصب، كما يتعلق بالعين و المنفعة.

(50) لأنّ حرمة التصرف في مثل هذا الماء كانت بملاحظة المكان.

و المفروض إباحة المكان فعلا، فالحرمة كانت من باب الوصف بحال المتعلق و قد زال. و كذا الكلام في كل ما إذا أفرغ الماء المباح في محل مباح بآلة غصبية من المكائن و غيرها، سواء كان المحل الأول مباحا أم كان مغصوبا.

(51) لتحقق الحيازة، فتشمله الأدلة الدالة على التملك بالحيازة من

ص: 418

إباحته (52)، فلو أخذه غيره و تملكه ملك الا أنّه عصى من حيث التصرف في ملك الغير. و كذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد و ما أطارته الريح من النباتات.

مسألة 18: إذا دخل المكان الغصبيّ غفلة، و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته

(مسألة 18): إذا دخل المكان الغصبيّ غفلة، و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحته، لعدم حرمته (53) حينئذ و كذا إذا دخل عصيانا ثمَّ تاب و خرج بقصد التخلص (54) من الغصب و إن لم يتب و لم يكن بقصد التخلص (55)، ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال (56).

______________________________

الإجماع و السيرة على ما يأتي من التفصيل.

(52) بناء على أنّ حيازة المباحات لا تتحقق إلا بقصدها. و أما إذا تحققت بمطلق الدخول فيما هو ملك الحائز و لو لم يكن قاصدا للحيازة، فيصير ملكا له في هذه الصورة أيضا و يأتي التفصيل في محله إن شاء الله تعالى.

(53) للضرورة و الاضطرار الرافعين للتكليف، هذا إذا لم يكن التصرف الوضوئي زائدا على التصرف الخروجي. و الا فالظاهر البطلان.

(54) لأنّ التوبة أسقطت الذنب السابق، فلا وجه لأن يكون الخروج منهيّا عنه بالنهي السابق، و لا بالنهي الفعلي الحادث لمكان الاضطرار فيصح الوضوء لا محالة. و ما يقال: من إمكان وجود ملاك النهي فيه فهو مبغوض ملاكا و إن لم يكن منهيا عنه. مخدوش: بأنّه مع عدم إمكان تصوير الخطاب لا وجه لإحراز الملاك، لأنّ طريق إحرازه إما بالخطاب أو وجود دليل آخر عليه، و كلاهما منتفيان في المقام.

(55) قصد التخلص لا أثر له بعد تحقق التوبة و ذهاب الذنب. نعم، هو من ترتيب الأثر على توبته.

(56) لأنّ الحكم الإلزامي الشرعيّ- وجوبا كان أو حرمة- بالنسبة إلى الخروج غير ممكن. أما الأول فلحكم العقل بلا بدية الخروج، فلا يكون حكم

ص: 419

مسألة 19: إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح

(مسألة 19): إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح، فإن أمكن رده إلى مالكه. و كان قابلا لذلك لم يجز التصرف في ذلك الحوض. و إن لم يمكن رده، يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه، لأنّ المغصوب محسوب تالفا. لكنّه مشكل (57) من دون رضاء مالكه.

______________________________

الشرع إلا إرشادا إليه. و أما الثاني فلأنّه لا وجه للحرمة مع الاضطرار إلى الخروج. و ما اشتهر من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار إنّما هو بالنسبة إلى العقاب لا الخطاب الفعلي، فيبقى الكلام في أنّ مثل هذه المبغوضية التي لا يمكن فعلية النهي بالنسبة إليها توجب بطلان العبادة أو لا. و الظاهر أنّ الالتفات الى هذا النحو من المبغوضية أيضا مانع عن التقرب بالعبادة، لتمامية ملاك المبغوضية، و عدم فعلية النهي من الشارع إنّما هو لأجل وجود المقتضي للنهي.

(57) وجه الإشكال أنّه من الاختلاط عرفا، لا أن يكون من التلف و لا يجوز التصرف فيما هو مختلط بمال الغير و متعلق حقه و لو كان قليلا، الا أن يكون مثل قطرة من الماء العذب في حوض من الماء المالح، فإنّ الظاهر صدق التلف حينئذ.

فروع- (الأول): إذا وقعت قطرة من مائع آخر مغصوب غير الماء في حوض من الماء، فالظاهر كونه من التلف، فيجوز الوضوء بمائة.

(الثاني): إذا كان الدوش غصبيا و كان الماء مباحا يصح الوضوء بما يتقاطر منه.

(الثالث): إذا وقع مقدار من التراب الغصبي في الماء و استهلك بحيث لم يبق أثر منه في الماء يصح الوضوء به.

(الرابع): إذا كان الماء مباحا و توضأ به في الفضاء الغصبي- مثلا- ثمَّ خرج منه و كان الماء على محال وضوئه باقيا بقدر الكفاية، يصح استئناف الوضوء بما بقي من الماء على أعضاء وضوئه.

(الخامس): إذا ورد على شخص و لم يعلم أنّ ماءه أو مكانه، أو فضاء محله غصبيّ أو لا، يحكم بالإباحة و عدم الغصب، لظاهر اليد و لا يجب

ص: 420

الخامس 58: أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة و الا بطل

اشارة

(الخامس) (58): أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة و الا بطل، سواء اغترف منه أم أداره على أعضائه، و سواء انحصر فيه أم لا. و مع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه في ظرف آخر و يتوضّأ به، و إن لم يمكن التفريغ الا بالتوضؤ يجوز ذلك (59)، حيث إنّ التفريغ واجب. و لو توضّأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة، صح، كما في الآنية الغصبية (60). و المشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه، كما يجوز سائر استعمالاته (61).

مسألة 20: إذا توضّأ من آنية باعتقاد غصبيتها

(مسألة 20): إذا توضّأ من آنية باعتقاد غصبيتها، أو كونها من الذهب أو الفضة، ثمَّ تبيّن عدم كونها كذلك، ففي صحة الوضوء إشكال (62)، و لا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة.

______________________________

الفحص، للأصل، بل قد يحرم إن ترتب عليه المفسدة.

(58) الكلام في هذا الشرط عين الكلام في الشرط السابق، بلا فرق بينهما أبدا، فيجري فيه جميع ما تقدم في سابقة و في فصل الأواني.

(59) إما لأجل أنّ انطباق عنوان التفريغ على الوضوء يخرجه عن عنوان الاستعمال، فلا تشمله الأدلة الدالة على حرمة استعمالها. أو لأجل وقوع التزاحم بين التوضؤ و حرمة الاستعمال، و هذا النحو من الوضوء أقوى ملاكا منها. أو لأجل أنّ المراد بحرمة استعمالها الاستعمالات التي شاعت عند أبناء الدنيا، فلا يشمل التوضؤ. و الكل ظاهر الخدشة كما لا يخفى و قد تقدم منه رحمه الله تقوية البطلان في [مسألة 14] من (فصل الأواني).

(60) لسقوط النهي عن الفعلية لأجل العذر، فالمقتضي لصحة الوضوء- و هو المحبوبية- موجود، و المانع مفقود، فيصح لا محالة.

(61) لأصالة البراءة بعد الشك في الموضوع.

(62) منشأ الإشكال انطباق عنوان الطغيان و التجري على الوضوء، فيصير مبغوضا و يكون باطلا، و إن حصل قصد القربة، و مع عدمه، أو الشك في

ص: 421

السادس: أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث

(السادس): أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث (63) و لو كان طاهرا، مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدمة- و لا فرق بين الوضوء الواجب و المستحب على الأقوى (64) حتّى مثل وضوء الحائض (65).

و أما المستعمل في رفع الحدث الأصغر، فلا إشكال في جواز التوضؤ منه (66) و الأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر، و إن كان الأحوط تركه (67) مع وجود ماء آخر. و أما المستعمل في الأغسال المندوبة، فلا إشكال فيه أيضا (68).

و المراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان (69) و أما ما ينصب من اليد أو الظروف

______________________________

الانطباق يصح إن حصل قصد القربة، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الحالات و الأشخاص.

(63) تقدم ما يتعلق بهذا الشرط في الماء المستعمل.

(64) للإطلاق الشامل لهما، و لقاعدة إلحاق مندوب كلّ شي ء بواجبه الا ما خرج بالدليل.

(65) لشمول إطلاق الدليل له أيضا و لا مانع في البين الا دعوى الانصراف عنه، و هو بدويّ لا اعتبار به.

(66) نصّا و إجماعا كما تقدم (1).

(67) تقدم وجهه في فصل الماء المستعمل (2).

(68) لعموم مطهّرية الماء و إطلاق ما يدل عليه (3).

(69) لأنّه المتفاهم من المستعمل عرفا و هو المراد من كلمات الفقهاء أيضا.

______________________________

ص: 422


1- تقدم في ج 1 صفحة: 256 و ما بعده.
2- تقدم في ج 1 صفحة: 256 و ما بعده.
3- تقدم في صفحة: 6.

حين الاغتراف، أو حين إرادة الإجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل (70)، و كذا ما يبقى في الإناء (71) و كذا القطرات الواقعة في الإناء و لو من البدن (72) و لو توضّأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل (73) و لو توضّأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة (74).

السابع: أن لا يكون مانع من استعمال الماء، من مرض أو خوف، أو عطش، أو نحو ذلك

(السابع): أن لا يكون مانع من استعمال الماء، من مرض أو خوف، أو عطش، أو نحو ذلك، و إلا فهو مأمور بالتيمم (75) و لو توضّأ و الحال هذه بطل (76).

______________________________

(70) للأصل بعد كون المراد بالمستعمل ما يستعمل في غسل البدن و ينفصل عنه، لا ما ينفصل من الماء قبل وصوله إلى البدن، سواء كان قبل الشروع في أصل الغسل أم حين الغسل مع عدم وصول الماء إلى البدن.

(71) لأنّ المستعمل، الماء الذي به يغتسل عن الجنابة- مثلا- لا ما يغتسل عنه.

(72) ما يقع عن البدن على قسمين- (الأول): ما يقع بعد استعماله في البدن و هو من المستعمل قطعا. (الثاني): ما يطفر منه حين صب الماء عليه، و هو ليس بمستعمل و مع الشك فيه، فمقتضى الأصل عدم كونه منه.

(73) لأنّ مقتضى الأصل في كلّ شرط أن يكون واقعيا إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف.

(74) لأنّ أصل الحكم بالاجتناب كان احتياطيا و كذا في فروعه و الاحتياط هنا تابع للاحتياط هناك وجوبا أو ندبا.

(75) نصّا و إجماعا، و يأتي التعرض لهما في الخامس من مسوغات التيمم.

(76) البحث في البطلان تارة: بحسب الاستظهار من الأدلة. و أخرى بحسب العرف. و ثالثة بحسب كلمات الفقهاء.

ص: 423

و لو كان جاهلا بالضرر صح (77) و إن كان متحققا في الواقع

______________________________

أما (الأول): فلا ريب في سقوط فعلية وجوب الطهارة المائية في جميع موارد مسوغات التيمم، و إنّما الكلام في سقوط الملاك و عدمه و مقتضى عدم ثبوت طريق لنا لإحراز بقائه سقوطه أيضا، لأنّ طريق الإحراز إما الخطاب، أو الاستصحاب، أو دليل آخر، و الأول: مفروض السقوط. و الأخير: مفروض الانتفاء. و الثاني: من الشك في أصل الموضوع، فلا وجه لجريان الاستصحاب، لاحتمال أن تكون الملاكات ما دامية، أي: ما دامت فعلية الخطاب لا أن يكون مطلقا و دائميا. و هذا الاحتمال يوجب الشك في أصل الملاك، فلا وجه للإتيان لا بداعي الخطاب لسقوطه، و لا الملاك لعدم إحرازه.

أما الثاني فقد نرى في القوانين العرفية أنّه إذا سقطت فعلية القانون لمصلحة في ذلك يرون الناس أنّه سقط بملاكه و خطابه معا، و لا يرون اختصاص السقوط بخصوص الخطاب فقط، بل لو أتى أحد بالقانون الساقط خطابا بداعي الملاك ربما يستهجن و يوبخ عليه. مع أنّ ملاكات الأحكام ليست من الحقائق العينية، و لا الأعراض الخارجية و إنّما هي من قبيل ملازمات اعتبارية للأحكام الفعلية الإلهية، فإذا سقط أحد المتلازمين سقط لازمه عن صلاحية الداعوية.

نعم، يصح فرض اعتباره على نحو التعليق بأن يقال: لو كان الحكم فعليا، لكان ملاكه صالحا للداعوية و لكنه أعمّ من صلاحيته للداعوية الفعلية للشك في أصل وجوده، فيكون من قبيل التشريع حينئذ.

و أما الأخير، فليس في البين إجماع يعوّل عليه في بقاء الملاك و لم يستند القائل به بدليل معتبر، و النزاع بينهم صغرويّ. فمن يقول بالصحة يقول ببقاء الملاك، و من يقول بالعدم يقول بعدمه، فالمسألة اجتهادية لا أن تكون اتفاقية، فلا وجه لما يقال: من أنّ سقوط الخطاب في موارد الحرج إنّما هو للتسهيل و هو يحصل بسقوط الإلزام فقط. فإنّ البحث في أنّه هل يكون الملاك ما داميا أو مطلقا و دائميّا؟ و المعلوم هو الأول، و إثبات الثاني يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(77) لأنّ عمدة المناط في زوال الحكم و الملاك في مورد الضرر في

ص: 424

و الأحوط الإعادة، أو التيمم (78).

الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته

اشارة

(الثامن): أن يكون الوقت واسعا للوضوء و الصلاة، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته و لو ركعة منها خارج الوقت (79) و الا وجب التيمم. الا أن يكون التيمم أيضا كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر إذ حينئذ يتعيّن الوضوء (80). و لو توضّأ في الصورة الأولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على

______________________________

الجملة تحقق الخوف، و لا يتحقق ذلك مع الجهل، فالتكليف باق بملاكه و خطابه، هذا في الضرر اليسير الذي يزول عادة. و أما إن كان كثيرا، فإن قلنا ببقاء الملاك، فيصح أيضا بداعي الملاك و إن قلنا بسقوطه كما تقدم فلا وجه للصحة.

إن قلت: ما ذكرته في الضرر اليسير من أنّ المناط هو الخوف و هو غير متحقق مع الجهل يجري هنا أيضا.

(قلت): التضرر بالنفس و الإلقاء في الضرر الواقعي مبغوض شرعا إن كان الضرر مما يهتم به عند متعارف الناس، فالمدار فيه على نفس الضرر الواقعي، و لا موضوعية للخوف في مثله. و يأتي في [مسألة 18] و ما بعدها من فصل التيمم ما ينفع المقام.

(78) ظهر مما تقدم وجوب الإعادة أو التيمم في الضرر الكثير و الاحتياط بأحدهما إنّما هو في الضرر اليسير الزائل.

(79) لأهمية درك الوقت من الطهارة المائية. و دليل: «من أدرك ركعة من الوقت»(1) في الفوات لا التفويت خصوصا بمثل الطهارة المائية التي جعل الشارع لها البدل.

(80) لعدم مسوغ للتيمم حينئذ لفوات الوقت على كل تقدير، فلا موضوع

______________________________

ص: 425


1- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت.

نحو التقييد (81).

نعم، لو توضّأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح (82). و كذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد (83).

مسألة 21: في صورة كون استعمال الماء مضرّا لو صبّ الماء على ذلك المحلّ

(مسألة 21): في صورة كون استعمال الماء مضرّا لو صبّ الماء على ذلك المحلّ الذي يتضرّر به و وقع في الضرر، ثمَّ توضّأ، صح إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته (84)، لكنّه عصى بفعله الأول (85).

______________________________

للأمر بالبدل مع التمكن من المبدل بمقدار ما يستغرق من الوقت فيهما.

(81) إذ لا أمر بالوضوء لهذه الصلاة التي ضاق وقتها، فلا موضوع لقصده.

(82) لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده.

(83) إن كان مراده داعوية الأمر بالوضوء للصلاة التي ضاق وقتها، فلا وجه له، إذ لا أمر في البين حتّى يصلح للداعوية. و إن كان مراده الخطأ في التطبيق، فيصح و لا إشكال فيه.

(84) لفرض حصول الضرر قبل الوضوء و عدم حصوله به، و كذا لو توضأ ارتماسا و تضرر بإدخال يده- مثلا- في الماء و قصد الوضوء بالإمساك أو الإخراج.

(85) لحرمة الإضرار بالنفس.

فرع: للإضرار بالنفس مراتب متفاوتة:

منها: الضرر الباقي أثره في الجملة إلى آخر العمر.

و منها: ما يبقى أثره إلى زمان معتدّ به، و لا ريب في حرمتهما و بطلان الوضوء معهما.

و منها: ما يعرض و يزول بسرعة مع العلاج و هو حرام أيضا.

و منها: ما يعرض و يزول بسرعة بلا علاج و في كونه من الضرر المحرّم الموجب للانتقال إلى الطهارة الترابية إشكال.

ص: 426

التاسع: المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار

اشارة

(التاسع): المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار، فلو باشرها الغير، أو أعانه في الغسل، أو المسح بطل (86). و أما

______________________________

(86) لظهور الأدلة و الإجماع في اعتبار المباشرة حينئذ، فلا مورد بعد ذلك للتمسك بما دل على مشروعية كفاية صحة الانتساب، و لو بالتسبيب لأنّ الإجماع و ظواهر أدلة المقام حاكمان عليه، على فرض صحة ذلك بنحو الإطلاق، مع أنّ في ثبوت إطلاقه منعا، و بعد ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة يكون مقتضى قاعدة الاشتغال أيضا عدم فراغ الذمة إلا بها.

فائدة: تقدم في خبري الوشاء، و العلل (1) أنّ الاستعانة في الوضوء من الشرك في العبادة و لا يخفى أنّ للشرك مراتب كثيرة جدّا. قال تعالى وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (2).

فمنها: الشرك في الذات بأن يعتقد بمبدأين.

و منها: الشرك في العبادة كما في قوله تعالى ما نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى (3).

و منها: الرياء، فإنّه شرك في العبادة أيضا للأخبار المصرّحة بذلك (4).

و منها: مطلق إطاعة الشيطان قال الصادق عليه السلام: «المعاصي التي يرتكبون شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا باللّه في الطاعة لغيره» (5).

و منها: الشرك في قدرته تعالى، فعن الصادق عليه السلام: «الرجل يقول لو لا فلان لهلكت، و لو لا فلان ما أصبت كذا و كذا، و لو لا فلان لضاع عيالي، ألا ترى أنّه قد جعل للّه شريكا في ملكه» (6).

______________________________

ص: 427


1- تقدم في صفحة: 310.
2- يوسف آية: 106.
3- الزمر آية: 3.
4- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات.
5- تفسير القمي ج: 1 ص: 358 طبعة النجف.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.

المقدّمات للأفعال فهي أقسام:

(أحدها): المقدّمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه، أو نحو ذلك. و هذه لا مانع من تصدّي الغير لها (87).

(الثاني): المقدّمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه، و في هذه يكره مباشرة الغير (88).

(الثالث): مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لإجرائه و غسل أعضائه. و في هذه الصورة و إن كان لا يخلو تصدّي الغير عن إشكال (85) الا أنّ الظاهر صحته (90)، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله، أو أعانه على المباشرة بأن يكون الإجراء و الغسل منهما معا.

______________________________

و منها: الاستعانة بالغير في مقدمات العبادة مع التمكن من إتيانها بنفسه على ما مرّ في مكروهات الوضوء و ليست هي من الشرك في أصل العبادة حتّى تكون محرّمة و موجبة للبطلان، بل هي تشريك الغير في العمل الذي ينبغي أن يأتي به العامل مباشرة ليزيد أجره و ثوابه و هو جائز و إن كان مرجوحا.

و منها: غير ذلك مما يأتي التعرض له في الموارد المناسبة له إن شاء الله تعالى.

ثمَّ إنّ المراد بالحرمة في المقام الوضعية- أي البطلان- دون التكليفية و تقدم في أول مكروهات الوضوء ما ينفع المقام.

(87) للأصل و السيرة.

(88) تقدم في أول فصل مكروهات الوضوء (1).

(89) لفوات بعض مراتب المباشرة فيه أيضا.

(90) لأنّ المراد بالمباشرة الواجبة صدق مباشرة الغسلات و المسحات

______________________________

ص: 428


1- راجع صفحة: 310.
مسألة 22: إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه

(مسألة 22): إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه، فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح. و لا ينافي وجوب المباشرة، بل يمكن أن يقال: إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد، و جعل هو يده أو وجهه تحته، صح أيضا و لا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضا (91).

مسألة 23: إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب

(مسألة 23): إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب (92) و إن توقف على الأجرة (93)، فيغسل الغير أعضاءه و ينوي هو

______________________________

الوضوئية، و صحة انتسابها إلى نفس المتوضي و هو حاصل. نعم الظاهر أنّ الكراهة فيه أشد من القسم الأول.

(91) لأنّ إعانة الغير و الاستعانة إما قصدية، أو انطباقيّة قهريّة، و المفروض انتفاء صدقهما في المقام، و يشهد لعدم الكراهة في الفرعين إطلاق ما ورد من الوضوء تحت المطر بعد إلقاء خصوصية المورد (1).

(92) للإجماع و ارتكاز المتشرعة، و قاعدة الميسور، و صحيح ابن خالد عن الصادق عليه السلام:

«إنّه عليه السلام كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، قال عليه السلام: فدعوت الغلمة، فقلت لهم: احملوني، فاغسلوني، فحملوني، و وضعوني على خشبات، ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني» (2).

و لا ظهور في إصابة الجنابة في الاحتلام حتّى يرد الصحيح بما دل على أنّ الإمام عليه السلام لا يحتلم، بل هي أعمّ منه، كما هو واضح، و لا تعارض بينه و بين صحيح ابن مسلم:

«أنّه عليه السلام اضطر إلى الغسل و هو مريض فأتوا به مسخنا فاغتسل،

______________________________

ص: 429


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب الوضوء حديث: 1.

الوضوء (94)، و لو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده و يصبّ الماء فيها و يجريه بها هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك (95). و إن كان الأقوى عدم وجوبه لأنّ مناط المباشرة في الإجراء، و اليد آلة و المفروض أنّ فعل الإجراء من النائب.

نعم، في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب (96) فيأخذ يده، و يمسح بها رأسه و رجليه، و إن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة

______________________________

و قال عليه السلام: «لا بد من الغسل»(1).

لأنّ الأخير ظاهر في المباشرة، و الأول نص في الاستنابة، فيطرح ظاهر الأخير بنص الأول، و لا فرق بين الغسل و الوضوء في هذه الجهة اتفاقا.

(93) لظهور الإجماع على عدم الفرق بينهما، و تقتضيه قاعدة المقدمية و ما ورد في شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته(2).

(94) لأنّه المكلّف بالطهارة و هو المتقرب بفعله و يحصل له الثواب، و الغير كالآلة المحضة.

(95) أما الاحتياط فلاحتمال جريان قاعدة الميسور فيه. و لكنّه مشكل لما يذكره في المتن. و أما كون اليد آلة، فلأنّ المدار في الوضوء و الغسل على جريان الماء و استيلائه على المحلّ بأيّ وجه اتفق باليد أو بغيرها بالارتماس أو غيره، فإذ كان الإجراء واجبا من النائب فأيّ أثر لوضع الماء في يد المنوب عنه التي لا حكم لها الا كونها آلة محضة. و لا وجه لاستفادة الوجوب من قاعدة الميسور في مثله، لعدّ الأدلة أجنبية عن نفس العمل.

(96) لتوجه التكليف إلى المنوب عنه دون النائب، و المفروض تمكنه من الإتيان و لو بواسطة الغير.

______________________________

ص: 430


1- الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم.

التي في يده و يمسح بها (97). و لو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض، بعّض.

العاشر: الترتيب

(العاشر): الترتيب بتقديم الوجه ثمَّ اليد اليمنى، ثمَّ اليد اليسرى، ثمَّ مسح الرأس، ثمَّ الرجلين (98) و لا يجب الترتيب بين

______________________________

(97) لأنّ سقوط المسح بيد المنوب عنه من جهة القدرة لا يستلزم سقوطه بالرطوبة الباقية، فيأخذها النائب و يمسح بها، لأنّ يده حينئذ كيد المنوب عنه، فتشمله الأدلة، مضافا إلى قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء. و منه يظهر أنّ الوجه في التبعيض مع التمكن من المباشرة في بعض دون بعض إنّما هو قاعدة الميسور أيضا.

(98) نصّا و إجماعا قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «تابع بين الوضوء، كما قال الله تعالى ابدا بالوجه، ثمَّ باليدين، ثمَّ امسح الرأس و الرجلين، و لا تقدمنّ شيئا بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه، و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل، ثمَّ أعد على الرجل- الحديث» (1).

فروع- (الأول): الوضوء الذي لزمت فيه الاستنابة لو عرض فيه خلل من حيث بقاء الحدث أو الطهارة يكون المناط شك المنوب عنه و يقينه لا النائب، لأنّه المتطهر و المحدث.

(الثاني): لو شك النائب في أثناء غسل بعض الأجزاء، أو بعد الفراغ يمكن أن يكون المناط على شكه، لتعلق أحكام هذا الشك بمن يصدر منه أفعال الوضوء و هو النائب، و لكنه خلاف الاحتياط.

(الثالث): لو وضّأ الأجنبي الأجنبية، أو بالعكس، فبالنسبة إلى المسح باطل، لتعلق النهي به. و أما بالنسبة إلى الغسلات، فيمكن التصحيح، لأنّ

______________________________

ص: 431


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الوضوء حديث: 1.

أجزاء كلّ عضو (98). نعم، يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مرّ.

و لو أخلّ بالترتيب و لو جهلا أو نسيانا بطل (99) إذا تذكر بعد الفراغ و فوات الموالاة (100). و كذا إن تذكر في الأثناء لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه (101)، و إن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب (102). و لا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء

______________________________

النهي تعلق بما هو خارج، إذ العبادة إنّما هي استيلاء الماء. و إمرار اليد خارج عنه، كما مر.

(98) لإطلاقات الأدلة، مضافا إلى ظهور الاتفاق، فيجوز غسل طرف الأيسر- مثلا- من الوجه قبل الأيمن، و بالعكس، كما يجوز غسل ظهر اليد أولا، ثمَّ بطنها، و بالعكس.

(99) لأنّ مقتضى الشرطية أن يكون الشرط واقعيا إلا إذا دل دليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام.

(100) لعدم إمكان تحصيل الترتيب حينئذ. و يأتي في [مسألة 26] أنّ الموالاة شرط واقعيّ يبطل الوضوء بفقدها.

(101) لعدم إمكان قصد التقرب حينئذ. نعم، لو كان جاهلا، و حصل منه قصد القربة، يصح المقدار الذي أتاه مرتبا، و يبطل ما خالف فيه الترتيب فيعيده فقط مع بقاء الموالاة.

(102) على المشهور، فلو غسل شماله قبل يمينه، ثمَّ غسل يمينه، يكفي إعادة غسل شماله فقط، و لا يحتاج إلى إعادة غسل يمينه ثانيا، لوجود المقتضي لصحة غسل اليمين و فقد المانع، فيجزي قهرا. و عن الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور: «إذا بدأت بيسارك قبل يمينك، و مسحت رأسك و رجليك، ثمَّ استيقنت بعد أنّك بدأت بها غسلت يسارك، ثمَّ مسحت

ص: 432

الترتيبي و الارتماسي (103).

الحادي عشر: الموالاة

اشارة

(الحادي عشر): الموالاة (104)، بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فلو جفّ تمام ما سبق بطل (105). بل

______________________________

رأسك و رجليك» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» (2). و لكن يظهر من بعض الأخبار لزوم إعادتهما معا، كصحيح ابن منصور (3): «في الرجل يتوضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين. قال عليه السلام: يغسل اليمين و يعيد اليسار»، و عن أبي جعفر عليه السلام فيمن غسل يساره قبل يمينه. قال عليه السلام: «يعيد الوضوء من حيث أخطأ» (4)، و في موثق أبي بصير: «فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثمَّ اغسل اليسار» (5).

و الحمل على الندب من أسهل طرق الجمع في مثل هذا القسم من التعارض.

(103) لإطلاق الدليل الشامل لهما.

(104) نصّا و إجماعا، كما يأتي.

(105) على المشهور، لأنّ الوضوء، و إن كان مركبا من أجزاء، و لكن له وحدة اعتبارية و هيئة اتصالية، كما أنّ الصلاة أيضا كذلك، و هي معتبرة في العمل كاعتبار أجزائه و شرائطه و يدل عليه انسباقها من الإطلاقات مضافا إلى أدلة خاصة يأتي بعضها. و لا ريب في أنّ تلك الوحدة الاعتبارية و الهيئة الاتصالية تارة تتحقق في الخارج بنظر المتشرعة، و يصدق التتابع لديهم حقيقة، فلا وجه لتحديد الشارع فيها حينئذ، لأنّ تحديده طريق لإحراز تحققه و المفروض تحققها عرفا و صدقها حقيقة. و أخرى: يشك في تحققها، و هو أمر عام البلوى قابل للاختلاف بحسب العوارض و الحالات، فلا بد للشارع في مثله من التحديد بحد

______________________________

ص: 433


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 14.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 6.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 15.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 8.

.....

______________________________

خاص يكون هو المرجع عند الجميع، كما هو شأنه في جميع الموارد القابلة للتشكيك- كالكر، و المسافة، و أقلّ الحيض و أكثره و غيرها مما هو كثير جدّا- و قد حدّده الشارع بعدم الجفاف.

و الأخبار الواردة في المقام قسمان:

(الأول): قول أبي عبد الله عليه السلام في خبر الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه بعضا» (1).

الظاهر في الصحة كل ما صدقت المتابعة العرفية، و تحقق عنوان متابعة بعض الوضوء مع البعض عرفا. و إطلاقه يشمل كفاية المتابعة العرفية و لو حصل الجفاف لحر الهواء و نحوه.

(الثاني): قوله عليه السلام في موثق أبي بصير: «إذا توضأت بعض وضوئك، و عرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك، فأعد وضوءك فإنّ الوضوء لا يتبعض» (2)، و صحيح ابن عمار: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ فيجف وضوئي. فقال:

أعد» (3).

الظاهر في أنّ آخر حد انقطاع الموالاة بعد فقدان المتابعة العرفية إنّما هو جفاف الوضوء، و أنّ الموالاة أعم من متابعة الفعل اللاحق بالفعل السابق عرفا و من لحوق الفعل اللاحق بأثر الفعل السابق و عدم انقطاعه عن أثره، فالموالاة:

تارة: فعلية. و أخرى: شرعية، و يشهد لذلك العرف أيضا، فإنّ الفعل السابق ما بقي أثره كأنّه لم ينعدم و بمنزلة الباقي عند العرف. ثمَّ إنّ في تعليق الإعادة في الموثق و الصحيح على اليبس و الجفاف و عدم التعرض لشي ء آخر دلالة على أنّه لا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار، فالجفاف الحاصل من الفصل بين أفعال الوضوء يوجب البطلان، سواء كان منشأه اختياريا أو اضطراريا ما لم تتحقق المتابعة العرفية.

______________________________

ص: 434


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الوضوء حديث: 9.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الوضوء حديث: 3.

لو جفّ العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه، الأحوط الاستئناف (106)، و إن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق.

و اعتبار عدم الجفاف إنّما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء أو طول الزمان. و أما إذا تابع في الأفعال و حصل الجفاف من جهة حرارة بدنه، أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان (107)، فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين: من التتابع العرفي، و عدم الجفاف (108).

و ذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع، و إن كان لا يبطل الوضوء (109) بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم

______________________________

(106) لاحتمال أن يكون المراد بقوله عليه السلام في الموثق: «حتّى يبس وضوؤك» يبس ماء العضو السابق، لا يبس ماء تمام الأعضاء. و لكنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر منه يبس تمام الأعضاء، و لذا قال عليه السلام: «يبس وضوؤك» و مع يبس العضو السابق فقط دون بقية الأعضاء، لا يصدق يبس الوضوء بقول مطلق. و مع الشك فالمرجع استصحاب الصحة، كما في الشك في انقطاع الموالاة في الصلاة.

(107) لأنّه لا موضوعية لنفس الجفاف من حيث هو في البطلان و إنّما هو طريق لفوت الموالاة، و المفروض تحقق الموالاة، فلا أثر للجفاف حينئذ.

(108) قد تقدم وجهه.

(109) نسب هذا القول إلى جمع، منهم السيد، و الشيخ رحمه الله، فذهبوا إلى وجوب المتابعة العرفية نفسيا، تمسكا بظاهر قول الصادق عليه السلام في خبر الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه بعضا» و نحوه غيره، فيصح الوضوء مع عدم الجفاف و ترك المتابعة العرفية و إن أثم بتركها. و فيه: أنّ المنساق من مثل هذه التعبيرات، الإرشاد إلى الشرطية. و عن صاحب الجواهر في بعض كلماته:

«إنّ الأصل في الأوامر المتعلقة بالمركبات، الغيرية إلا ما خرج بالدليل». و هو كلام حسن.

ص: 435

الجفاف. ثمَّ إنّه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق، بل يكفي بقاؤها في الجملة و لو في بعض أجزاء ذلك العضو (110).

مسألة 24: إذا توضّأ و شرع في الصلاة ثمَّ تذكر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته

(مسألة 24): إذا توضّأ و شرع في الصلاة ثمَّ تذكر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته و وضوؤه أيضا إذا لم تبق الرطوبة في أعضائه، و الا أخذها و مسح بها، و استأنف الصلاة (111).

مسألة 25: إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثمَّ أتى بالمسحات لا بأس

(مسألة 25): إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثمَّ أتى بالمسحات لا بأس، و كذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي و يجوز التوضؤ ماشيا (112).

مسألة 26: إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه

(مسألة 26): إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه مع فرض عدم التتابع العرفي أيضا. و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمَّ تبيّن الخلاف (113).

______________________________

(110) لما تقدم من ظهور النص في جفاف تمام الوضوء مطلقا، فيكفي في الصحة بقاء الرطوبة، و لو في بعض أعضائه، لأنّه يصدق حينئذ عدم جفاف الوضوء.

(111) أما بطلان الوضوء في الأول، فلعدم المسح، و عدم إمكان الإتيان لجفاف الرطوبة، فتبطل الصلاة قهرا لفقد الطهور فيها. و أما الصحة في الثاني، فلإمكان تصحيح الوضوء، فيمسح، و يستأنف الصلاة مع الطهور ثانيا.

(112) كل ذلك لإطلاقات الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار السكون و الوقوف في الوضوء، و لعدم منافاة المشي للموالاة المعتبرة فيه. مضافا إلى ظهور الاتفاق على الصحة. نعم، جعل في ذخيرة العبادة من مندوبات الوضوء الجلوس مستقبل القبلة، و قرره جميع المعلقين، فلو كان ترك المندوب مكروها لكان في حال المشي مكروها.

(113) لأنّ الموالاة شرط واقعيّ، و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه واقعا، علم المكلف بذلك أم لا.

ص: 436

مسألة 27: إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية

(مسألة 27): إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية، أو الأطراف الخارجة عن الحدّ، ففي كفايتها إشكال (114).

الثاني عشر: النية

اشارة

(الثاني عشر): النية، و هي القصد إلى الفعل (115) مع كون

______________________________

(114) لاحتمال انصراف الأدلة عنها احتمالا صحيحا.

فروع- (الأول): لو شك في بقاء الموالاة و عدمه يبني على البقاء، للاستصحاب.

(الثاني): لو توضأ و صلّى و بعد الفراغ علم بفقد الموالاة. إما في وضوئه، أو صلاته، يعيد صلاته، و يصح وضوؤه، و إن كان الأحوط إعادة الوضوء أيضا.

(الثالث): لو شك بعد الفراغ من الوضوء في الموالاة يصح وضوؤه و لا شي ء عليه.

(الرابع): لا يعتبر في الموالاة قصد القربة، فلو قصد القربة في أصل الوضوء، و توالى في أفعاله لبرد أو نحوه، يصح وضوؤه و لا شي ء عليه.

(الخامس): بقاء الرطوبة المانعة عن فقد الموالاة ما كان بحسب المتعارف، فلو بقيت الرطوبة إلى ساعة أو ساعتين- مثلا- لرطوبة الهواء لا اعتبار بها، و حينئذ يكون المناط على المتابعة العرفية.

(115) القصد و الإرادة و الاختيار معتبرة في كل فعل اختياري بفطرة الإنسان بل الحيوان، إذ كل فعل اختياري متقوّم به تكوينا، و لا معنى لإيجاب الشارع في مثله إلا الإرشاد إلى الفطرة، كما لا ينبغي للفقيه التعرض له أيضا. و الإيكال إلى فطرة الأنام أحسن من بسط الكلام، كيف و قد ارتكز في أذهان العوام: أنّه لو كلف الله تعالى عباده بعمل بلا إرادة و اختيار، لكان من التكليف بالمحال، و يجل عن ذلك الحكيم المتعال. كما أنّ البحث في أنّه شرط للفعل الاختياري، أو جزء منه، أو برزخ بينهما لا ثمرة عملية فيه، بل و لا علمية خصوصا بعد ما استقر

ص: 437

الدّاعي أمر الله تعالى (116). أما لأنّه تعالى أهل للطاعة- و هو أعلى

______________________________

عليه المذهب من كفاية مجرد الداعي الواقعي، و إن لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا.

و الظاهر أنّ ذكر الفقهاء للنية في العبادة إنّما هو مقدمة لبيان قصد القربة، و اعتبار الإضافة إلى الله تعالى فيها، لا أن يكونوا في مقام بيان الإرادة و الاختيار التكوينيين في فعل الفاعل المختار، إذ ليس ذلك من شأنهم، بل هو من مباحث الحكمة و الكلام.

(116) لا ريب في أنّ لكل شريعة، حقا كانت أو باطلة، عابدا و معبودا و عبادة، فهي في الجملة مما جرت عليه سيرة الناس قديما و حديثا، بل جبلت عليها نفوسهم لو لا المانع. و إنّما الاختلاف في الكيفيات و المصاديق كما لا ريب عند الناس في تقوم العبادة بكون إتيانها لأجل الإضافة إلى المعبود، بأن يكون الداعي إلى إتيانها تلك الإضافة، فيعتبر في العبادة إتيانها من جهة الإضافة إليه تعالى بإجماع المسلمين، و سيرة العقلاء كافة، إذ كل عاقل يعبد شيئا يأتي بعباداته الخاصة لأجل إضافتها إلى معبوده و تقربا إليه، سواء كانت الإضافة أهلية المعبود لأن يعبد، أم أمره، أم مبادي أمره، كالمصلحة التي جعلها فيه، أم لواحق امتثال أمره، كالثواب المترتب عليه، و الفرار عن العقاب على مخالفته، لأنّه بجميع ذلك تحصل جهة الإضافة، و يختلف ذلك بحسب اختلاف مقامات العابدين و درجاتهم قال أبو عبد الله عليه السلام:

«العبادة ثلاث: إنّ قوما عبدوا الله عزّ و جل خوفا، فتلك عبادة العبيد.

و إنّ قوما عبدوا الله تبارك و تعالى طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء. و قوم عبدوا الله تبارك و تعالى حبا له و تلك عبادة الأحرار»(1)، و عن عليّ عليه السلام: «إنّ قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار. و إنّ قوما عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد. و إنّ قوما عبدوا الله شكرا، فتلك عبادة الأحرار» (2).

و مقتضى سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى لسواد الناس هو

______________________________

ص: 438


1- الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

.....

______________________________

الاكتفاء بأدنى المراتب و هو مقتضى أصالة البراءة أيضا، لأنّ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر و يأتي في نية الصلاة ما ينفع المقام.

فائدتان:- (الأولى): الامتثال و العبودية و العبادة من المفاهيم المبيّنة العرفية، فإن وردت من الشارع فيها خصوصية خاصة لا إشكال في اعتبارها. و الا فالمرجع أصالة الإطلاق، و أصالة البراءة في نفي مشكوك القيدية، سواء أمكن تقييد المأمور به بالقيود الحاصلة من ناحية الأمر، كما هو الحق أم لا، كما عن جمع. أما على الأول فواضح، لأنّها حينئذ كسائر القيود المشكوكة المحتملة الدخل في المكلف به، فيدفع بالإطلاق و الأصل. و أما على الثاني فلأنّه، و إن لم يمكن حينئذ التمسك في نفي خصوص هذا القيد المشكوك بالإطلاق اللفظي، إذ التمسك به إنّما هو فيما إذا أمكن أخذ القيد في الدليل و المفروض عدم الإمكان. لكن الإطلاق المقامي كاف في نفي هذا القيد المشكوك في ما هو عام البلوى للجميع، و في مثله يجوز الرجوع إلى البراءة العقلية و النقلية، و الإطلاق أيضا.

و دعوى: أنّ الشك إنّما هو في حصول الغرض، و لا بد في مثله من الرجوع إلى الاشتغال، لا البراءة. (مدفوعة): بأنّ الشك في حصول الغرض الذي يرجع في مورده إلى البراءة إنّما هو فيما إذا كان الغرض معلوما و مبينا بحسب الدليل و كان الشك في تحققه خارجا و في مقام الامتثال، لا ما إذا كان مجملا في أصل ذاته و تشريعه، و كان الشك في أصل جعل الشارع له، فلا وجه حينئذ للرجوع إلى الاحتياط خصوصا في الشريعة السهلة السمحة.

فالقيود المشكوكة أقسام ثلاثة:

(الأول): ما علم بجعلها و شك في فراغ الذمة عنها.

(الثاني): ما شك في أصل جعلها.

(الثالث): ما شك في أنّه من أي القسمين. و مورد الاحتياط خصوص الأول، إن لم تكن أمارة أو أصل على الخلاف. و في الأخيرين يتعيّن الرجوع إلى البراءة خصوصا في الأمور العامة البلوى. و منه يظهر صحة التمسك بالإطلاق و البراءة في كفاية مسمّى قصد الأمر، و لو مع قصد الضمائم الراجحة أو المباحة،

ص: 439

الوجوه (117)- أو لدخول الجنة، و الفرار من النار- و هو أدناها (118)- و ما

______________________________

و عدم اعتبار أن يكون قصد الأمر علة تامة منحصرة. و يأتي في نية الصلاة بعض ما ينفع المقام.

(الثانية): ظهر مما تقدم أنّه لو شك في واجب أنّه تعبديّ أو لا، يحكم عليه بعدم كونه تعبديا.

و قد يقال: إنّ مقتضى بعض الأدلة كون كل واجب تعبديا الا ما خرج بالدليل، كقوله تعالى أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ (1)، و قوله تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2)، و قوله صلّى الله عليه و آله:

«إنّما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى» (3)، و قوله صلّى الله عليه و آله:

«لا عمل إلا بالنية» (4).

و الكل مردود: أما الآية الأولى، فلأنّ الإطاعة أعم من العبادة، كما هو معلوم. و أما الثانية فلأنّها في مقام البعث إلى توحيد المعبود و نفي الشرك في العبادة، و لا ربط لها بأنّ كل واجب تعبدي. و أما الخبر الأول فإنّما هو في مقام بيان أنّ من نوى في عمله القربة يثاب عليه، و من نوى غيرها فله ما نوى. راجع بقية الخبر في الوسائل (5). و أما الخبر الأخير و نحوه من الأخبار فهو في مقام بيان أنّ حسن الجزاء يدور مدار حسن النية، لا أنّ قصد التقرب معتبر في كل واجب.

و إلا لزم تخصيص الأكثر، كما هو معلوم.

(117) لخلوّه عن شوائب التعويض، و هو من عبادة أولياء الله المقرّبين، و عبّر عنه في الحديث (6) بعبادة الكرام تارة، و الأحرار أخرى.

(118) لما في الحديث: من أنّ الأول عبادة الحرصاء، و الثاني عبادة العبيد (7) و عن عليّ عليه السلام: «ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في

______________________________

ص: 440


1- المائدة: آية 92.
2- البينة: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
6- .الوسائل باب :9 من أبواب مقدمة العبادات.
7- .الوسائل باب :9 من أبواب مقدمة العبادات.

بينهما متوسطات (119). و لا يلزم التلفظ بالنية (120)، بل و لا إخطارها بالبال (121). بل يكفي وجود الدّاعي في القلب (122) بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضّأ مثلا.

و أما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيّرا، فلا يكفي (123) و إن كان مسبوقا بالعزم و القصد حين المقدّمات. و يجب استمرار النية إلى آخر العمل (124)، فلو نوى الخلاف أو تردد و أتى ببعض الأفعال

______________________________

جنتك، بل وجدتك أهلا للعبادة»(1).

و لكن العبادة للخوف من النار و الطمع في الجنة ممدوحة أيضا، قال تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً (2).

(119) كأن يقصد التقرب المعنوي إليه تعالى، أو درك الفضائل المعنوية أو الظاهرية منه تعالى.

(120) للإطلاق، و الاتفاق، و الأصل و السيرة.

(121) لأصالة البراءة عن وجوبه بعد عدم ورود دليل على لزومه في هذا الأمر العام البلوى للجميع في كل يوم مرّات.

(122) لاكتفاء العقلاء في أفعالهم بمجرد الداعي و لم يثبت الردع عنه شرعا، بل مقتضى الأصل تقريره.

(123) لفقد النية حينئذ إجمالا و تفصيلا، فمقتضى القاعدة البطلان.

نعم، لو لم يكن التحير كاشفا عن فقد الداعي لصح و كفى.

(124) لأنّ العمل المركب عبارة عن جميع الأجزاء و هي عينه، و المفروض اعتبار القربة في العمل بتمامه، فيعتبر في جميع الأجزاء، و هذا معنى استمرار النية.

______________________________

ص: 441


1- نهج البلاغة ص: 431.
2- السجدة: 16.

بطل (125) الا أن يعود إلى النية الأولى قبل فوات الموالاة (126) و لا يجب نية الوجوب و الندب لا وصفا و لا غاية و لا نية وجه الوجوب و الندب بأن يقول: أتوضّأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه أو أتوضّأ لما فيه من المصلحة (127)، بل يكفي قصد القربة و إتيانه لداعي الله (128). بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى (129) إن لم يكن

______________________________

(125) لفقد النية، لأنّها عبارة عن الإرادة الحاصلة بعد الجزم و العزم إلى الشي ء، و التردد و قصد الخلاف ينافي ذلك.

(126) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع.

فروع- (الأول): لا دليل على اعتبار استمرار النية في الأكوان المتخللة في العمل الواحد مع عدم الاشتغال بأجزائه، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار، فلو توقف عن العمل و نوى الخلاف، أو تردد ثمَّ رجع إلى العمل مع النية، يصح. نعم، لو كانت الأكوان دخيلة في ذات العمل يضر قصد الخلاف و التردد حينئذ، و يأتي التفصيل في [مسألة 22] من كتاب الصوم.

(الثاني): لو أتى ببعض العمل حال نية الخلاف، أو التردد، ثمَّ تدارك ذلك البعض بعد العود إلى النية، يصح العمل، ما لم يكن محذور آخر في البين.

(الثالث): لو شك في أنّه هل حصل له حالة التردد أو قصد الخلاف، فمقتضى الأصل عدم العروض.

(127) كلّ ذلك للأصل بعد خلوّ الأدلة البيانية عن التعرض لهذه الأمور، و لو كانت معتبرة، لوجب على الشارع بيانه في مثل هذا الأمر المحتاجة إليه أمته، و لا شير إليها في الأخبار في هذا الأمر العام البلوى.

(128) إذ ليس المراد بالقربة المعتبرة في العبادات الا ذلك. و اعتبار الزائد مدفوع بالأصل و الإطلاق.

(129) لتحقق الإتيان بالمأمور به بحدوده و قيوده المعلومة، فمقتضى

ص: 442

على وجه التشريع أو التقييد، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثمَّ تبيّن عدم دخوله صح إذا لم يكن على وجه التقييد، و الا بطل (130) كأن يقول أتوضّأ لوجوبه. و الا فلا أتوضأ.

مسألة 28: لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى

(مسألة 28): لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى (131) و لا قصد الغاية التي أمر لأجلها بالوضوء،

______________________________

القاعدة هو الإجزاء بعد نفي مشكوك القيدية بالأصل.

(130) لفقد النية واقعا. و أما لو فرض تحققها و تحقق قصد القربة فيصح، حتّى مع التقييد. ثمَّ إنّ التشريع تارة: في أصل العمل بأن يأتي بعمل لم يأمر به الشارع بعنوان الانتساب إليه. و لا ريب في بطلانه، لعدم الأمر به. و أخرى:

في كيفياته من الوجوب أو الندب. و ثالثة: في إجزائه. و في هذين القسمين لا دليل على أنّ التشريع يوجب البطلان ما لم ينطبق على العمل عنوان مبطل آخر من فقد قصد القربة، أو فقد الموالاة أو شي ء آخر، لفرض أنّه أتى بذات العمل بقصد القربة، و إنّما شرع فيما هو خارج عن الذات، و على فرض حرمته يكون من النهي المتعلق بالخارج عن العبادة.

(131) على ما استقر المذهب عليه في هذه الأزمنة و ما قاربها، لإطلاقات الأدلة القولية و الفعلية، و البراءة العقلية و النقليّة عن القيود المشكوكة خصوصا في التكاليف الابتلائية، مع أنّ قصد الوضوء المشتمل على قصد الطهارة في الجملة قصد لها إجمالا، فلا وجه بعد ذلك لقصدهما. مضافا إلى أنّ ما استدل به على اعتبارهما باطل، كقولهم: «إنّ الوضوء إنّما شرع لرفع الحدث فلا بد من قصده».

و فيه: أنّ ذلك من حكمة تشريعه، فلو وجب قصد حكمة التشريع لكان في سائر العبادات أيضا كذلك، فما وجه الاختصاص بالوضوء؟! و كقولهم: «إنّ التمييز بين الوضوء الرافع و التجديدي متوقف عليه». (و فيه): أنّ التميز بينهما واقعيّ، لا قصديّ، فإنّ الوضوء إن صادف الحدث يكون رافعا له، قصد أو لا؟

و إن لم يصادفه يكون تجديدا قصد أو لا. و أما استدلالهم لاعتبار قصد الاستباحة

ص: 443

و كذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم (132) كما مرّ. نعم، قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال (133)، بمعنى: أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للأمر الآتي من جهتها (134)، و إن لم يقصدها يكون أداء للمأمور

______________________________

بقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا(1) و قوله عليه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة» (2).

فهو باطل أيضا بأنّ سياق مثلهما سياق شرطية الطهارة للصلاة، و لا يدل على اعتبار الاستباحة أبدا، و لهم وجوه أخر باطلة من شاء، فليراجع المطولات.

ثمَّ إنّ الفرق بين الرفع و الاستباحة: أنّ الأول من صفة الوضوء بذاته.

و الثاني صفة ما يشترط فيه الوضوء.

(132) أما عدم اعتبار قصد الغاية، فلأنّ الوضوء مستحب نفسيّ، كما مر. و أما عدم اعتبار قصد الموجب، فلما تقدم من إطلاق الأدلة اللفظية و الفعلية، و البراءة النقلية و العقلية، و تقدم في [مسألة 4] من فصل الوضوءات المستحبة ما ينفع المقام.

(133) تقدم نظير المقام في [مسألة 6] من فصل الوضوءات المستحبة و يأتي أيضا في [مسألة 31] و تعبيره رحمه الله فيهما أوضح مما في المقام كما لا يخفى فراجع. ثمَّ إنّه لا ريب في أنّ العبادات متقومة بالقصد، فلا يتحقق امتثالها الا به على ما تقدم تفصيله. و الوضوء عبادة نفسية، و غيرية، فإن قصدهما المكلف يتحقق الامتثال بالنسبة إليهما، و الا فبالنسبة إلى المقصود فقط، و يمكن أن يتحقق فيه امتثالات عديدة لأنّ غاياته كثيرة.

(134) و لو قصدا إجماليا ارتكازيا، فمن يعلم أنّ بالوضوء تباح غايات كثيرة، و كان متوجها إلى ذلك، و لو إجمالا مع بنائه على الإتيان بها لو لم يمنعه مانع، يكون امتثالا بالنسبة إلى الجميع و يثاب عليها، بل قصد الأمر المقدمي من

______________________________

ص: 444


1- المائدة آية: 6.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء.

به (135) لا امتثالا، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة و إن كان معتبرا في تحقق الامتثال.

نعم، قد يكون الأداء موقوفا على الامتثال، فحينئذ لا يحصل الأداء أيضا، كما لو نذر أن يتوضّأ لغاية معيّنة فتوضّأ و لم يقصدها، فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذري و لا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري أيضا (136). و إن كان وضوؤه صحيحا، لأنّ أداءه فرع قصده (137).

نعم، هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئي.

الثالث عشر: الخلوص

اشارة

(الثالث عشر): الخلوص (138)، فلو ضمّ إليه الرياء بطل،

______________________________

حيث هو مقدميّ قصد لكل ما يصلح أن يقع ذو المقدمة إجمالا و لا دليل على اعتبار أزيد منه، بل مقتضى الأصل عدمه.

(135) الأولى التعبير بالصحة كما عبّر بها في [مسألة 6] من فصل الوضوءات المستحبة، لأنّ الأداء مساوق للامتثال و الأمر سهل.

(136) لأنّ امتثال الأمر النذري أيضا متقوّم بالقصد، و لا يتحقق امتثاله بدون قصده، فالوضوء صحيح و امتثال للأمر النفسي، لتحقق القصد إليه و لا يكون أداء و امتثالا للأمر النذري، لعدم قصده.

(137) هذا تعليل لقوله رحمه الله: «و لا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري».

(138) و هو روح العبادة و حقيقتها، و له مراتب متفاوتة، و بعض مراتبه من أجلّ المقامات، و أرفع الدرجات. و اعتباره في العبادات من الضروريات بين الفقهاء، بل المسلمين، و أصل النية و إن كان سهلا يسيرا و لكن الخلوص في العبادة صعب جدا. قال عليّ عليه السلام: «تخليص العمل عن الفساد أشد من طول الجهاد»(1). و هو أن يكون الداعي إلى إتيان العبادة أمر الله جلّ جلاله،

______________________________

ص: 445


1- لم نظفر عاجلا على مصدره.

.....

______________________________

و لا يشوبه شي ء آخر، و تكون الإضافة إليه تعالى علة تامة منحصرة لإتيان العبادة، و لا تضم معها ضميمة أخرى.

ثمَّ إنّ الضميمة: إما أن تكون هي الرياء أو غيره، و يأتي الكلام في الأخير عند قوله رحمه الله: «و أما سائر الضمائم».

و أما الرياء، فالبحث فيه من جهات:

الأولى: الرياء قصد إراءة الغير بالعبادة بأن يكون الداعي على إتيانها إراءة الغير على تفصيل يأتي.

الثانية: الرياء حرام تكليفا كتابا، لقوله تعالى الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ(1). و سنة متواترة، و إجماعا من المسلمين، بل هو من الكبائر، لأنّ كل ما أوعد الله عليه بالنار، فهو منها، فتجب التوبة عنه و عن جعفر بن محمد عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه و آله:

«فاتقوا الله في الرياء فإنّه الشرك باللّه، إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له» (2)، و عنه عليه السلام:

«يا زرارة كل رياء شرك» (3) إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكرها صاحب الوسائل في أبواب مقدمة العبادات.

الثالثة: كما أنّ له حرمة تكليفية، تكون له جهة وضعية أيضا، أي توجب بطلان العبادة المراءى فيها، إذ لا وجه لصحة عبادة يؤمر بها و بصاحبها إلى النار، كما في صحيح عليّ بن جعفر عليه السلام (4)، و خبر السكوني(5) و ما ورد في بعض الأخبار من عدم القبول(6) محمول على عدم الصحة بقرينة غيرها، فما نسب إلى السيد من أنّه يوجب عدم القبول لا عدم الصحة. مخدوش، مع أنّ عدم القبول في الأخبار يطلق على عدم الصحة أيضا، فراجع موثق ابن بكير الوارد في الصلاة

______________________________

ص: 446


1- الماعون: آية: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 16.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 13.

سواء كانت القربة مستقلّة و الرّياء تبعا، أو بالعكس، أو كان كل منهما مستقلا، و سواء كان الرياء في أصل العمل أم في كيفياته أم في

______________________________

فيما لا يؤكل لحمه من قوله عليه السلام: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره» (1)، و ما ورد في عدم قبول من صلّى بغير طهور (2).

الرابعة: لا ريب في أنّ الرياء في غير العبادات من مذام الصفات، بل مقتضى إطلاق بعض الأخبار حرمته، و لكنه لا يوجب بطلانها، فلو غسل ثوبه رياء أو أدى دينه كذلك يطهر الثوب، و تفرغ الذمة، كما أنّ جملة من المجاملات التي يتوقف إتيانها على إراءة الغير لا تعد من ذمائم الصفات، و إن قصد بها الرياء، بل قد تكون من محامدها.

الخامسة: الخطرات التي تخطر في القلب لا تكون من الرياء خصوصا مع تأذي صاحبها، كما أنّ سرور الشخص بحسناته لا يكون منه و قد ورد في الحديث: «من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن» (3).

السادسة: أقسام رؤية الناس ثلاثة:

(الأول): صدور العمل العبادي من شخص و رؤية الناس له.

(الثاني): إتيان العمل العبادي لإراءة الناس.

(الثالث): إتيان العمل العبادي تقربا إلى الله تعالى مع قصد تعليم الناس و ترغيبهم إليه.

و الأول صحيح و مطلوب للشارع، قال الصادق عليه السلام: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع، و الاجتهاد، و الصلاة، و الخير، فإنّ ذلك داعية» (4).

______________________________

ص: 447


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

أجزائه (139)، بل و لو كان جزءا مستحبّا على الأقوى (140)، و سواء نوى الرّياء من أول العمل أم نوى في الأثناء (141)، و سواء تاب منه أم لا (142)، فالرّياء في العمل بأيّ وجه كان مبطل له، لقوله تعالى- على ما في الأخبار-: «أنا خير شريك من عمل لي و لغيري تركته لغيري».

هذا، و لكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءا من الدّاعي على العمل و لو على وجه التبعيّة (143)، و أما إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرّد

______________________________

و كذا الأخير أيضا، فإنّه مطلوب و مرغوب. و الرياء المحرّم هو الثاني.

(139) كل ذلك لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله و الدار الآخرة، و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا» (1).

فيصدق عرفا إدخال الرياء في العمل في جميع ما ذكر، لأنّ المناط على الصدق العرفي، و العرف يحكم بصدق دخول الرياء في العمل في الموارد المذكورة. و لا ريب أنّ لدخول الرياء مراتب متفاوتة، مثل كونه بنحو العلة التامة المنحصرة، أو العلة التامة البدلية، أو كونه جزءا من العلة في الكل، أو الجزء، أو الكيفية.

(140) لأنّه و إن لم يكن من الأجزاء المقوّمة، و لكنه جزء صوري لصورة العمل، و يكفي في ذلك في صدق دخول الرياء في العمل عرفا، و ليس ذلك مبنيا على الدقة العقلية، بل على الصدق العرفي كما مر، فيصدق أنّه صلّى و أدخل في صلاته رضا أحد من الناس.

(141) لصدق إدخال رضا الناس في كل منهما.

(142) لأنّ التوبة إنّما تمحو الذنب الصادر من المكلف، لا أن تصحح عمله الفاسد.

(143) لإطلاق الأدلة الشامل لصورة التبعية أيضا.

______________________________

ص: 448


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

خطور في القلب من دون أن يكون جزءا من الدّاعي، فلا يكون مبطلا (144) و إذا شك حين العمل في أنّ داعيه محض القربة أو مركب منها و من الرياء، فالعمل باطل، لعدم إحراز الخلوص (145) الذي هو الشرط في الصحة.

______________________________

(144) لأنّ المنساق من الأدلة عرفا ما إذا كان إراءة الغير داعيا لإتيان العمل، كداعوية إتيانه للّه تعالى، و هو الظاهر من قول أبي عبد الله عليه السلام:

«من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّه كان ثوابه على الله» (1)، كظهور قوله تعالى: «من عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له» (2) في ذلك أيضا، و مثلهما سائر الأخبار الواردة في المقام مضافا إلى تسالم الفقهاء عليه أيضا، مع أنّ تلك الخطرات قلّما تسلم نفس منها لأنّها من أهم وساوس الشيطان و حيله، فيلزم أنّ يكون التكليف بالخلوص مختصا بالمقربين، و هو خلاف سعة رحمته تعالى، و دعوته العامة لعباده إلى التقرب إليه.

(145) مقتضى أصالة عدم صدور الحرام منه، عدم وجوب الإعادة أو القضاء، و يمكن إحراز الخلوص بإجراء قاعدة الصحة فيما صدر منه إن قلنا بأنّها أعم من قاعدة التجاوز. و أما إذا كانت عبارة أخرى عنها فلا تجري، لعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، و على أي تقدير لا بد من التقييد بما إذا لم يكن من الوسواس.

فروع:- (الأول): لا ملازمة بين الحرمة النفسية للرياء و المانعية فيمكن تحقق الأولى دون الأخيرة، فلو توضأ، أو صلّى خالصا لوجه الله تعالى، ثمَّ توضأ وضوءا آخر، أو صلاة أخرى رياء لغرض، فهو حرام نفسي لا غيري، لإطلاق قوله عليه السلام: «كل رياء شرك» (3). و كذا إذا كان بانيا على إتيان عبادة رياء، لغرض أولا، ثمَّ إعادتها صحيحة متقربا الا أن يدعى انصراف الأدلة عنهما.

______________________________

ص: 449


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

(الثاني): الظاهر عدم تحقق الاضطرار في الرياء، لأنّه أمر قلبي، و لا اضطرار في القلبيات.

(الثالث): إذا حسن عمله لأن يقتدى به أو لغرض صحيح آخر ليس ذلك من الرياء، كما مر، فإذا أطال وضوءه عند الناس و خففها إذا لم يكن عنده أحد ليس ذلك من الرياء إذا كان له غرض صحيح في التطويل. و بالجملة: الرياء أمر وجداني يعرفه صاحبه، و في موارد الشك يمكن إجراء أصالة عدم صدور الحرام، فلا تجب الإعادة، و طريق الاحتياط واضح و المقام من مزال الأقدام.

(الرابع): لو شك بعد الفراغ في أنّه نوى الرياء أم لا، يبني على الصحة، لقاعدة الفراغ، كما لو شك في الأثناء في أنّه عرض له الرياء أم لا يبني على العدم.

(الخامس): لو غسل العضو السابق بقصد القربة، و نوى الرياء في غسل العضو اللاحق، يصح السابق، و يعيد اللاحق. مع اجتماع سائر الشرائط من الموالاة و غيرها، و لكن الأحوط إعادة الوضوء.

(السادس): لو أتى بغسلات الوضوء بقصد القربة، و نوى الرياء حين إرادة المسح، يشكل صحة المسح، و إن تاب لصيرورة بلة يده خارجة عن رطوبة الوضوء بالرياء.

(السابع): لو نوى الرياء في الأكوان المتخللة في العمل حين عدم اشتغاله بشي ءٍ منه، ثمَّ تاب، و أتى ببقية العمل، يمكن التصحيح، لما مر من عدم اعتبار قصد القربة فيها، لكن الأحوط البطلان جموداً على قوله عليه السلام: «لو أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً» (1).

(الثامن): لو رأى شخص عادل في وضوئه، أو صلاته، يخرج عن العدالة، و يأتي في [مسألة 36] من فص أحكام الجماعة ما ينفع المقام.

(التاسع): إتيان العبادات المندوبة في السر أفضل من إتيانها في

______________________________

ص: 450


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11

و أما العجب (146)، فالمتأخر منه لا يبطل العمل و كذا المقارن

______________________________

العلانية، لجملة من الأخبار الكثيرة (1)، قال الصادق عليه السلام: «و الله العبادة في السر أفضل منها في العلانية» (2).

بل ظاهر بعضها الكراهة، و لعل الوجه في ذلك صونها عن شبهة الرياء، و يأتي في [مسألة 7] من فصل جميع الصلوات المندوبة في كتاب الصلاة، و في الرابعة من فصل بقية أحكام الزكاة ما ينفع المقام.

(العاشر): لا فرق بعد تحقق قصد الرياء في البطلان بين أن يكون هناك من يراه و عدمه، لصدق أنّه أشرك في العمل: «رضا أحد من الناس»، فيستفاد من مجموع الأخبار أنّ مثل الرياء مثل الحدث، كما لا فرق بين كون من يتراءى بالنسبة إليه بالغا عاقلا أو غيره، قريبا أو بعيدا.

ثمَّ إنّ الرياء يجري في جميع العبادات المندوبة حتّى مثل قراءة القرآن و الأذكار، و الدعوات و زيارة الأئمة، و الصدقات المندوبة، و حضور الأماكن المتبركة، و كل ما يؤتي بقصد القربة، و ذلك كله لإطلاق الأدلة الشاملة للجميع، و لو دار الأمر بين إتيان عبادة مندوبة بقصد الرياء أو تركها يتعيّن الأخير.

(146) لا ريب في كونه من الرذائل المهلكة. قال الصادق عليه السلام:

«إنّ الله علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، و لو لا ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا» (3)، و عن عليّ عليه السلام: «عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله» (4) الى غير ذلك مما ورد في ذمه.

و أما حرمته النفسية و الغيرية فمقتضى الأصل و ظاهر الأصحاب عدمهما. و ما ورد فيه قاصر سندا و دلالة عن إثباتهما، بلا فرق بين المتأخر و المقارن. و أما خبر ابن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن العجب الذي يفسد

______________________________

ص: 451


1- الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات.

و إن كان الأحوط فيه الإعادة. و أما السمعة فإن كانت داعية على العمل، أو كانت جزءا من الداعي بطل (147)، و الا فلا (148) كما في الرّياء. فإذا كان الدّاعي له على العمل هو القربة الا أنّه يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده، لا يكون باطلا (149)،

______________________________

العمل فقال: العجب درجات» (1).

فمضافا إلى قصور سنده قاصر دلالة أيضا، لأنّ للإفساد مراتب كثيرة، و هي أعم من البطلان، كما هو واضح. و نقل في الجواهر عن بعض مشايخه البطلان في العجب المقارن. و لكن استظهر من الأصحاب خلافه.

(147) لعدم استقلال القربة في الداعوية، و عن الرضا عليه السلام:

«اعملوا لغير رياء و لا سمعة» (2)، و عن عليّ عليه السلام: «و اعملوا للّه في غير رياء، و لا سمعة، فإنّه من عمل لغير الله و كله الله إلى عمله يوم القيامة» (3).

و يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ السمعة كالرياء فيما يتعلق به من الأحكام و هو كذلك، لأنّها من أفراده.

(148) لوجود المقتضي للصحة، و فقد المانع عنها.

ثمَّ إنّ العجب عبارة عن إعظام الفاعل عمله من حيث إضافته إلى نفسه، و قطع النظر عن الخالق تعالى الذي أقدره عليه، و لا فرق بين كون متعلقه نفس الشخص، أو ماله، أو عمله، أو غيرها. و مقتضى الأصل عدم الحرمة النفسية للعجب بعد قصور الأدلة عن إثباتها.

و السمعة: أن يقصد الفاعل بفعله إفهام الناس و إسماعهم. و الرياء أعم منها، لأنّه عبارة عن إتيان العمل للناس أعم من رؤيتهم له و إسماعهم إياه و عدمه.

(149) لما تقدم في الجهة الخامسة، و عن زرارة عن أبي جعفر

______________________________

ص: 452


1- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

لكن ينبغي للإنسان أن يكون ملتفتا، فإنّ الشيطان غرور و عدو مبين.

و أما سائر الضمائم فإن كانت راجحة- كما إذا كان قصده في الوضوء القربة و تعليم الغير- فإن كان داعي القربة مستقلا و الضميمة تبعا، أو كانا مستقلّين صح (150)، و إن كانت القربة تبعا أو كان الدّاعي هو المجموع منهما بطل (151)، و إن كانت مباحة، فالأقوى أنّها أيضا

______________________________

عليه السلام: «عن الرجل يعمل الشي ء من الخير، فيراه إنسان فيسره ذلك قال عليه السلام: لا بأس، ما من أحد إلا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (1)، و قريب منه غيره.

(150) لصدق داعوية القربة للعمل و انبعاثه عنها عرفا، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه، لأنّ الشك في أنّه هل يعتبر أن تكون داعوية القربة منحصرة بعد كونها علة تامة، فيرفع قيد الانحصار بالأصل، مضافا إلى دعوى الإجماع على الصحة عن جمع. و ما عن بعض من إطلاق البطلان في الضميمة، منزل على ما إذا كانت جزء العلة. هذا مع أنّ الضمائم المباحة التبعية كثيرة الابتلاء للناس، و لم يشر في حديث إلى نفيها، فيصح التمسك بالإطلاقات أيضا.

(151) لأنّ القصد التبعيّ المحض ليس باعثا على العمل، بل هو نحو شوق و محبة بالنسبة إليه، فلا يصح انتساب صدور العمل إلى داعوية القربة حينئذ، فيبطل لا محالة من جهة فقد داعوية القربة. أما البطلان فيما إذا كان المجموع علة، فلدعوى اعتبار استقلال داعوية الأمر في الانبعاث، فلا يجزي المركب منها و من غيرها. و فيه: أنّه كذلك بالنسبة إلى بعض مراتب العبودية، و أما بحسب صدق مطلق العبادة و بالنسبة إلى سواد الناس و بملاحظة سهولة الشريعة، فيكفي صحة الانتساب إلى داعوية القربة حقيقة، و المفروض صدق

______________________________

ص: 453


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

كذلك (152)، كضمّ التبرد إلى القربة. لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الإعادة (153)، و إن كانت محرّمة غير الرياء و السمعة، فهي في الإبطال مثل الرياء لأنّ الفعل يصير محرّما، فيكون باطلا (154). نعم، الفرق بينها و بين الرياء أنّه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل الا القربة، لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء

______________________________

ذلك، لأنّ المعلول في العلة المركبة يستند إلى كل جزء منها حقيقة، فيصح استناد صدور العمل إلى داعي القربة فمقتضى الأصل عدم الاعتبار، و كما أنّه إذا أمر آمران شخصا واحدا و أتى بالمأمور به بداعي أمرهما يعد ممتثلا لهما عرفا مع اشتراك مجموع الأمرين في الداعوية، فكذا في المقام.

و بالجملة: كيفية الامتثال موكولة إلى العرف و هو يرى مثل هذا ممتثلا.

هذا مع كثرة الضمائم مع الداعي القربي و لو بنحو جزء العلة عند عامة الناس.

(152) لأنّ البحث في الضمائم غير الرياء بحسب القاعدة غير المختصة بضميمة دون اخرى، و ليس فيها نص خاص حتّى يختص الحكم بالمنصوص دون غيره، فمع صحة داعوية القربة، و صدور العمل عنها، يصح، و مع عدمه لا يصح، بلا فرق بين الجميع.

(153) خروجا عن خلاف من اختار البطلان فيها، بل الأحوط في صورة تبعية قصد الضميمة أيضا، ذلك لذهاب بعض إلى البطلان في هذه الصورة أيضا.

(154) لعدم حصول قصد التقرب بما هو مبغوض عند المتقرب إليه، هذا مع العلم. و أما مع الجهل بالحرمة جهلا يعذر فيه فيصح، كما أنّ البطلان إنّما هو فيما إذا تحقق الحرام، و أما مع عدم تحققه، فهو من موارد التجري إن كان قاصدا للحرام، فمن قصد بوضوئه أو صلاته في محل إيذاء المؤمن، و تحقق ذلك، و انطبق هذا العنوان عليه، يبطل وضوؤه و صلاته و إن قصد ذلك و لم يتحقق الإيذاء خارجا يكون من التجري.

ص: 454

يختص البطلان بذلك الجزء (155)، فلو عدل عن قصده و أعاده من دون فوات الموالاة صح و كذا لو كان ذلك الجزء مستحبا و إن لم يتداركه، بخلاف الرّياء على ما عرفت فإنّ حاله حال الحدث (156) في الإبطال.

مسألة 29: الرياء بعد العمل ليس بمبطل

(مسألة 29): الرياء بعد العمل ليس بمبطل (157).

مسألة 30: إذا توضّأت المرأة في مكان يراها الأجنبيّ لا يبطل وضوؤها

(مسألة 30): إذا توضّأت المرأة في مكان يراها الأجنبيّ لا يبطل وضوؤها و إن كان من قصدها ذلك (158).

مسألة 31: لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعدّدة

(مسألة 31): لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعدّدة

______________________________

(155) لأنّه المحرّم فقط، فينطبق البطلان عليه قهرا.

(156) لصدق إدخال رضاء الغير في ذات العمل عرفا، فيبطل أصله لأجل هذا الصدق العرفي.

(157) على المشهور، و قاعدة عدم تغير الشي ء عما وقع و تحقق بالنسبة إلى النية و القصد المخصوص ما لم يكن دليل على الخلاف، مع اختصاص أدلة مبطلية الرياء بما كان في الأثناء. و أما مرسل ابن أسباط عن الباقر عليه السلام:

«الإبقاء على العمل أشد من العمل. قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال عليه السلام: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه تعالى وحده لا شريك له فكتبت له سرّا ثمَّ يذكرها فتمحى، فتكتب له علانية، ثمَّ يذكرها فتمحى و تكتب له رياء» (1).

فهو مضافا إلى قصور سنده و هجر الأصحاب له، محمول على إحباط بعض مراتب الثواب، فلا ينافي صحة أصل العمل شرعا، و لا ثبوت الثواب عليه أيضا.

(158) لعدم حرمة مقدمة الحرام، إلا إذا كانت علة تامة منحصرة للحرمة، و معها لا أمر بالوضوء، لعدم قدرتها عليه شرعا، و تبدل تكليفها إلى التيمم قهرا.

______________________________

ص: 455


1- الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

للوضوء (159)، كما إذا كان بعد الوقت و عليه القضاء أيضا و كان ناذرا لمسّ المصحف، و أراد قراءة القرآن، و زيارة المشاهد، كما لا إشكال في أنّه إذا نوى الجميع و توضّأ وضوءا واحدا لها كفى، و حصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع (160) و أنّه إذا نوى واحدا منها أيضا كفى عن الجميع (161)، و كان أداء بالنسبة إليها، و إن لم يكن امتثالا إلا بالنسبة إلى ما نواه (162).

و لا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدّد حينئذ (163)، و إن قيل إنّه

______________________________

(159) بضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين.

(160) لأنّ الامتثال هو الإتيان بالمأمور به بداعي أمره، و المفروض تحققه، بلا فرق بين ما إذا كانت نية الجميع تفصيلية، أو إجمالية ارتكازية لكفاية كل منهما في الامتثالات المتعارفة، و لم يرد من الشرع على التقييد بقيد خاص، بل مقتضى الأصل و الإطلاقات و العمومات تقرير ما هو المتعارف.

(161) لأنّ الطهارة حاصلة بقصد الواحد من الغايات، و كل ما حصلت الطهارة تباح جميع الغايات المشروطة بها.

(162) أما أنّه أداء بالنسبة إلى الجميع، فلأنّ المراد بالأداء الصحة، و قد مر وجهه. و أما أنّه امتثال بالنسبة إلى خصوص ما نواه، فلأنّ الامتثال متقوّم بالقصد و لم يقصد سواه، و تقدم كفاية القصد الارتكازي أيضا، و كل مسلم قصده الارتكازي الإتيان بجميع الغايات المقدورة لو وفق لذلك، فيصح أن يكون امتثالا للجميع من هذه الجهة.

(163) تقدم أنّ اجتماع الغايات المتعددة للطهارة من الضروري عند العوام، فكيف بالإعلام. و أما أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدد حينئذ، فإن أريد بالتعدد التعدد الحقيقي الواقعي من تمام الجهات، فهو ممنوع لتوقفه على تعدد متعلقه، و هو غير متصور في المقام، لأنّ الطهارة من الحدث الأصغر حقيقة واحدة لا تعدد فيها، و حيثية المقدمية العارضة عليها ليست من الحيثيات

ص: 456

لا يتعدّد و إنّما المتعدّد جهاته، و إنّما الإشكال في أنّه هل يكون المأمور به متعدّدا أيضا، و أنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا، بل يتعدد؟ ذهب بعض العلماء إلى الأول (164) و قال: إنّه حينئذ يجب عليه

______________________________

التقييدية حتّى توجب تعدد المتعلق، بل هي حيثية تعليلية فقط لا توجب تعدد معروضها أبدا، فلا تعدد في المتعلق لا ذاتا، و لا من جهة عروض الحيثية. و إن كان المراد التعدد الاعتباري فهو حسن لا بأس به. و بذلك يمكن أن يرجع النزاع لفظيا، فمن يقول بتعدد الأمر أي: اعتبارا و جهة، و من يقول بعدم التعدد: أي حقيقة، و التعدد بتعدد الجهات و الاعتبار صحيح عند المتعارف. و الأدلة الشرعية منزلة عليه أيضا. و كذا النزاع في أنّ المأمور به متعدد أو لا يمكن أن يكون لفظيا أيضا فمن يقول بتعدده، أي: جهة، و من يقول بعدمه، أي: حقيقة.

ثمَّ إنّه يمكن القول بالتشكيك في الطهارة بحسب مراتب قصد الغايات كما أنّ لها مراتب بحسب الذات، لقوله عليه السلام: «نور على نور» (1)، و يمكن أن يشتد بحسب اجتماع الغايات أيضا.

(164) اعترف بعض الأعاظم رحمهم الله بعدم العثور على هذا القائل في خصوص الوضوء، و على فرض وجوده فلا دليل له، إذ ليس في حقيقة الطهارة من الحدث الأصغر اختلاف نوعيّ لا بحسب الأدلّة و لا بنظر المتشرعة. و ليس في أفراد الوضوء اختلاف نوعيّ أيضا كذلك. و إنّما الاختلاف من ناحية المحلّ القابل، فإن كان محدثا تحصل له الطهارة، و إن كان متطهّرا يحصل له الوضوء التجديدي، و بعض مراتب الكمال منه و إن كان محدثا بالأكبر، كما تقدم في القسم الثالث من فصل الوضوءات المندوبة يزيل الكراهة في الجملة، فالوضوء حقيقة واحدة. و عين الوضوء الذي يكون مقدمة لغاية، يكون لغاية أخرى أيضا، بلا فرق بينهما أصلا و مع ذلك كيف يتصور التعدد في حقيقة المأمور به، فلا تعدد إلا في الجهة، أو في المرتبة في بعض الموارد التي ورد فيها الدليل، كالوضوء

______________________________

ص: 457


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 8.

أن يعيّن أحدهما و الا بطل لأنّ التعيين شرط عند تعدد المأمور به (165).

و ذهب بعضهم إلى الثاني، و أنّ التعدد إنّما هو الأمر (166) أو في

______________________________

التجديدي، و ما يصادف الحدث الأكبر.

فتلخص أنّه يصح تعدد المأمور به في المقام بتعدد الجهة و الملاك، و أما مع قطع النظر عنهما فلا منشأ للتعدد كما يصح التعدد بحسب مراتب الاشتداد، إما في الذات، أو بحسب الغايات.

(165) بدعوى أنّ القصد و النية لا يتعلقان بالمبهم من حيث إنّه مبهم، و قد جعل من القواعد: «قاعدة أنّ المتعين في المأمور به متعين في القصد أيضا».

و فيه: أنّها مسلمة فيما إذا كان المأمور به متخصصا بخصوصية خاصة قصدية تعلق بها الأمر، كالظهرية و العصرية و نحوهما. و أما لو لم يكن كذلك، بل كان ذات الشي ء من حيث هو مورد تعلق الطلب، فيصح قصد ذاته، و يجزي الإتيان به قهرا، لأنّ ذات الشي ء مطلوب و لا تعين فيه حتّى يتعين في القصد، كمطلوبية ذات الطهارة التي هي حقيقة واحدة و تحصل بها غايات شتّى. و ليست خصوصية كونها مقدمة للصلاة غير كونها مقدمة لمس المصحف و سائر الغايات حتّى تختلف بحسب الذات فيجب التعيين في القصد، بل هي مقدمة للصلاة بعين مقدميتها لسائر الغايات، كما مر.

(166) إن كان المراد بتعدد الأمر تعدد ملاكه و جهته و كون إضافة التعدد إليه من باب الوصف بحال المتعلق، فهو صحيح. و إن كان المراد تعدد نفسه مع قطع النظر عن ذلك، فالمعروف أنّه باطل، لأنّه من اجتماع المثلين.

و فيه: أنّ اجتماع المثلين الباطل إنّما هو في الأعراض الخارجية التي لها تحقق خارجي، و أما في الأمور الاعتبارية فلا دليل على بطلانه. و الوجوب و نحوه من الاعتباريات المعتبرة لا الأعراض الحقيقية الخارجية.

ثمَّ إنّ تعدد الجهة أقسام:

(الأول): أن تكون تقييدية اصطلاحية، و لا إشكال في صحة كونها منشئا لتعدد الأمر.

ص: 458

جهاته. و بعضهم إلى أنّه يتعدد بالنذر و لا يتعدّد بغيره و في النذر أيضا لا مطلقا، بل في بعض الصور (167)، مثلا إذا نذر أن يتوضّأ لقراءة القرآن، و نذر أيضا أن يتوضّأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدّد (168)، و لا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال لأحدهما (169)، و لا أداؤه و إن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله

______________________________

(الثاني): أن تكون تعليلية، كجهة المقدمية العارضة لذات الوضوء- مثلا- فتعرضها جهة المقدمية للغايات المشروطة بها. و المعروف أنّها لا تصلح لتعدد الأمر، لأنّ المعروض واحد و تلك الجهات عقلية محضة لا توجب تكثرا في معروضها فيلزم اجتماع المثلين في الواحد.

(الثالث): أن تكون اعتبارية عرفية و الظاهر صحة كونها منشئا لتعدد الأمر، لصحة اعتبار التعدد عرفا بتلك الجهات، فلا يلزم معه اجتماع المثلين في الواحد. و يمكن إرجاع القسم الثاني إلى الثالث أيضا، مع أنّه قد تقدم أنّ اجتماع المثلين الباطل في الأعراض الخارجية دون الأمور الاعتبارية.

(167) لا ريب في أنّ النذر تابع لقصد الناذر، فتارة: ينذر الوضوء لغاية ثمَّ ينذره لغاية أخرى من حيث كونه طريقا لحصول الطهارة، و يكفي وضوء واحد حينئذ مع بقاء الطهارة، و لا يجب التعدد حتّى نحتاج إلى التعيين. و اخرى: ينذر وضوءين كل واحد منهما لغاية خاصة من حيث نفس الوضوء، فلا يجزي الوضوء الواحد للوفاء بالنذر الآخر، و لا الوضوء لغاية أخرى عن الوفاء بالنذر. نعم، من جهة أصل حصول الطهارة يكفي مطلق الوضوء لها، سواء كان هو الوضوء النذري أم وضوء آخر. و ثالثة: ينذر الوضوء التجديدي، و قد تقدم تفصيله (1).

(168) هذا هو القسم الثاني الذي ذكرناه.

(169) لتقوم الأداء و الامتثال بالقصد و المفروض عدم حصوله بالنسبة إليهما.

______________________________

ص: 459


1- تقدم في صفحة: 263- 264.

و أداؤه، و لا يكفي عن الآخر (170).

و على أيّ حال وضوؤه صحيح، بمعنى أنّه موجب لرفع الحدث (171). و إذا نذر أن يقرأ القرآن متوضّئا و نذر أيضا أن يدخل المسجد متوضّئا فلا يتعدّد (172) حينئذ و يجزي وضوء واحد عنهما، و إن لم ينو شيئا منهما، و لم يمتثل أحدهما (173)، و لو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالا بالنسبة إليه، و أداء بالنسبة إلى الآخر، و هذا القول قريب (174).

______________________________

(170) لوجود المقتضي بالنسبة إلى المقصود و فقد المانع عنه، و عدم المقتضي للامتثال و لا الأداء بالنسبة إلى غيره، لما تقدم من تقومه بالقصد.

(171) لتعلق القصد و النية بذات الوضوء، و تقدم أنّه مع استجماعه للشرائط من العلل التوليدية لحصول الطهارة قهرا، فيكفي في كل ما يعتبر فيه الطهارة.

(172) لأنّ مرجع النذرين إلى قراءة القرآن و دخول المسجد متطهرا، سواء كانت الطهارة لهما أو لغيرهما و قد حصلت الطهارة بالوضوء الأول، فيصح إتيان جميع الغايات، منذورة كانت أو غيرها.

(173) لأنّ المنذورة في الواقع إنّما هي ذات الطهارة و قد امتثل، و النذر طريق إلى حصولها. و يمكن أن يقال: بأنّ قصد أصل الطهارة امتثال للأمر النذري إجمالا أيضا، لأجل انحلالهما إلى تحصيل أصل الطهارة و المفروض أنّه مقصود.

(174) بل هو متعين في مورد النذر، لتعين المأمور به، فلا بد من التعيين في النية و القصد، للقاعدة المشهورة المعمول بها: من أنّ التعيين في المأمور به يوجب التعيين في النية. و ليس هذا قولا آخر في مقابل الأقوال السابقة. هذا إذا لم يكن الأمر النذري طريقا إلى نذر أصل الطهارة. و الا فلا وجه لتعيين قصده، كما تقدم.

ص: 460

مسألة 32: إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل لا إشكال في صحته

(مسألة 32): إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت و في أثنائه دخل لا إشكال في صحته، و أنّه متصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه، و بالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت (175)، فلو أراد نيّة الوجوب و الندب نوى الأول بعد الوقت، و الثاني قبله.

مسألة 33: إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على إتيانها فعلا

(مسألة 33): إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء و لم يكن عازما على إتيانها فعلا، فتوضّأ لقراءة القرآن، فهذا الوضوء متصف بالوجوب (176)، و إن لم يكن الدّاعي عليه الأمر الوجوبي (177)، فلو

______________________________

(175) أما عدم الإشكال في صحته، فلأنّ الوضوء حقيقة واحدة، لها نواقض مخصوصة منصوصة، و ليس تبادل الحالتين من إحداها نصا و إجماعا.

و تقدم أنّه مع قابلية المحل و تحقق الشرائط من الأسباب التوليدية لحصول الطهارة التي تكون شرطا في الغايات كلها، واجبها و مندوبها و مختلفها، بلا فرق بينها أصلا. و توارد سببي الوجوب و الندب لا يوجب الاختلاف في تلك الحقيقة الواحدة، لوحدتها ذاتا، و أثرا في كلتا الحالتين.

و ما يقال: إنّه من اجتماع الضدين في الواحد، و هو ممتنع. مخدوش أولا: بأنّ الممتنع منه ما إذا كان الاجتماع في الواحد الحقيقي، و الوحدة في المقام اعتبارية، لا حقيقية. و ثانيا: بأنّ الجهة و الملاك متعدد و لا محذور في الاجتماع باعتبارهما، فما نسب إلى العلامة رحمه الله من الاستئناف في المقام لذلك مردود.

و أما صحة قصد الوجوب و الندب، فلأنّه إذا صح اجتماعهما صح قصدهما أيضا بالاعتبارين، فلا محذور في البين، لا في مقام الاتصاف، و لا في مقام النية و القصد.

(176) بناء على ما هو المشهور من وجوب مطلق المقدمة. و أما لو اعتبر فيه قصد التوصل بها إلى ذيها، فلا تتصف حينئذ بالوجوب كما أنّه لو اعتبر فيه الإيصال الخارجي لتوقف الاتصاف بالوجوب على ترتب ذيها عليها خارجا.

ص: 461

أراد قصد الوجوب و الندب لا بد أن يقصد الوجوب الوصفيّ و الندب الغائيّ، بأن يقول: أتوضّأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن، هذا و لكن الأقوى أنّ هذا الوضوء متصف بالوجوب و الاستحباب معا، و لا مانع من اجتماعهما (178).

مسألة 34: إذا كان استعمال الماء بأقلّ ما يجزي من الغسل غير مضرّ

(مسألة 34): إذا كان استعمال الماء بأقلّ ما يجزي من الغسل غير مضرّ، و استعمال الأزيد مضرّا، يجب عليه الوضوء كذلك (179)، و لو زاد عليه بطل (180). الا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقلّ المجزي (181). و إذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل (182)، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّا، و توضّأ جهلا أو نسيانا، فإنّه يمكن الحكم ببطلانه (183)، لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك (184) بخلاف ما نحن فيه.

______________________________

(177) لأنّ الوجوب المقدمي يعرض على ما هو مقدمة واقعا علم بها المكلف أو لا، بناء على ما هو المشهور من وجوب ذات المقدمة مطلقا، و قد فصّلنا القول في الأصول.

(178) لأنّ المانع من الاجتماع إنّما هو لزوم اجتماع الضدين في واحد، و تقدم دفعه. إما بأنّ الواحد في المقام ليس بحقيقي، بل هو اعتباري، و إما بتعدد الجهة، أو بتعدد الملاك.

(179) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة.

(180) للنّهي الموجب للفساد في العبادة، هذا إذا كانت الزيادة دفعية.

و أما إن كانت تدريجيّة، فيأتي حكمه.

(181) فيصح الغسل بالأقلّ المجزي حينئذ، لما تقدم. و لكنّه يشكل الحكم من جهة لزوم المسح بالماء الجديد، إلا إذا كان استعمال الماء الزائد في الوجه فقط.

(182) لسقوط النهي عن الفعلية، لأجل الجهل، فلا مانع عن الصحة.

(183) بل يحكم بصحته، لعدم النهي الفعلي الموجب للفساد و عدم

ص: 462

مسألة 35: إذا توضّأ ثمَّ ارتد لا يبطل وضوؤه

(مسألة 35): إذا توضّأ ثمَّ ارتد لا يبطل وضوؤه (185)، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة، و إن ارتد في أثنائه ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستئناف. نعم، الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر. و على هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى و قبل المسح ثمَّ تاب يشكل المسح، لنجاسة الرطوبة التي على يديه (186).

مسألة 36: إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت

(مسألة 36): إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت، إذا كان مفوّتا لحقّه فتوضّأ يشكل الحكم بصحته، و كذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوّتا لحق الزوج (187)، و الأجير مع منع المستأجر و أمثال ذلك.

مسألة 37: إذا شك في الحدث بعد الوضوء

(مسألة 37): إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على

______________________________

الطريق إلى إحراز وجود ملاك الفساد فيه أيضا، فتشمله الإطلاقات لا محالة، و قد تقدم منه رحمه الله الحكم بالصحة في الشرط السابع، فراجع.

(184) إن أحرز بقاء ملاك النهي فعلا، فلا ريب في أنّه مأمور بالتيمم و لكن لا طريق لإحرازه من عقل أو نقل.

(185) للأصل و حصر النواقض في غير الارتداد، نصّا و إجماعا.

(186) إن لم نقل بطهارتها تبعا كعرقه و نحوه.

(187) إن كان الوجه في البطلان أنّه يجب إطاعة المولى، و المستأجر و الزوج على العبد و الأجير و الزوجة، و الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه، فيبطل لو كان عبادة. (ففيه): ما ثبت في محلّه من عدم الاقتضاء. و إن كان لأجل أنّ منعهم يستلزم نهي الشارع عن الوضوء، فيكون من النهي في العبادة من دون الاحتياج إلى مسألة الاقتضاء. (ففيه): أنّه من مجرد الدعوى، فلا ريب في تحقق الإثم لتفويت حق من يجب مراعاة حقه. و أما البطلان فلا دليل عليه.

ثمَّ إنّ المراد من الأجير هو الأجير الخاص، لا مطلق الأجير، كما هو واضح.

ص: 463

بقاء (188) الوضوء، إلا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول و لم يكن مستبرئا، فإنّه حينئذ يبني على أنّه بول و أنّه محدث (189). و إذا شك في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء الحدث (190). و الظنّ غير المعتبر كالشك في المقامين (191)، و إن علم الأمرين و شك في المتأخر منهما بنى على أنّه محدث، إذا جهل تاريخهما، أو جهل تاريخ الوضوء (192).

______________________________

(188) نصّا و إجماعا. قال أبو عبد الله عليه السلام في موثق ابن بكير:

«و إياك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت» (1)، و عنه عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء.

قلت: فإن حرك على جنبه شي ء و لم يعلم به. قال: لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجي ء من ذلك أمر بيّن، و إلّا فإنّه على يقين من وضوئه. و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و إنّما ينقضه بيقين آخر» (2).

(189) تقدم وجهه في [مسألة 8] من فصل الاستبراء، فراجع.

(190) لاستصحاب الحدث المتفق عليه عند الكل، و إجماع الإمامية، بل المسلمين.

(191) لأصالة عدم الاعتبار فيكون في حكم الشك، و في صحيح عبد الرحمن إنّه قال للصادق عليه السلام: «أجد الريح في بطني حتّى أظن أنّها قد خرجت. فقال عليه السلام: «ليس عليك وضوء حتّى تسمع الصوت أو تجد الريح» (3).

و تدل عليه صحيحة زرارة الطويلة (4).

(192) أما في صورة الجهل بالتاريخين، فعلى المشهور، لقاعدة

______________________________

ص: 464


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

.....

______________________________

الاشتغال بعد سقوط استصحاب الطهارة و استصحاب الحدث بالتعارض، و عدم أمارة أو أصل آخر حاكم عليها في البين، بلا فرق في ذلك بين العلم بالحالة السابقة على الحالتين، أو الجهل بها.

و نسب إلى جمع من المتأخرين أنّه مع العلم بالحالة السابقة يؤخذ بضدها، فلو علم أنّه كان أول الفجر محدثا ثمَّ تواردت عليه الحالتان يحكم بأنّه متطهّر فعلا، للعلم بزوال الحدث و نقضه بالطهارة، و الشك في ارتفاعها، فتستصحب و في العكس بالعكس.

و فيه: أنّه كما يعلم بحدوث الطهارة يعلم بحدوث الحدث أيضا و يشك في ارتفاعه، فيجري استصحاب بقائه، و تعارض الأصلان، و يرجع إلى قاعدة الاشتغال.

إن قلت: إنّه يحتمل في الأول أن يكون الحدث صدر على الحدث، و في الثاني أنّ الطهارة وقعت على الطهارة، فلا معارض لاستصحاب الطهارة في الأول، و استصحاب الحدث في الثاني.

قلت: ليس المستصحب هو كليّ الطهارة و الحدث، بل الفرد الخارجي منهما، و لا ريب في أنّه يعلم بعروض الحالتين عليه، فحدوث الحدث عند عروض موجبه معلوم و حدوث الطهارة عند الوضوء أيضا كذلك، فيستصحب الحدث و الطهارة، و يسقطان بالمعارضة، فهو عالم بوجوب الوضوء عليه، و شاك في سقوطه عنه، فيكون مقتضى قاعدة الاشتغال وجوبه عليه.

و هذا بخلاف ما إذا رأى في ثوبه جنابة، و شك في أنّها مما اغتسل منها أو جنابة جديدة، فإنّ المشهور عدم وجوب الغسل عليه، إذ المثال من الشك في أصل ثبوت التكليف، فيرجع فيه إلى أصالة البراءة، بخلاف المقام. فإنّه من الشك في سقوطه بعد العلم بثبوته. و منه يظهر ضعف ما عن العلامة في جملة من كتبه: من أنّه مع العلم بالحالة السابقة على الحالتين يأخذ بها. فإنّه رحمه الله إن أراد استصحاب نفس الحالة السابقة على الحالتين، فقد انتقضت بالخلاف. و إن أراد رحمه الله استصحاب مثلها الحاصل عند توارد الحالتين، فهو معارض

ص: 465

و أما إذا جهل تاريخ الحدث و علم تاريخ الوضوء بنى على بقائه (193) و لا يجري استصحاب الحدث حينئذ حتّى يعارضه، لعدم اتصال الشك باليقين به (194) حتّى يحكم ببقائه. و الأمر في صورة

______________________________

باستصحاب ضده، كما تقدم. و إن أراد رحمه الله غيرهما، فهو خارج عن المقام.

هذا في مجهولي التاريخ و أما إذا جهل تاريخ الوضوء، فيجب عليه التطهير أيضا، لقاعدة الاشتغال سواء جرى استصحاب الوضوء و الحدث و سقطا بالمعارضة، أو لم يجر الأصل في الوضوء للجهل بتاريخ حدوثه، فيجري استصحاب الحدث حينئذ أيضا بلا معارض.

(193) المشهور في هذه الصورة أيضا وجوب التطهير، لقاعدة الاشتغال، بناء منهم على جريان الاستصحاب في الحدث، و سقوطها بالتعارض لما يأتي.

(194) لم يكن لهذه الشبهة اسم بين المتقدمين، بل و لا المتأخرين، و إنّما حدثت فيما قارب هذه الأزمنة بين الأعلام (قدّست أسرارهم) مع عدم اعتراف جميعهم بها، بل عن جمع دفعها و إنكارها، و قد أطيل الكلام فيها، و قررت الشبهة بوجوه مختلفة، لباب جميعها يرجع إلى أنّه لا بد في مورد الاستصحاب أن يكون الشك ممحضا في مجرد البقاء فقط، و لم يكن بين الشك و اليقين فاصل أبدا، فلو رجع الشك إلى السابق لوصل إلى اليقين بلا فصل. و لو ذهب اليقين إلى اللاحق لوصل إلى الشك كذلك بحيث كأنّهما ربطا بخيط متصل، أحد طرفيه مربوط باليقين و الآخر مربوط بالشك بلا انفصام فيه بوجه، و مع الشك في هذا الاتصال لا تشمله أدلة الاستصحاب لأنّ التمسك بها حينئذ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيسقط اعتبار الاستصحاب في صورة عدم إحراز اتصال اليقين بالشك، لعدم وفاء دليل اعتباره بذلك.

و فيه: أنّ المناط في اعتبار الاستصحاب عدم إحراز قيام الحجة المعتبرة على خلاف مفاد الحجة السابقة، و صدق الشك في البقاء عرفا و كون القضية المشكوكة و المتيقنة متحدة كذلك، فكل ما صدقت هذه الجهات يجري

ص: 466

جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء، و إن كان كذلك الا أنّ مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه (195)، و لكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا (196).

مسألة 38: من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي و صلّى، فلا إشكال في بطلان صلاته

(مسألة 38): من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي و صلّى، فلا إشكال في بطلان صلاته (197) بحسب

______________________________

الاستصحاب، و لا ريب في صدقها في المقام. و قد أفتى رحمه الله بجريان الاستصحاب في [مسألة 2] من فصل: إذا علم بنجاسة شي ء، مع أنّها مثل المقام.

(195) لقاعدة الاشتغال التي يحكم بها العقل، و يصح جريانها و لو مع جريان استصحاب الحدث في صورة الجهل بتاريخ الوضوء و العلم بتاريخ الحدث مع عدم اختلاف مفادهما عملا، لأنّ حكومة الاستصحاب على القاعدة لا تمنع من جريانها فيما لم تكن مخالفة عملية بينهما، فيجريان بلا تمانع بينهما.

(196) ظهر مما تقدم وجوبه.

(197) لأصالة عدم صدور الوضوء منه، و لقاعدة الاشتغال. و لا وجه لجريان قاعدة الفراغ في المقام، لاختصاصها بالشك الممحض حدوثه بعد الفراغ من الصلاة، و لا تشمل الشك الكائن قبله مع جريان الاستصحاب و قاعدة الاشتغال و تنجز التكليف بمقتضاهما ثمَّ عروض النسيان، بل لو لم يلتفت إلى حالته قبل الصلاة أصلا و لم يتحقق موضوع جريان الاستصحاب و القاعدة بالنسبة إليه قبلها، و صلّى، ثمَّ بعد الفراغ من الصلاة، حصل له اليقين بالحدث، و الشك في الطهارة قبل الصلاة، لا وجه لجريان القاعدة أيضا، لما مرّ من أنّ موردها الشك المتمحض حدوثه بعد الصلاة، لا ما إذا ظهر بعد الصلاة أنّ الشك كان قبلها و تنجز حكمه، و لا فرق في الفروع الثلاثة المذكورة في المتن في هذه المسألة و وجوب الإعادة في الوقت و القضاء بعده بين كون القضاء بالأمر الأول، أو بأمر جديد. أما على الأول فظاهر. و أما على الأخير، فلأنّ الأمر الجديد كاشف عن الأمر الأول، لا أن يكون مغايرا و مباينا له، لأنّه لو لم يكن الأمر الأول لما كان

ص: 467

الظاهر، فتجب عليه الإعادة إن تذكر في الوقت و القضاء إن تذكر بعد الوقت. و أما إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة، فنسيه و صلّى، يمكن أن يقال: بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ. لكنّه مشكل (198)، فالأحوط الإعادة، أو القضاء في هذه الصورة أيضا (199)، و كذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين، و الشك في المتقدّم منهما.

مسألة 39: إذا كان متوضّئا و توضّأ للتجديد، و صلّى، ثمَّ تيقن بطلان أحد الوضوءين، و لم يعلم أيّهما

(مسألة 39): إذا كان متوضّئا و توضّأ للتجديد، و صلّى، ثمَّ تيقن بطلان أحد الوضوءين، و لم يعلم أيّهما، لا إشكال في صحة صلاته، و لا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضا، بناء على ما هو الحق من أنّ التجديدي إذا صادف الحدث صح (200).

______________________________

موضوع للأمر القضائي، و لو كان بأمر جديد.

(198) ظهر مما تقدم عدم جريان القاعدة، و احتمال جريانها إنّما هو للجمود على الشك بعد الفراغ. و هو مردود بما مر.

(199) ظهر مما تقدم وجوب الإعادة و القضاء.

(200) أما صحة صلاته، فللقطع بصحة طهارته. أما الأولى أو الثانية.

و أما عدم وجوب الوضوء عليه للصلاة الآتية، فلكونه متطهرا فعلا. و أما أنّ الوضوء التجديدي إذا صادف الحدث يرفعه، فلأنّ أدلة الوضوء التجديدي ظاهرة في أنّه عين الوضوء الرافع للحدث من تمام الجهات ندب إليه ثانيا، لأنّه: «نور على نور». و لعل الحكمة فيه أنّه لو كان في الوضوء الأول، نقص يتدارك به.

و أما بناء على عدم كونه رافعا فتكون المسألة من موارد من علم بالحدث و شك في الطهارة، و مقتضى الاستصحاب كونه محدثا، فتبطل صلاته. و حكى عن جمع منهم الشيخ في المبسوط صحة الوضوء، لقاعدة الفراغ في الوضوء الأول غير المعارضة بجريانها في الوضوء الثاني، لعدم الأثر الشرعي له، فتصح الصلاة حينئذ.

ص: 468

.....

______________________________

و أشكل عليه: بأنّه لا مجرى لها في المقام أصلا لجريانها في مورد الشك المحض، و المقام من موارد العلم الإجمالي. (و فيه): أنّه إذا لم يكن لأحد طرفي العلم الإجمالي أثر يكون الطرف الآخر من الشك المحض، فيثبت موضوع جريان القاعدة.

و توهم: أنّه يلزمهم على هذا القول بجريانها فيما إذا علم بالحدث و شك في الوضوء، إذ لا فرق بين الشك في أصل وجود الصحيح و صحة الموجود مع أنّهم لا يقولون به.

(مدفوع): بظهور الفرق بينهما عند المتشرعة، فلا مجرى للقاعدة في مورد الشك في أصل وجود الصحيح، بخلاف مورد الشك في صحة الموجود.

و لكن الأولى أن يقال: إنّه يكفي في الأثر وجود الأثر الشرعي و لو كان ندبيا فتجري القاعدة في الوضوء التجديدي حتّى على القول بعدم كونه رافعا للحدث، لفرض أنّه مندوب شرعيّ له أثر «النور على النور» حتّى على هذا القول، فيتعارض مع القاعدة الجارية في الوضوء الأول و تسقطان بالمعارضة و يمكن الحكم بصحة الصلاة، لجريان قاعدة الفراغ فيها بلا معارض، لأنّ الشك فيها مسبّب عن الشك في صحة الوضوء و مع عدم جريان القاعدة في الشك السببي، أو جريانها، و السقوط بالمعارضة يكون المرجع: القاعدة الجارية في المسبب. و لكنه خلاف المشهور، إذ نسب إليهم بطلان الوضوء و الصلاة، بناء على أنّ التجديدي لا يرفع الحدث، و جعلوا المقام من موارد ما إذا علم بالحدث و شك في الطهارة، و هو الأحوط.

و خلاصة القول أنّ الأقسام خمسة:

(الأول): حدوث الشك في الطهارة قبل الصلاة و استمراره إلى حين الشروع فيها.

(الثاني): حدوثه قبلها، ثمَّ الغفلة عنه بالمرة، و إتيان الصلاة ثمَّ عروض الشك بعدها، و لا تجري قاعدة الفراغ فيهما، و مقتضى قاعدة الاشتغال الوضوء ثمَّ الإتيان بالصلاة.

(الثالث): حدوث الشك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة و عدم كشفه

ص: 469

و أما إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين، ثمَّ تيقن بطلان أحدهما، فالصلاة الثانية صحيحة (201). و أما الأولى فالأحوط إعادتها، و إن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها (202).

مسألة 40: إذا توضّأ وضوءين و صلّى بعدهما، ثمَّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما

(مسألة 40): إذا توضّأ وضوءين و صلّى بعدهما، ثمَّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية، لأنّه يرجع إلى العلم بوضوء و حدث، و الشك في المتأخر منهما. و أما صلاته

______________________________

عن تحققه قبلها، و لا إشكال في صحة الصلاة، و كون هذا الشك مجرى قاعدة الفراغ.

(الرابع): حدوث الشك في الطهارة بعد الصلاة و الكشف عن أنّه كان قبلها، و لا وجه لجريان قاعدة الفراغ فيها، لأنّ المتفاهم من أدلتها كون الشك ممحضا في الحدوث بعد الصلاة.

(الخامس): بحدوث الشك بعدها و تردده بين أنّه كان قبلها أو لم يكن كذلك، و يشكل جريان القاعدة، لأنّ التمسك بدليلها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. الا أن يتمسك بأصالة عدم حدوثه قبلها، فيتحقق موضوع أدلة القاعدة.

(201) للقطع بوقوعها عن طهارة صحيحة، بناء على أنّ التجديدي رافع للحدث. و أما بناء على عدم كونه رافعا له فقد تقدم تفصيله.

(202) لتعارض القاعدتين في الوضوءين و تساقطهما، ثمَّ الرجوع إلى القاعدة في المسبب. و نسب إلى المشهور بطلان الصلاة مطلقا، فإن كان لأجل أنّ التجديدي غير رافع للحدث، و أنّ المقام من موارد العلم بالحدث و الشك في الرافع، فهو باطل، لما مرّ من كونه رافعا له. و لكن الأحوط الإعادة خروجا عن خلافهم.

ص: 470

فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ، بل هو الأظهر (203).

مسألة 41: إذا توضّأ وضوءين، و صلّى بعد كلّ واحد صلاة

(مسألة 41): إذا توضّأ وضوءين، و صلّى بعد كلّ واحد صلاة، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلوات الآتية، و إعادة الصّلاتين السابقتين إن كانتا مختلفتين في العدد، و إلا يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمة جهرا إذا كانتا جهريتين، و إخفاتا إذا كانتا إخفاتيتين، و مخيّرا بين الجهر و الإخفات إذا كانتا مختلفتين، و الأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما (204).

______________________________

(203) تقدم حكم صدر هذه المسألة في [مسألة 37] و المقام من مواردها، و يجري هنا جميع ما تقدم هناك. نعم، بناء على كون الوضوء الثاني تجديديّا يجري فيه ما تقدم في المسألة السابقة أيضا فراجع. ثمَّ الظاهر عدم الفرق بين كون الصلاة بعدهما، أو كونها بعد أحدهما، لشمول قاعدة الفراغ لكلا الفرضين.

(204) أما وجوب الوضوء للصلاة الآتية، فلعين ما تقدم في [مسألة 37] إذ المقام من فروعها. و أما إعادة الصلاتين فيما إذا اختلفتا، فللعلم الإجمالي المنجز بين المتباينين، و عدم ما يوجب الانحلال، مضافا إلى دعوى الإجماع عليه، بلا فرق بين كونهما أدائيتين، أو قضائيتين، أو مختلفتين.

و دعوى: صحة الاكتفاء في الأخير بإعادة الأدائية فقط، لانحلال العلم الإجمالي بقاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة إلى القضائية. (مدفوعة): بأنّ القاعدة معارضة بقاعدة الفراغ في الأدائية، و تسقطان بالمعارضة، فيؤثر العلم الإجمالي أثره، مع أنّ شمول دليل الشك بعد الوقت لمثل المقام مخدوش، لأنّ مورده ما إذا شك بعد الوقت في أنّه أتى بالصلاة أم لا، و لا يشمل ما إذا علم بعد الوقت بوجوب القضاء عليه ثمَّ شك أنّه هل أتى به صحيحا أم لا؟

هذا، و أما كفاية صلاة واحدة في متحدي العدد، فللقطع بانطباق المعلوم بالإجمال عليها. و أما التخيير بين الجهر و الإخفات فهو المشهور، للشك في

ص: 471

مسألة 42: إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما، فالحال على منوال الواجبين

(مسألة 42): إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما، فالحال على منوال الواجبين (205)، لكن هنا يستحب الإعادة، إذ الفرض كونهما نافلة. و أما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة و الأخرى نافلة، فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة، و عدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا، لأنّه لا يلزم من إجرائها فيهما طرح تكليف منجز. إلا أنّ الأقوى

______________________________

شمول دليل تعينها لمثل الفرض، و في جريان قاعدة الاشتغال في المقام إشكال، لأنّ الشك في أصل تشريعهما في المقام، إذ مورد تعينهما ما إذا تعيّن نوع الصلاة عند المكلّف لا ما إذا ترددت بحسب ذاتها، و يشهد للسقوط كثرة مسامحة الشارع في الجهر و الإخفات، كما يأتي في [مسألة 24] من فصل القراءة في الصلاة، فالمرجع حينئذ الأصل. مضافا إلى إطلاق خبر الأهوازي:

«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال عليه السلام: يصلّي ثلاثة، و أربعة، و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعا، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى» (1).

و قريب منه خبر ابن أسباط (2) المنجبر قصور سندهما بالعمل، بناء على التعدي عن موردهما إلى المقام، للقطع بعدم الفرق. و أما كون الاحتياط في إعادة كلتيهما في هذه الصورة أيضا فللخروج عن خلاف من أوجب ذلك، كالشيخ، و ابني زهرة، و سعيد، و غيرهما.

(205) لكون تنجز العلم الإجمالي إنّما هو بحسب القاعدة، فلا فرق فيه بين كون متعلقه واجبا أو مندوبا، فيجري في هذه المسألة جميع ما تقدم في المسألة السابقة، و لكن مع استحباب الإعادة.

______________________________

ص: 472


1- الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.

عدم جريانها للعلم الإجمالي (206)، فيجب إعادة الواجبة، و يستحب إعادة النافلة.

مسألة 43: إذا كان متوضّئا و حدث منه بعده صلاة و حدث، و لا يعلم أيّهما المقدّم

(مسألة 43): إذا كان متوضّئا و حدث منه بعده صلاة و حدث، و لا يعلم أيّهما المقدّم، و أنّ المقدم هي الصلاة حتّى تكون صحيحة، أو الحدث حتّى تكون باطلة، الأقوى صحة الصلاة، لقاعدة الفراغ، خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما، لجريان استصحاب بقاء الطهارة أيضا إلى ما بعد الصلاة (207).

______________________________

(206) لأنّ المناط في تنجز العلم الإجمالي ثبوت الأثر الشرعي في متعلقه سواء كان لزوميا، أم ندبيا، أم مختلفا، و سواء كان منشأ التنجز عدم جريان الأصول في أطرافه، أو جريانها، و السقوط بالمعارضة.

ثمَّ إنّ صدر هذه المسألة و ذيلها داخلان تحت دليل واحد، و هو تنجز العلم الإجمالي مطلقا، فلا وجه لجزمه رحمه الله بالتنجز في صدرها، ثمَّ قوله:

«فيمكن أن يقال» الظاهر في الترديد، ثمَّ قوله: «الا أنّ الأقوى» الظاهر في الجزم.

هذا كله فيما إذا استحبت إعادة النافلة، و لو لم تستحب، كما إذا صلّى بعد أحد الوضوءين صلاة واجبة، و بعد الآخر صلّى ركعتين من حيث إنّ:

«الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل، و من شاء استكثر» (1)، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الواجبة بلا معارض إذ لا يستحب إعادة الصلاة الأخرى حتّى تجري القاعدة بالنسبة إليها أيضا، فتسقطان بالمعارضة. إلا إذا كانت في الصلاة الثانية جهة استحباب أخرى يستحب تداركها، و يأتي نظيره في [مسألة 44].

(207) فتصح الصلاة و لا تجب إعادتها أو قضاؤها و لا يجري استصحاب عدم الصلاة ليعارض استصحاب بقاء الطهارة، لأنّ تاريخ حدوث الصلاة معلوم،

______________________________

ص: 473


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب وجوب الصلاة حديث: 4.
مسألة 44: إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءا منه

(مسألة 44): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءا منه، و لا يدري أنّه الجزء الوجوبيّ أو الجزء الاستحبابيّ فالظاهر الحكم بصحة وضوئه، لقاعدة الفراغ، و لا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي، لأنّه لا أثر لها بالنسبة إليه (208).

و نظير ذلك ما إذا توضّأ وضوءا لقراءة القرآن، و توضّأ في وقت آخر وضوءا للصلاة الواجبة، ثمَّ علم ببطلان أحد الوضوءين، فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة، و لا تعارض بجريانها في القراءة أيضا، لعدم أثر لها بالنسبة إليها (209).

مسألة 45: إذا تيقن ترك جزء، أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فإن لم تفت الموالاة رجع، و تدارك

(مسألة 45): إذا تيقن ترك جزء، أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فإن لم تفت الموالاة رجع، و تدارك، و أتى بما بعده (210).

______________________________

و الشك في أنّه هل حدث الحدث قبل الصلاة أم لا، فيجري استصحاب بقاء الطهارة بلا معارض، مضافا إلى قاعدة الفراغ الدالة على صحة الصلاة أيضا.

و لو كان تاريخهما مجهولا، أو كان تاريخ حدوث الحدث معلوما و تاريخ الصلاة مجهولا، تصح الصلاة أيضا، لقاعدة الفراغ.

(208) إذا لم يثبت استحباب إعادة الوضوء لتدارك جزئه الاستحبابي و لو ثبت ذلك لكان العلم الإجمالي منجزا، لما تقدم في [مسألة 42].

(209) و لو ثبت وجوب إعادة القراءة، لكونها منذورة مع الطهارة لكان العلم الإجمالي منجزا لوجود الأثر في طرفيه، كما أنّ عدم تنجز العلم إنّما هو فيما إذا قرأ القرآن. و أما إذا توضأ للقراءة و لم يقرأ القرآن، ثمَّ علم إجمالا ببطلان أحد الوضوءين تنجز العلم، لاستحباب القراءة، فلا تجري قاعدة الفراغ في الصلاة.

(210) نصّا و إجماعا، قال الصادق عليه السلام في صحيح زرارة: «و إن تيقنت أنّك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء» (1).

______________________________

ص: 474


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

و أما إن شك في ذلك، فإمّا أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء، فإن كان في الأثناء رجع، و أتى به و بما بعده (211)، و إن كان الشك قبل مسح

______________________________

و تدل على ذلك الإطلاقات و العمومات الدالة على وجوب ذلك الجزء أو الشرط.

(211) نصّا و إجماعا، قال أبو جعفر في صحيح زرارة، «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه، إنّك لم تغسله أو تمسحه مما سمّى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء، و فرغت منه، و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها، فشككت في بعض ما سمّى الله مما أوجب الله عليك في وضوئك لا شي ء عليك فيه» (1).

و هذا الصحيح من المحكمات سندا و دلالة، و معمول به عند الإمامية، و نص في عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء. فما ظاهره الخلاف محمول، أو مطروح، كموثق ابن أبي يعفور: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره، فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» (2).

فإنّه محمول على أنّ المراد بقوله: «و قد دخلت في غيره» أي في غير الوضوء فيكون مفاده اعتبار قاعدة الفراغ في الوضوء، كما يأتي. و أما قوله عليه السلام: «إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» فهو و إن دل بالمفهوم على اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء. و لكن لا بد من طرح المفهوم لمنطوق صحيح زرارة، و الإجماع على عدم جريان القاعدة في الوضوء. مع أنّه يصح أن يقال:

إنّ الوضوء خارج عن مورد القاعدة تخصصا، لأنّها فيما هو مركب واقعا، و الطهارة المائية من الحدث الأصغر بسيط واقعا و إن تركبت أفعالها ظاهرا.

______________________________

ص: 475


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 2.

الرّجل اليسرى في غسل الوجه- مثلا- أو في جزء منه (212). و إن كان بعد الفراغ في غير الجزء الأخير بنى على الصحة، لقاعدة الفراغ (213). و كذا إن كان الشك في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر، أو كان بعد ما جلس طويلا، أو كان بعد القيام عن محلّ الوضوء (214) و إن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة و الا استأنف (215).

______________________________

(212) لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(213) المعمول بها في الوضوء نصّا و إجماعا، و للسيرة العقلائية في الجملة، و أصالة عدم الغفلة الجاريتين عند الفراغ عن كل عمل، و منه الوضوء و تدل عليه نصوص كثيرة:

منها: ما تقدم من صحيح زرارة.

و منها: قول الصادق عليه السلام: «كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه، و لا إعادة عليك فيه» (1)، و عنه عليه السلام أيضا في موثق ابن بكير «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: عليه السلام هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك» (2).

و خلاصة القول: إنّ أصالة عدم السهو و الغفلة و البقاء على الإرادة الأولية الباعثة على العمل من الأصول المعتبرة العقلائية، و قاعدتي التجاوز و الفراغ من صغريات هذا الأصل، و قد ورد الردع عنها بالنسبة إلى قاعدة التجاوز في خصوص الوضوء فقط و بقي الباقي.

(214) لما تقدم في الصحيح من قوله عليه السلام: «و فرغت و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها».

و إطلاقه يشمل جميع ما ذكر في المتن.

(215) لأدلة وجوب ذلك الجزء، و لقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل على

______________________________

ص: 476


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 6.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.
مسألة 46: لا اعتبار بشك كثير الشك

(مسألة 46): لا اعتبار بشك كثير الشك، سواء كان في الأجزاء، أم في الشرائط، أم الموانع (216).

مسألة 47: التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء

(مسألة 47): التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء، و كذا الغسل و التيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محلّ المشكوك فيه و عدمه، فمع التجاوز تجري

______________________________

الخلاف. و لا مجرى لقاعدة الفراغ فيه، لأنّ التمسك بدليله مع الشك في الفراغ تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. نعم، لو رأى نفسه فارغا و كان بانيا عليه، فالظاهر جريان القاعدة حينئذ، و لكنه مع الشك في الجزء الأخير، و عدم فصل زمان و لو قليلا من مجرد الفرض.

(216) لأنّ المتفاهم من الأدلة الشك الذي يعتنى به المتعارف لا ما يكون خارجا عنه، فتجري أصالة عدم السهو و الغفلة بلا مانع، و هي مقدمة على أصالة عدم الإتيان، لما ثبت في محله من تقدم الأصل الجاري في السبب على الجاري في المسبب. و في صحيح ابن سنان: «ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة. و قلت: و هو رجل عاقل قال عليه السلام: و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان» (1)، و عنه عليه السلام في الصحيح: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك- ثمَّ قال- إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (2).

و مثله غيره مما ورد في الصلاة. و الظاهر كونها من باب المثال لا الخصوصية، فتشمل جميع موارد كثير الشك، في الصلاة كانت أو في غيرها.

______________________________

ص: 477


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

قاعدة التجاوز، و إن كان في الأثناء (217)، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة أنّه ضرب بيديه على الأرض أم لا، يبني على أنّه ضرب بهما، و كذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنّه غسل رأسه أم لا، لا يعتني به، لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضا بالوضوء (218).

مسألة 48: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل

(مسألة 48): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، و لكن شك في أنّه هل كان هناك مسوّغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية، أم لا؟ بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي، الظاهر الصحة، حملا للفعل على الصحة لقاعدة الفراغ أو غيرها.

______________________________

(217) لأصالة عدم السهو و الغفلة، و عموم أدلة قاعدة التجاوز و إطلاقها الشامل للجميع الا ما خرج بالدليل و قد خرج الوضوء فقط، لما مر من صحيح زرارة، و بقي الباقي تحت العموم و الإطلاق. و ما يقال: من أنّ عموم ما دل على بدلية التيمم عن الوضوء يقتضي جريان جميع أحكامه عليه و عن المحقق الأنصاري نسبة الاعتناء بالشك في الغسل إلى الشهرة. (مدفوع): بأنّ كون دليل بدلية التيمم في مقام البيان حتّى من هذه الجهات ممنوع، إذ المنساق منه إطلاق البدلية في أصل الطهارة الحاصلة بعد التيمم، لا فيما هو معتبر شرعا حين الوضوء، كما أنّ نقل الشهرة لا اعتبار به خصوصا مع عدم ظهورها بين القدماء. نعم، عن جمع من الأساطين إلحاق الغسل بالوضوء، كالعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله.

و بالجملة: قاعدة التجاوز من المحكمات الموافقة لبناء العقلاء و أصالة عدم الغفلة و سهولة الشريعة المقدسة، و لا يرفع اليد عنها الا بنص صحيح أو إجماع صريح.

(218) خروجا عن خلاف من جزم بالإلحاق.

ص: 478

و كذا لو علم أنّه مسح بالماء الجديد و لم يعلم أنّه من جهة وجود المسوّغ أو لا. و الأحوط الإعادة في الجميع (219).

مسألة 49: إذا تيقن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله، و لكن شك في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أم لا

(مسألة 49): إذا تيقن أنّه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله، و لكن شك في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أم لا، بل عدل عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ، فيجب الإتيان به، لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانيا على إتمام العمل و عازما عليه، إلا أنّه شاك في إتيان الجزء الفلاني أم لا، و في المفروض لا يعلم ذلك.

و بعبارة أخرى: مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد (220).

مسألة 50: إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء أو في الأثناء

(مسألة 50): إذا شك في وجود الحاجب و عدمه قبل الوضوء أو في الأثناء، وجب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه، إن لم يكن مسبوقا بالوجود. و إلا وجب تحصيل اليقين و لا يكفي الظنّ. و إن شك بعد الفراغ في أنّه كان موجودا أم لا؟ بنى على عدمه، و يصح وضوؤه. و كذا إذا تيقن أنّه كان موجودا، و شك في أنّه أزاله، أو أوصل الماء تحته (221) أم لا؟ نعم، في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته

______________________________

(219) لما يقال: من أنّ مورد قاعدة الفراغ إنّما هو فيما إذا أحرز أنّ المأتيّ به كان هو المأمور به فعلا، و كان الشك في الموانع الخارجية. (و فيه): أنّه تخصيص لعموم أدلة القاعدة و إطلاقها الوارد للتسهيل و التيسير بلا وجه.

(220) قد تقدم مكرّرا أنّ القاعدة من صغريات أصالة عدم عروض السهو و النسيان، فلا يشمل دليلها غير هذه الصورة، و يصح التمسك بأصالة عدم عروض قصد العدول، فلا تجب الإعادة.

(221) أما وجوب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظن في الفرع الأول،

ص: 479

و قد لا يصل، إذا علم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل، و لكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه (222)، فلا يترك الاحتياط بالإعادة. و كذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه، و شك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده، فإنّه يبني على الصحة، إلا إذا علم أنّه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإنّ الأحوط الإعادة حينئذ (223).

مسألة 51: إذا علم بوجود مانع، و علم زمان حدوثه و شك في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة

(مسألة 51): إذا علم بوجود مانع، و علم زمان حدوثه و شك

______________________________

فقد تقدم دليله في [مسألة 9] من مسائل غسل الوجه، و الشرط الثالث من شرائط الوضوء، فراجع. و أما عدم كفاية الظن في الفرع الثاني، فلقاعدة الاشتغال إلا إذا كان الظن اطمئنانيا، فيصح الاعتماد عليه حينئذ. و أما صحة الوضوء في الفرعين الأخيرين، فلقاعدة الفراغ.

(222) من إطلاق أدلة القاعدة فيشمل صورة عدم الالتفات أيضا، و من أنّ الظاهر من حال من يعمل عملا أنّه متوجه و لو إجمالا إلى عمله، و يشهد له قوله عليه السلام في موثق ابن بكير، «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (1).

و يمكن الإشكال في ظهور الحال بأنّه من باب الغالب و كذا الموثق فإنّه أيضا من باب الغالب، و ليس علة تامة حتّى يدور اعتبار القاعدة مدارها، خصوصا بعد إطلاق خبر أبي العلاء: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت.

قال عليه السلام: حوّله من مكانه».

و قال في الوضوء: «فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» (2) سيّما بعد كون هذه القاعدة تسهيلية امتنانية شرعت لرفع الكلفة.

(223) تقدم وجهه في الفرع السابق عليه.

______________________________

ص: 480


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.

في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة لقاعدة الفراغ، إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الإعادة حينئذ (224).

مسألة 52: إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجسا، فتوضّأ و شك بعده في أنّه طهّره، ثمَّ توضّأ أم لا؟

(مسألة 52): إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجسا، فتوضّأ و شك بعده في أنّه طهّره، ثمَّ توضّأ أم لا؟ بنى على بقاء النجاسة (225)، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال. و أما وضوؤه فمحكوم بالصحة، عملا بقاعدة الفراغ (226)، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة و النجاسة (227).

و كذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضّأ منه سابقا على الوضوء و يشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكرّ أو بالمطر أم لا، فإنّ وضوءه محكوم بالصحة و الماء محكوم بالنجاسة. و يجب عليه غسل كلّ ما لاقاه، و كذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين التوضؤ، أو لاقى محلّ التوضؤ مع الرطوبة (228).

______________________________

(224) لما سبق في المسألة السابقة. و قد احتاط في المقام، و أفتى بوجوب الإعادة في [مسألة 7] من فصل الأوقات مع أنّ المدرك واحد.

(225) لأصالة بقائها. نعم، لو كان الوضوء كافيا في تطهيره يبني على طهارة بدنه و صحة وضوئه، كما إذا توضأ ارتماسا في المعتصم.

(226) و جريانها في الوضوء لا يستلزم طهارة البدن، لأنّ مجرى القاعدة خصوص الوضوء، و طهارة البدن من لوازم مجراها. و كون القاعدة معتبرة في اللوازم مشكل، بل ممنوع، و التفكيك بين اللوازم و الملزومات في الأحكام الظاهرية لا محذور فيه.

(227) تقدم وجه الإشكال في [مسألة 50].

(228) أما صحة الوضوء، فلقاعدة الفراغ، و أما نجاسة الماء، فلاستصحاب النجاسة، و صحة التفكيك في الأحكام الظاهرية بين اللوازم

ص: 481

مسألة 53: إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه بنى على صحتها

(مسألة 53): إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها و عدمه بنى على صحتها، لكنّه محكوم ببقاء حدثه، فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية (229). و لو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء (230)، و الأحوط الإتمام مع تلك الحالة ثمَّ الإعادة بعد الوضوء (231).

مسألة 54: إذا تيقن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا أو شرطا

(مسألة 54): إذا تيقن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا أو شرطا، أو أوجد مانعا، ثمَّ تبدّل يقينه بالشك، يبني على الصحة عملا بقاعدة

______________________________

و الملزومات كما تقدم، فلا ملازمة بين صحة الصلاة و طهارة البدن. و أما وجوب غسل جميع ما وصل إليه الماء فلنجاسة ملاقي مستصحب النجاسة.

(229) أما صحة الصلاة، فلقاعدة الفراغ. و أما وجوب الوضوء للصلوات الآتية، فلعمومات اشتراط الطهارة فيها، و لقاعدة الاشتغال. و لا يثبت بقاعدة الفراغ الطهارة للصلوات الآتية، لعدم كونها من مجاريها، و عدم إثبات اللوازم بها.

(230) لعدم إمكان تصحيح الصلاة، لأنّ مفاد قاعدة الفراغ إنّما هو تصحيح ما مضى من الصلاة. و لا وجه لصحة ما بقي منها الا احتمال أن تكون الطهارة الحدثية محدودة بما قبل الشروع في الصلاة، كما يمكن أن يستظهر من قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1). فتجري قاعدة التجاوز حينئذ بالنسبة إلى الطهارة. (و فيه): أنّ الطهارة من الشرائط المقارنة لجميع أجزاء الصلاة من أولها إلى آخرها و ليست محدودة بمحل معيّن حتّى يصدق التجاوز بالنسبة إليه.

(231) لأجل العمل بما مر من احتمال جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الطهارة.

______________________________

ص: 482


1- المائدة (5): الآية 6.

الفراغ، و لا يضرّها اليقين بالبطلان بعد تبدله بالشك (232). و لو تيقن بالصحة ثمَّ شك فيها فأولى بجريان القاعدة (233).

مسألة 55: إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى

(مسألة 55): إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به و تمّم الوضوء، ثمَّ علم أنّه كان غسله، يحتمل الحكم ببطلان الوضوء، من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد. لكن الأقوى صحته لأنّ الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى، حتّى في اليد اليسرى فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع، فهي محسوبة من الغسلة المستحبة، و لا يضرّها نية الوجوب (234). لكن الأحوط إعادة الوضوء، لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها (235).

هذا، و لو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة و صارت هذه ثالثة تعيّن البطلان، لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

______________________________

(232) لأنّ اليقين المعتبر ما كان مستقرا، لا ما زال أو تبدل إلى الشك إذ يجري عليه حكم الشك حينئذ.

(233) لجريان أصالة الصحة حينئذ أيضا.

(234) للأصل مع أنّها من الخطإ في التطبيق.

(235) هذا الاحتمال لا وجه له، لأنّ القصد الإجمالي الوضوئي متحقق و يكفي ذلك. نعم، لو جعل منشأ الاحتياط الخروج عن خلاف من لم يجعل الثانية مندوبة كان له وجه. و لا ريب في حسن الاحتياط على كل حال.

ص: 483

فصل في أحكام الجبائر

اشارة

(فصل في أحكام الجبائر) و هي الألواح الموضوعة على الكسر، و الخرق، و الأدوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل (1). فالجرح و نحوه إما مكشوف، أو مجبور، و على التقديرين: إما في موضع الغسل، أو في موضع المسح، ثمَّ إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء، ثمَّ إما يمكن غسل المحلّ أو مسحه، أو لا يمكن (2). فإن أمكن ذلك بلا مشقة و لو بتكرار الماء عليه حتّى يصل إليه لو كان عليه جبيرة، أو وضعه في الماء حتّى يصل إليه، بشرط أن يكون المحلّ و الجبيرة طاهرين، أو أمكن تطهيرهما، وجب ذلك (3).

(فصل في أحكام الجبائر)

______________________________

(1) مادة الجبر بمعنى الإصلاح، فكل ما يوضع على الجرح و القرح لأجل إصلاحه يسمّى جبيرة، بلا فرق بين الألواح و الخرق و غيرها، فذكر الألواح و الخرق و نحوها في الكلمات من باب المثال، كما أنّ ذكر الكسر و الجرح أيضا كذلك، فما يلصق على محل الوجع من البدن لرفع وجعه، و يضرّ استعمال الماء بذلك المحل، و لا يمكن رفع ما وضع عليه فهو من الجبيرة أيضا.

(2) هذا التقسيم تقسيم موضوعيّ، و إنّما هو بلحاظ الحكم في موضوعات ما يأتي من المسائل. و ليس بحاصر لجميع موضوعاتها، كما لا يخفى.

(3) لظهور العموم و الإطلاق و الاتفاق بعد إجراء حكم البشرة على الجبيرة شرعا، بل بحسب عرف المتشرعة أيضا. و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع

ص: 484

.....

______________________________

الوضوء، فيعصبها بالخرقة و يتوضأ يمسح عليها إذا توضأ؟ فقال عليه السلام: إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها» (1).

و في موثق عمار (2) عنه عليه السلام أيضا: «في الرجل ينكسر ساعده، أو موضع من مواضع الوضوء، فلا يقدر أن يحله لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟

قال عليه السلام: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء، و يضع موضع الجبر في الماء حتّى يصل الماء إلى جلده».

و المتفاهم من مثل هذه الأخبار اعتبار إيصال الماء إلى المحل مع الإمكان و عدم التضرر بأيّ وجه أمكن، و ليس لوضع موضع الجبيرة في الماء خصوصية خاصة، فالمناط كله وصول الماء إلى المحل، سواء كان ذلك بنزع الجبيرة إن أمكن أم بتكرار الماء عليها حتّى يصل إلى المحل، أم بالرمس في الماء و المكث يسيرا، أم غير ذلك من سائر الطرق المناسبة لسهولة الشريعة المقدسة. و ظاهر الفقهاء رحمهم الله الاتفاق على التخيير بين جميع ذلك أيضا، مع أنّه لا أثر لاتفاقهم بعد كون الحكم من العاديات المتعارفة بين المتشرعة، بل الناس مطلقا، فإنّهم بارتكازاتهم إن خافوا من وصول الماء إلى المحل يتحفظون من وصوله إليه. و إلا فيهتمون بإيصاله إليه بما أمكنهم الأيسر فالأيسر، و قد قرر الشارع هذه الطريقة بأخبار الجبيرة، و تقتضيه عمومات نفي الحرج أيضا. هذا بحسب القاعدة، و ما هو المأنوس في الأذهان. و أما الأخبار فهي أقسام:

الأول: ما تقدم من صحيح الحلبي الذي جعل مناط المسح على الجبيرة الأذية، فمع تحققها يمسح عليها، و الا يغسل المحل، و هو من الأخبار المبينة المحكمة، و مثله خبر الأسدي: «إن كان يتخوف على نفسه، فليمسح على جبائره» (3).

الثاني: ما تقدم من موثق ابن عمار (4)، و لا بد من حمله على ما إذا لم يتضرّر بوصول الماء إلى المحل، جمعا بينه و بين صحيح الحلبي(5).

______________________________

ص: 485


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 7.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 6.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

.....

______________________________

الثالث: صحيح ابن الحجاج الوارد في غسل الجنابة مع الجبائر قال أبو الحسن عليه السلام: «يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر، و يدع ما سوى ذلك ما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته» (1).

بعد الاتفاق على عدم الفرق بين الغسل و الوضوء و هو صريح في سقوط غسل المحل مباشرة عند عدم الاستطاعة على نزع الجبيرة، و ساكت عن وجوب مسحها. و لا بد من حمله عليه جمعا بينه و بين ما تقدم من صحيح الحلبي إن لم يمكن إيصال الماء إلى المحل بطريق آخر، و إلا وجب ذلك.

الرابع: ما هو في مقام بيان القاعدة الكلية، كخبر عبد الأعلى: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه السلام: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عزّ و جل، قال الله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه» (2).

الخامس: خبر ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله» (3)، و في ذيل صحيح الحلبي:

«و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله» (4).

و ظهوره في الجرح المكشوف مما لا ينكر، كظهوره في سقوط الغسل عند تعذره.

السادس: خبر عمار: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا؟ قال: لا، و لا يجعل الا ما يقدر على أخذه عنه عند الوضوء، و لا يجعل عليه الا ما يصل إليه الماء» (5).

و هو محمول على حالة الاختيار، و الإمكان. و أما مع الاضطرار إلى جعل شي ء عليه مع عدم إمكان رفعه حتّى يبرأ، فلا إشكال حينئذ و إن لم يصل الماء إلى البشرة.

______________________________

ص: 486


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 3.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 6.

و إن لم يمكن- إما لضرر الماء أو للنجاسة و عدم إمكان التطهير، أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة و لا رفعها- فإن كان مكشوفا يجب غسل أطرافه و وضع خرقة طاهرة عليه و المسح عليها مع الرطوبة (4)، و إن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعيّن ذلك (5) إن لم

______________________________

السابع: الإطلاقات الدالة على سقوط الغسل مع الجروح و القروح كصحيح ابن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب؟ قال عليه السلام: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم» (1) و نحوه غيره. و هذه الأخبار محمولة على التضرر بأصل استعمال الماء مطلقا جمعا بينها و بين غيرها مما تقدم، و يأتي. هذا خلاصة أخبار الباب، و لا تنافي بينها عند أولي الألباب.

(4) أما وجوب غسل ما حول الجرح، فلما تقدم من ذيل صحيح الحلبي، و خبر ابن سنان، و قوله عليه السلام في صحيح ابن الحجاج: «يغسل ما وصل إليه الغسل» (2)، و لقاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء نصّا و إجماعا هذا مع ظهور الاتفاق عليه.

و أما وضع الخرقة و المسح عليها بالرطوبة، فاستدل عليه تارة: بكونه ميسور غسل المحل. و أخرى: باستفادته مما ورد في المسح على الجبيرة المتصلة بالعضو، كصحيح الحلبي و غيره. و ثالثة: بأنّ المستفاد من مجموع الأدلة أنّ الحائل بدل عن البشرة عند تعذر غسلها فيجب تحصيله إن لم يكن موجودا. و رابعة: بأنّ إطلاق الجبيرة يشمل الجبيرة السابقة على الوضوء و الموضوعة له. و خامسة: بأنّه يستأنس للمقام من اتفاق الفتوى على أنّه لو كان ظاهر الجبيرة نجسا توضع عليه خرقة طاهرة و يمسح عليها إلى غير ذلك مما قيل في استظهار الوجوب. و قال في الجواهر: «فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوة،

______________________________

ص: 487


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1.

يمكن غسله- كما هو المفروض- و إن لم يمكن وضع الخرقة أيضا اقتصر على غسل أطرافه (6)، لكن الأحوط ضمّ التيمم إليه (7). و إن كان في موضع المسح و لم يمكن المسح عليه كذلك، يجب وضع

______________________________

و إن كان للنظر في كل واحد مما سمعت من الأدلة مجال و لكن مجموعها يفيد الفقيه قوة الظن بذلك».

أقول: الوجوه المذكورة تصلح لإيجاب الاحتياط، و إن لم تصلح للفتوى.

(5) لأنّ ذلك هو الميسور، و لقاعدة الاشتغال، و لفحوى ما دل على المسح على الجبيرة. و هل يجب وضع الخرقة و المسح عليها أيضا، لقاعدة الاشتغال بناء على كون المقام من المتباينين أو لا؟ وجهان: الظاهر هو الثاني، لكونه من موارد تردد التكليف بين البدل و المبدل، فمع التمكن من المبدل لا وجه لوجوب البدل، و الاحتياط حسن على كل حال.

(6) لما تقدم من خبر ابن سنان، و ذيل صحيح الحلبي الظاهرين في أنّ ذلك هو التكليف الواقعي. و نسب إلى ظاهر الأصحاب أيضا الاكتفاء في الجرح المكشوف بغسل ما حوله.

(7) لاحتمال شمول بعض مطلقات التيمم للمقام، كالصحيح: «في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح، أو يخاف على نفسه من البرد. فقال:

لا يغتسل و يتيمم» (1).

و مثله غيره (2) مما هو كثير و فيه: أنّ ظاهرها صورة التضرر باستعمال الماء لأجل القروح و الجروح فلا ربط لها بالمقام، مع أنّ ما مر من صحيح الحلبي، و خبر ابن سنان حاكم عليها، إذ مع التمكن من المبدل لا وجه للتكليف بالبدل.

و احتمال أن يكون المراد بها مجرد وجوب غسل الأطراف، فلا يدلان على

______________________________

ص: 488


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 8 و غيره من الأخبار.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 8 و غيره من الأخبار.

خرقة طاهرة، و المسح عليها بنداوة (8)، و إن لم يمكن سقط، و ضمّ إليه التيمم (9)، و إن كان مجبورا وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط (10)، و المسح على الجبيرة إن كانت طاهرة، أو أمكن تطهيرها (11) و إن كان في موضع الغسل (12).

______________________________

الإجزاء، خلاف الظاهر.

(8) لما تقدم من خبر عبد الأعلى، بناء على عدم الفرق بين ما وضع على المحل قبل الوضوء و ما يوضع عليه لأجله، و تقدم في الجرح المكشوف الذي يكون في محل الغسل ما ينفع المقام.

(9) أما سقوط المسح، فلعدم التمكن منه. و أما ضم التيمم فللعلم الإجمالي بين وجوبه و وجوب الوضوء بهذا النحو عليه، فيجمع بينهما. و ليس في البين ما ينحل به العلم الإجمالي إلا قاعدة الميسور، و إطلاق ما تقدم من خبر عبد الأعلى، بناء على استفادة الأجزاء منها بكل ما تيسر، و لكنه مشكل.

(10) لإطلاقات أدلة الوضوء، و قاعدة الميسور المعمول بها في أبعاض الوضوء، مع ظهور الاتفاق عليه، و ما تقدم من صحيحي الحلبي و ابن الحجاج و خبر ابن سنان (1).

(11) نصّا و إجماعا. قال الصادق عليه السلام في خبر الأسدي: «إن كان يتخوف على نفسه، فليمسح على جبائره و ليصلّ» (2)، و خبر الوشاء عن الرضا عليه السلام: «سألته عن الدواء يكون على يد الرجل أ يجزيه أن يمسح في الوضوء على الدواء المطلي عليه؟ فقال: نعم، يمسح عليه و يجزيه» (3).

و لا يعارضها ما دل على غسل الأطراف، لاختلاف المورد مع إمكان المسح على الجبيرة، كما هو المفروض.

(12) لإطلاق الأدلة المشتملة على المسح على الجبيرة الشامل لما إذا

______________________________

ص: 489


1- تقدم في صفحة 486.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 10.

و الظاهر عدم تعين المسح حينئذ، فيجوز الغسل أيضا (13).

و الأحوط إجراء الماء عليها مع الإمكان بإمرار اليد من دون قصد الغسل أو المسح (14). و لا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في موضع الغسل (15)، و يلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة (16). و لا يكفي مجرد النداوة (17). نعم، لا يلزم المداقة بإيصال الماء إلى الخلل و الفرج، بل يكفي صدق الاستيعاب عرفا (18).

هذا كلّه إذا لم يمكن رفع الجبيرة و المسح على البشرة. و الا

______________________________

كانت في محل المسح أو الغسل.

(13) لأنّ الأمر بالمسح في أدلة الجبائر ورد مورد توهم الخطر، فلا يستفاد منه أكثر من الرخصة، مع أنّ ذكره إنّما هو لأجل كونه من إحدى طرق إيصال الماء إلى المحل، و حيث إنّه في الجبائر يكون بالمسح غالبا فيصح بكل طريق أمكن إيصال الماء إلى المحل، و لو كان ذلك بالغسل.

(14) لأنّه حينئذ مجمع العنوانين و كل ما يكون مطلوبا واقعيا ينطبق عليه قهرا، و قد تقدم أنّه لو حصل الغسل بالمسح لا بأس به، كما تقدم في [مسألة 29] من المسح.

(15) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، مع أنّ ما بيده من الماء إنّما هو ماء مأخوذ للوضوء، فذكر هذا القيد بلا طائل.

(16) لأنّ الجبيرة منزلة البشرة، فيجري عليها حكم نفس البشرة عند غسلها، و هو مقتضى ظواهر الأدلة أيضا.

(17) لأنّ المتفاهم من الأدلة إنّما هو المسح بالماء فيما يجب غسله، و هو لا يحصل بمجرد النداوة.

(18) لتنزل الأدلة على المتعارف، مع أنّ إيصال الماء إلى الخلل و الفرج مستلزم للحرج، و ربما يوجب بطء البرء.

ص: 490

فالأحوط تعينه، بل لا يخلو عن قوّة (19) إذا لم يمكن غسله، كما هو المفروض. و الأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة و على المحلّ أيضا بعد رفعها. و إن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر، فإن أمكن وضع خرقة طاهرة عليها و مسحها يجب ذلك (20)، و إن لم يمكن ذلك أيضا، فالأحوط الجمع بين الإتمام بالاقتصار على غسل الأطراف و التيمم (21).

مسألة 1: إذا كانت الجبيرة في موضع المسح، و لم يمكن رفعها و المسح على البشرة

(مسألة 1): إذا كانت الجبيرة في موضع المسح، و لم يمكن رفعهاو المسح على البشرة، لكن أمكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحلّ. و هل يتعيّن ذلك أو يتعيّن المسح على الجبيرة؟ وجهان، و لا يترك الاحتياط بالجمع (22).

______________________________

(19) لأنّ ذلك هو ميسور غسل البشرة، و مع إمكانه لا تصل النوبة إلى الجبيرة. إلا أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق أدلة المسح على الجبيرة هو المسح عليها حتّى مع إمكان رفعها. (و فيه): أنّ كون الإطلاق في مقام البيان من هذه الجهة مشكل جدا، و إن لم يكن ممنوعا، و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.

(20) لعدم الخلاف فيه، كما عن المدارك، و قد تقدم ذكر الوجوه الخمسة في صدر المسألة، و هي تجري في المقام أيضا.

(21) للعلم الإجمالي، إذ المحتملات ثلاثة: تعيين التيمم، لما ادعي من الإجماع على عدم كون الفرض مشمولا لأدلة الجبائر مطلقا، و الاكتفاء بغسل الأطراف، لما تقدم من الخبرين. و تعيين المسح على الجبيرة النجسة و مقتضى العلم الإجمالي الجمع بين المحتملات الثلاثة بعد إمكان المناقشة في الإجماع بأنّه اجتهادي، و احتمال انصراف أدلة الجبائر عن تعين المسح على الجبيرة، و إمكان استظهار تعيين غسل الأطراف من خبر ابن سنان و صحيح الحلبي، فراجع فالمحتملات ثلاثة في أطراف العلم الإجمالي لا اثنان، كما يظهر من الماتن.

(22) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، و عدم طريق للجزم بتعيين أحدهما

ص: 491

مسألة 2: إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء فالظاهر جريان الأحكام المذكورة

(مسألة 2): إذا كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء، فالظاهر جريان الأحكام المذكورة (23)، و إن كانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالإجراء مشكل، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الجبيرة و التيمم (24).

مسألة 3: إذا كانت الجبيرة في الماسح، فمسح عليها بدلا عن غسل المحلّ

(مسألة 3): إذا كانت الجبيرة في الماسح، فمسح عليها بدلا عن غسل المحلّ، يجب أن يكون المسح به بتلك الرطوبة أي الحاصلة

______________________________

لأنّ تعيين الثاني الجمود على إطلاق ما تقدم من خبر عبد الأعلى.

و يمكن الخدشة فيه: بانصرافه عن هذه الصورة و وجه تعيين الأول، أنّه ميسور المسح إذ المسح عبارة عن إمرار الماسح على الممسوح مع وصول البلة إلى المحل، فيترك المعسور، و يؤتى بالميسور، و يمكن الخدشة فيه: بأنّ قاعدة الميسور و إن كانت معتبرة في الوضوء بالخصوص، و عبرنا عنها بقاعدة الميسور الصغرى (1). الا أنّ موردها إنّما هو الوضوء الاختياري، أو أصل الجبائر في الجملة. و أما جريانها في جميع خصوصيات الجبائر، فيحتاج إلى وجود دليل معتبر عليها من إجماع و نحوه، و هو مفقود في خصوص الفرض، و لو احتمل في المقام وجوب التيمم أيضا احتمالا يعتنى به لوجب الإتيان به أيضا، و لكن هذا الاحتمال ضعيف.

(23) لشمول إطلاق أدلة الجبائر لها بعد كونها واقعة في الخارج كثيرا.

و احتمال الانصراف لا يعتنى به، خصوصا بعد إطلاق قوله عليه السلام:

«فليمسح على جبائره». و لكن الأحوط استحبابا ضم التيمم.

(24) للعلم الإجمالي، إما بوجوب الجبيرة أو التيمم، فلا بد من الجمع بينهما و منشأ حصول العلم الإجمالي أنّ احتمال انصراف أدلة الجبائر عن الجبيرة المستوعبة لتمام الأعضاء من الاحتمالات المعتد بها عند المتشرعة.

______________________________

ص: 492


1- تقدم في صفحة: 376.

من المسح على جبيرته (25).

مسألة 4: إنّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه

(مسألة 4): إنّما ينتقل إلى المسح على الجبيرة إذا كانت في موضع المسح بتمامه، و الا فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة، مثلا لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها، و لو كان من أحد الأصابع و لو الخنصر إلى المفصل مكشوفا وجب المسح على ذلك، و إذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخطّ الطولي من الطرفين و عليها في محلّها (26).

مسألة 5: إذا كان في عضو واحد جبائر متعدّدة يجب الغسل

(مسألة 5): إذا كان في عضو واحد جبائر متعدّدة يجب الغسل أو المسح في فواصلها (27).

مسألة 6: إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة

(مسألة 6): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها (28)، و إن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رفعها و غسل المقدار الصحيح، ثمَّ وضعها

______________________________

(25) لأنّها حينئذ بلة الوضوء، و تقدم وجوب المسح ببلة الوضوء.

(26) لإطلاق دليل التكليف الأولي الاختياري، و عدم انتقاله إلى البدل الاضطراري مع التمكن من المبدل. مضافا إلى أنّه لا إطلاق في أدلة الجبائر من هذه الجهة يدل على إجزاء المسح على الجبيرة حتّى في هذه الصورة.

________________________________________

(27) لوجود المقتضي، و فقد المانع بالنسبة إلى الفواصل، فتشمله الإطلاقات و لصحيح ابن الحجاج: «يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر، و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته»(1).

(28) لشمول إطلاقات أدلة الجبائر له قطعا، لكونه بقدر المتعارف.

______________________________

ص: 493


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

و مسح عليها (29)، و إن لم يمكن ذلك مسح عليها، لكن الأحوط ضمّ التيمم أيضا (30)، خصوصا إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضا بالماء.

______________________________

(29) لتمكنه من الإتيان بالمأمور به بحدوده و قيوده، فيجب الإتيان به.

(30) للعلم الإجمالي المردد بين وجوب التيمم و وجوب الوضوء بهذا النحو، فيجب الاحتياط بهما، بل قد يقال: إنّ مقتضى إطلاقات بدلية التيمم تعينه.

و أشكل عليها تارة: بإطلاقات أدلة الجبائر الشاملة للمقام أيضا، بناء على شمولها لمطلق التضرر باستعمال الماء. و فيه: أنّ المنساق منها إنّما هو خصوص الجروح و القروح، فلا تشمل مطلق التضرر.

و أخرى: بقاعدة الميسور، فيجب الوضوء بكل ما تيسر منه. و فيه: أنّها تعتبر مع عمل الأصحاب بها في مطلق التضرر باستعمال الماء، و هو غير معلوم إن لم يكن معلوم العدم. نعم، قاعدة الميسور الصغرى معتبرة في الوضوء بالخصوص، و المقام ليس من موردها كما أشرنا إليه.

و ثالثة: باستصحاب وجوب الطهارة المائية. (و فيه) أولا: أنّها لا تشمل العذر الحاصل قبل الوقت. و ثانيا: التامة منها ساقطة قطعا، و الناقصة تحتاج إلى دليل و هو مفقود.

إن قلت: تعين الطهارة الترابية أيضا يحتاج إلى دليل و هو مفقود، لأنّ التمسك بإطلاقاتها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(قلت): وجود الموضوع لها وجداني، إذ المفروض التضرر باستعمال الماء في الجملة، فلا شك في تحقق الموضوع لها من هذه الجهة. إنّما الشك في كون المورد مشمولا لأدلة الجبائر، فيكون التمسك بها حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتعيّن التيمم في صورة التضرر باستعمال الماء موافق للدليل و يأتي في فصل التيمم ما ينفع المقام.

ص: 494

مسألة 7: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه

(مسألة 7): في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه و مسحه يجب أولا أن يغسل ما يمكن من أطرافه ثمَّ وضعه (31).

مسألة 8: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف يشكل كفاية المسح على الجبيرة

(مسألة 8): إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف (32) يشكل كفاية المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد أن يضعها عليها، فالأحوط غسل القدر الممكن و المسح على الجبيرة، ثمَّ التيمم. و أما المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

مسألة 9: إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر

(مسألة 9): إذا لم يكن جرح و لا قرح و لا كسر، بل كان يضرّه استعمال الماء لمرض آخر، فالحكم هو التيمم (33) لكن الأحوط ضمّ

______________________________

(31) لما تقدم من خبر ابن سنان، و صحيح الحلبي، و تقتضيه قاعدة الميسور، و ظهور الاتفاق.

(32) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في المسألة السادسة، فلا وجه للتكرار.

(33) لعدم التمكن من استعمال الماء شرعا، فتشمله أدلة التيمم قهرا و توهم وجوب الوضوء، لقاعدة الميسور، و احتمال أدلة الجبائر من جهة مطلق الضرر، لا لخصوصية الجرح، و القرح، و الكسر، بل ذكر ذلك كله من باب المثال، (مدفوع):

أما الأولى: فلما مر من عدم الاعتبار بها ما لم يكن معمولا بها عند الأصحاب، و ليست كذلك في المقام، بل ظاهرهم خلافها. نعم، أثبتنا اعتبار قاعدة الميسور الصغرى، و المقام ليس منها.

و أما الثاني: فلأنّه خلاف ظواهر الأدلة و تسالم الأصحاب، فإنّ المستفاد منها كون مطلق الضرر موجبا للتيمم في مقابل الجرح، و القرح، و الكسر و إن كان دخل ذلك كله في الجبيرة أيضا لأجل الضرر. لكن ليس كل ضرر كذلك. و منه يظهر وجه الاحتياط، و لكنه لا يخفى أنّ الاحتياط بضم الوضوء مع وضع الخرقة إنّما هو إذا ارتفع الضرر بهذا العمل، و الا فلا موضوع للاحتياط أصلا.

ص: 495

الوضوء مع وضع خرقة، و المسح عليها أيضا مع الإمكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله.

مسألة 10: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء

(مسألة 10): إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء، لكن كان بحيث يضرّ استعمال الماء في موضعه أيضا، فالمتعيّن التيمم (34).

مسألة 11: في الرّمد يتعيّن التيمم إذا كان استعمال الماء مضرّا مطلقا

(مسألة 11): في الرّمد يتعيّن التيمم إذا كان استعمال الماء مضرّا مطلقا (35)، أما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر، و إنّما كان يضرّ العين فقط، فالأحوط الجمع بين الوضوء- بغسل أطرافها و وضع خرقة عليها و مسحها- و بين التيمم.

مسألة 12: محلّ القصد داخل في الجروح

(مسألة 12): محلّ القصد داخل في الجروح (36). فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضرّا، يكفي المسح على الوصلة «الخرقة» التي عليه إن لم تكن أزيد من المتعارف، و الا حلّها و غسل المقدار الزائد ثمَّ شدّها. كما أنّه إن كان مكشوفا وضع عليه خرقة و مسح عليها بعد غسل ما حوله. و إن كانت أطرافه نجسة طهّرها، و إن لم يمكن تطهيرها

______________________________

(34) نصّا (1) و إجماعا، كما يأتي في محله.

(35) لأنّ من موجبات التيمم كون استعمال الماء مضرّا، كما يأتي في الثالث من مسوغات التيمم. و يظهر حكم بقية المسألة مما تقدم في المسألة التاسعة، إذ لا فرق بينهما، فلا وجه لجزمه رحمه الله بوجوب التيمم فيها و تردده و إيجابه الاحتياط في المقام.

(36) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف التمكن من المعالجات الفورية و عدمه، و تقدم ما يتعلق بفروع هذه المسألة في المسائل السابقة.

______________________________

ص: 496


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم.

و كانت زائدة على القدر المتعارف، جمع بين الجبيرة و التيمم.

مسألة 13: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم لا باختياره

(مسألة 13): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم لا باختياره (37).

مسألة 14: إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء

(مسألة 14): إذا كان شي ء لاصقا ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه، و لم يمكن إزالته، أو كان فيها حرج و مشقّة لا تتحمّل- مثل القير و نحوه- يجري عليه حكم الجبيرة (38)، و الأحوط ضمّ التيمم أيضا.

______________________________

(37) لظهور الإطلاق(1)و الاتفاق، و يظهر منهم مسلمية كون التكاليف الاضطرارية أعم مما إذا حصل سببها بالاختيار أم لا.

(38) لخبر الوشاء، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء يكون على يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال عليه السلام: يجزيه أن يمسح عليه» (2).

و قريب منه خبره الآخر، و موردهما، و إن كان صورة العذر، لكن المناط كله تعذر الرفع عند المتشرعة، و عن صاحب الجواهر: «فساد القول بوجوب التيمم قطعا».

فروع- (الأول): المناط في إمكان الإزالة إنّما هو بالطرق المتعارفة، فينتقل التكليف إلى الجبيرة مع تعذرها، و لا تجب الإزالة بالنحو غير المتعارف- كجملة من الأصباغ الملصقة باليد التي تعسر إزالتها.

(الثاني): إذا كان المباشر بوضع الجبيرة كافرا يحكم بطهارتها ما لم يعلم بالنجاسة.

(الثالث): إذا كان ذا جبائر كثيرة، و علم بأنّ إحداها وضعت على

______________________________

ص: 497


1- أي إطلاقات أدلة الجبائر، كما تقدم في صفحة: 485.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 2.

مسألة 15: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضرّه نجاسة باطنه

(مسألة 15): إذا كان ظاهر الجبيرة طاهرا لا يضرّه نجاسة باطنه (39).

مسألة 16: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه

(مسألة 16): إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوبا لا يجوز المسح عليه (40)، بل يجب رفعه و تبديله (41)، و إن كان ظاهرها مباحا و باطنها مغصوبا، فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفا فيه، فلا يضرّ (42) و الا بطل (43). و إن لم يمكن نزعه أو كان مضرّا، فإن عدّ تالفا يجوز المسح عليه و عليه العوض لمالكه (44)، و الأحوط استرضاء المالك أيضا أولا، و إن لم يعد تالفا وجب استرضاء المالك و لو بمثل شراء أو إجارة، و إن لم يمكن، فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار

______________________________

الموضع الصحيح، و لا يمكن تعيينها بالخصوص، فإن أمكن رفع الجميع بإيصال الماء إلى ما تحتها، فعل، و إلا وجب ضم التيمم.

(39) لظهور الإطلاق (1) و الاتفاق، مع غلبة نجاسة الباطن في الجبائر خصوصا في الأزمنة القديمة التي قلّت فيها وسائل التنظيفات.

(40) لأنّه تصرف في مال الغير بدون إذنه، و هو حرام بالضرورة.

(41) لوجوب دفع ملك الغير إلى مالكه، و وجوب تحصيل المقدمة للطهارة بالنحو المأمور به.

(42) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، فتشمله الأدلة قهرا.

(43) لمكان النهي، و النهي في العبادة يوجب البطلان.

(44) تقدم نظير هذا الفرع في المسألة الخامسة، و التاسعة عشرة من الشرط الرابع من فصل شرائط الوضوء، و مبنى الجواز منحصر بحصول المعارضة القهرية، أو زوال الحقية بالمرة، و الأول مشكل، و الثاني أشكل.

______________________________

ص: 498


1- أي إطلاقات أدلة الجبائر، كما تقدم في صفحة: 485.

على غسل أطرافه و بين التيمم (45).

مسألة 17: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه

(مسألة 17): لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصح الصلاة فيه (46)، فلو كانت حريرا أو ذهبا. أو جزء حيوان غير مأكول، لم يضر بوضوئه، فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته (47).

مسألة 18: ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة و إن احتمل البرء

(مسألة 18): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة و إن احتمل البرء (48)، و لا تجب الإعادة إذا تبيّن برؤه سابقا (49). نعم، لو ظنّ البرء و زال الخوف، وجب رفعها (50).

______________________________

(45) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما من غير تعين، فيجب الاحتياط بالجمع.

(46) للأصل، و ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(47) أما الأول، فلاعتبار طهارة محالّ الوضوء مطلقا، كما تقدم في فصل الشرائط. و أما الثاني فلحرمة التصرف الموجبة للبطلان.

(48) لإطلاق أدلة الجبائر، و أصالة بقاء حكمها. و مجرد احتمال البرء لا يكون كاشفا عن زوال الخوف الذي هو موضوع الجبيرة، إذ قد يجتمع الخوف مع احتمال البرء أيضا.

(49) لأنّه كان وضوءا صحيحا شرعيا، و الوضوء الصحيح الشرعيّ له نواقض خاصة منصوصة، و ليس رفع العذر من النواقض شرعا. و احتمال أن تكون أصل الطهارة ما دامية خلاف ظواهر الأدلة و سهولة الشريعة المقدّسة، و قد تقدم في [مسألة 41] من فصل أفعال الوضوء ما ينفع المقام فراجع، فإنّ هذه المسألة متحدة معها من حيث الدليل.

(50) أما مع زوال الخوف وجدانا فلانقلاب الموضوع، فينقلب الحكم قهرا، و مقتضى الأدلة الأولية وجوب الوضوء بلا جبيرة. و أما مع ظنّ البرء، فمقتضى الاستصحاب بقاء حكم الجبيرة، لعدم الدليل على اعتبار الظنّ، بل مقتضى الأصل عدمه، إلا إذا كان اطمئنانيا، فإنّه بمنزلة العلم حينئذ.

ص: 499

مسألة 19: إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحلّ

(مسألة 19): إذا أمكن رفع الجبيرة و غسل المحلّ لكن كان موجبا لفوات الوقت، هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه إشكال، بل الأظهر عدمه و العدول إلى التيمم (51).

مسألة 20: الدّواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد

(مسألة 20): الدّواء الموضوع على الجرح و نحوه إذا اختلط مع الدم و صار كالشي ء الواحد، و لم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزما لجرح المحلّ و خروج الدم، فإن كان مستحيلا بحيث لا يصدق عليه الدم، بل صار كالجلد، فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة (52). و إن لم يستحل كان الجبيرة النجسة يضع عليه خرقة و يمسح عليه.

مسألة 21: قد عرفت أنّه يكفي في الغسل أقلّه، بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر و لو بإعانة اليد

(مسألة 21): قد عرفت أنّه يكفي في الغسل أقلّه، بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر و لو بإعانة اليد، فلو وضع يده في الماء و أخرجها، و مسح بما يبقى فيها من الرطوبة محلّ الغسل يكفي، و في كثير من الموارد هذا المقدار لا يضر خصوصا إذا كان بالماء الحار، و إذا أجرى الماء كثيرا يضرّ، فيتعين هذا النحو من الغسل، و لا يجوز

______________________________

(51) لما يأتي في السابع من مسوغات التيمم، و لا موضوع للتمسك بأدلة الجبائر في المقام بحسب عرف المتشرعة، و لا أقل من الشك في صحة التمسك بها، فيكون حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

(52) مع إمكان تطهيره و إلا فيجري عليه حكم الجبيرة النجسة.

ثمَّ إنّ مرجع الاستحالة. إلى العرف، فإن حكم باستحالة الدواء و الدم، فيجري عليه حكم الجبيرة. و إن حكم بالعدم أو شك فيه، فيجري عليه حكم الجبيرة النجسة.

ص: 500

الانتقال إلى حكم الجبيرة. فاللازم أن يكون الإنسان ملتفتا لهذه الدقة (53).

مسألة 22: إذا كانت على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها إن كانت طاهرة

(مسألة 22): إذا كانت على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها إن كانت طاهرة (54).

مسألة 23: إذا كان العضو صحيحا، لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره

(مسألة 23): إذا كان العضو صحيحا، لكن كان نجسا و لم يمكن تطهيره، لا يجري عليه حكم الجرح (55)، بل يتعيّن التيمم.

نعم، لو كان عين النجاسة لاصقة به و لم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة، و الأحوط ضمّ التيمم.

مسألة 24: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارف

(مسألة 24): لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارف (56)، كما أنّه لا يجوز وضع شي ء آخر عليها مع عدم الحاجة (57)، الا أن يحسب جزءا منها بعد الوضع (58).

______________________________

(53) المرجع في هذه المسألة صدق التمكن العرفي من الوضوء، و لو بالماء الحار، و مع الشك في التمكن يتفحص عنه.

(54) لكون الدسومة من العرض و تابعة للمحل عرفا، لا تعد شيئا خارجا عنه. نعم، إن كانت مانعة عن تأثر المحل بالرطوبة لا بد من إزالتها حينئذ.

(55) لعدم موضوع له عرفا، و تقدم في المسألة التاسعة، و يأتي في محله إن شاء الله تعالى ما ينفع المقام، و تقدم حكم بقية المسألة في [مسألة 14] فراجع.

(56) لإطلاق الأدلة و أصالة البراءة، هذا حكم التخفيف (بالخاء المعجمة). و أما حكم التجفيف (بالجيم) فيأتي في [مسألة 26] عند قوله رحمه الله «السابع».

(57) لأنّه يعد من الحائل حينئذ، و لا يصح الوضوء مع الحائل مطلقا.

(58) فتشمله إطلاقات أدلة الجبائر حينئذ. و أما مع عدم عده جزءا عرفا

ص: 501

مسألة 25: الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث

(مسألة 25): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث، لا مبيح (59).

مسألة 26: الفرق بين الجبيرة التي على محلّ الغسل و التي على محلّ المسح من وجوه

(مسألة 26): الفرق بين الجبيرة التي على محلّ الغسل و التي على محلّ المسح من وجوه (60)، كما يستفاد مما تقدم:

(أحدها): أنّ الأولى بدل الغسل (61)، و الثانية بدل عن المسح.

(الثاني): أنّ في الثانية يتعيّن المسح، و في الأولى يجوز الغسل أيضا، على الأقوى (62).

(الثالث): أنّه يتعيّن في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في

______________________________

فيكون من الحائل.

(59) لأنّ المستفاد من الأدلة الواردة في الجبائر أنّ ما يجب في حال الجبيرة عين ما يجب في حال الاختيار من حيث الخواص و الآثار، و تقتضيه سهولة الشريعة و رأفة الشارع بالنسبة إلى المضطرين، و لا ملازمة بين اختلاف حالة المكلف و اختلاف أثر الوضوء، لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا مع وجود إطلاقات أدلة الجبائر الكاشفة عن اتحاد الأثر إلا ما دلّ الدليل على الخلاف، و قد تقدم في [مسألة 41] من فصل أفعال الوضوء ما ينفع المقام، فإنّ هذه المسألة متحدة معها من حيث الدليل.

(60) هذه الوجوه مستفادة كلها من ملاحظة الأدلة الأولية مع أدلة الجبائر و هي تختلف بحسب الأنظار، كما لا يخفى.

(61) هذه البدلية واقعية لا قصدية، و لو كانت قصدية لكفى قصد أصل الوضوء فيها.

(62) تقدم ما يتعلق به عند قوله رحمه الله: «و الظاهر عدم تعين المسح حينئذ فيجوز الغسل أيضا» راجع أول الفصل.

ص: 502

الكفّ و بالكفّ (63)، و في الأولى يجوز المسح بأيّ شي ء كان و بأيّ ماء و لو بالماء الخارجي (64).

(الرابع): أنّه يتعيّن في الأولى استيعاب المحلّ إلا ما بين الخيوط و الفرج، و في الثانية يكفي المسمّى (65).

(الخامس): أنّ في الأولى الأحسن أن يصير شبيها بالغسل في جريان الماء (66)، بخلاف الثانية، فالأحسن فيها أن لا يصير شبيها بالغسل.

(السادس): أنّ في الاولى لا يكفي مجرد إيصال النداوة (67)، بخلاف الثانية حيث إنّ المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفي فيه هذا المقدار.

(السابع): أنّه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب

______________________________

(63) للأدلة الدالة على ذلك كله من غير دليل على الخلاف و سقط لأجل العذر خصوص الجبيرة، و بقي الباقي.

(64) لإطلاق الأدلة و تقدم أنّ هذا الماء هو ماء الوضوء بعد استعماله كما في الوضوءات الاختيارية.

(65) لما تقدم من وجوب الاستيعاب(1)في غسل الوجه و اليدين و كفاية المسمّى في المسح.

(66) تقدم أنّ ذلك هو الأحوط بشرط أن يقصد التكليف الواقعي.

(67) لجريان حكم المبدل على البدل، و ذكر المسح في أدلة الجبائر إنّما هو للتسهيل بالاكتفاء بأدنى مرتبة إمرار اليد على الجبيرة لا لسقوط الغسل و يمكن القول بأصالة جريان حكم المبدل على البدل إلا ما خرج بالدليل.

______________________________

ص: 503


1- تقدم في صفحة: 323- 330.

تجفيفها في الأولى (68) بخلاف الثانية.

(الثامن): أنّه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى (69) في الأولى دون الثانية.

(التاسع): أنّه يتعيّن في الثانية إمرار الماسح على الممسوح، بخلاف الأولى، فيكفي فيها بأيّ وجه كان (70).

مسألة 27: لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة

(مسألة 27): لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة و المستحبة (71).

مسألة 28: حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء

(مسألة 28): حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء (72)

______________________________

(68) للأصل و جريان حكم المبدل على البدل، إذ لا يجب التجفيف في غسل الوضوء الاختياري و لكنه يجب في مسحه، لئلا يلزم المسح بالماء الجديد، و تقدم التفصيل في [مسألة 26] من فصل أفعال الوضوء.

(69) لاعتبار ذلك في الوضوء الاختياري و لا دليل على سقوطه إلا إطلاق أدلة الجبائر، و كونها في مقام البيان من هذه الجهة ممنوع. و منه يظهر وجه عدم الاعتبار فيما هو بدل المسح، لما تقدم من جوازه في الوضوء الاختياري مقبلا و مدبرا.

(70) لاعتبار إمرار الماسح على الممسوح في مسح الوضوء الاختياري بخلاف غسله الذي يتحقق بأيّ نحو كان، كما تقدم. و مقتضى الإطلاق و الأصل جريان حكم الوضوء الاختياري على الاضطراري عند عدم الدليل على الخلاف.

(71) لقاعدة إلحاق كل مندوب بواجبه في الأحكام إلا ما دل الدليل على الخلاف، و لا دليل كذلك.

(72) إجماعا و نصّا، ففي صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الكسير تكون عليه الجبائر، أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء، و عند غسل الجنابة، و غسل الجمعة؟ قال عليه السلام: «يغسل ما

ص: 504

واجبة و مندوبة. و إنّما الكلام في أنّه هل يتعيّن حينئذ الغسل ترتيبا أو يجوز الارتماسي أيضا؟ و على الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ الأقوى جوازه و عدم وجوب المسح (73) و إن كان الأحوط اختيار الترتيب، و على فرض اختيار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء. لكن جواز الارتماسي مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو و سرايتها إلى بقية الأعضاء، أو كونه مضرّا من جهة وصول الماء إلى المحلّ.

مسألة 29: إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما

(مسألة 29): إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما، فالحال فيه حال الوضوء، في الماسح كان أو في الممسوح (74).

______________________________

وصل- الحديث-» (1)، و عن عليّ عليه السلام (2): «سألت رسول الله صلى الله عليه و آله عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال صلّى الله عليه و آله: يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء».

و ما دل على وجوب التيمم على الكسير، و القريح، و الجريح (3) محمول على ما إذا تضرر باستعمال الماء مطلقا.

(73) أما جواز الارتماس، فلإطلاق دليله الشامل لذي الجبيرة أيضا وضوءا كانت الطهارة أو غسلا. و أما عدم وجوب المسح، فلأنّ وجوبه مقدميّ لإيصال الماء إلى المحلّ و بعد الوصول لا وجه لوجوبه، و منشأ الاحتياط أنّ المتفاهم العرفي من غسل ذي الجبيرة هو الترتيبي، و أنّ لخصوص المسح موضوعية خاصة، و فيهما ما لا يخفى. و منه يظهر وجه الاحتياط في اختيار الترتيبي و اختيار المسح، و يأتي بعض الكلام في غسل الجنابة.

(74) على المشهور، لأنّ ذكر الوضوء و الغسل في أدلة الجبائر من باب

______________________________

ص: 505


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 11.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم.

مسألة 30: في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال

(مسألة 30): في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال (75) بل لا يبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الإتمام و اشتراط المباشرة (76)، بل إتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال (77) مع كون العذر مرجو الزوال، و كذا يشكل كفاية تبرعه عن الغير.

______________________________

المثال و الغالب لا لخصوصية فيهما، فالمناط كله الطهارة من الحدث، و تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة، و إطلاق خبر الأسدي: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال عليه السلام:

«إن كان يتخوف على نفسه، فليمسح على جبائره و ليصل» (1).

فجعل المناط صحة الدخول في الصلاة، و هو يشمل الطهارة الترابية و قرره الإمام عليه السلام.

(75) منشأه أنّ التكاليف العذرية تكون مجزية مطلقا حتّى بالنسبة إلى الغير، أو أنّها مجزية بالنسبة إلى خصوص ذي العذر فقط، مقتضى الإطلاقات و سهولة الشرع و امتنانه على أمته هو الأول، و مقتضى الانصراف و الجمود و قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى المنوب عنه هو الثاني، و يأتي منه رحمه الله في [مسألة 12] من فصل: صلاة الاستيجار الفتوى بعدم الجواز.

(76) إن كان اعتبار المباشرة بنحو وحدة المطلوب تبطل الإجازة، لعدم القدرة الشرعية على متعلقها. و إن كان بنحو تعدد المطلوب يثبت الخيار، و يأتي منه رحمه الله الفتوى بالبطلان في المسألة المذكورة.

(77) منشأ الإشكال أنّ إطلاقات أدلة الجبائر تشمل مورد رجاء زوال العذر، أو تختص بما إذا لم يرج الزوال، و الظاهر أنّ المنصرف منها هو الثاني.

و مع الشك، فالمرجع أصالة عدم فراغ الذمة، إذ لا يصح التمسك بالأدلة اللفظية حينئذ، لكونها تمسكا بالدليل مع الشك في موضوعه. و الكلام في تبرع ذوي الأعذار

______________________________

ص: 506


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 8.

مسألة 31: إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلاة التي صلّاها

(مسألة 31): إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلاة التي صلّاها مع وضوء الجبيرة و إن كان في الوقت بلا إشكال (78)، بل الأقوى جواز الصلوات الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلّفا بالجبيرة (79) و أما في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الوضوء و التيمم، فلا بد من الوضوء للأعمال الآتية، لعدم معلومية صحة وضوئه (80). و إذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب

______________________________

هو الكلام في استئجارهم من غير فرق بينهما.

(78) بناء على جواز البدار لذوي الأعذار. و أما بناء على عدمه فاستدل على الإجزاء حتّى مع ارتفاع العذر في الوقت بإطلاقات أدلة الجبائر و بالإجماع الذي ادعاه في المستند على الإجزاء مطلقا في خصوص المقام و تقتضيه سهولة الشريعة.

و نوقش في الإطلاقات بعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة و يمكن دفع المناقشة بأنّ هذه الجهة من الجهات الابتلائية في مورد الإطلاقات فلا بد من شمولها لها، و يمكن الاستئناس بما مر في التقية، و بما يأتي في التيمم، إذ الجميع في سياق واحد.

(79) لعدم كون رفع العذر من نواقض الوضوء شرعا، فمقتضى الأصل بقاء الطهارة ما لم يحصل أحد النواقض. و احتمال كون الطهارة طهارة ما دامية خلاف ظواهر الأدلة. لأنّ المنساق منها أنّ هذه الطهارة عين ما تجب في حال الاختيار في جميع الشرائط و الآثار، إلا ما تغيرت لأجل الاضطرار من خصوص المسح على الجبيرة- مثلا- و بالجملة، مقتضى الإطلاق أنّ الطهارة الحدثية الاضطرارية، كالطهارة الواقعية الاختيارية. و إنّما الاختلاف في ظرفهما لا في نفسهما، بخلاف التيمم فإنّه طهارة ما دامية، كما يأتي في [مسألة 13 من فصل أحكام التيمم] نعم لا بد من مراعاة الاحتياط الذي يأتي في المتن في المسألة اللاحقة.

(80) لاحتمال أن يكون مكلفا في الواقع بالتيمم، و يرتفع أثر التيمم بزوال

ص: 507

الاستئناف (81)، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة.

مسألة 32: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره

(مسألة 32): يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره، و مع عدم اليأس الأحوط التأخير (82).

مسألة 33: إذا اعتقد الضّرر في غسل البشرة

(مسألة 33): إذا اعتقد الضّرر في غسل البشرة، فعمل بالجبيرة ثمَّ تبيّن عدم الضرر في الواقع، أو اعتقد عدم الضرر، فغسل

______________________________

العذر، نصّا و إجماعا، كما سيجي ء.

(81) لانسباق العذر المستوعب لتمام أفعال الوضوء من أدلة الجبائر، و على فرض الشك في شمولها لهذه الصورة لا يصح التمسك بها فيكون المرجع قاعدة الاشتغال.

(82) أما في الأول فلا إشكال فيه إن استمر العذر إلى آخر الوقت لشمول أدلة التكاليف الاضطرارية له قطعا. و أما إن حصل اليأس و توضأ ثمَّ ارتفع العذر قبل انقضاء الوقت فالإجزاء و عدمه مبنيان على أنّ مجرد اليأس عن زوال العذر يكون موضوعا للتكليف الاضطراري، أو أنّه طريق إلى استمراره في تمام الوقت. و لا طريق لإثبات الأول إلا إطلاقات التكاليف الاضطرارية. و دعوى:

أنّ المنساق منها العذر الواقعي المستوعب، غير بعيدة. إلا أن يقال: إنّها واردة في مورد الأحكام الابتلائية، فيؤخذ بالإطلاق في مثلها ما لم يصرح بالخلاف، و مثلها في الإطلاق قول صاحب المستند، فإنّه قال رحمه الله: «لا يعيد ما صلّى بالوضوء جبيرة و إن بقي وقتها إجماعا». فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا يئس من زوال العذر و صلّى ثمَّ زال العذر، كما يقتضي الإجزاء كون هذه الأحكام تسهيلية.

و حينئذ فيكون مجرد العذر حين إرادة إتيان الصلاة موجبا للطهارة عن جبيرة، و لو مع عدم اليأس، للإطلاقات الواردة في مقام الامتنان، و إن كان ذلك خلاف الاحتياط. و منه يعلم الوجه في قوله رحمه الله: «و الأحوط التأخير مع عدم اليأس».

ص: 508

العضو، ثمَّ تبيّن أنّه كان مضرّا و كانت وظيفته الجبيرة، أو اعتقد الضّرر و مع ذلك ترك الجبيرة ثمَّ تبيّن عدم الضرر و أنّ وظيفته غسل البشرة، أو اعتقد عدم الضرر و مع ذلك عمل بالجبيرة ثمَّ تبيّن الضرر، صح وضوؤه في الجميع (83) بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين، و الأحوط الإعادة في الجميع.

______________________________

(83) أما وجه الصحة في الصورة الأولى، فلتحقق الخوف الذي هو الموضوع لتعلق الحكم الظاهري بالوضوء الجبيري، و هو يقتضي الإجزاء، كما ثبت في محله، و لكن يأتي إمكان الإشكال فيه.

و أما في الصورة الثانية، فالصحة مبنية على بقاء ملاك التكليف الاختياري و إن سقطت فعلية الخطاب به، و يمكن إحراز الملاك في المقام، بدعوى أنّ الوجه في سقوط الملاك إنّما هو حصول الخوف، و المفروض عدم حصوله، فمقتضى الأصل بقاؤه، و لكنه يتم في الضرر اليسير، و أما الكثير الذي لا يتحمل نوعا، فلا طريق لنا لإحراز بقائه، بل من سقوط فعلية الخطاب يستكشف سقوطه أيضا كما مر.

و أما في الصورة الثالثة، فإن لم يحصل له الخوف، فيصح لا محالة، لوجود المقتضي و فقد المانع، و أما إذا حصل الخوف المعتد به و مع ذلك ترك الجبيرة، و توضأ يشكل صحة وضوئه بناء على ثبوت الموضوعية للخوف. الا أن يقال: إنّ الخوف الذي يزول بسرعة لا موضوعية فيه، بل المدار على نفس الواقع حينئذ.

و أما الصحة في الصورة الرابعة، فلوجود المقتضي و فقد المانع واقعا بعد تحقق قصد القربة. و هذه المسائل ليس فيها نص خاص و لا إجماع، و إنّما هي اجتهادية محضة تختلف بحسب الأنظار، و لا بد من تقييد الصحة في مواردها بما إذا لم ينطبق على العمل عنوان التشريع، أو التجري المبطل و مراعاة الاحتياط في الجميع أولى، و يأتي منه (قدّس سرّه) الفتوى بوجوب الإعادة في الصورة الأولى

ص: 509

مسألة 34: في كلّ مورد يشك في أنّ وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط الجمع بينهما

(مسألة 34): في كلّ مورد يشك في أنّ وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم الأحوط الجمع بينهما (84).

______________________________

راجع فصل التيمم [مسألة 19].

(84) للعلم الإجمالي إن لم تكن أمارة معتبرة، أو أصل موضوعي على الخلاف و الله العالم، و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 510

فصل في حكم دائم الحدث

اشارة

(فصل في حكم دائم الحدث) المسلوس و المبطون إما أن تكون لهما فترة تسع الصلاة و الطهارة- و لو بالاقتصار على خصوص الواجبات و ترك جميع المستحبات- أم لا، و على الثاني إما أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة مثلا، أو هو متصل (1)، ففي الصورة الأولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة، سواء كانت في أول الوقت أم وسطه أم آخره (2)، و إن لم (فصل في حكم دائم الحدث)

______________________________

لا يخفى أنّ هذا العنوان عام شامل لجميع الأحداث الصغيرة بأقسامها الستة، و لم أظفر عليه في النصوص فيما تفحصت عاجلا. و إنّما المذكور فيها المسلوس، و المبطون (1)، و يمكن أن يكون ذكرها من باب المثال لكلّ حدث أصغر.

(1) هذا التقسيم إنّما هو بلحاظ الأدلة العامة، و ليس له في نصوص المقام عين و لا أثر.

(2) للتمكن من إتيان الصلاة مع الشرط حينئذ، فيلزمه العقل بذلك إلا إذا دل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك، الا بعض الإطلاقات الآتية المتعيّن حملها على غير هذه الصورة، كما يأتي. هذا مضافا إلى ظهور الاتفاق على ما ذكر.

______________________________

ص: 511


1- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء.

تسع إلا الإتيان الواجبات اقتصر عليها، و ترك جميع المستحبات (3)، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت (4). نعم، لو اتفق عدم الخروج و السلامة إلى آخر الصلاة إذا حصل منه قصد القربة (5).

و إذا وجبت المبادرة لكون الفترة في أول الوقت فأخر الى الآخر، عصى (6)، لكن صلاته صحيحة (7).

و أما الصورة الثانية: و هي ما إذا لم تكن فترة واسعة، الا أنّه لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقة في التوضؤ في الأثناء، و البناء، يتوضّأ و يشتغل بالصلاة (8) بعد أن يضع الماء ..

______________________________

(3) لأهمية مراعاة الطهارة عن جميع المستحبات.

(4) لفقد الطهارة مع التمكن منها، فلا وجه للإجزاء.

(5) لوجود المقتضي للصحة حينئذ، و فقد المانع عنها، فتكون مجزية لا محالة.

(6) لتفويته التكليف الاختياري.

(7) لشمول إطلاق دليل التكليف الاضطراري لما إذا حصل الاضطرار بسوء الاختيار، كما هو المشهور.

(8) لعموم ناقضية البول، و عموم ما دل على اعتبار الطهارة في الصلاة فيجب تحصيلها، و حيث لا يمكن الا بهذا النحو وجب ذلك، لقاعدة الميسور، و لقاعدة: «كل ما غلب الله تعالى عليه فهو أولى بالعذر» التي يفتح منها ألف باب. و شمول ما دل على أنّ الفعل الكثير مبطل للصلاة لهذا الوضوء. ممنوع:

لأنّ عمدة الدليل على كون الفعل الكثير مبطلا للصلاة هو الإجماع، و لا إجماع في المقام، و قد ورد في غير واحد من الأخبار غسل الثوب و البدن في أثناء الصلاة عن دم الرعاف (1).

______________________________

ص: 512


1- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة. و في الوافي ج: 5 ص 132 باب الرعاف و القي و الدم.

إلى جنبه (9)، فإذا خرج منه شي ء توضّأ بلا مهلة، و بنى على صلاته، من غير فرق بين المسلوس و المبطون (10) لكن الأحوط أن يصلّي صلاة

______________________________

إن قلت: يمكن المنع عما دل على ناقضية الحدث لمثل المقام، فلا نحتاج إلى الوضوء في أثناء الصلاة حتّى تلزم شبهة الفعل الكثير. (قلت): هذا خلاف عموم ما دل على ناقضيته، و لا يرفع اليد عنه الا بحديث صحيح أو دليل صريح، كما يأتي في بعض الصور. و بالجملة، في المقام أدلة ثلاثة: ما دل على مانعية الحدث (1)، و ما دل على اعتبار الطهارة في الصلاة (2)، و ما دل على مبطلية الفعل الكثير فيها (3). و الأخير قاصر عن الشمول للمقام بلا كلام. هذا كله بحسب الأدلة العامة. و أما الأخبار الخاصة فيأتي التعرض لها.

(9) المناط كله التحفظ على أن لا يلزم الفعل الكثير المبطل، سواء وضع الماء إلى جنبه، أم وقف في جنب الماء، أم حمل قارورة من الماء- مثلا- معه، أم نحو ذلك من التسهيلات.

فروع: لو كان الماء باقيا في وجهه و يديه عن وضوئه الأول يصح أن يتوضأ به ثانيا أيضا، إن حصل مسمّى الغسل، و تحقق سائر الشرائط.

(10) لاعتبار الطهارة الحدثية في صلاتهما مهما أمكن، و عدم دليل على قاطعية مثل هذا العمل في أثناء الصلاة و لقاعدة الميسور، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في موثق ابن مسلم: «صاحب البطن الغالب يتوضأ، ثمَّ يرجع في صلاته، فيتم ما بقي» (4)، و عنه قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن المبطون فقال عليه السلام: يبني على صلاته» (5).

و مثله غيره. و ذكر البطن من باب المثال لمستمر الحدث الأصغر، مع أنّ الحكم ورد على طبق القاعدة، لا مخالفا لها حتّى يقتصر على مورد الحديث.

______________________________

ص: 513


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

اخرى بوضوء واحد، خصوصا في المسلوس (11)، بل مهما أمكن لا يترك هذا الاحتياط فيه.

و أما الصورة الثالثة- و هي أن يكون الحدث متصلا بلا فترة أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كلّ حدث و بنى لزم الحرج- يكفي أن يتوضأ لكلّ صلاة (12)، و لا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد، نافلة كانتا، أو فريضة، أو مختلفة (13). هذا إن أمكن إتيان بعض كلّ

______________________________

(11) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور من الاكتفاء بوضوء واحد لكل صلاة في المسلوس. و فيه: أنّ المتيقن من كلماتهم الصورة التالية لا هذه الصورة، و عن العلامة: الاكتفاء بوضوء واحد للعشاءين، لما يأتي من صحيح حريز. و يأتي ما فيه.

(12) لقاعدة نفي الحرج و عدم الفائدة في تجديد الوضوء و خروج الصلاة عن الصورة الصلاتية عند المتشرعة، و هذه الصورة هي المتيقنة مما نسب إلى المشهور.

(13) لأنّ الضرورات تتقدر بقدرها، و لعمومات شرطية الطهارة بعد عدم الدليل على سقوطها في الفرض و هذا هو المشهور.

و أما صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام: «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا، ثمَّ علقه عليه، و أدخل ذكره فيه، ثمَّ صلّى، يجمع بين صلاتي الظهر و العصر، يؤخر الظهر، و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب، و يعجل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح» (1).

فمورده الطهارة الخبثية، و لا تعرض فيه للطهارة الحدثية، مع أنّ إطلاقه يشمل جميع الأقسام المتصورة في المقام حتّى القسم الأول، و العمل بهذا الإطلاق خلاف المأنوس من كثرة اهتمام الشارع بالطهارة الحدثية، كقولهم

______________________________

ص: 514


1- الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

صلاة بذلك الوضوء، و أما إن لم يكن كذلك، بل كان الحدث مستمرا بلا فترة يمكن إتيان شي ء من الصلاة مع الطهارة فيجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات عديدة، و هو بحكم المتطهّر (14) إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه، أو خرج منه البول أو الغائط على المتعارف (15)، لكن

______________________________

عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور»(1). و يمكن حمله على الصورة الآتية.

فما عن المنتهى، و جمع من المتأخرين: من كفاية الجمع بين الظهرين بوضوء واحد. و كذا العشاءين مستندين إلى هذا الصحيح ضعيف.

و أما صحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا: «عن تقطير البول قال: يجعل خريطة إذا صلّى» (2)، و خبر منصور بن حازم عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه. فقال عليه السلام: «إذا لم يقدر على حبسه، فاللّه أولى بالعذر يجعل خريطة» (3)، و موثق سماعة: «عن رجل أخذه تقطير من فرجه إما دما و إما غيره. قال عليه السلام: فليصنع خريطة و يتوضأ، و ليصلّ، فإنّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنّ الا من الحدث الذي يتوضأ منه»(4).

ففيها أولا: أنّ غير الأخير منها لا تعرض فيها للطهارة الحدثية. و ثانيا: أنّ المنساق من جميعها القسم الآتي، خصوصا الأخير بقرينة قوله عليه السلام:

«فلا يعيدنّ الا من الحدث الذي يتوضأ منه».

(14) لدوران الأمر بين سقوط الصلاة عنه، و لا يقول به أحد، أو وجوب الوضوء عليه في جميع آنات الصلاة، و هو مع كونه حرجا عبث أيضا، أو سقوط أصل الطهارة عنه مطلقا و هو خلاف الإجماع، أو الوضوء لكلّ صلاة، و هو خلاف ظاهر موثق سماعة.

(15) للعمومات الدالة على إيجابها للوضوء المقتصر في تخصيصها على

______________________________

ص: 515


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الوضوء حديث: 5 و 2.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الوضوء حديث: 5 و 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9.

الأحوط في هذه الصورة أيضا الوضوء لكلّ صلاة (16). و الظاهر أنّ صاحب سلس الريح أيضا كذلك (17).

مسألة 1: تجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء

(مسألة 1): تجب عليه المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة (18).

مسألة 2: لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضّأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين

(مسألة 2): لا يجب على المسلوس و المبطون أن يتوضّأ لقضاء التشهد و السجدة المنسيين، بل يكفيهما وضوء الصلاة التي نسيا فيها (19)، بل و كذا صلاة الاحتياط يكفيها وضوء الصلاة التي شك فيها، و إن كان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطويل،

______________________________

المعلوم من مورد الدليل، مضافا إلى ما تقدم من موثق سماعة.

(16) خروجا عن إطلاق ما نسب إلى المشهور من إيجابهم الوضوء لكلّ صلاة في المسلوس، مع حمل ذكرهم المسلوس على مجرد المثال لا التخصيص، و الا فيختص الاحتياط بخصوصه.

(17) لما تقدم من إمكان تطبيق الحكم و الأخبار الواردة على القاعدة بلا فرق حينئذ بين مورد الأخبار و غيره، بل المناط كلّه مستمر الحدث أيّ حدث كان.

(18) لئلا يتكرر منه الحدث في الصورة الثانية، و تحفظا على وقوع الصلاة مهما أمكن في الطهارة في الصورة الثالثة، و تحفظا على صورة الطهارة مهما أمكن في الرابعة. و لكن في كفاية ذلك لإيجاب المبادرة في الأخيرة إشكال، بل منع، نعم، هو الأحوط.

(19) لتبعية الأجزاء، لأصل الصلاة، فتكون مثلها حكما و دليلا، و هكذا صلاة الاحتياط، و هذا الحكم صحيح في الصورة الأخيرة. و أما بقية الصور مع تخلل الحدث بين الصلاة و بينها و عدم الحرج و الفترة الواسعة لإتيانها مع الطهارة، فلا دليل على السقوط، بل مقتضى الإطلاقات وجوب الطهارة.

ص: 516

و عدم الاستدبار، و أما النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها، بل يشترط الوضوء لكلّ ركعتين منهما (20).

مسألة 3: يجب على المسلوس التحفظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه

(مسألة 3): يجب على المسلوس التحفظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه (21)، و الأحوط غسل الحشفة قبل كلّ صلاة (22)، و أما الكيس فلا يلزم تطهيره (23) و إن كان أحوط. و المبطون أيضا إن أمكن تحفظه بما يناسب يجب، كما أنّ الأحوط تطهير المحلّ أيضا إن أمكن من غير حرج (24).

مسألة 4: في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال

(مسألة 4): في لزوم معالجة السلس و البطن إشكال (25)،

______________________________

(20) بلا إشكال في الصورة الأخيرة. و أما في غيرها فهي أيضا مثل الفرائض، لقاعدة إلحاق النوافل بالفرائض في الأحكام الا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام.

(21) لأدلة اشتراط الطهارة الخبثية، و لما مرّ من النصوص.

(22) مقتضى إطلاق أدلة اشتراط الطهارة الخبثية في الصلاة مهما أمكن، و إن كان الجزم بالوجوب. و لكن عدم التعرض لها في أخبار المقام مع كونها واردة في مقام البيان، أوجب التردد.

(23) لكونه مما لا تتم الصلاة فيه، و قد تقدم في فصل ما يعفى عنه في الصلاة، و قد ورد العفو عن الكمرة (1)و هي كيس يأخذها صاحب السلس كما عن بعض اللغويين.

(24) لأنّ الاحتياط حسن على كل حال، و لاحتمال أن يكون عدم تعرض النصوص لذلك، لأجل إيكال الأمر إلى المتشرعة، فإنّهم يتنزهون عن ذلك، و لذا أوجب هذا الاحتياط بعض الفقهاء.

(25) من كون العلاج مقدمة للواجب المطلق فيجب. و من إطلاق أدلة

______________________________

ص: 517


1- الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 5.

و الأحوط المعالجة مع الإمكان بسهولة. نعم، لو أمكن التحفظ بكيفية خاصة مقدار أداء الصلاة وجب، و إن كان محتاجا إلى بذل مال (26).

مسألة 5: في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث و خروجه بعده إشكال

(مسألة 5): في جواز مسّ كتابة القرآن للمسلوس و المبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث و خروجه بعده إشكال، حتّى في حال الصلاة (27). الا أن يكون المسّ واجبا (28).

مسألة 6: مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر

(مسألة 6): مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر، بل

______________________________

المقام و عدم التعرض للعلاج فيها، و عدم التزام الفقهاء بالوجوب في نظائر المقام من المرض المانع عن الصوم، و عن الحج و نحوه مما هو كثير بل مقتضى السيرة عدم الالتزام بوجوب العلاج، أيضا على نحو الالتزام بوجوب التطهير.

(26) أما أصل الوجوب، فلانصراف إطلاقات أدلة المقام عما إذا أمكن العلاج بسهولة مع إمكان دعوى السيرة من المتشرعة على العلاج حينئذ. و أما وجوب بذل المال، فلكونه مقدمة للواجب المطلق مع التمكن منه شرعا، و يشهد له ما يأتي في [مسألة 16 من فصل التيمم] من وجوب شراء ماء الوضوء. و للسهولة مراتب تختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة.

(27) لأنّ ما يستفاد من الأدلة إنّما هو إباحة الدخول في الصلاة. و أما رفع الحدث مطلقا فلا يستفاد منها، و مقتضى الأصل بقاء الحدث، كما أنّ مقتضى اشتراط المس بالطهارة عدم الجواز ما لم تحرز الطهارة المطلقة.

الا أن يقال: إنّه بحكم المتطهر بحسب ظواهر الأدلة، و كل من كان كذلك يستباح له جميع ما اشترط فيه الطهارة. و لكن إثباته مشكل. هذا في غير الصورتين الأوليين. و أما فيهما. فيكون متطهرا ما لم يحدث، و يجوز له جميع ما يشترط فيه الطهارة.

(28) مع كونه أهم من ترك المس، أو محتمل الأهمية، إذ المسألة حينئذ من موارد التزاحم.

ص: 518

الأحوط الصبر إلى الفترة التي هي أخفّ مع العلم بها، بل مع احتمالها، لكن الأقوى عدم وجوبه (29).

مسألة 7: إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد عدم الفترة الواسعة

(مسألة 7): إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد عدم الفترة الواسعة، و في الأثناء تبيّن وجودها قطع الصلاة و لو تبيّن بعد الصلاة أعادها (30).

مسألة 8: ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية

(مسألة 8): ذكر بعضهم أنّه لو أمكنهما إتيان الصلاة الاضطرارية، و لو بأن يقتصرا في كلّ ركعة على تسبيحة، و يومئا للركوع و السجود، مثل صلاة الغريق، فالأحوط الجمع بينها و بين الكيفية السابقة. و هذا و إن كان حسنا، لكن وجوبه محلّ منع (31)، بل تكفي الكيفية السابقة.

______________________________

(29) لا منشأ للأقوائية إلا إطلاق أدلة المقام. و لكن كونها في مقام البيان من هذه الجهة حتّى يصح الأخذ بإطلاقها مشكل، خصوصا بعد ما ارتكز في الأذهان: من أنّ المناط في التكاليف العذرية إنّما هو استيعاب العذر بجميع مراتبه المعتبرة في انقلاب التكليف في تمام الوقت، و يمكن كون ذلك كالقرينة المحفوفة بالتكاليف العذرية، فلا يصح التمسك بإطلاقها حينئذ، و على هذا فمقتضى قاعدة الاشتغال هو التأخير مع الاحتمال المعتنى به، فكيف مع العلم.

و لو أحرز استيعاب العذر فبادر، ثمَّ بان الخلاف، فالأحوط الاستئناف. نعم، فيما إذا كانت الفترة أخف بحيث تكون الخفة غير معتنى بها عند المتشرعة، لا يبعد القول بعدم وجوب التأخير حينئذ، و لعلها تكون مراده (قدّس سرّه).

(30) لعدم شمول أدلة المقام للفترة الواسعة، فمقتضى الأدلة الأولية وجوب الإعادة.

(31) نسب هذا القول إلى السرائر بدعوى: أنّ المقام من دوران الأمر بين الصلاة الاضطرارية مع الطهارة و الاختيارية مع فقدها و هما متباينان، فيجب الاحتياط. و لا وجه له، لأنّ إطلاق أدلة المقام الواردة لبيان تفريغ الذمة بما ذكر

ص: 519

مسألة 9: من أفراد دائم الحدث المستحاضة

(مسألة 9): من أفراد دائم الحدث المستحاضة، و سيجي ء حكمها.

مسألة 10: لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات

(مسألة 10): لا يجب على المسلوس و المبطون بعد برئهما قضاء ما مضى من الصلوات. نعم، إذا كان في الوقت وجبت الإعادة (32).

مسألة 11: من نذر أن يكون على الوضوء دائما إذا صار مسلوسا أو مبطونا الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج

(مسألة 11): من نذر أن يكون على الوضوء دائما إذا صار مسلوسا أو مبطونا الأحوط تكرار الوضوء بمقدار لا يستلزم الحرج.

و يمكن القول بانحلال النذر، و هو الأظهر (33).

______________________________

فيها يدل على الإجزاء، و لا تعرض لها للصلاة الاضطرارية بل ظاهرها كفاية ما ذكر فيها، و عليه عمل الأصحاب قديما و حديثا. و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

(32) أما عدم وجوب القضاء، فلظهور الأدلة في عدم وجوبه، مضافا إلى ظهور الإجماع. و أما وجوب الإعادة فلما تقدم من انسباق العذر المستوعب من أدلة التكاليف الاضطرارية.

(33) لأنّ المقصود من مثل هذا النذر إنّما هو البقاء على الطهارة و ملازمة الطهر. و مع استمرار الحدث ينقلب الموضوع قهرا، سواء كان مفاد نذره الوضوء بعد كل حدث، أم نفس البقاء على الطهارة.

و الحمد للّه ربّ العالمين و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم. و قد وقع الفراغ عن أحكام الوضوء في النجف الأشرف على مشرّفها أفضل الصلاة و السلام، في شهر محرم الحرام، من سنة ألف و ثلاثمائة و ثمانين بعد الألف من الهجرة، على مهاجرها آلاف التحية و الثناء. و نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالإتمام. و صلّى الله على محمّد و آله الطّيبين الطاهرين.

________________________________________

ص: 520

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.